المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : القصد المجرد في معرفة الإسم المفرد


الرفاعي
09-03-2015, 05:53 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

القصد المجرد في معرفة الاسم المفرد لسيدي ابن عطاء الله السكندري رضي الله عنه
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ

بسم الله الرحمن الرحيم

وبه نستعين

الحمد لله الذي نور قلوب أوليائه بأنوار هدايته، وصفى أسرارهم لتجلي صفة جلاله وجماله وكمال عظمته، وأخلصهم للعكوف على بساط أنسه بالقرب من حضرته، وخلصهم وخصصهم

لمناجاته ومحادثته ومكالمته ومخاطبته، وأنبأهم وعرفهم بحقائق سر أسماء ربوبيته، فتجلى لهم بأسمائه وصفاته ففاضت عليهم بالاشراق أنوار شمس معرفته، وقبض عن نفوسهم كل

تلوينها وأمد على قلوبهم ضياء تمكين خصوصيته، ففهمهم وألهمهم ونبههم لحسن آداب مجالسته، ثم كشف لهم عن كمال بهاء وجهه الكريم فاستغرقهم من عنايته، وأظهر لهم غرائب

صنعه واتقان فعله وبدائع حكمته، ما شهدوا به من عجائب ملكه وملكوته وجبروته فغابوا به عنهم عند معاينته ومشاهدته، ثم ثبتهم وأبقاهم به وآنسهم بلطف رحمته وأدناهم بكرمه،

وقربهم بلطفه وعاملهم بفضله وسقاهم من شراب محبته، وأودعهم أسراره ووهبهم ذخائره وجعلهم أس ذلك وأصله في معرفة اسم الهيته وستر فيه سره عمن شاء فحجب أشكال صور

معروفة وعدد جملته فبداية فهمه في أول ألفه ونهاية علمه في معنى هاء هويته فطوبى لمن رفعت له حجب ظلم معنى ظاهره عن نور معنى باطنه حتى جنى سر ثمرته، وانتشق طيب

عبيره وذاق طعمه ولذيذ حلاوته، وعلم منه وشاهد به ما في الوجود من عوالم ظاهره ومعالم باطنه علوية وسفلية على كيفية ذاته وحقيقة ماهيته، وتم له تصرف في ملك مملكته بأمر

كن في الوجود بوجود الأشياء على حسب مقتضى إرادته، فلله الحمد بكماله كما ينبغي ويجب لجلاله على ما أسبغ في الظاهر والباطن من تمام نعمته ونشهد لله بإخلاص توحيده وتحقيق

وحدانيته، لا إله إلا هو الواحد في ذاته العظيم في صفاته والعزيز في فردانيته، ونشهد لنبيه ورسوله بكمال نبوته وعموم رسالته وتخصيص عبوديته

محمد صلى الله عليه وعلى آله وأزواجه وعترته وذريته وأهل بيته ورضي الله عن جميع أصحابه وتابعيهم أبداً بإحسان من أمته وأهل ملته،،،

وبعد:.........

يتبع إن شاء الله تعالى

الرفاعي
09-03-2015, 06:01 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
ـــــــــــــــــــــــــ
وبعد: فإن إكسير الزيادة، وكيمياء السعادة، وقاعدة كل قدم وحال ومقام، وأس أصول دعائم الإحسان والإيمان والإسلام، هو معرفة التوحيد، المجرد عن إضافة التقييد، المحفوظ

عن تصميم التقليد، الموصوف بعلم الأسماء والصفات، المتنزه عن حدوث طرق الآفات، الجامع لذكر معاني الأسماء الإلهية، المشتملة على جملة لطائف الأسرار المعنوية، والذخائر

النفيسة المصونة، والجواهر الثمينة المكنونة، وهو أصل المعارف الدينية، ومحل العوارف اليقينية، لأن شرف العلوم على شرف قدر المعلوم، وشرف العالم على قدر علمه، ولا شيء

أشرف من الحق وطلبه، ولا شيء في الدنيا من معرفة الله وقربه، ولا شيء أشرف في الجنة من النظر إلى وجهه، وكل علو موقوف على معلومه وشرفه بشرفه، وعلم التوحيد

موقوف على معرفة الواحد وصفة وحدانيته، ومعرفة الله هي الغاية القصوى، واللباب الأصفى، ومشرب عذب لكل عبد وارد، ولا يصل للتنعم بها بشر إلا واحد بعد واحد، وهي المطلوبة

لذاتها وعين الزيادة، وبها تنال أعظم الأحوال وأتم الإفادة، وإن بداية السالك طلب المعرفة، ونهاية غايته توحيد الذات والصفة، لأن معرفة الله غاية الغايات، وتوحيده أجل وأكمل النهايات،

والعلم به يفيد ذات الذاكر بيانا وتحقيقا، والعمل بمقتضاه يزيد في صفات السائر برهانا وتوفيقا، ومن أخذ العلوم والحكم أشرفها وأرفعها، ومن المعاني صفوها وألطفها وأنفعها، وفهم حكم

باطنية أمرها، وعلم حكم علانيتها وسرها، فقد تجوهر باطن قلبه، وتمهد ظاهر أدبه، وتسمى في الحقيقة إنسانا، وشاهد الحق حقا عيانا، وصار الخير بالذات، في الأوصاف والصفات، وعرف

الله إيمانا ويقينا، وصنعته بيانا وتبيينا، وقد أودع فيه من اللطائف الغريبة، والعلوم والمعارف العجيبة، ما يكتفي بقدره، ويستغني بذكره، من غرائب العلم، وعجائب الحكم، وفرائد الطرف، وفوائد

التحف، وهذه رسالة ((القصد المجرد،في معرفة الإسم المفرد)) وهو ((الله)) جل ذكره وعز قدره، وحصر مجموعها في قسمين، ضابطين لها محكمين، وأتى كل قسم منهما بشاهد

أدلة صحيحة منقولة البيان، ومعقول صحيح البرهان، من الكتاب والسنة وقول العلماء الألمعية، ومن اقتفى أثرهم من الفضلاء الصوفية، فاعلم ذلك والله الموفق للصواب، الحافظ من الأوصاب.

القسم الأول في معرفة اشتقاقه وأقسامه وذكر تفصيل حروفه وتعلق اقسامه ومقتضى أحكامه:...............

يتبع إن شاء الله تعالى

الرفاعي
09-03-2015, 11:36 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
ـــــــــــــــــــــــــ


القسم الأول في معرفة اشتقاقه وأقسامه وذكر تفصيل حروفه وتعلق اقسامه ومقتضى أحكامه:

قال الله تعالى: ((اللّهُ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ))

وقال تعالى: ((اللّهُ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لاَ رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ حَدِيثاً))

وقال تعالى: ((اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ))

وقال تعالى: ((وَهُوَ اللّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ))

وقال تعالى: ((إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي))

فتنبه أيدك الله تعالى في هذه الآيات وفي أمثالها كيف ابتدأ فيها بذكر إسم الله، ونفي ما سواه ، وإثباته إياه، فكل اسم من أسمائه إن أظهره فهو صفة هذا الإسم ونعته، وإن أظهره بالهاء فهو عائد عليه وهو منه وإليه فانه لا يتم ذكره إلا باظهار الهاء وسيأتي ذكر ذللك والكلام على حروفه مبينا إن شاء الله تعالى.

وقوله سبحانه وتعالى: ((وهو الله في السموات وفي الأرض)) كقوله: ((وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله)) أراد فيهما معرفته بالألوهية، وعبادته ، وذكره، وفعله ، وحكمه، وأمره.

قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله) وفي رواية أخرى (حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ويؤمنوا بي وبما جئت به فاذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله).

وقال عليه الصلاة والسلام لمعاذ بن جبل رضي الله عنه: (يامعاذ ما من عبد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله إلا حرمه الله على النار فقال: يارسول الله أفلا أخبر به الناس فيستبشرون قال صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: إذا يتكلوا).

وقال عليه الصلاة والسلام: (أفضل ما قلته أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له).

وقال عليه الصلاة والسلام لأبي هريرة رضي الله عنه: (من لقيته يشهد أن لا إله إلا الله مستيقنا بها قلبه بشره بالجنة الحديث).

فتأمل وفقك الله تعالى كيف اشترط الله ورسوله العلم في التوحيد، والعبادة، والمعرفة، قال الله تعالى: ((فاعلم أنه لا إله إلا الله)) وقال عليه الصلاة والسلام: (من مات وهو يعلم أن لا إله إلا الله دخل الجنة) وفي رواية (من مات وهو يشهد) والشهادة هي العلم قال الله تعالى: ((وما شهدنا إلا بما علمنا)) وقال الله تعالى: ((وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ) ومعناه ليعرفون.

وقال عليه الصلاة والسلام لمعاذ بن جبل رضي الله عنه حين بعثه إلى اليمن: (إنك تقدم على قوم أهل كتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه عبادة الله فاذا عرفوا الله فأخبرهم أن الله فرض عليهم فرائض الحديث) فبين وجوب العلم بالفرائض على وجوب العلم بالتوحيد .

وجميع الرسل عليهم الصلاة والسلام قد اجتمعوا على دعواهم الخلق إلى التوحيد. كما أخبر الله تعالى بقوله: ((وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ))25-الأنبياء

وقال عليه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: (أفضل ما قلته أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له) ولا خلاف بين الرسل في التوحيد، وإنما اختلفت شرائعهم قال الله تعالى: ((لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً)) 48-المائدة

ولا إله إلا الله هي لإستنقاذ الذات المحدثة من العذاب الأدنى في الحال، ومن العذاب الأكبر في المآل، وعلى النطق بها بني الإسلام، وعلى قواعدها والعمل بمقتضاها بني الإيمان، وعلى فهم عقائدها والجمع بينهما بني الإحسان، ومن شهود شرفها يترقى إلى مبادي الإيقان، فقولها إسلام، وعملها إيمان، وفهمها إحسان، وتحققها إيقان، وظاهرها عنوان الإسعاد: فظاهرها عالم الملك بداية للشهادة، وباطنها فهم المراد بها في عالم الملكوت وبسط المعرفة، وحقيقتها كشف معاني أسرارها في عالم الجبروت نهاية للشهادة، فهي في الدنيا عقد الحنان، على مقتضى الإيمان، وفي الآخرة الكشف والعيان، على مقتضى الإيقان، وهي عصمة للدماء والأموال، وعصمة في الآخرة عند عاقبة المآل، فمن قال لا إله إلا الله محمد رسول الله عصم ماله ودمه إلا بحقها، ومن مات وهو يعلم أن لا إله إلا الله محمد رسول الله دخل الجنة، ويجمعها سر معاني التوحيد، ومعرفة التفريد، وفهم التجريد، وهي الدالة على النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم (أُوتيتُ جوامع الكلم) فمن طلب الله بنفسه دون إقتداء لم يصح توحيده وارتدى، ومن طلب الله ورسوله وهو العلم صح توحيده واهتدى، ومن عرف الله من جهة الإيمان أطاعه، ومن عرفه من جهة اليقين آثره، ومن عرفه من جهة التوحيد عظمه. ومن لم تفده المعرفة علما بالله وبصفاته ومزيدا في حقيقة توحيده، فهو محجوب، والمحجوب مفقود، فإيمان العلماء عن علم يقين، قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: (اليقين هو الإيمان كله) والنقل والرواية في علم الإيمان أنفع وأقوى في التقليد، والكشف والدراية أنفع وأقوى في علم التوحيد.

