المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مسالك المحبة بالصلاة على النبي من خلال عمل الزوايا


Mounya
03-26-2018, 11:25 AM
نظمت الزاوية الشرقاوية والمجلس البلدي لأبي الجعد ما بين 15 و 19 اكتوبر 2014 موسم الولي الصالح سيدي أبو عبد الله محمد الشرقي تحت شعار :”موسم سيدي أبو عبد الله محمد الشرقي فضاء للإشعاع الديني والروحي والثقافي ودعامة للرأسمال اللامادي“ وهذا بدولة المغرب.
و يوم السبت 18 اكتوبر 2014، قدمت ندوة علمية تحت عنوان: “مسالك المحبة، عمل الزوايا بين المغرب وافريقيا”، وساهم فيها ثلة من جهابدة الأساتذة.للأمانة الموضوع مكتوب من طرف غيري و لأنه أعجبني نقلته لكم:

****************************************


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد أشرف المخلوقين وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجهم إلى يوم الدين
أتشرف بأن أقدم موضوعي، والذي يهتم بالمهمة الأساسية للزوايا ألا وهي تربية النفوس لنقلها من الخساسة الطبعية إلى النفاسة البشرية، والتي بها خُلق الإنسان، وكان من المفروض أن يبقى عليها لولا مؤثرات مجتمعية أو تربوية تجعله يفقد من إنسانيته بقدر ما يكتسب من الحيوانية. فكان عمل الزوايا هو قلب هذا الأثر لكي يعود الإنسان إلى إنسانيته، بل وإلى بشريته، وهي الفطرة التي فطر الله الناس عليها.

وقبل البدء نود أن نُعَرِّف بـ'الزاوية' في المعنى اللغوي والمعنى الاصطلاحي والمعنى العُرفي:
فالزاوية لغة هي ملتقى حائطين، وسنتطرق إلى أهمية هذه التعريفات حينما نباشر الدور الذي تلعبه الزاوية بكل معانيها.

والزاوية عرفا مؤسسة يلتقي فيها أناس جمعت بينهم فكرة واحدة يسعون إلى الالتزام بها بينهم، تماما كالحزب السياسي، إلا أن الزاوية همها الفرد الإنساني وصلاح حاله، وإذا تعدد الصلاح في الأفراد صلُح المجتمع ككل. وقد تلعب هذه المؤسسة دورا اجتماعيا وإحسانيا وربما اقتصاديا إن اقتضى الحال لنفع المنتمين إليها أو لنفع الناس عامة في الحالات العصيبة كالمجاعات أو الأوبئة وما شابه ذلك.

والزاوية مكان يُمَكِّن من الانزواء والاختلاء بالنفس. هذه معانيها الثلاث.

والزوايا اتخذتها الطرق لكي تجمع المريدين وتعلمهم وتؤدبهم لكي تُخرجهم من مرادات أنفسهم إلى مراد الله فيهم. وهنا تأتي أهمية الاعتبارات الثلاث لمعنى الزاوية. فالطريقة تجمع مريديها في المؤسسة، وتختار منهم طائفتان:

الطائفة الأولى وهم النبغاء النشيطين، وهؤلاء حتى يصلحوا للمجتمع تُخضعهم لتربية خاصة وهي أن تضعهم بمقابلة ملتقى الحائطين، وتكلفهم بأعمال أركانية وأعمال نفسية وأعمال قلبية. ويبقى المريد على هذه الحالة إلى أن يستوي عنده ملتقى الحائطين الذي أمامه، مع سائر الدنيا، فهناك يعتبر أنه اكتمل حاله وصار صالحا لكي يربي ويأخذ بيد الناس في حربهم مع النفس الأمارة بالسوء، بعد أن يكون هو، قد تحكم في نفسه بالكامل. وهذا هو الذي يسميه القوم ب 'الكامل'.

وأما الصنف الآخر فهم الناس الذين لا يملكون القدرة على الأخذ بيد الغير، لضعف طبعي، فهؤلاء تكلفهم الزاوية بالمؤسسة التي سيختلط فيها الوافد والمنزوي والمربي.

ولئن كان الشرع مشرقي المولد، والمفاهيم والشروح والاجتهادات، فإن المغرب أَشَعَّ على العالم بتنظيم هذه الزوايا وجعلها معاهد لا للتعليم بل للتربية على حسن الخلق والصلاح.
ولا بد من ملاحظة هنا: هناك دائرتان ملحوظتان عند الناس، دائرة الولاية ودائرة الصلاح، والناس في المجتمع لا تهتم إلا بدائرة الصلاح لأن فعله متعدي، بينما دائرة الولاية فعلها لازم فيمن حصلت فيه، وما بنى الناس الأضرحة إلا للمحافظة على ذكرى الصالح لكبير أثره في المجتمع، بينما الولي يبقى هو وحاله وأعماله.

