المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : السلطان عبد الحميد الثاني المفترى عليه


البدوي
07-17-2018, 08:10 AM
السلطان عبد الحميد الثاني المفترى عليه

...........................منقول من اكثر من مصدر بتصرف يسير



بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ


السلطان عبد الحميد الثاني هو السلطان الرابع والثلاثون من سلاطين الدولة العثمانية، وآخر من أمتلك سلطة فعلية منهم . ولد في شعبان سنة 1258هـ/ 21سبتمبر (أيلول) 1842م .
وتلقى السلطان عبد الحميد تعليمه بالقصر السلطاني وأتقن من اللغات: الفارسية والعربية وكذلك درس التاريخ وأحب الأدب، وتعمق في علم التصوف، ونظم بعض الأشعار باللغة التركية العثمانية .
والسلطان عبد الحميد هو ابن السلطان عبد المجيد الأول، وأمه هي واحدة من زوجات أبيه العديدات وأسمها " تيرمزكان قادين" الجركسية الأصل توفيت عن 33 عاما، ولم يتجاوز ابنها عشر سنوات،فهو الابن الثامن بين أبنائه عموما ، والثاني في الذكور ، والثاني أيضاً بين أبنا عبدا لمجيد الذين تولوا السلطة والخلافة ، فعهد بعبد الحميد بعد وفاة أمه إلى زوجة أبيه "بيرستو قادين" التي اعتنت بتربيته ولم تكن قد رزقت أولاداً، وأولته محبتها؛ لذا منحها عند صعوده للعرش لقب "السلطانة الوالدة".
وعُرف عنه مزاولة الرياضة وركوب الخيل والمحافظة على العبادات والشعائر الإسلامية والبعد عن المسكرات والميل إلى العزلة وكان حذرا كتوما جدا ، قليل الكلام كثير الإصغاء ، من الصعب غشه ، وكان محافظا على التقاليد الإسلامية الشرقية العثمانية التركية ،وكان من مؤيدي المحافظة عليها، وتدرب على استخدام الأسلحة وكان يتقن استخدام السيف، وإصابة الهدف بالمسدس، وكان مهتماً بالسياسية العالمية ويتابع الأخبار عن موقع بلاده منها بعناية فائقة ودقة ناردة .
توفي والده وعمره 18 عامًا، وصار ولي عهد ثان لعمه .
تولى السلطان عبد الحميد الثاني الخلافة ، في 11 شعبان 1293هـ، الموافق 31 آب (أغسطس) 1876م،وكان عمره آنذاك 34عاما إلا19عشر يوما ، وتبوَّأ عرش السلطنة يومئذٍ على أسوأ حال، حيث كانت الدولة في منتهى السوء والاضطراب، سواء في ذلك الأوضاع الداخلية والخارجية.

التشويه و الافتراء
(قال الأستاذ علي عبد العال في مقال له ) كاد أن يجمع العدول من كتاب و باحثي التاريخ على أن تاريخ السلطان عبدالحميد الثاني ناله من التشويه والافتراء ما لم تنله شخصية تاريخية على الإطلاق حتى جاوز ذلك الحد المعقول فألصق به من الدكتاتورية و الاستبداد و الطغيان ما جعل أكبر جبابرة البشرية يتضائلون جواره و في ذلك من الافتراء على الرجل الكثير و الكثير و لما كان السلطان عبدالحميد علمٌ على وجود الدولة العثمانية نظراً لطول الفترة التي قضاها حاكما لها أكثر من ثلث قرن فكان كل حاقد أو طاعن على الدولة التي ظلت تحتضن الخلافة الإسلامية حتى أوائل القرن العشرين يرى في السلطان الذي هو رأس الدولة والهدف الذي ينبغي أن تصوب له سهام الحقد فألصقوا بالرجل كل نقيصة و شوهوا تاريخه و طعنوا فيه.اهـ وذكر السلطان عبدالحميد – رحمه الله - في مذكراته ( منذ إبعادي عن العرش حتى الآن كتبوا ضدي مجوعة من المقالات وعديد من الكتب يقطر الدم من قلم أعدائي ، فما أكثر ما لم أعمله ) . اهـ