فإن لا إله إلا الله محمد رسول الله لازمة للخلق اعتقادا بها قلبا، والإعتراف بها نطقا، والوفاء بها علما، فإذا كان الإيمان في ظاهر القلب أحب العبد الدنيا والآخرة ، فتارة له وتارة عليه، وإذا دخل الإيمان باطن القلب أبغض العبد الدنيا وأحب الآخرة وهجر هواه، وإذا باشر الإيمان سويداء القلب أعرض عما سوى الله، والتوحيد هو العلم، والعمل أصل الإيمان، والإيمان هو التصديق، وكل تصديق بالقلب فهو علم، فإذا ثبت سمي يقينا، فإذا قوي سمي توحيدا، فإذا رسخ سمي معرفة، فمثل من عرف عقائد باطن الإسلام كمن وجد كنزا، ومثل من عرف عقائد باطن الإيمان كمن وجد معدنا، ومثل من عرف فوائد سر الإحسان كمن وجد الكيمياء، فكوكب سماء ملكوت السعادة الإسلام، ودريها الإيمان، وقمرها الإحسان، وشمسها الإيقان، ولا إله إلا الله دائرة بين النفي السالب، والإثبات الموجب، فالنفي السالب لجميع صفات الحدوث والنقص والعدم، والإثبات الموجب لجميع صفات التنزيه والكمال والقدم، فمن نظر إلى وجود الحق بعين القدم، ونظر إلى ما سواه بعين الحدوث والعدم، فقد شاهد أزليته، وقال ما رأيت شيئا إلا رأيت الله قبله، ومن نظر إليه بعين البقاء، ولخلقه بعين الفناء، فقد شاهد سر أزليته، وقال ما رأيت شيئا إلا رأيت بعده، ومن نظر إليه بعين العلم والقدرة، وللخلق بعين الجهل والعجز وقصور المنه، فقد شاهد فعله وإحاطته، وقال ما رأيت شيئا إلا رأيت الله معه، وأصل المشاهدة ينقسم إلى ثلاثة أقسام: مشاهدة فعل بفعل، ومشاهدة صفة بصفة، ومشاهدة ذات بذات، فمن نظر إلى الحق بالحق تجلت له الأسماء والصفات، وسريانها في المكونات، والعلم في المعلومات، ومن نظر إلى الأشياء بالعلم ظهرت له الصنعة في المصنوعات والأفعال في المفعولات، ومن نظر بالله لا به انقطعت الإضافة وتلاشت المحدثات. وفنيت العبارات والإشارات قال الشاعر:

أُلاحِظُهُ في كُلِّ شَـيءٍ رأَيْتُـهُ = وأَدْعُوهُ سِـراً باطِنـاً فَيُجيـبُ

مَلأتُ به قَلْبي وسَمْعي وناظري = وكُلي وأَجزائي فَأَيْـنَ يَغيـبُ

واعلم أن التوحيد هو إثبات القدم..................

يتبع إن شاء الله تعالى

الرفاعي
09-04-2015, 10:05 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
ـــــــــــــــــــــــــ

واعلم أن التوحيد هو إثبات القدم، وإفراد المحدث، ونفي العدم، ومعرفة التفريد هو إفراد الإسم، وفهم التجريد هو التنزيه بالعلم، وأصل لا إله إلا الله هو إثبات اسم الألوهية، وإخلاص إفراده ونفي ما سواه من الالهية، وتنزيهه عن أضداده وأنداده، وبفهم معناه وسره يصح الاسلام، وشهادته يتم الإيمان، وقاعدته يكمل الإحسان، ومحبكم يبين لكم إن شاء الله تعالى معاني هذا الإسم المفرد وصفاته، وأسرار حروفه وعددها، وجملة تعداد حسابها، يحصل لمن علمه وأدركه بشواهد مبينة جهد فهم ذوقه، وحال سلوكه، فاعلم أيدك الله تعالى بمواد المزيد، وفهمك معاني أسرار التوحيد بفضله من فضله، أن هذا الإسم، المفرد، المعظم، المقدم، المجرد، أعني الله عز ذكره، هو اسم الذات العلية، الموصوفة بصفة الألوهية، المعروفة بنعوت الربوبية، المتصف بصفة الأحدية، المنفرد بوحدة الوحدانية، المنعوت بصمدانية الصمدانية، المنزه عن جنس الكيفية، وأنواع المثلية، المقدس عن يحيط بمعرفة كنه إدراكه عقول البشرية، فهو: ((الله)) اسم الاله، الواحد، القديم، الحي، القيوم، العلي، العظيم، الباقي، السرمد، الكبير، المتعال، الموجد، المطلق الوجود، الأزلي الذي لم يزل أولاً وآخراً، ظاهراً وباطناً، ولا يزال المستحق بالوجود الحقيقي، الواجد الوجود، وكل موجود سواه مستمد منه الوجود، فهو من حيث ذاته هالك فان، ومن حيث موجده ثابت موجود، وهو أعظم الأسماء، لأنه دال على الذات العلية، الجامعة لكل كمال صفات الألوهية، وكمال الذات هو كمال الوجود ودوامه أزلاً وأبداً باق سرمداً واستحال عليه العدم كما وجب له الوجود والقدم قال الشاعر:



جَلالُكَ يا قُدُّوسُ لَيْـسَ لَـهُ حَـدُّ = كَذَاكَ صِفاتُ الْقُدسِ لَيْسَ لها عَـدُ

تَعَالَيْتَ عَنْ شِبْـهِ الْخَلِيقَـةِ كُلِّهَـا = وَمِنْ وَصْفِ عَلْياكَ الطَّهارَةُ وَالْمَجْدُ

قَضَاؤُكَ مَحْتُـومٌ وأَمْـرُكَ نَافِـذٌ = وما شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ فَلَيْـسَ لَـهُ رَدُّ

لَكَ الْمَثَـلُ الأعْلَـى وَكُـلُّ مُعَبَّـدٍ = كَفَاهُ اعْتِزَازاً أَنْ يُقالَ هُـوَ الْعَبْـدُ



وقد اختلف العلماء في هذا الإسم المفرد، هل هو مشتق أم لا؟ والكلام فيه على ثلاثة أوجه: أحدها من طريق اللغة، الثاني من طريق الحمكة، الثالث من طريق المعرفة، فأما الوجه الأول من اللغة فعلى قولين، قائل يقول باشتقاقه وإطلاقه وقائل يقول بالتوقف عنه ومنعه، فالمتوقف المانع قال لا يجوز اشتقاقه من معنى بوجه أصلا فإن الله تعالى قال: ((هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً)) وفيه ثلاث معان، الأول هل تعلم أحداً تسمى الله غير الله؟ أو اسما غير ما سمى به نفسه، الثاني هل تعلم أحداً يستحق كمال الأسماء والصفات ما يستحقه الله ويتصف به حقيقة؟ الثالث هل تعلم اسماً أعظم من هذا الإسم المفرد، أو له اشتقاق من شيء كما يشتق لأسماء الخلق؟! فهو لا يشبهه شيء، وإنما هو دال على ذات الإله الذي قامت به الصفات، بمثابة اسم العلم الدال على المسمى من غير اشتقاق له من شيء، وهو اسم تفرد الله شبحانه وتعالى واختصه لنفسه، ووصف به ذاته، وقدمه على جميع أسمائه وأضاف أسمائه كلها إليه، وكل ما يأتي بعده من الأسماء نعت له، وصفة لوصفه، ومتعلقة به وتوصف سائر الأسماء بأنها أسماء الله تعالى وتعرف في الأغلب بالإضافة إليه، يقال أنها من أسماء الله تعالى، ولا يقال من أسماء الصبور، أو الغفور، أو الجبار، وكذا الإسلام لا يتم إلا بذكر هذا الإسم، ولا يقبل اسم عوضا منه، ولا ذكر بدلا عنه، بأن يقال إله إلا الغفار، أو الرحيم، أو الجبار، وإنما يقال لا إله إلا الله، وبذلك نطق القرآن والحديث، لأنه أدل على كنه المعاني الالهية واختص بها، وهو بها أشهر، وأتم وأظهر، فاستغنى عن التعريف بغيره من الأسماء، وعرف غيره بالإضافة إليه، وجعله للنطق والذكر والتعلق، دون الاتصاف به والتخلق، قال الشاعر:


يَاذَا الَّذِي قَدْ دَنَا بِالْبَحْثِ وَالطَّلَـبِ عَنْ سِر مَعْنًى سَمَا عَنْ رُتْبَةِ النَّسَبِ

اقْبَلْ نَصِيحَةَ مَنْ قَدْ قَـالَ مُعْتَرِفـاً لا تَجْعَلَنَّ إلى التَّشْبِيْهِ مِـنْ سَبَـبِ

لاسْمِ الاله الَّذِى قَدْ جَـلَّ مُنْفَـرِداً عَنِ اشْتِقَاقٍ وَعَنْ إسْـمٍ لِـذِى أرَبِ

قَدِ ارْتَضٍـاهُ لَـهُ إسْمـاً وَنَزَّهَـهُ بِالذِّكْرِ عَنْ خَلَفٍ في سَائرِ الْكُتُـبِ

وَاخْتَصَّهُ بِاسْمِهِ فـي ذَاتِـهِ فَأَتَـى مِنْ بَيْنِهَا سَائرُ الأَسْماءِ بِالْعَجَـبِ

مِنْهَا الثَّنَاءُ الَّذِى قَدْ عَـمَّ مُشْتَمِـلاً شُكْراً عَلَى نِعَمٍ وَالذِّكْرُ في الْخُطَبِ

فَاعْلِنْ بِهِ أَبَداً وَاحْذَرْهُ عَنْ خَلْـفٍ إنْ كُنْتَ ذَا هِمَـمٍ أَوْ كُنْـتَ ذَا أَدَبِ


والقائل باطلاق اشتقاقه قال هو مشتق من أربعة أشياء، من الوله، ومن الحجب، ومن العلو، ومن البقاء ، فأما اشتقاقه من معنى الوله فأصله إله، والإله هو الذي يوله له، ويقصد في طلب الحوائج، ويفزع إليه في النوائب ويرجى فضله ويخاف عدله كما قال الشاعر:


وَكَلْتُ الَيْكُمْ فِي بَلاَيَا تَنُوبُنِي = فَأَلْفَيْتُكُمْ عَوْناً كَرِيماً مُمَجَّدا


وقيل من معنى إله، زيدت فيه اللام للتفخيم، فقيل الإله، ثم حذفوا الهمزة المتخللة بين اللامين، وأدغموا اللام الأولى التي للتفخيم، في اللام الثانية التي للتعظيم، فعظمت فقيل ((الله)) واسم الله من الألوهية، هو اسم يوجب الوله، إما لشدة طرب العبد وسروره، وإما لفرط شدة حزنه وخوفه وذعره، فيكون بين وقتين، وقت قبض، ووقت بسط، ففي حالة القبض يوجب له هيبة، يصحب طرفها دهشة، وفي حالة البسط يوجب له قربة، يصحب طرفها فرحة، فمن عرف ربه فزع إليه ودعاه، ووله له وأعرض عمن سواه، وآثر رضاه على هواه.