سأل أحد الصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال "دلني على عمل يدخلني الجنة فأجاب صلى الله عليه وسلم وعلى آله "أن تصنع لأخرق" أي أن تصنع لمن لا يستطيع أن يصنع لنفسه، قال الصحابي "فإن لم أجد فقال النبي أن تعين صانعا" وهذه كلها علامات تحث على الصلاح. ثم قال الصحابي "فإن لم أجد قال له الرسول صلى الله عليه وسلم "كف أذاك عن الخلق فتلك حسنة منك على نفسك" وهنا والله أعلم أشار إلى الولاية.

جمعت الزوايا المغربية الناس وفيهم المتعلم، والكثير منهم لم يسبق لهم تعلم، فسلكتهم في نظمها، وعلمتهم المبادئ الشرعية التي تجب عليهم كشعائر، وثقفهم على الأخلاق العليا، فكانت سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم هي المثال، لأنه ورد في القرآن الكريم {لقد كان لكم في رسول الله إسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر} أي، والله أعلم، لمن كان يرجو ثواب عمله عند الله، وكان يريد أن يربي أخلاقه وتصرفاته مع نفسه حتى يكون حسابه هينا يوم القيامة، وفي معنى آخر لليوم الآخر أي ما يكون عليه أمره في صحته وقوته وعلاقاته عند آخر عمره، فهذه أشياء يجب أن يحتسب لها المرء في شبابه لكيلا يكون شيبه غير ضعف ووهن وملل. يقول الرسول صلى الله عليه وسلم وعلى آله "يشيب المرء على ما شَبَّ عليه ويموت على ما شاب عليه ويُبعث على ما مات عليه" فكأنه يقول لنا أن المرء يُبعث على ما شَبَّ عليه.

كانت الزوايا تعلم الناس السيرة النبوية لأنها سيرة المِثال، وما أحوج الناس للمثال، وكذا الشمائل المحمدية في نفس السياق، فكان الناس على أميتهم إذا سلكوا في زاوية تجدهم لهم معرفة واسعة بهذه المصنفات التي درست في الزاوية. فزاد حب الناس في النبي على القدر الرائج في دروس المساجد فحاول هؤلاء المريدون تقليد النبي في أكله وشربه وآنيته وحلمه وعزمه ومحبته وتسامحه. لهذا نجد أن العلماء السالكين يكونون أقرب إلى المجتمع من غيرهم لكونهم إلى جانب الأدب تطبعوا على الأخلاق. فإذا كانت الجوامع تُعلم، وقد تُعلم من ضمن ما تعلم طرق استعمال العلم فيما يرضي النفس.

فإن الزوايا كانت تربي على {وذروا ظاهر الإثم وباطنه}، وتربي على التحكم في النفس والنزغات. ولهذا أرشدنا القرآن حينما نريد أن نستشير أن نستشير أهل العلم الذاكرين في قوله {فاسألوا أهل الذكر} أي أهل الاختصاص، وما أحسن أن يكون المختص ذاكرا لله فستكون إشارته أقرب إلى الإصابة من غيره، لأنه لن يراعي إلا الله في إشارته ونصحه والله أعلم.
كانت الزوايا تنظم وقت الناس، فوقت للعلم ووقت للذكر ووقت لمحاسبة النفس، لهذا تخرج من هذه المعاهد صلحاء كثر، ولا أعني الأولياء بل الصلحاء أي الذين يَصلُحون ويُصلحون.

وكان وقت الذكر الجماعي يشمل الاستغفار، وهنا تعلم الزوايا الاستغفار الحالي أي التوبة والإقلاع والاستقامة والاستغفار المقالي أي المذكور باللسان فيكون المريد دائما بين علم وعمل، ويشمل الورد كذلك كلمة الإخلاص التي يعنون بها الإنسان على إيمانه وانسلاكه في الأمة فيكون له ما لسائر المسلمين وعليه ما على سائر المسلمين، وفي الأخير تكون الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وكأنها دلالة حسن الإتباع ورسوخ القيم الفاضلة التي أتى بها الني صلى الله عليه وسلم.


ونلاحظ أن القرآن نبهنا إلى أهمية الصلاة على النبي في تربية النفس حينما قال {أتل ما أوحي إليك من الكتاب وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر} فإنه ما كرر كلمة الصلاة إلا ليتجدد معنى فيها، ونحن نلاحظ أن الصلاة المقامة عادة لا تمنع مقيمها من الموبقات لأنها تصبح كالعادة، بينما الذي يوطن نفسه على كثرة الصلاة على النبي مع استحضار المثال فإنها تورثه استقامة وصلاحا ومحبة الخير للغير، أيا كان هذا الغير، ولو كان حيوانا أو جمادا. ولهذا كانت لكل زاوية صلواتها على النبي تربي بها مريديها، فإذا ما اجتمع الناس كانت العملة السارية بينهم هي الصلاة على النبي والتي إذا ما سكنت في نفوس المريدين أولا ثم انتقلت إلى العامة أورثتهم محبة في بعضهم لأنهم مارسوا هذه المحبة داخل الزوايا، فمن الطبيعي والواجب أن تتجلى عليهم في معاملاتهم دخل المجتمع. هكذا كان حال الناس حينما كانت الزوايا تلعب الدور المنوط بها والذي من أجله تكونت.