كان للسلطان عبدا لحميد منطلق فكري وعقدي
كان للسلطان عبدالحميد منطلق فكرى وعقدي تمثل في أن الإسلام - كما جاء في مذكراته - (هو الروح التي تسرى في جسم البشرية فتحيها و تغزو القلوب فتفتحها ) ويرى ( أن القوة الوحيدة التي ستجعلنا واقفين على أقدامنا هي الإسلام ) ( وأننا أمة قوية بشرط أن نكون مخلصين لهذا الدين العظيم ) .
وعرف اليهود إن طريق السلطان محفوف بالخطر إذن فليزول السلطان و ليفتح الطرق أتباعهم يقول الأستاذ طه الولي : ( كانت غاية اليهود إزاحة السلطان عبدا لحميد من طريقهم الموصل إلى فلسطين ولذلك تمكنوا من رشوة بعض رجال الدين ودفع المناوئين له إلى الثورة عليه والتخلص نهائيا منه تمهيدا للتخلص من الإسلام نفسه فيما بعد وقد واتت هذه الحركة الارتجاعية أملها بالنصر لليهود لتحقيق مطامعهم ) .

سياسته ومشاريعه :
ذكر مصطفى عاشور في مقاله عن السلطان عبد الحميد
أن السلطان عبد الحميد الثاني – رحمه الله - كان يرى ضرورة العمل على توحيد القوى الإسلامية لمجابهة الروح الاستعمارية الطامعة في الدولة العثمانية؛ لذلك سعى إلى طرح شعار الجامعة الإسلامية، وجعلها سياسة عليا لدولة الخلافة، فعمل على تدعيم أواصر الأخوة بين مسلمي الصين والهند وإفريقيا، ورأى في ذلك الشعار وسيلة لتوحيد الصفوف حوله وحول دولته في الداخل والخارج؛ فاستعان بمختلف الرجال والدعاة والوسائل لتحقيق غرضه، فأقام الكليات والمدارس، وربط أجزاء الدولة بـ30 ألف كيلومتر من البرق والهاتف، وبنى غواصة وقامت تجارب الغواصة من ماله الخاص وفي ذلك الوقت لم تكن انجلترا تملك سفينة تسير تحت الماء ، وعني بتسليح الجيش.
إلا أن أعظم مشروعاته الحضارية هو سكة حديد الحجاز لتيسير الحج على المسلمين، بحيث يستعاض بهذا المشروع عن طريق القوافل الذي كان يستغرق السفر به أربعين يومًا، وانخفضت المدة بالخط الحديدي إلى أربعة أيام.
وقد خلق هذا المشروع العملاق الذي وصلة تكلفته 3ملايين جنيه وقد استغرق إنجازه سبع سنين من 1320ه-1327 ه ـ حماسة دينية بالغة بعدما نشر عبد الحميد الثاني بيانًا على المسلمين يدعوهم فيه للتبرع، وافتتح القائمة بمبلغ كبير؛ فتهافت المسلمون من الهند والصين وبقية العالم على التبرع، باعتبار أن هذا المشروع هو مشروع المسلمين أجمعين وتبرع السلطان بمبلغ (320) ألف ليرة من ماله الخاص. وتبرع شاه إيران بخمسين ألفًا، وأرسل خديوي مصر عباس حلمي الثاني كميات كبيرة من مواد البناء، وتألفت في سائر الأقطار الإسلامية لجان لجمع التبرعات.
وأصدرت الدولة العثمانية طوابع ( تمغات ) لمصلحة المشروع، وجمعت جلود الأضاحي وبيعت وحولت أثمانها إلى ميزانية الخط، وبذلك انتقلت حماسة إنشاء الخط الحجازي إلى العالم الإسلامي، وكان مسلمو الهند من أكثر المسلمين حماسة له و لم تقتصر تبرعات وإعانات المسلمين على الفترات التي استغرقها بناء الخط فحسب، بل استمر دفعها بعد وصوله إلى المدينة المنورة؛ أملاً في استكمال مدّه إلى مكة المكرمة.
وقد وصل أول قطار إلى المدينة المنورة في (22 رجب 1326هـ = 23 أغسطس 1908م) وأقيم الاحتفال الرسمي لافتتاح الخط الحديدي بعد ذلك بأسبوع ليصادف تولي السلطان عبد الحميد الثاني السلطنة.
أسدى الخط الحجازي خدمات جليلة لحجاج بيت الله الحرام؛ حيث استطاع حجاج الشام والأناضول قطع المسافة من دمشق إلى المدينة المنورة في خمسة أيام فقط بدلاً من أربعين يومًا، مع العلم أن الوقت الذي كان يستغرقه القطار هو (72) ساعة فقط، أما بقية الأيام الخمسة فكانت تضيع في وقوف القطار في المحطات وتغيير القاطرات.
استمرت سكة حديد الحجاز تعمل بين دمشق والمدينة المنورة ما يقرب من تسع سنوات نقلت خلالها التجار والحجاج.