قال الشاعر:


لله دَرُّ الْغَانِيَات النُّزَّهْ = سَبَّحْنَ وَاسْتَرْجَعْنَ مَنْ تَأَلَهْ



وأما اشتقاقه من معنى الحجب، فأصله لاه، ومعناه احتجب عن الخلق، وحجب أبصارهم عن رؤيته في الدنيا، وفي ذلك قال الشاعر:


لَاهَتْ فَمَا عُرِفَتْ يَوْماً بِجَارِحَةٍ = يَالَيْتَهَا ظَهَرَتْ حَتى رأَيْنَاهَا



فمن عرف ربه راقبه، وحاسب نفسه، وعلم أنه يراه من حيث لا يراه، فهو يستحيي منه.

وأما اشتقاقه من معنى العلو والرفعة، فأصله أيضا لاه، يقال لاهت الشمس إذا علت وتوسطت قبة السماء في علو مركزها واستوت حالة وقوفها.

وأما الكلام على الوجه الثاني من طريق الحكمة ................

يتبع إن شاء الله تعالى

الرفاعي
09-04-2015, 12:17 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
ـــــــــــــــــــــــــ

وأما الكلام على الوجه الثاني من طريق الحكمة، فقيل فيه إنما تفرد الحق سبحانه بهذا الاسم المفرد، أعني ((الله)) ومنع الغير أن يتسمى به، وقبض الخلق عن الادعاء فيه، والتخلق به، والاتصاف بوصفه، لأجل عظمة الألوهية وكبريائها، قال الله تعالى: ((اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ)) وقال سبحانه: ((أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ)) وقال تعالى: ((أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ)) وقال تعالى: ((إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ {98} لَوْ كَانَ هَؤُلَاء آلِهَةً مَّا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ)) وقال عز من قائل: ((فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ {116} وَمَن يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ)) وفي الحديث الصحيح قال الله تعالى: (الكبرياء ردائي والعظمة إزاري فمن نازعني في أحدهما قصمته) أي أهلكته وأدخلته النار، واسم الألوهية عبارة عن وجوه القلوب متوجهة بالجمع والإخلاص إليه، ووجوه الأجسام وأعضاؤها مقبلة بصدق الخشوع في العبادة عليه، فإنه واجب الوجود المطلق الحقيقي الحق، وكل ما سواه هالك، فان، باطل، كما قال عليه الصلاة والسلام: أصدق كلمة قالها شاعر كلمة لبيد: ألا كل شيء ما خلا الله باطل.

وأما الكلام على الوجه الثالث من طريق المعرفة............


يتبع إن شاء الله تعالى

الرفاعي
09-04-2015, 01:10 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
ـــــــــــــــــــــــــ


وأما الكلام على الوجه الثالث من طريق المعرفة فقيل أن الحق سبحانه، اختار هذا الاسم أعني ((الله)) لثلاثة أشياء أحدها لذاته، فهو خاص به لا يشاركه فيه أحد غيره، لا بالمجاز ولا بالحقيقة، لما فيه من الأسرار والحكم والمعاني، ومن الاختصاص والتعظيم.

الثاني أنه جامع للمعاني اللطيفة، والصفات الشريفة، فان غيره من الأسماء فيه معنى واحد، أو معنيان يختص به، كالخالق، والفاطر، والمبدىء وما ماثل ذلك كله بمعنى واحد، وإن كان لا يخلو كل اسم من خصوصية ما يمتاز بها، ومثل الرزاق، والمنعم، والمتفضل، والمعطي، والجواد، والكريم، كل ذلك أيضاً الغالب عليه معنى واحد، وسائر الأسماء والصفات قد يتعدد لفظها، ويتفق معناها، وقد لا يتعدد ويختص بمعنى واحد، واسم الله معناه لا يحصى ولا يعد، ولا يحصر ولا يحد، وكل الأسماء راجعة له، مضافة منسوبة إليه، ومشيرة بخواصها في الحقيقة عليه، وتعرف به جميع الأسماء والصفات، ولا يضاف هو إلى شيء سوى الذات.

الثالث اختصاصه بأسرار ليست في غيره من الأسماء، وفضله وعظمه، وأسماؤه، وصفاته، كلها فاضلة عظيمة، إلا ان هذا الاسم له تخصيص زائد تام كامل على سائرها، كما أن التوراة والانجيل والزبور والفرقان، الكل كلامه عز وجل ولكنه اختص منها القرآن وفضله على سائرها ، فكذلك هذا الاسم من بين أسمائه، وخصوصيته وفضله وشرفه، فمن خواصه أنه في ذاته اسم كامل في حروفه تام في معناه خاص بأسراره مفرد بصفته فكان أولاً ((الله)) فحذفت منه الألف فبقى ((لله)) ثم حذفت اللام الأولى فبقى ((له)) ثم حذفت اللام الثانية فبقى ((هو)) فكان كل حرف تام المعنى، كامل الخصوصية، لم يتغير منه معنى، ولا اختلف بتفريق حروفه منه فائدة ولا نقصت منه حكمة، ولكل لفظة معان عجيبة، مستقلة بذاتها غريبة، وسيأتي الكلام على معنى الألفاظ وعلى حروفها آخر هذا القسم إن شاء الله تعالى مبيناً.

وغيره من الأسماء كلها ليس كذلك أمرها، فإنه إذا حذفت شيء من حروفها، أو فرق بعضها من بعض، اختلفت معانيها، واعْتَلَّتْ أساميها، وذهبت أحكام حكمها، ونقصت فائدتها، فلهذا كان هذا الاسم جامعاً شاملاً، تاماً كاملاً، على الجملة والتفصيل، ولم يؤثر فيه تفصيل حروفه، ولا تفريقها، ولا إفرادها في شيء من جملة معانيه ولا أخلت بشيء من أسراره، ولا نقصت تجزئته شيئاً من كله.

واعلم أن الأسماء الحسنى هي ألف اسم منها ثلاثمائة في التوراة، وثلاثمائة في الإنجيل، وثلاثمائة في الزبور، وواحد في صحف إبراهيم، وتسعة وتسعون في الفرقان، قد جمعت معاني تلك الأسماء كلها، وأدخلت في التسعة والتسعين اسم التي في القرآن واحتوت عليها، واشتملت على فضائلها وأسرارها وثوابها وأن الأسماء كلها التي في جميع الكتب أولها ((الله)) ولهذا كان لهذا الاسم أكثر جريان وتذكرة على ألسن الناس في جميع الأمور، من كل ما يحاول من الأشياء، لا في الآقوال ولا في الأفعال ولا في الأسباب كلها، فبدأ فيها ببسم الله. قال الله تعالى: ((وَقَالَ ارْكَبُواْ فِيهَا بِسْمِ اللّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا )). وقال تعالى: ((وَاذْكُرُواْ اسْمَ اللّهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ)). وقال تعالى: ((فَكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ)). وقال تعالى: ((وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ)). وقال تعالى: ((وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ)). وقال تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ)). وقال تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً)). وقال تعالى: ((وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ)). وكل ذلك حضا على ذكر هذا الاسم وسيأتي الكلام على ذكره في القسم الثاني من هذه الرسلة مبينا مفصلاً إن شاء الله تعالى.

ثم انه أول الأسماء الحسنى، وجعل افتتاح كل سورة من القرآن ((بسم الله الرحمن الرحيم)) وفي ذلك معنى لطيف لكونه أول الأسماء، والرحمة أول الأشياء كما ورد في الحديث الصحيح (إن الله قال : أنا الله لا إله أنا الرحمن الرحيم سبقت رحمتي غضبي) وبين الإمامان رضي الله تعالى عنهما مالك بن أنس ومحمد بن إدريس الشافعي أن هذا الاسم اسم الله تعالى ليس فيها كاملاً وإنما فيها بعض الاسم وهو ((لله)) بلام الملك وفرق بين الاسم وبين لام الملك، فانه لا يصح عنده اسم الألوهية إلا بكماله، وكماله لا يكون إلا بالألف، وهو أصل الاسم لكونه أول الأشياء في العدد وفي اسم الأحدية وأول الحروف ولما فيه من الأسرار كما سيأتي إن شاء الله تعالى ذكره في موضعه واسم الألوهية عبارة عما في وجوه قلوب الخلق، ووجوه أبدانهم متوجهة إليه بالعبادة، وهو الإله المعبود، المستحق للعبادة ظاهراً وباطناً، بقوله ((إياك نعبد وإياك نستعين)) فنصفها ألوهية ونصفها عبودية.

ورد عن الإمام الشافعي رضي الله عنه أن ((بسم الله الرحمن الرحيم)) من أم القرآن ......................

يتبع إن شاء الله تعالى

الرفاعي
09-05-2015, 10:01 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
ـــــــــــــــــــــــــ

ورد عن الإمام الشافعي رضي الله عنه أن ((بسم الله الرحمن الرحيم)) من أم القرآن ومن لم يسم فيها نقصت صلاته ولم تتم وفي إعادتها عنده قولان، وأن من دعا بهذا الاسم فقد دعا بجميع الألف اسم التي في جميع الكتب المنزلة، ويجوز للعبد السالك أن يتخلق بسائر الأسماء والصفات غير هذا الاسم المنفرد فانه للتعلق لا للاتصاف والتخلق، قال الله تعالى: ((كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ)) وقرىء بثلاث روايات ((تَعْلَمُونَ)) و ((تُعَلَّمُونَ)) و ((وَتُعَلِّمُونَ)) بجميع ثلاث معان، علمه، وتعلمه، وتعليمه، والعلم نور في ذاته، فاذا عمل به صار نورانياً في ذاته ولغيره، والعلم عقيم فاذا عمل به أنتج، ومعنى ربانيين متخلقين كما ورد في الحديث عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أنه قال: (تَخَلَّقُوا بِأخْلاقِ الله) وقال عليه الصلاة والسلام: (إنَّ لله مائة خُلُقٍ فَمَنْ تَخَلَّقَ بواحدٍ منها دَخَلَ الجنة).

