المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : «الصدّيقية الغمارية».. رائدة التصوف العلمي


البدوي
11-03-2019, 07:11 AM
يبدو أن المزاج الصوفي الراهن، الداعي لإحياء التصوف باستدعاء العلم، لم يأتِ من فراغ، إذ ثمة تجارب صوفية يحفظها التاريخ، تقر بوجود سابقين أسسوا لهذا النمط الذي يعرّفه أصحابه، اليوم، بـ«التصوف العلمي«.

وتعد أبرز هذه التجارب، الطريقة «الصدّيقية الغمارية» ذات الأصول المغربية، التي أسسها الصوفي وعالم الحديث، محمد الصدّيق، القادم من مدينة غمارة، شمالي المملكة المغربية.
ليست مجرد طريقة
لا يمكن التعامل مع الطريقة «الصدّيقية» على إنها مجرد طريقة أسسها شخص وقدم من بعده أبناؤه، بل هي مدرسة علمية أسسها أب وستة من أبناءه، يُقال عنها في المغرب إنها مدرسة دينية مغاربية تضاهي المدارس المشرقية.

ويعود التمهيد لتأسيس الطريقة إلى الفترة التي انتقل فيها مؤسسها من قريتها غمارة؛ حيث حفظ القرآن خلال سنين صباه، إلى مدينة فاس المغربية ذات المذاق الصوفي، للتوسع في دراسة العلم.

في فاس، لم يكن العلم وحده هو الذى انتظر الصدّيق، بل التصوف أيضًا، إذ التقى بالطريقة «الدرقاوية الشاذلية»، التي تعلم على أيدي مشايخها؛ لتتكون لديه وقتها جذوره الصوفية.

وبعدها عاد إلى قريته ومنها إلى مدينة «طنجة» التي أسس فيها طريقته الغمارية وتسمى في المغرب بـ«الزاوية الصدّيقية».

وفي الروايات المنقولة عن المادة التي كان يقدمها في زاويته، قيل إنه كان يدمج العلم بالتصوف، وتحديدًا على الحديث، إلى جانب وازع وطني دفعه للإفصاح برفض الاستعمار.

ولم ينقطع علم العائلة الصدّيقية بغياب الأب، إذ جاء من بعده أبناؤه، بالترتيب، وهم: أحمد، عبد الله، عبد الحي، عبد العزيز، الحسن، وآخرهم إبراهيم.

ويعتبر الغُماريون أن أحمد الابن الأكبر، المولود حوالي 1902م، ويلقب بـ«أبو الفيض»، الأب الثاني للطريقة بعد الأب.

أسس أبو الفيض التيار الحديثي داخل الطريقة، وينسب مؤرخون له إنه أبرز من اقتحم ساحة علم الحديث في المغرب، بعدما كانت ثمة قناعة بأنه مجال صعب يصعب التعاطي معه، وبفعل فتحه لهذا المجال من العلم، توافد طلاب على مقر زاويته من داخل المغرب وخارجها، للاستفادة.

وبخلاف كونه مؤسس تيار الحديث بالطريقة، فهو أول من عرّف الأزاهرة على منهج طريقته، إذ جاء في شبابه إلى مصر للالتحاق بالأزهر، وفيه تعلّم وأثّر في الوقت ذاته.

وإن كان أبو الفيض أول من وصل الأزهر من علماء الصدّيقية، وزرع فيه بذرة طريقته، فعبد الله الملقب بـ«أبو الفضل» هو من جاء وأكمل ما بدأه أخوه، إذ قدم إلى مصر وتعلّم بين الأزاهرة ليحصل على شهادة العالمية التي يمنحها الأزهر لطلابه الأجانب. وكان ذلك حوالي عام 1931. ومع مرور الوقت أصبح أحد أبرز علماء الأزهر في عصره، الأمر الذي سمح له بتوسيع تأثير الغماريين بين الأزاهرة، ومن بعد الأخوين الأكبر، واصل أبناء الصدّيق القدوم إلى الأزهر، للتعلم أولًا ثم البزوغ وترك الأثر.

ويُحفظ للطريقة الغمارية خصوصية، فعلى غير عادة كل من يذهبوا للالتحاق بالأزهر لنيل علم يلحقها عودة إلى بلده، كان لأبناء هذه الطريقة تفرد في إن جميعهم تركوا أثرًا في الأزاهرة قبل عودتهم إلى بلادهم، بل واصل بعضهم علاقته بالأزهر حتى أصبح أبرز علمائه.

وربما يكفي الإشارة إلى أن أساتذة محسوبين كأكبر علماء الأزهر في العصر الحالي، درسوا على أيدي أبناء الغمارية، وتأثروا بها، وأبرز هؤلاء، مفتي الديار المصرية السابق، الدكتور علي جمعة، الذي أسس طريقة صوفية، مطلع العام الجاري، سُميت «الصديقية الشاذلية» وأخذها عن الطريقة الغمارية المغاربية.

وتمثّل الطريقة الحديثة امتداد الطريقة المغربية في مصر. ويشار إلى أن وجود الطريقة الغمارية في مصر قبل تأسيس طريقة الدكتور على جمعة ، كان مقتصرًا على حضرة تقام كل جمعة بمسجد الأشراف بمنطقة المقطم، إلى جانب وفود غُمارية تتردد في أوقات متفرقة من العام على القاهرة، لزيارة مسجد الحسين، وإقامة حضرة به.

وبحكم اعتمادها على التصوف العلمي، تعتبر «الصديقية الشاذلية»، المقدمة منهج الغمارية إلى المصريين، إحدى الطرق التي يُراهن عليها لإحياء التصوف المصري.

ورغم الشهادة للطريقة الغمارية بكونها إحدى أهم الإضافات للتصوف، باعتبارها اعتمدت منهجًا نقديًّا يرفض المسلمات لمجرد إنها مسلمات، ويعرضها للنقد والاختبار، فإن هذا المنهج لم يعجب بعض التيارات المتشددة التي اتهمت الطريقة بالتشيع.

وكان دليلهم على ذلك أن منهج الطريقة الغمارية يتقاطع في بعض النقاط مع الشيعة، إلا أن رد الغمارية على ذلك أنها تعرض كل الأمور الدينية للنقد سواء كانت تابعة لسنة أو شيعة، وتقبل منها ما تقبله وترفض ما يثبت خطأه.

ويستشهد الناقدون للغمارية بموقف الابن الأوسط، ورجل الدين المغربي المتوفي في 2016، عبد الباري الزمزمي، إذ أعلن تبرؤه من التصوف في كتاباته وقاطع «الزاوية الصدّيقية»، ليرد الغماريون بأن الزمزمي لم يرفض التصوف في ذاته كما يردد الناقدون، ولكنه رفض الخرافات التي تًنسب للتصوف بفعل جهل بعض تابعيه.

http://www.almarjie-paris.com/4660