من أهم إنجازاته :
في وسط هذه التيارات والأمواج المتلاطمة تقلد السلطان عبد الحميد الحكم، وبدأ في العمل وفق السياسة الآتية :
1- حاول كسب بعض المناوئين له واستمالتهم إلى صفه بكل ما يستطيع.
2- دعا جميع مسلمي العالم في آسيا الوسطى وفي الهند والصين وأواسط أفريقيا وغيرها إلى الوحدة الإسلامية والانضواء تحت لواء الجامعة الإسلامية، ونشر شعاره المعروف "يا مسلمي العالم اتحدوا"، وأنشأ مدرسة للدعاة المسلمين سرعان ما أنتشر خريجوها في كل أطراف العالم الإسلامي الذي لقي منه السلطان كل القبول والتعاطف والتأييد لتلك الدعوة، ولكن قوى
الغرب قامت لمناهضة تلك الدعوة ومهاجمتها .
3- قرّب إليه الكثير من رجال العلم والسياسة المسلمين واستمع إلى نصائحهم وتوجيهاتهم .
4- عمل على تنظيم المحاكم والعمل في "مجلة الأحكام العدلية" وفق الشريعة الإسلامية .
5- قام ببعض الإصلاحات العظيمة مثل القضاء على معظم الإقطاعات
الكبيرة المنتشرة في كثير من أجزاء الدولة، والعمل على القضاء على الرشوة وفساد الإدارة .
6- عامل الأقليات والأجناس غير التركية معاملة خاصة، كي تضعف فكرة العصبية .
7- اهتم بتدريب الجيش وتقوية مركز الخلافة .
8- حرص على إتمام مشروع خط السكة الحديدية التي تربط بين دمشق والمدينة المنورة لِمَا كان يراه من أن هذا المشروع فيه تقوية للرابطة بين المسلمين .

عبد الحميد والدول الكبرى
كان السلطان شخصيًا غير مرغوب فيه بالنسبة للدول الأوروبية؛ لأنه يمسك في قبضته ملايين المسيحيين، وبصفته خليفة للمسلمين فإن له نفوذا وسلطانا روحيا على رعايا الدول الأوروبية المسلمين.
لم يكن من الممكن لأي من الدول الكبرى أن تقتطع أجزاء من الدولة العثمانية في أوروبا أو البلقان في ظل وجود عبد الحميد الثاني؛ لذا أخذت فكرة إسقاطه تكتسب ثقلا كبيراً بين أعدائه .
و في مذكرات السلطان عبدا لحميد يقول رحمه الله في رسالة كتبها بعد خلعه من الحكم إلى شيخه : " محمود أبو الشامات " : ( أنني لم أتخلَ عن الخلافة الإسلامية لسبب ما سوى أنني بسبب المضايقة من رؤساء جمعية الاتحاد المعروفة باسم جون تورك و تهديدهم اضطررت وأجبرت على ترك الخلافة إن هؤلاء الاتحاديين قد أصروا على بان أصادق على تأسيس وطن قومي لليهود في الأرض المقدسة ورغم إصرارهم فلم أقبل بصورة قطعية هذا التكليف وأخيرا وعدوا بتقديم 150 مليون ليرة إنجليزية ذهبا فرفضت هذا التكليف . لقد خدمت الملة الإسلامية والأمة المحمدية ما يزيد على ثلاثين سنة فلم أسود صحائف المسلمين آبائي واجدادي من السلاطين والخلفاء وبعد جوابي القطعي اتفقوا على خلعي وأبلغوني أنهم سيبعدونني إلى (اسلانيك ) فقبلت هذا التكليف الأخير وحمدت المولى وأحمده أنى لم أقبل أن ألطخ الدولة العثمانية والعالم الإسلامي بهذا العار الأبدي الناشئ عن تكليفهم بإقامة دولة يهودية في الأراضي المقدسة ) .
ويلاحظ أن السلطان عبد الحميد كان بعيدًا عن سفك الدماء أو أسلوب الاغتيالات وتصفية معارضيه، وكان لا يلجأ إلى عقوبة السجن إلا في القليل، ثم يغيرها بالنفي .اهـ