والتخلق بالأسماء جائز، وتصير أوصافاً للسالك في حال سلوكه ورياضته على وجه التخلق والتشبه، لا هي هي عينها وذاتها، ولكن العبد يتصف بصفة سيده، كالغفور، والصبور، والستار، والرحيم، والجواد، والفاضل، والكريم، والجليل، والرؤوف، والعادل، والحليم، وما أشبه هذه الأسماء، إلا أن خاصية الألوهية في كمال الصفات، وتنزيه الذات عن التغييرات ليست إلا لله وحده، ولا مشابهة بيين القديم والمحدث إذا تخلق بأخلاقه فإن صفات الحق تعالى قديمة أزلية منزهة، لا تصير للعبد حقيقة لأن الإله ((ليس كمثله شيء وهو السميع البصير)) ولا يشبهه شيء، والمماثلة منفية عن الله تعالى، وإنما يحصل له ما يناسب تلك الأوصاف ويشاركها من حيث الاسم، في عموم الصفات، دون خواص المعاني، ولا انتقال لعين الصفات، ولا مماثلة مطلقة من كل وجه، ولا تامة على التحقيق، ولا مناسبة كمناسبة الجسم لمكانه وحيزه، والجوهر لجوهره ومحله، وإنما الاشارة إليه بالجواز، على وجه الاتساع في اللغة في المجاز والحقيقة وغير ذلك، فوقع المجاز في التشبيهات، وكمال حظه من جهة التنزيه على الشدة والغضب والشهوات، والترقي من حظوظ هوى النفس وانسلاخه من عوائد الصفات المذمومة، إلى أوصاف التنزيهات، كما تنسلخ من جلدها حتى لا تعود إليه، ولا يبقى في القلب متسع لغير الله تعالى، وفرق بين هو هو وكأنه بكاف التشبيه، وإنما كان سعادة العبد وخصوصيته في التخلق بأخلاق الله تعالى، والتحلي بمعاني أسمائه وصفاته بقدر ما يتصور في حقه أن يتصف بمحاسنها، إلى أن يكون العبد ربانياً، أي قريب من الرب جل وعلا، ويصير رفيقاً إلى الملأ الأعلى المنزه المطهر المزكى، من الملائكة، فإنهم على بساط من القرب، فبشبه بصفاتهم ينال القرب بقربهم، بقدر ما ينال من أوصافهم المرضية، المقربة لهو إلى الله تعالى، والمراد قرب الدرجات والمقامات لا قرب الجهات والمسافات، ومهما اقتدى بالملائكة وتشبه بأخلاقهم، كان أبعد عن البهيمية وأحوالهم، وأقرب إلى الملائكة وأوصافهم، والمَلك قريب من الله، والقريب من القريب قريب، وكلما كانت علوم العبد ومعارفه أكثر وأوسع، كان أقرب إلى الله تعالى وأرفع، وعلى ما يكشف له عن إدراك حقائق المعلومات على ما هي به وعليه، وتتضح له تفاصيل صفات العلوم من جهتها كشفاً تاماً، وإيضاحاً يقيناً، ثبتت تعلقات معلوماته بعلمه، وبقيت ودامت وصحت، وتبين كمالاً للنفس في حياتها وبعد مماتها، وفي استيلاء العلم على المعلوم نوع من الكمال الذي هو من صفات الربوبية، لإحاطته عليها بعلومها، فلا يلحقه بعد ذلك زوال ولا انقلاب ولا تغير ولا نقص، وحينئذ يكون قد تمكن من قربه من الله تعالى، وزادت معرفته، ونارت بصيرته، ورسخ توحيده، وذلك من حيث أن الله تعالى دائم باق، ولا يلحقه زوال، ولا نقص ولا تغير، ولا تقبل صفاته شيء من التغيرات، مما يلحق المحدثات فان قرب الحق جل وعلا بالعلم والقدرة لعامة المسلمين، وقربه باللطف والنصرة لخاصة المؤمنين، وقربه بالانس والشهود للأولياء والعارفين، وحقيقة القرب من الله تعالى، فقد حس الأشياء من القلب بصدق الضمير إلى الله سبحانه وتعالى.

وأقرب ما يصل العبد به إلى الله تعالى، كمالات النفس برياضة العلم، إلى الأخلاق الحميدة، وتنزيهها بالآداب السنية المفيدة، بالرياضات العقلية الحسنة السريرة، وهي ثلاثة أشياء:

أولها زيادة المعرفة بالعلم والتقوى.

الثانية الحرية من رق الشهوة والهوى.

الثالثة تزكية النفس بالتخلق بأخلاق المولى.

فإن أشرف المعرفة بالله وأسمائه وصفاته، وأشرف الحرية الخروج عن رؤية النفس ودعواها بالكلية، وأشرف تزكية النفس الاتصاف بكل خلق وأدب حسن عقلاً وشرعاً فيكون المتصف بهذه الأوصاف مخصوصاً بالدرجة العليا والمقام الأسنى متصفاً بصفات الكمال الملكي، متنزهاً عن صفة النقص البهيمي، منسلخاً عن مذموم ظلمة أوصافه البشرية، مقدساً عن غلبة الشهوة والهوى والشره الطبيعي، فعند ذلك تحصل له نسبة القرب بينه وبين الملائكة بالوصف العلقي النوراني، ويبعد عن جنس وصف الحيوان البهيمي، وتقع المناسبة بالشبه والمساواة والمشاركة في الصفات لفظاً، لا كمال حقيقة، لأن النقص موجود في المحدث، والكمال حقيقة فيمن لا نظير له في ذاته، ولا في صفاته، وإن كانت النسبة والمشاركة والمشابهة في الصفات، لا توجب المماثلة في حقيقة الذات، لأن المشاركة في كل وصف، لا توجب المماثلة في كل وجه لأن الضدين يتماثلان وبينهما غاية البعد إذ السواد يشارك البياض في العرضية واللونية والادراكية، وليس المثل كالممثل به، ولا المشبه كالمشبه به، وبيان القديم من المحدث، أعلى من التباين بين السواد والبياض.

وقد روي عن عائشة رضي الله تعالى عنها أنها سئلت عن خلق النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: كان خلقه القرآن وبذلك وصفه الله سبحانه كما في كتابه بأنه رؤوف رحيم وعدل وهاد وجواد وكريم وعفو وغفور وستار وحليم فأكمل الله له جميع الأخلاق الكريمة بقوله: ((وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ)) وقال صلى الله عليه وسلم: (إن لله تسعةً وتسعينَ اسماً من أحصاها دخل الجنة) وفي رواية أخرى من حفظها دخل الجنة.


والناس في إحصائها على ثلاثة أصناف:.....................

يتبع إن شاء الله تعالى

الرفاعي
09-06-2015, 09:50 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
ـــــــــــــــــــــــــ

والناس في إحصائها على ثلاثة أصناف، صنف أحصاها تصديقاً واعتقاداً وروايةً ومقالاً، وصنف أحصاها حفظاً وعداً ودراية وسلوكاً وحالاً، وصنف أحصاها ذكراً وحفظاً وعلماً ومحافظةً ومعرفةً وتخلقاً ,كشفاً وشهوداً وتعظيماً وإجلالاً، وكل طائفة من هذه الأصناف الثلاثة، قد وعدهم الشرع بدخول الجنة، ولكن جنة كل صنف منهم على حسب علو منازلهم، ورتب أحوالهم، وتمكين معرفتهم، وقوة يقينهم، وعلى قدر ما كشف لهم، من فهم أسرار الأسماء والصفات، وتخلقوا بها، وتحققوا فيها، وشاهدوا من تجلي صفات الذات، فإن الإحصاء الذي ورد فيه الترغيب، هو مطلق يحتمل التخصيص والتعميم.

وفيه إشارة إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم : (إِنَّ فِي الْجَنَّةِ لَمائَةَ دَرَجَةٍ وإِنَّ مَا بَيْنَ الدَّرَجَتَيْنِ لَكَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ والأَرْضِ أَعَدَّهُنَّ اللهُ تَعَالَى للْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِهِ).

وفيه دليل أيضاً على أن من أعطي اسماً من أسماء الله تعالى حقه كما يجب جاز درجة، ومن أحصى الجميع جاز الدرجات كلها، فمن أقر بفضلها وقرأها فهو المسلم، وله الافادة، ومن عرفها ودراها فهو المؤمن وله الزيادة، ومن علم معانيها، وعمل بمقتضاها، واتصف بها، فهو العارف، وله المشاهدة، فمن عرف هذا الاسم، أقيم بشواهد الهيبة والجلال، وخص بمزيد القربة والكرامة والافضال، ومن انكشف له سر معنى حكمته، وانفصلت عنه رعونة البشرية، ولاحت له هيبة جلال عز الربوبية، وتحقق له محض ذلة العبودية، فإن حقيقة الأسماء الإلهية، اذلال العبودية، والألوهية صفتها العظمة والكبرياء والعزة والعلو وإطلاق القدرة والاستغناء، قال الله تعالى: ((قُلْ مَنْ رَّبُّ السَّموَاتِ وَالأَرْضِ قُلِ اللهُ)) وقال تعالى: ((قُلْ اللهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ)) وهو الاسم الأعظم، فإنه روي في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن اسم الله الأعظم، فقال: ( اسْمُهُ اللهُ الحَيُّ القَيُّومُ ) وهو الاسم المقدس المنزه المكرم، اسم ذاته، المنعوت بصفاته، المخصوص بالتقديم على الأسماء والتشريف والتعظيم، وقد تنزل الأسماء منزلة الصفات، وتنزل الصفات منزلة الأسماء، اتساعاً في الألفاظ، وتجمعها كلها صفة الألوهية.

واعلم أن مجموع صفات الله تعالى في إدراك عقولنا وفي مفهوم علومنا على ثلاثة أضرب ؛

منها سمعية، لا يجوز إطلاقها، ولا إثباتها، إلا بعد ورود الاذن باطلاقها، ولا يجوز لأحد، ولا يجوز أن يسمى الله سبحانه باسم غير ما سمى به نفسه، أو أذن به، أو سماه به رسول الله صلى الله عليه وسلم، واجتمعت عليه الأمة، ولا يجوز أن يسمى بما لم يجز في صفته، مثل عاقل، وفقيه، ولبيب، وسخي، وشبه ذلك، وكره مالك الدعاء بيا سيدي، أو يسمى خليل، أو حبيب، أو صفي، أو جميل، أو مليح، ولا يجوز أن يطلق عليه، أو يضاف إليه، وإلى أسمائه الحسنى ما ذكره عز وجل في كتابه كقوله: ((خَادِعُهُمْ . وَمَكَرَ اللهُ . اللهُ يَسْتَهْزِىءُ بِهِمْ . وَيُضِلُّ اللهُ)) وإنما ذكر ذلك تعالى على المقابلة والمكافأة والمجازاة على فعلهم، باعادة أوصافهم اليهم، وهي من أوصاف الأفعال والجزاء، ومن التي نفاها الله تعالى عن نفسه، ونزه ذاته العلية، وصفاته القدسية، عن الاتصاف بها.

ومنها صفات ذاتية، كان موصوفاً بها في الأزل، وهو موصوف بها فيما لا يزال، ويستحيل أضداد ذلك، كـ( حي، وعالم، ومريد، وقادر، وسميع، وبصير، ومتكلم، وأسماؤه الذاتية من الأسماء الحسنى.