ولقد تشبع الناس بالصلاة على النبي وأدخلوها في معاملاتهم وأفراحهم وأتراحهم ونزاعاتهم، وفي هذه الحالة كانت تُلَيِّن الجانبين، حينما يدعو أحدهم الآخر للصلاة على النبي في حالة الخلاف، فما أروعها من وسيلة طيبة قد تنهي الخلاف من أصله "صل على النبي".
وبمعرفة النبي والصلاة عليه بز المغاربة غيرهم، وبعثوا إلى العالم أجمع مجموعة من الصلوات لا زالت إلى الآن تتلى ويُتغنى بها. ففي مجال المعرفة بالنبي كان تأليف العلامة القاضي عياض اليحصبي فاتحة هذا الباب بكتابه الفذ 'الشفا بتعريف حقوق المصطفى' وبكتابه هذا الذي ذاع صيته في جميع الأقطار حتى قيل 'لولا عياض لما ذكر المغرب' وإنما كان سبب ذلك كتابه الشفا المذكور.

ثم كانت الصلاة المشيشية والتي ذهب بها أبو الحسن الشاذلي إلى الشرق في رحلاته وعممها هناك حتى أصبحت رطبة على الألسن رغم طولها، وكل من أتى بعد الشاذلي تربى بها وجعلها من أوراده اللازمة. ولقد كان الشيوخ الذين أتوا بعد الشاذلي يطلبون من الله أن يؤتيهم صلاة فيها من سر الصلاة المشيشية لما عاينوا من أثرها فيهم وفيمن تبعهم.
ثم أتى بعدهم الشيخ امحمد بن سليمان الجزولى فألف كتابه المشهور 'دلائل الخيرات في الصلاة على سيد الكائنات' كتاب جمع في الكثير من صلوات من كان قبله، ابتداء من الصلوات التي نظمها الصحابة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى ما يقرب عصره، فكان كتابه هذا نادرة في بابه لم يسبقه إليه أحد، وهذا الكتاب دخل حيثما دخل القرآن، بشهادة أعداءه 'والحق ما شهدت به الأعداء' كما قالوا. والتساؤل المطروح هنا هو: هل كان عياض وهو يكتب الشفا أو الجزولي وهو يكتب الدلائل هل كانا ينويان بعث كتابيهما في الآفاق؟ وهل كانا يظنان أن كتابيهما سيدخلان سائر بيوت ومكتبات المسلمين؟ ولكنه الصدق والمحبة أورثتهما هذه المنزلة. والصدق يفعل الأفاعيل. ولقد صرح أحد المفكرين المغاربة والذين كانوا يتزعمون في بداية القرن الماضي حركة الإصلاح، قال هذا المفكر 'لو صحت النبوة لأحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم لصحت للجزولي لأنه جمع الناس على الصلاة على النبي وردهم إلى دينهم ومحبتهم بها'.

ثم تتالت الصلوات على النبي انطلاقا من هذا البلد وساحت في الأقطار، ولعل أكبر رابطة تربط إفريقيا بالمغرب هي روابط الزوايا وأذكارها، خصوصا صلاة الفاتح التي نشرها هناك السادة التيجانيون بمباركة الدولة المغربية، وما ذاك إلا لسهولة لفظها وخفة تركيبها وصدق صاحبها الشيخ مصطفى البكري رحمه الله.


ومن جملة من ألف في الصلاة على النبي العالم 'محمد المعطى ابن الصالح' دفين أبي الجعد، فلقد ألف كتابه 'ذخيرة المحتاج في الصلاة على صاحب التاج' وهو أكبر موسوعة في الصلاة على النبي، ذكر فيها رحمه الله ما وصله من سيرة وشمائل وسنة، فجاءت في أكثر من ثمانين مجلدا، وكان يكتري لها كل سنة بهيمة تنقلها إلى الديار المقدسة لتكون من ضمن ذخائر المغاربة هناك، فكان الناس يطلعون عليها ومن العلماء من كتب عليها تقريضات فكان مجلدا زائدا على الأصل. وكل هذا كان منشؤه المحبة والصدق.

فنسأل الله أن يمن علينا بالمحبة والصدق، وأن يرحم أسلافنا ويجزيهم عنا خيرا، وأن يصلح أحوالنا وأحوال المسلمين في سائر البلاد وصلى الله على سيدنا محمد يعسوب الكمالات وعلى آله وصحبه ومن تبعهم إلى يوم الدين.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
******************