قال جمال الدين الأفغاني في السلطان عبدا لحميد:
( إن السلطان عبدا لحميد لو وزن مع أربعة من نوابغ رجال العصر لرجحهم ذكاء ودهاء وسياسة، خصوصاً في تسخير جليسه، ولا عجب إذا رأيناه يذلل لك ما يقام لملكه من الصعاب من دول الغرب، ويخرج المناوئ له من حضرته راضياً عنه وعن سيرته وسيره، مقتنعاً بحجته سواء من ذلك الملك والأمير والوزير والسفير...)
ويقول أيضا: (أما مارأيته من يقظة السلطان ورشده وحذره وإعداده العدة اللازمة لإبطال مكائد أوروبا وحسن نواياه واستعداده للنهوض بالدولة الذي فيه نهضة المسلمين عموماً، فقد دفعني إلى مد يدي له فبايعته بالخلافة والملك، عالماً علم اليقين ، أن الممالك الإسلامية في الشرق لا تسلم من شراك أوروبا، ولا من السعي وراء اضعافها وتجزئتها ، وفي الأخير ازدرائها واحدة بعد أخرى، إلا بيقظة وانتباه عمومي وانضواء تحت راية الخليفة الأعظم...)

من أقوال السلطان عبدا لحميد:
( أنصحوا الدكتور هرتزل بألا يتخذ خطوات جدية في هذا الموضوع فإني لا أستطيع أن أتخلى عن شبر واحد من أرض فلسطين ، فهي ليست ملك يميني، بل ملك الأمة الإسلامية، ولقد جاهد شعبي في سبيل هذه الأرض ورواها بدمه، فليحتفظ اليهود بملايينهم، وإذا مزقت دولة الخلافة يوما فإنهم يستطيعون آنذاك أن يأخذوا فلسطين بلا ثمن، أما وأنا حي فإن عمل المبضع في بدني لأهون علي من أن أرى فلسطين قد بترت من دولة الخلافة وهذا أمر لا يكون إني لا أستطيع الموافقة على تشريح أجسادنا ونحن على قيد الحياة) . اهـ
وقال – رحمه الله - ( يجب تقوية روابطنا ببقية المسلمين في كل مكان، يجب أن نقترب من بعضنا البعض أكثر وأكثر، فلا أمل في المستقبل إلا بهذه الوحدة، ووقتها لم يحن بعد، لكنه سيأتي اليوم الذي يتحد فيه كل المؤمنين وينهضون نهضة واحدة ويقومون قومة رجل واحد يحطمون رقبة الكفار ) . اهـ
لقد خدم السلطان عبدالحميد – رحمه الله – الأمة الإسلامية مدة ثلاثين عاما وعلى الرغم من ضعف الدولة العثمانية في عهودها الأخيرة وتكالب الأعداء عليها من جميع الجهات أن يقوم بخدمات جلىّ للبلاد فاقت ما قام به أقرانه من السلاطين المتأخرين . الخ.

وبعد هذا السرد الموجز نعتذر للقارئ الكريم أننا لم نأتي على كثير من جوانب حياة هذا الرجل البطل الذي ظل وفيا لأمته لأن الإتيان على ذلك يطول ولا تسمح لنا هذه الزاوية بهذا الأمر.
فرحم الله السلطان عبدا لحميد الذي ظل وفيا لأمته إلى آخر الرمق وقد وافاه الأجل في 10شباط عام 1918 م .