ومنها صفات فعلية، تسمى بها البارىء سبحانه، لصدور الأفعال منه، فان المحدث يتعلق بكلامه تعالى، بقوله كن، وكن هي الأمر بالتكوين، والقدرة توجد الفعل وتوقعه وتظهره، والعلم محيط به، ويرتبه ويكشفه، والارادة تخصصه وتبدعه وتتقنه، والسمع والبصر والكلام، يقتضيان كمال المتصف بها، ولا تتعلق قدرة المحدث ولا إرادته، ولا إحاطة علمه بالقديم، ولا تتعلق قدرة الله تعالى وإرادته بذاته ولا بصفاته القديمة، وإنما تتعلق بايجاد المحدث وتخصيصه، والحق سبحانه يعلم ذاته وصفاته، ويبصر نفسه، ويسمع كلامه.


وقد قسم العلماء معاني الأسماء الحسنى على أربعة أقسام:.......................


يتبع إن شاء الله تعالى

الرفاعي
09-06-2015, 10:53 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
ـــــــــــــــــــــــــ


وقد قسم العلماء معاني الأسماء الحسنى على أربعة أقسام:

القسم الأول:

من أسمائه، هو ما يدل على الذات الكريمة الجليلة المنزهة القديمة العظيمة، وذلك كل ما دلت التسمية به على وجود ذاته وهو راجع إلى نفسه كـ( موجود، وذات . وإله، وقديم، وباق، ودائم، وأزلي، وقيوم، وواحد، وفرد، ووتر، وصمد، وأول، وآخر، وظاهر، وباطن، وحميد، وحق، وما هو من هذه الأسماء فهو اسم الذات العلية، ويقال انه هو الاسم وهو المسمى.

القسم الثاني:

من أسمائه، وهو راجع إلى صفة ذاته القديمة، وهو مالا يقال انه هو ولا انه غيره، ولا الاسم هو المسمى، وذلك ما دلت التسمية به على صفة ذات نفسه، وهي تنقسم على أربعة أقسام منها صفات تختص بنفس ذات البارىء سبحانه وتعالى، كـ( الحياة، والعلم، والقدرة، والإرادة، والسمع، والبصر، والكلام.

ومنها صفات تختص بالإرادة، كـ( الرحمن، والرحيم، والغفور، والعفو، والحليم، والودود، واللطيف، والصبور، والكريم، والرؤف، والجواد، والشكور.

ومنها صفات تختص بالقدرة، كـ( القوي، والغالب، والقاهر، وذى القوة المتين، والقادر، وما هو من هذه الأسماء.

القسم الثالث:

من هذه الأسماء، وهو راجع إلى صفة أفعاله، وهو ما يقال انه غيره والإسم فيها غير المسمى وذلك كل ما دلت التسمية به على صفة فعل من الأفعال، كـ( بارىء، ومصور، وخالق، ووهاب، ومحيى، ومميت، ورزاق، وباسط، وقابض، ورافع، وخافض، ومعز، ومذل، وحكم، وعدل، ومحسن، ومتفضل، وفتاح، وباعث، ورقيب، ووارث، ومجيب، وكاف، ومقيت، ومعافى، وشاف، ومعطى، ومانع، ووكيل، وواسع، ومقسط، وجامع، وضار، ونافع، ومبدىء، ومعيد، وهادى، ورشيد، ومقدم، ومؤخر، وتواب، وبر، ومنتقم، ومعين، وولي، ومبين، وما هو من هذه الأسماء.

القسم الرابع:

من أسمائه، وهو راجع إلى صفة التنزيه، ويقال أنه هو هو والإسم والمسمى فيها واحد، كأسماء الذات، وذلك كل ما دلت التسمية به على نفي النقائص كلها عنه عز وجل، كـ( عزيز، وجبار، ومتكبر، وكبير، ومولى، ومتعال، وذى الجلال والإكرام، وجليل، وعظيم، وعلىّ، ومؤمن، ومهيمن، وغنى، وقدوس، وسلام، وما هو من هذه الأسماء.

وهذا الاسم المفرد جل ذكره، وهو جامع لجميع الأشياء كلها، وهي كلها شارحة له ومشيرة اليه، ومعبرة عنه، والعالم كله، علويه وسفليه، بما فيه من عجائبه وغرائبه، صادر عنه.

وهو على قسمين، عالم أمر، وعالم خلق، وعالم الأمر، وهو الحاكم على عالم الخلق، إذا كان يلي إسم الألوهية في المرتبة العليا، وكل ما عبر عنه باسم الألوهية فهو والأسماء كلها لا تغاير فيها من حيث أنها أسماء، وإنما التغاير في مقتضياتها، وفي المفهوم من ذلك حسب قوله تعالى: ((قُلِ ادْعُواْ اللّهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَـنَ أَيّاً مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى)) وإن تعددت الأسماء فالمقصود منها واحد، وهو الله، وكل الأسماء هي صفته ونعته، وهو أولها وأصلها، والأسماء كلها سرت في العالم سريان الأرواح في الأجسام، وحلت منه محل الأمر من الخلق، ولزمته لزوم الأعراض للجواهر، فإنه ما من موجود، دق أو جل، علا أو سفل، كثف أو لطف، كثر أو قل . إلا وأسماء الله جل وعز ذكره محيطة به عيناً ومعنى، ومقتضى اسم الألوهية جامع لجميعها، كالأسماء المحيطة بالعوالم، المنقسمة إلى أمر وخلق، وكان لها مقام الروح من الجسد؛

ومن لطف الله تعالى أن أظهر من علمه وقدرته بهذا الاسم ما احتملته عقول خلقه، ليصل حبله بحبلهم، وبفضله فطرتهم التي فطرهم على معرفته، فأشهدهم مشاهدتهم، فشهدوا بها على أنفسهم حين ((ألست))، ثم أشهدهم الآن مشاهدتهم حال وجودهم، بأن أظهر لهم من أسمائه اسمه الأعظم ((الله)) وعرفهم به من أجله، وخفف ذكره على ألسنتهم، وأجراه دائماً وسهله عليهم، وأظهره لهم ظهوراً بيناً في ((بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)) فمن شدة ظهوره خفى حتى لم يوصف، ومن كثرة ذكره نسى حتى لم يعرفن فبه تستقيم الأمور، وبذكره يسهل العسير، وتقضى الحوائج وسائر الآراب، ويبتدأ به مناولة جميع الأسباب، وهو الذي لم يسعه سماء ولا أرض، ولا عرش، ولا كرسي، سوى مشيئته، ومن شاء من قلوب من سبقت له منه الحسنى، وبقدر ما أودع الله تعالى منه في قلوب عباده المخلصين المختصين المشرفين، باضافة عبوديتهم إليه، وبكبر قدره، ويكشف لهم منه سره، تعالت أسماؤه، وجلت صفاته، وعظمت ذاته.


قال الشاعر :

هُوَ الْحَيُّ والْقَيُّومُ جَلَّ جَلاَلُهُ = فَعَظِيمُ عُظْمِ الْكِبْريَـاءِ رِدَاهُ

أَغْنَى وَأَقْنَى وَاسْتَنَارَ بِنُورِهِ = كُلُّ الْكَيَـانِ فَجَـوُّهُ فَسَمَـاهُ

فَالأَرْضُ مُشْرِقَةٌ بِنُورِ جَمَالِهِ = وَالْفَضْلُ مُنْفَطِرٌ بِهَدْىِ هُـدَاهُ

اللهُ اللهُ الْعَظِـيـمُ مُمِـدُّنَـا = بقُـوى يُبَلِّغُنَـا الْعُلُـومَ اللهُ


واعلم أن جميع صفات الله تعالى هي صفة الألوهية.................

يتبع إن شاء الله تعالى

الرفاعي
09-06-2015, 02:34 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
ـــــــــــــــــــــــــ

واعلم أن جميع صفات الله تعالى هي صفة الألوهية ونعت لها ولا يقال فيها أنها هو، ولا هو هي، ولا غيره لأن الله تعالى واحد قائم بذاته، مستغن عن غيره بصفاته، وصفاته مطلقة قديمة قائمة به، غير متناهية بحسب قدم ذاته، وعدم تناهيه، وهو واجب الوجود بنفسه، وواجب له الاستغناء، واستحال عليه الاحتياج، لم تزل صفاته موجودة معلومة قائمة به، ولا يجوز وجوده سبحانه، وعدم شيء من صفاته، ولا وجود صفاته، وعدم ذاته، ولا مباينته لشيء منها، ولا مغايرته عنها، على وجه من الوجوه، لو كان هو هي لكانت الذات هي الصفات، والصفات هي الذات، ومن المحال أن تكون الصفة داله على غير الموصوف، أو تعرى احداهما عن الأخرى، لأن الصفة هي المعنى، والموصوف هو الذات وموصوف بلا صفة محال، وصفة بلا موصوف أيضاً محال، ولو كانت أيضاً هي هو للزم أن تكون الصفة هي الموصوف كما ذكر، ودل أيضاً على اثبات الصفة ونفي الذات عن صفاتها، أو خلو الصفات عن ذاتها، أو تجرد إحداهما من الأخرى، ومن شرط الذات لزوم الصفات، ومن شرط الصفات لزوم الذات، فإن الصفات لا تقوم بذواتها، ولا بأنفسها، ولا تستغني عن الموصوف كما أن الذات لا تفارق صفاتها، ولا بد من قيام احدهما بالأخرى ضرورة واجبة، وحقيقة لازمة، لا تنفك عنها كتعلق الشرط بالمشروط، وفي بطلان أحدهما وعدمه، بطلان الآخر ونفيه، وفي إثبات أحدهما ووجوده، إثبات الآخر ووجوده، لأنه لا يتصور وجود حياة إلا في حي، ولا وجود علم إلا في عالم ولا وجود إرادة إلا في مريد، وكذلك القدرة، والسمع، والبصر، والكلام، وسائر الصفات لا تعقل إلا في موصوف، ولو كانت هي غيره لكان لا يخلو، إما أن تكون زائدة على الذات أولاً، فإن كانت زائدة عليها فلا يخلو، إما أن تكون قائمة بذاتها، أو بغيرها، فإن كانت قائمة بذاتها، فإما أن تكون قديمة أو محدثة، فلو كانت الصفة زائدة على الذات، لكانت محلاً للحوادث، ووجب لها ما يجب للحوادث من لزوم التغيرات، وإن كانت لا زائدة، فإما أن تكون نفس الذات وعينها، أو غير الذات، فمحال أن تكون نفس الذات وعينها لما يلزمها من أن تكون هي هون وإن كانت غير الذات، فإما أن تكون قائمة بذاتها، أو قائمة بغير . فمحال أن تكون قائمة بذاتها، وذلك لتعلق القديم بالقديم، مع المباينة والمغايرة، وليس ذلك من شرط التوحيد، ولو كانت أيضاً محدثة، لم تخل من ثلاثة أحوال، إما أن تكون حدثت في ذات القديم، أو في غيره، أو في ذاته، فلو حدثت في ذات القديم، لكان متغيراً لحدوثها عن صفات كان عليها ولقامت به تغيرات، من صفات إلى صفات، ودلت الدلالة على الحدث، لأن ذلك من صفات الأجسام المحدثات، ولو حدثت أيضاً هذه الصفات في غيره، لوجب أن يتصف الموصوف بصفة في غيره، ولو اتصف الموصوف بما في غيره من الصفات، لوقعت المساواة بين سائر الموصوفين، من قديم ومحدث، ولإستحالة أن يوجد في العالم مختلف الصفات، لأنه كأن يكون كل جسم حياً، وعالماً، ومريداً، وقادراً، وبما قام بغيره من سائر الصفات، ويتصل ذلك بأن يكون ما وجد بالمحدث من الصفات هي صفات القديم، وكذلك ما وجد بالقديم من الصفات تكون صفات المحدث، موجباً له ما يوجب له من الأحكام، فاستحال أن تكون صفات الله تعالى موجودة لا في ذاته، لأن الصفات لا تقوم بذوات أنفسها، ولا تستغني عن الموصوف، لأنه لا يتصور في ضرورة العقل وجود صفات إلا في موصوف، فكما وجب للصفة القديمة القدم في الأزل، كذلك وجب لها البقاء فيما لم يزل، لاستحالة التغيير على الموصوف القديم، واستغنائه بصفات الكمال والتنزيه والإجلال، فإن صفاته سبحانه ليست غيره ففصلها منه، ولا هي هو فأفردها بالذكر عنه، دون نسبتها له، وهي لا هي هو، ولا هي غيره، والفرق بين صفة القديم وبين صفة المحدث، أن صفة المحدث تقدم من ذاتها عند وجود ضدها بتغيرها، كعدم الحركة عند وجود السكون، ومثله ضده في جميع الصفات، والقديم لا يجوز عدمه، ولا عدم شيء من صفاته، ولا يجوز عليه التغيير، وهو متنزه عن الأضداد والأنداد، وعن صفات المحدث، وكذلك الفرق بين الوجود المطلق، والوجود المقيد، فالمقيد لا يخلو من الصفات العرضية، كالحركة والسكون، والموت والحياة، والجهات والحدود، والاجتماع والافتراق، والتغير بالأضداد وما لا يحلو من الحوادث ولم يسبقها فهو حادث مثلها، وكل الحوادث لا بد لها من محدث يحدثها، وهو ليس كمثلها ولا يشبهها، فلو كان مثلها وشبهها، لوجب له ما يجب لها ولجاز عليه ما يجوز عليها، واحتاج إلى محدث، ويتسلسل وما يتسلسل لا يتحصل، والموجود المطلق هو المنزه عن التغييرات العرضية، السلبية الموصوفة بالصفات الثبوتية، الدائمة، الأزلية، ولو جاز عدمه، لبطل قدمه، وصفاته سبحانه صفات الكمال والعز، والاستغناء، والجلال، الذي لا يليق إلا به، ولا يمكن الحمل فيها، وأنه الواحد الذي لا يقبل التجزئة، ولا التأليف، ولا التركيب، وأنه القديم الأزلي، الدائم الذي لا أمد لمداه، ولا غاية لمنتهاه، الغني المطلق، الذي لا يتوقف غناه على غيره، كما لا يتوقف وجوده على غيره، فلا يحتاج في ذاته ولا في كماله ولا في صفاته ولا في استغنائه ولا في فعله إلى أحد سواه، فصح عند العقلاء بالبرهان العقلي، وثبت عند العلماء بالبيان النقلي، أن صفات الله تعالى قديمة أزلية منزهة قائمة بذاته القديمة العلية، المختصة بمطلق الوجود، المنزهة عن صفات الانحصار والقيود، المقدسة عن جنس الكيفيات والجهات والحدود، وهو المنفرد بالأحدية، المنعوت بالصمدية، الذي لا يتبعض وجود أحديته في الوهم، ولا يتحيز في الفكر، ولا يتكيف بالعقل، ولا يتخيل في الذهن، ولا يتمثل في النفس الموصوف في ذاته وصفاته، بصفة الاستغناء والكمال، والقدرة والتعظيم والجلال، تنزه عن كل شيء محدث مقيد، هُوَ اللهُ اللهُ اللهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ.

قال الشاعر :

تَبَارَكْتَ يَامَنْ لاَيُحَاطُ بِوَصْفِهِ = فَمَا قَدْرُ قَوْلِي وَاللِّسَانُ كَليـلُ

بِحَقٍّ لَقَدْ نُزِّهْتَ قِدْمًا فَمَنْ لَنَـا = بِاِدْرَاكِ وَصْفٍ وَالْمَرَامُ طَوِيلُ

وَلَوْ كَانَتِ السَّبْعُ الْبِحَارُ مُمِدَّةً = لِوَصْفِكَ لَمْ يُوجَدْ لِذَاكَ سَبِيـلُ

فَأَنْتَ كَمَا نَزَّهْتَ نَفْسَكَ وَالَّذِي = يَفُوهُ بِهِ فِيـكَ الأَنَـامُ قَلِيـلُ


واعلم أن جميع أسمائه وصفاته....................


يتبع إن شاء الله تعالى

الرفاعي
09-10-2015, 05:17 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
ـــــــــــــــــــــــــ

واعلم أن جميع أسمائه وصفاته، لا يدخله الترتيب بقبل ولا بعد، ولا بأول ولا بآخر، ولا يتوقف بحد ولا زمان، ولا يوصف بالتعقيب ولا بالتقديم ولا بالتأخير، فقوته كنه قدرته، وقدرته دوام بقائه، ومشيئته إرادته، ونظره سعة علمه، وعلمه مدى نظره، وكلامه مطلق، لا على الترتيب، فيعلم بنظره، وينظر بعلمه، خزائنه في كلامه، وقدرته في مشيئته، يخلق بيده إذا شاء، وبكلمته إذا شاء، وبإرادته متى شاء، وبمعاني صفاته كيف شاء، ولا يضطر إلى الكلام، ولا كلامه إليه، فما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، وصارت الأوائل والأواخر لديه كشيء واحد، وليس هى هو، ولا هى غيره، وقوله هو أمره، وأمره هو كلامه، وكلامه نور، وهدى، وشفاء، ورحمة، وفرقان، وقرآن، وهو صفة له قديمة، والأمر غير الخلق، وقوله الحق، وله الملك، والأمر، وخلق جميع المخلوقات، وأمره هو قوله كن، وبكن كانت جميع المكونات من المخلوقات، وبأمره كن كانت جميع المحدثات كلها، وصدرت منه، ووجدت عنه، وقوله ((للهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ)) أي قبل الخلق، ومن بعد الخلق كان أمره، والأشياء كلها إنما ظهرت عن كلامه، والكلام هو الأمر، وهو صفة ذاتية قديمة، وصفاته كلها آحاد كاملات تامات، غير محدودة، ولا مؤقتة، ولا مرتبة كالأوقات المرتبة، إذ الترتيب في النعوت من وصف الخلق والأدوات، والله سبحانه وتعالى ليس كمثله شيء في كل الصفات، صفاته قديمة بقدمه، وكائنة موجودة بعيانه، وليس هي ذات جهات فيتوجه بها إلى جهة دون جهة، ويدرك بصفة دون صفة، ولا ذاته ذات ذوات، فيقبل على مكان دون مكان، ولا يضطره الترتيب إلى المخلوقات، ولا يفكر في الأمور بأفكار محدثات فيشغله شأن عن شأن، ولا تدخل عليه الأعراض فيتغير عن مكان، ولا يَخْلُقْ بآلة فيستعين بسواه، ولا تعجزه قدرة فيحتاج إلى مباشرة يديه، لا يدركه الجهل لعلمه، ولا الفقر لغناه، ولا الذل لقدرته، ولا الضعف لقوته، ولا الفناء لبقائه، ولا التعب لصلاح قدرته، ولا الملل لفعله، ولا الكسل لصنعه، ولا البدء لمشيئته، ولا التغير لصفاته، ولا العرض لذاته، ولا النقص لكماله، سبحانه جلَّت قدرته.

قال الشاعر:

سُبْحَانَ مَنْ جَلَّتْ صِفَاتُ كَمالِهِ = لِكَماَلِـهِ وَجَمَالِـهِ وَجَـلاَلِـهِ

يُعْطِي وَيَمْنَعُ وَالْمَحاَمِدُ كَلُّهَـا = فيِ مَنْعِـهِ وَعَطَائِـهِ وَفِعَالِـهِ

وَالْعَبْدُ مَحْجُوبُ التَّصَرُّفِ جُمْلَةً = مَعْبُـودُهُ أَولَـى بِـهِ وَبِمَالِـهِ

لاَ يَسْتَفِيـدُ وَلاَ يُفِيـدُ لِنَفْسِـهِ = أَحَدٌ لنَقْـصِ حَيَاتِـهِ وَمِثاَلِـهِ


فالحق سبحانه إذا تكلم أظهر، وإذا شاء قدر، ومتى أحب ظهر، وبأي قدرة شاء استقر، هو عزيز في قربه، وقريب في علوه، حجب الذات بالصفات، وحجب الصفات بالأفعال، وكشف العلم بالإرادة، وأظهر الإرادة بالقدرة، أبرز القدرة بالحركات، وأخفى الصنع في الصنعة، وأظهر الصنعة بالأدوات، وهو باطن في غيبه وظاهر بحكمته، وقدرته غيب في إرادته، وإرادته حكمته، وحكمته شاهدة لمحكوماته، وهي مجاري قدرته، ومنعه سر صنعته، وهو علانية مشيئته، ليس له شبه في صنعة، ولا له مثل في كل ماهية، وفي هذا الإسم المفرد المتصف بالألوهية أربعة أحرف، ألف ولام ولام وهاء كما قيل:

أَحْرُفٌ أَرْبَعٌ بِهَا هَامَ قَلْبِـي = وَتَلاشَتْ بِهَا هُمُومي وَفِكْرِي

أَلِفٌ قَدْ تَأَلَّفَ الْخَلْقَ بِالصَّنْـ = ـعِ ولاَمٌ عَلَى الْمَلاَمَةِ تَجْرِي

ثُمَّ لاَمٌ زِيَادَةٌ فـيِ الْمَعَانِـي = ثُمَّ هَاءٌ بِهَـا أَهِيـمُ وأَدْرِي


ولكل حرف من هذه الأحرف معنى يختص به، كما أن لكل اسم من أسمائه تعالى معنى يختص به.

1 - فالألف: مشتق من الألفة والتأليف، ألف به جميع خلقه على توحيده ومعرفته، بأنه إلههم وموجدهم، وخالقهم ورازقهم، قال الله تعالى: ((وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللهُ)) وقال تعالى: ((وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقْ السَّموَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ)) فانه تعالى كان ولا شئ معه كما هو الآن على ما عليه، كان ولا شئ قبله، ولا شئ بعده، فكأنه كما قال: (كُنْتُ كنْزاً لَمْ أُعْرَفْ فَأَرَدْتُ أًنْ أُعْرَفَ فَخَلَقْتُ خَلْقْاً فَعَرَّفْتُهُمْ بِي فبي عَرَفُونِي) وألف بين قلوب عباده، على محبته وعبادته وطاعته في الايمان والتوحيد، قال الله تعالى: ((لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)) وألف كلمتهم على الاعتراف بعبوديته، والاقرار بوحدانيته وربوبيته، قال الله تعالى: ((إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا)).