أحمد شوقي يرثي السلطان عبدا لحميد الثاني


ضَجَّت عَلَيكِ مَآذِنٌ وَمَنابِرٌ --- وَبَكَت عَلَيكَ مَمالِكٌ وَنَواحِ
الهِندُ والِهَةٌ وَمِصرُ حَزينَةٌ --- تَبكي عَلَيكِ بِمَدمَعٍ سَحّاحِ
وَالشامُ تَسأَلُ وَالعِراقُ وَفارِسٌ --- أَمَحا مِنَ الأَرضِ الخِلافَةَ ماحِ
وَأَتَت لَكَ الجُمَعُ الجَلائِلُ مَأتَماً --- فَقَعَدنَ فيهِ مَقاعِدَ الأَنواحِ
يا لَلرِجالِ لَحُرَّةٍ مَوؤودَةٍ --- قُتِلَت بِغَيرِ جَريرَةٍ وَجُناحِ
إِنَّ الَّذينَ أَسَت جِراحَكِ حَربُهُم --- قَتَلَتكِ سَلمُهُمو بِغَيرِ جِراحِ
هَتَكوا بِأَيديهِم مُلاءَةَ فَخرِهِم --- مَوشِيَّةً بِمَواهِبِ الفَتّاحِ
نَزَعوا عَنِ الأَعناقِ خَيرَ قِلادَةٍ --- وَنَضَوا عَنِ الأَعطافِ خَيرَ وِشاحِ
حَسَبٌ أَتى طولُ اللَيالي دونَهُ --- قَد طاحَ بَينَ عَشِيَّةٍ وَصَباحِ
وَعَلاقَةٌ فُصِمَت عُرى أَسبابِها --- كانَت أَبَرَّ عَلائِقِ الأَرواحِ
جَمَعَت عَلى البِرِّ الحُضورَ وَرُبَّما --- جَمَعَت عَلَيهِ سَرائِرَ النُزّاحِ
نَظَمَت صُفوفَ المُسلِمينَ وَخَطوَهُم --- في كُلِّ غَدوَةِ جُمعَةٍ وَرَواحِ
هُوَ رُكنُ مَملَكَةٍ وَحائِطُ دَولَةٍ --- وَقَريعُ شَهباءٍ وَكَبشُ نِطاحِ
عَهدُ الخِلافَةِ فِيَّ أَوَّلُ ذائِدٍ --- عَن حَوضِها بِبَراعَةٍ نَضّاحِ
حُبٌّ لِذاتِ اللَهِ كانَ وَلَم يَزَل --- وَهَوىً لِذاتِ الحَقِّ وَالإِصلاحِ


كما رثاه شاعر العراق جميل صدقي الزهاوي.


وقد بعث الله الخليفة رحمة ... إلى الناس إن الله للناس يرحم

أقام به الديان أركان دينه ... فليست على رغم العدى تتهدم

وصاغ النهى منه سوار عدالة ... به إزدان من خود الحكومة معصم

وكم لأمير المؤمنين مآثر ... بهن صنوف الناس تدري وتعلم

ويشهد حتى الأجنبي بفضله ... فكيف يسيء الظن من هو مسلم

سلام على العهد الحميدي إنه ... لأسعد عهد في الزمان وأنعم

جمع السلطان عبدالحميد بين الدنيا كحاكم وبين الدين كعابد فأحسن، حتى تآمر أعداء الدين على خلعه ونفيه إلى جزيرة سلانبك، وقد قيض له الله سبحانه وتعالى له فـي منفاه حارساً من أتباع الشيخ أبى الشامات والذي كان واسطه بينه وبين شيخه هذا فـي إيصال رسائل الشيخ له وإيصال رسائله للشيخ، ومن أنفس رسائله إلى شيخه هذه الرسالة القيمة التي تعتبر وثيقة تاريخية تؤكد براءته من جميع ما ينسبه اليه الأعداء وتروى صموده فـي وجه أولئك الأعداء أعداء الدين الذين يسعون بكل السبل لتخريبه · إن ما قام به السلطان عبدالحميد رحمه الله من محافظة على الدين وتعطيل قيام دولة إسرائيل دولة الكيان الصهيونى التي تذيق المسلمين الآن الويلات وتتضافر مع دول الشرك لحرب الاسلام وكسر شوكته ويأبى الله الا أن يتم نوره ولو كره اعداء الدين.



لقد عمل السلطان عبدالحميد على تعطيل قيام دولة اسرائيل سبعاً وثلاثين عاماً هى مدة حكمه العادل حيث كان للإسلام هيبة ولإمبراطوريته سطوة والرسالة المذكورة والتي نوردها فـي ما يلى توضح أن تعرض السلطان للإغراء بالمال والمال الكثير لم يثنه عن موقفه الذي آمن به، ولما رفض الإغراء بالمال تعرض للتهديد وإجباره على التخلى عن الحكم عن طريق جمعية الاتحاد التي اقامها الاعداء والتي أوهمت الأتراك بل وعامة المسلمين أن حكم السلطان إرهابى كما هى عادة أعداء الدين دائماً يرهبون بالإرهاب ويختلقون أوهى الأسباب وحينما اشتدت عليه المعارضه وطالبوه بالتخلى عن الحكم سلم راضياً بقضاء الله عز وجل حقناً لدماء المسلمين وبرأ ذمته بهذه الوثيقة النفيسة التي تنم عن أدب عال فالسلطان المريد يخاطب شيخه فـي أدب ورجاء ؛ ولا يعرف الفضل إلا أهله ولا يعرف الرجال إلا الرجال علماً بأن هذا الأدب والسلوك لم ينشأ عنده بعد نفيه حيث صار عاجزاً بل لازمه وهو فـي قمة السلطة سلطاناً للإمبراطورية الإسلامية العثمانية، وإنى لأشكر وأذكر بالخير الشيخ الجليل المرحوم الإمام عبدالحليم محمود شيخ الجامع الأزهر الأسبق الذي القى الضوء على حياة السلطان عبدالحميد فجزاه الله خيراً على ماقدم فأخيرا يجد السلطان الإنصاف بعد كل هذا من المسلمين، إن مجد الإسلام لا يجدد إلا بما بدأ به عن إخلاص وفهم لمراميه وعمل بأوامره