قال الشاعر:

تَبَارَكَ مَنْ فَخْرِي بِأَنِّي لَهُ عَبْدُ = وَسُبْحَانَهُ سُبْحَانَهُ وَلَهُ الْحَمْـدُ

وَلَا مُلْك إلَّا مُلْكُهُ عَزَّ وَجْهُـهُ = هُوَ الْقَبْلُ فِي سُلْطَانِهِ وَهُوَ الْبَعْدُ


وألف قلوب عباده بالفضل والاحسان والعطاء، وجعله رزقاً مقسوماً لهم، تارة قبضاً وتارة بسطاً، قال الله تعالى: ((وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ . مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ . إنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ)) والألف أيضاً هو استفتاح لحروف المعجم، التي هي دلالته على معرفة المعاني ومفهومها، وهي كسوة لها، وصور تدل عليها غير حالة ووضعت المعاني، ولم توضع المعاني للحروف، لأن معناها في غيرها، والمعاني معناها في مفهومها مقام الأرواح، والأحرف مقام الأشباح، فجعلها الله لها صوراً واصدافاًن فالحروف لسان فعل الانسان، لأنها فعل في مفعوله، ومعانيها علوم في علوم.

واعلم أن الألف هو أشرف حروف المعجم خطراً...................

يتبع إن شاء الله تعالى

الرفاعي
09-11-2015, 07:15 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
ـــــــــــــــــــــــــ

واعلم أن الألف هو أشرف حروف المعجم خطراً . وأعظمها أمراً . وأرفعها قدراً . وهو آدم الحروف . والهمزة منه حواء . والمذكر من الكلام ولد . والمؤنث منه بنت . والثمانية والعشرون حرفا متولدة من الألف . كجميع بني آدم من آدم والحروف كلها من الألف . والأصل الألف . قائم منتصب مستو معتدل . ونقطة أصله إشارة لإثبات أولية الوجود . الذي هو ضد العدم . وهو المصطلح عليه عند أرباب أصول الدين بالجوهر الفرد . الذي هو عبارة عن إثبات موجود . فلما أرادت أن تسمى بالألف بعد تسميتها بصفة الوحدة . امتد للتجلي والظهور . ونزلت نزول الأعلى إلى الأدنى . لتعرف وجود ذاتها بنفسها . فصارت ألفاً . وسميت بذلك لتوقف عوالم الحروف فعرف بالألف . فإنه روى أنه أول ما خلق الله تعالى نقطة فنظر إليها بالهيبة فتضعضعت وسالت فسيلها ألفاً . وجعلها مبتدا كتابه . واستفتاح حروفه . فكان أولا استفتاح الحروف به لصدورها عنه . وظهورها به . فكانت النقطة كنزاً لم تعرف . فتجلت ونزلت لتعرف بهم . ويعرفون بها . وينسبون إليها . كما أن آدم عليه السلام خلق استفتاحاً لذريته وأولهم . وعرفوا به . ونسبوا إليه فكانت الحروف أسراراً أودعها الله تعالى وبثها في آدم حين خلقه . ولم يبثها في أحد من الملائكة فجرت الأحرف على لسان آدم بفنون اللغات . وأنواع الكلمات . ولها ظاهر وباطن . وحد ومطلع . فظاهرها أسماؤها وصورها . وباطنها معانيها وأسرارها . وحدها تفصيلها وأحكامها . ومطلعها شهودها وكشفها . فكل تركيب وتولية هو من الألف لتناول الحروف من فوائد أسرار المعاني . على حسب نفخة روح جوامع الكلم . وعجائب الحكم وغرائب العلم . وصورة الألف هو السر الذي تميز به آدم عليه السلام . وتخصص بسببه من تعليم الحق له جميع الأسماء كلها .

وأعلم أنه من كشف له عن معرفة سر الألف وتحقق به فقد خص بمعرفة سر توحيد الوحدانية . وترقى إلى مقام معرفة سر وحدة الأحدية . ومن كشف له عن معرفة سر اللام المنسوب إلى الألف وتحقق فيه . فقد خص بمعرفة سر الرسالة النبوية . وما أحاط بمعرفة أسرار جملة الحروف على الحقيقة والكمال بعد آدم سوى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آدم وعلى ما بينهما من جميع النبيين والمرسلين . ولذلك خص بإعطاء جميع حروف المعجم . وما حوته جميع المعاني والعلوم والحكم فقال : ( أُوتِيتُ جَوَامِعَ الْكَلِم ) وقد يتحف الله سبحانه وتعالى من شاء من عباده ويخصه . ويكشف معنى سر حرف واحد أو حرفين أو أكثر . على قدر تخصيصه في الأزل فيتصرف بذلك في كل ما يريد من أمور دينه أو دنياه . وتفعل له الأشياء على حسب تمكنه . وإحاطة علمه . وسعة معرفته . وتكون له خاصية يمتاز بها . وفي حقه كرامة أكرمه الله بها . فإن لكل حرف من الحروف سر عجيب . وعلم غزير نافع مصيب . تكشف به مغلقات الخطوب . وتبلغ به جميع المراد والمطلوب . وتكشف به ملكات بديعة . وتصرف به أمور شريفة . يعرفها الحكماء العقلاء . ويعرفها العلماء النبلاء .

والألف في العدد واحد . والواحد استفتاح لجميع العدد وأوله . وفيه إشارة إلى عمود التوحيد . الذي به قوام كل عالم في الوجود . فكما كان الله سبحانه وتعالى واجب الوجود . الأول الموجود . ولا شئ قبله في الوجود . وسبقت أحديته جميع ما سواه . كذلك الألف سبق واحد الأعداد وما بعده . وليس شئ قبله . فإن ابتداء الألف نقطة واحدة منفردة . وهي عبارة عن مركز قطب دائرة وجود عوالم الحروف . كذلك نقطة وجود وحدة الموجود . الذي صدر عنه وجود العالم بأسره . وبها تستقيم دائرة العدل على القوام . وهي أيضاً عبارة عن إثبات الوجود الذي هو ضد العدم . ويعبر عنها بالجوهر الفرد . الذي لا يجوز عليه الانقسام . ولا حصر العدد . وهي محل قابلية للتهيئ كالهيولي لجميع حروف صور الأشكال المحسوسة . ووضع الدلالة على إدراك تصوير المعاني المعقولة .

وهي أيضاً إشارة لاسم وحدة التوحيد . الذي لا يجوز فيه اشتراك مع عقد التقليد . ولهذا كان الانسان الآدمي ألف القوام قائماً معتدلاً منتصباً . حسن القد والقامة على الاستقامة . مخصوصاً بالتشريف والتكريم . ممدوحاً مثنى عليه بقوله تعالى : (( لَقَدْ خَلَقْناَ الانْسَانَ فيِ أَحْسَنِ تَقْويمٍ )) وقد شرف وفضل على أكثر المخلوقات حسبما ذكر الله تعالى في كتابه المبين قوله : (( وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا )) وقال تعالى : (( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ )) فهو أشرف المخلوقات . وأفضل الموجودات وأكرم المحدثات فمن تشريفه وإكرامه . وتفضيله وإعظامه أن جعله الله تعالى مجمع البحرين . بحراً سفلياً ظلمة الشهوات الحيوانية . وبحراً علوياً نور العقل النوراني وركبه في عالمين . عالم الأمر الروحاني . وعالم الخلق الجثماني . وجمع له في الركعة الواحدة من عمل جميع عبادة الملأ الأعلى من الملائكة أهل السبع سموات . سبع أنواع من العبادات . وجعل ثوابهم عليها عائدة إلى الآدمي بتضعيف الزيادة . فمنهم قائمون أبداً . ومنهم راكعون أبداً . ومنهم ساجدون أبداً . ومنهم جلوس أبداً . ومنهم مهللون أبداً . ومنهم مسبحون أبداً . ومنهم حامدون أبداً . فهم لله عابدون دائماً أبداً لا يفترون . قد خلقوا مطهرين . منزهين . علويين . روحانيين . نور بلا ظلمة . وعقل بلا شهوة . ولطف بلا كثافة . ودوام بلا فترة . ونشاط بلا سآمة . وطاعة بلا مخالفة . وعبادة بلا حظ . وإخلاص بلا عوض . وخدمة بلا علاقة . وجمع بلا تفرقة . وجعل هذا البشر برزخاً قائماً . مستوي الخليقة . بين عالمي النور والظلمة . فأيهما كان الغالب عليه . نسب في الحقيقة إليه . فسبحان من ألف بين الضدين وجمع إليه صفات العالمين في هذا الآدمي الكريم . وجعل محل عقله ومعارفه وتوحيده ومحبته وأسراره قلبه السليم . فهو الصراط المستقيم . والبرزخ المعتدل القويم . بالألف ألفه ووصله وجمعه وفرقه وفصله وقطعه .


ألف كتابه بنقطة . وخلق خلقه من نقطة . ويميتهم بقبضة . ويحييهم بنفخة .

قال الشاعر :

إنَ الأُلَيْـفَ لَـهُ فَضْـلٌ وَتَقْدِمَـةٌ = عَلَى الْحُرُوفِ فَلاَ تَبْغِي بِـهِ بَـدَلاَ

فِيهِ الْعُلُومُ خَفَتْ مِـنْ كُـلِّ مَعْرِفَـةٍ = قَدْ جَلَّ مُنْفَـرداً بِالحَـقِّ وَاعْتَـدَلاَ

هُوَ قَائِمٌ أَبَـداً هُـوَ واحِـدٌ عَـدَداً = شَكْلُ الأُلَيْفِ حَوَى التَّفْصِيلَ والجُمَلاَ

حَرْفٌ وَمَعْنَى هُمَا بِالسِّرِّ قَدْ جَمَعَـا = أَصْلاً وَفَرْعاً بِمَا بِالْوَصْلِ قَدْ وَصَلاَ

فَاعْرَفْ سَرَائِرَهُ إِنْ كُنْـتَ ذَا أَرَبٍ = وَاحْفَظْ دَقَائِقَـهُ تَعْلُـو بِـهِ نُـزُلاَ

وَمِثْلَهُ مَنْ حـوَى طَبْعـاً وَمَعْرِفَـةً = رُوحاً وَجِسْماً لَهُ وَصْفٌ سَمَا فَعَـلاَ

كالْعَقْلِ مِنْ مَلَكٍ وَالطَّبْعِ مِـنْ نَعَـمٍ = يَا حُسْنَ مَنْ عَلِمَا يَا بِئْسَ مَنْ جَهِلاَ


2 - واللام الأول : إشارة إلى لام الملك . هو بعد حذف الألف عن كمال الاسم المفرد صار (( لله )) قال الله تعالى : (( لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ )) الآية . وقال تعالى : (( قُلْ لِمَنْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ )) وقال تعالى : (( قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ )) وقال تعالى : (( وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا )) وقال تعالى : (( أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَلَا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ )) وقال تعالى : (( لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ )) وفي هذه الآيات وأمثالها إشارة وانباء إلى لام الملك .