نص الوثيقة التاريخية

بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين

الحمد له رب العالمين وأفضل السلام وأتم التسليم على سيدنا محمد رسول رب العالمين وعلى آله وصحبه أجمعين والتابعين إلى يوم الدين.

أرفع عريضتى هذه إلى شيخ العليه الشاذلية، إلى مفيض الروح والحياة، إلى شيخ أهل عصره الشيخ محمود أفندى أبى الشامات، وأقبل يديه المباركتين راجياً دعواته الصالحة.



بعد تقديم إحترامي أعرض أننى تلقيت كتابكم المؤرخ فـي 22/ مارس فـي السنة الحالية، وحمدت المولى وشكرته أنكم بصحه وسلامه دائمتين سيدى:إننى بتوفيق الله تعالى مداوم على قراءة الأوراد الشاذلية ليلاً ونهارا، وأعرف أننى مازلت محتاجاً لدعواتكم القلبية بصورة دائمة، بعد هذه المقدمة أعرض لرشادكم وإلى أمثالكم أصحاب السماحة والعقول السليمة المسألة المهمة الآتية كأمانة فـي ذمة التاريخ: إننى لم اتخل عن الخلافة الإسلامية لسبب ما سوى أننى بسبب المضايقة من رؤساء جمعية الاتحاد المعروفة باسم (جون تورك) وتهديدهم اضطررت وأجبرت على ترك الخلافة.

إن هؤلاء الإتحاديين قد أصروا وأصروا عليَّ بأن أصادق على تأسيس وطن قومى لليهود فـي الأرض المقدسة (فلسطين) ورغم إصرارهم فلم أقبل بصورة قطعية هذا التكليف وأخيراً وعدوا بتقديم 150 مائه وخمسين مليون ليره إنجليزيه ذهباً فرفضت هذا التكليف بصورة قطعية أيضاً وأجبتهم بهذا الجواب القطعى الاتى:

(أنكم لو دفعتم ملء الدنيا ذهباً فضلاً عن 150 مائه وخمسين مليون ليره انجليزيه ذهباً لن أقبل بتكليفكم هذا بوجه قطعى. لقد خدمت المملكة الإسلامية والأمة المحمديه ما يزيد عن ثلاثين سنه فلم أسود صحائف المسلمين آبائى وأجدادى من السلاطين والخلفاء العثمانيين. لهذا لن أقبل تكليفكم بوجه شرعى أيضا... ).

وبعد جوابى القطعى اتفقوا على خلعى، وأبلغونى أنهم سيبعدوننى إلى (سلانيك) فقبلت بهذا التكليف الاخير.

هذا وحمدت الله وأحمده أننى لم أقبل بأن ألطخ الدولة العثمانية والعالم الاسلامى بهذا العار الأبدى الناشئ عن تكليفهم بإقامة دولة يهودية فـي الأراضى المقدسة (فلسطين) وقد كان بعد ذلك ما كان ولذا فإننى أكرر الحمد والثناء على الله المتعال وأعتقد أن ما عرضته كاف فـي هذا الموضوع الهام وبه أختم رسالتى هذه والثم يديكم المباركتين، وأرجوا وأسترحم أن تتفضلوا بقبول احترامى بسلامى إلى جميع الإخوان والأصدقاء.

ياأستاذى المعظم..

لقد أطلت عليكم التحية، ولكن دفعنى لهذه الإطالة أن تحيط سماحتكم علماً وتحيط جماعتكم بذلك علماً أيضا· والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

خادم المسلمين

عبدالحميد بن عبدالمجيد

.........منقول من اكثر من مصدر بتصرف يسير