وهو أيضاً لام لوح العقل والفهم لمن شرح الله صدره . وخص قلبه وسره . ونور معرفته بنور اليقين في تحقيق مشاهدته . وهو أيضاً لام لوح النبوة والرسالة لاتساع الصدر وشرحه . وتنويره بمعرفة أسرار الوحي وحمل أعباء حكم التنزيل وأحكامه .

3 - واللام الثاني : هي إشارة إلى لا الْمُلْكْ وذلك بعد حذف اللام الأولى صار (( له )) قال الله تعالى : (( ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ )) وقال تعالى : (( وَتَبَارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ )) وقال تعالى : (( أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ )) وقال تعالى : (( الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ )) وقال تعالى : (( إِنَّ اللهَ لَهُ مُلْكُ السَّموَاتِ والأَرْضِ )) وقال تعالى : (( لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ )) وقال تعالى : (( قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ )) وفي هذه الآيات وأمثالها إشارة وانباء إلى لام المُلْكْ . فهو المَلِكْ . والمالك . وله مُلْكُ السموات والأرض . وما بينهما وما فيهما من العوالم كلها . علويها وسفليها .

قال الشاعر :

سرُّ الأُلَيْف سَرَى فِي اللاَّم مُتَّحـداً = فافحصْ عليْهِ وَلاَ تَنْظُرْ إلى الصُّوَرِ

سرُّ الْمَعَارف في اللاَّمَيْنِ مُجْتَمعـاً = كالشَّمْسِ طالعةً والفَجرِ في سحَـرِ

واللاَّمُ تُخْبِرُ أنَّ الخَلْقَ في طَـرَفٍ = مِنَ الأُليفِ بـلا رَيْـبٍ ولا نُكُـرِ

فاطلُبْ وجيزَةَ ما في اللامَّ مِنْ حِكَمٍ = وافْهمْ مَعَانِيهَـا إنْ كُنْـتَ ذَا نَظَـرِ

تجِدْ حَقيقَةَ مَا قَـدْ كَـانَ مُسْتَتِـراً = كَنْزًا عَظيماً خَفَى عَنْ سَائِرِ الْبَشَـرِ


4 - والهاء : هي ( هاء ) الإشارة إلى مطلق وجود الحق . وإثبات وحدانيته . وإحاطته بجميع الأشياء كلها علماً وإرادة وقدرة وملكا وملكا . وهي من ( هاء ) هيبة البهاء . وعظمة الالوهية . وذلك بعد حذف الألف واللامين بقى (( ه )) قال الله تعالى : (( هُوَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ )) وقال تعالى : (( إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ )) وقال تعالى : (( قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ )) وقال تعالى : (( هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ )) وقال تعالى : (( هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ )) وقال تعالى : (( هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ )) الآية وقال تعالى : (( هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ )) الآية وفي هذه الآيات وأمثالها إشارة وانباء إلى ( هاء ) الوترية . وإفراد الالوهية . وإلى اسم مضمر يبينه ما بعده عند أهل الظاهر . لاحتياجه إلى صلة تعقبه . ليكون الكلام الذي أفادهم عندهم . وأما عند أهل التحقيق فالمضمر لا يظهر لأنه أعرف المعارف . لاستقرار العلم به في القلب على الحقيقة على ما هو حقا من صفاته . فإن ذكر (( هو )) عندهم لم يسبق منه إلى فهمهم غير ذكر الحق فيكتفون به عن كل بيان يتلوه . وذلك لتمكن معرفتهم . وسعتهم علمهم . وقوة إدراك فهمهم . واستكمالهم في حقائق القرب . واختصاصهم بصفاء ضمائر القلب واستيلاء ذكر الحق على أسرارهم . واستغراقهم بإفراد الاسم المفرد في أذكارهم . فإن هجاء (( هـُ )) إذا مكنت الضمة من الهاء حرفان . ( هاء ) و ( واو ) . فالهاء تخرج من أقصى الحلق . وهي من حروفه . والواو تخرج من الشفة . فهو مجموع بين ابتداء أول المخارج وانتهاء آخرها . وفي ذلك إشارة إلى إثبات وجود موجود معلوم . الذي هو ضد النفي المعدوم . وتنبيه إلى ابتداء كل حادث منه . وانتهائه إليه . وليس له هو ابتداء . والهاء هي من حروف الحلق . التي لا تنطبق عليها اللهوات ولا تنضم عليها الشفتان .


وهو أيضاً أول الأسماء الحسنى وآخرها .............................


يتبع إن شاء الله تعالى

الرفاعي
05-29-2016, 12:24 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
ـــــــــــــــــــــــــ

وهو أيضاً أول الأسماء الحسنى وآخرها . وبه كمال المائة اسم فإنه مضمر مستتر في نفس الهاء المكتوبة أعني (( الله )) فإن بـ ( الهاء ) يتم ذكر الله . فأول الاسم المفرد ألف . وآخره الهاء . وبه كماله ومفهوم بيانه وتمامه . وبه يستفتح الدعاء والذكر وهو أول الأسماء الحسنى وآخرها . فأولها يا (( الله )) وآخرها يا (( هو )) . فهذا الاسم هو (( الأول )) وهو (( الآخر )) بدأ به وختم .

وقد ذكره سبحانه وتعالى في جملة آيات من كتابه فقال تعالى : (( هُوَ الْحَيُّ لَا إِلهَ إلَّا هُوَ )) وقال تعالى : (( هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ )) وقال تعالى : (( وَهُوَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ )) وقال تعالى : (( هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ * هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ )) الآية وقال تعالى : (( هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ )) .

هُوَ أَوَّلٌ هُوَ آخـرٌ = هُوَ بَاطنٌ هُوَ ظاهرُ

هُوَ واحدٌ هُوَ مالكٌ = هُوَ عالمٌ هُوَ قـادِرُ

هُوَ خالقٌ هُوَ رازقٌ = هُوَ عَادِلٌ هُوَ آمِـرُ

هُوَ حاكِمٌ هُوَ صَادِقٌ = هُوَ مُخْبِرٌ هُوَ ذاكِرُ

هُوَ مُحْسِنٌ مُتَفَضِّلٌ = هُوَ رَاحِمٌ هُوَ غَافِرُ


وذكر عن بعض الأئمة العارفين أنه كان لا يدعو إلا به ولا يسأل الله شيئاً إلا به . فيقول يا هو يا هو . يا من يعلم ما هو إلا هو . أسألك كذا وكذا .

وروي أن أبا القاسم الجنيد رحمه الله تعالى قال لبعض خواص أصحابه : إن اسم الله الأعظم هو (( هو )) لأن الله تعالى أظهره أولاً في اسمه (( الله )) وأخفاه آخراً في ( هاء ) اسمه (( الله )) . فهو (( هو )) . فمن شدة ظهوره استتر وخفى حتى لم يعرف . ومن كثرة ذكره ظهر ونسى ولم يوصف .

ولقد ذكر بعض العلماء بالله . المحققين في معرفة هذا الاسم المفرد . أن من ذكر الله سبحانه ولم يحقق إظهار ( الهاء ) منه بتمكين حركة ضبطها فليس بذاكر لله . ولا ذكر الله قط . وجعل إظهار ( الهاء ) شرطاً واجباً لازماً في ذكر الله في حالة الذكر والتكبير في الصلاة في الأذان . والتلاوة . وكان بعض الشيوخ ممن يقتدى به في علم الشريعة . وفي علم الحقيقة ظاهراً وباطناً . يقول لأصحابه : من أصابته منكم شدة . أو صدمته محنة . فليقل (( الله الحي القيوم )) فإنه الاسم الأعظم .

وروي أن أهل التوحيد أربعة أصناف في ذكر التوحيد الواحد .

الصنف الأول : قالوا (( لا إله إلاّ الله )) بين النفي والإثبات . نفي الأوهام عن الأفهام . وإثبات الواحد عن الضد والند .

الصنف الثاني : قالوا (( الله )) اقتصروا على ذكر الاسم المفرد من غير نفي وإثبات . ورأوا أن الاثبات بعد النفي وحشة وجفاء .

الصنف الثالث : قالوا (( هو هو )) حق بحق إثبات الإثبات . وهو الذكر الدائم الخفي عن اللسان . وهو ذكر القلب .

الصنف الرابع : خرسوا فلم ينطقوا . وفنوا به عنهم . وغابوا على ذكر التوحيد بمشاهدة المذكور الواحد . فكان ذكر توحيدهم عياناً لا لساناً .

وذُكِرَ أن أهل المعرفة في هذا الاسم على أربعة أصناف أيضاً :

فعارف قال الله .

وعارف قال هو .

وعارف قال أنت .

وعارف بهت .

يتبع إن شاء الله تعالى

الرفاعي
05-29-2016, 12:36 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
ـــــــــــــــــــــــــ

وذُكِرَ أن أهل المعرفة في هذا الاسم على أربعة أصناف أيضاً :

فعارف قال الله .

وعارف قال هو .

وعارف قال أنت .

وعارف بهت .

صَحَّ الْوُجُودُ لَهُ شَرْعاً وَمَعْرِفـةً = إنَّ التَّحَيُّرَ فِـي دَعْـوَى تَطَلُّبِـهِ

فَاللهُ مُوجِدُنـا مَوْجُودُنَـا أَبَـداً = وَالْعَبْدُ مُفْتَقِرٌ فِي حَـقِّ مَطْلَبـهِ

فَاذْكُرْ سِوَاهُ بِهِ تَذْكُـرْهُ مَعْرِفَـةً = فَاللهُ أَجْلَى وُجُوداً والْوُجُـودُ بِـهِ

والْعَبْدُ لَيْسَ لَهُ مِنْ نفسِـهِ أبَـداً = إلاَّ انْصِـرامٌ وَتَشْبِيـهٌ لِمُشْتَبِـهِ

كَيْفَ السَّبِيلُ إِلَى الْمَذْكُورِ تَذْكُرُهُ = أهْلُ المَذاهِبِ كُلٌّ عِنْـدَ مَذْهّبِـهِ

فَالصَّمْتُ ذِكْرٌ لَهُ فَاذْكُرْ كَذَاكَ وَذَا = ذِكْرٌ لَدَيْهِ فـإنَّ الذِّكْـرَ بِالشَّبَـهِ


وروى أبو عيسى الترمذي بسنده إلى أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه . قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( سَيِّدَةُ آىِ الْقُرْآنِ أيةُ الْكُرْسِيّ ) وذلك أن الحكمة في أنها سيدة أي القرآن وهي جزء منه وآية واحدة من آياته لأربعة أشياء :

أحدها : لأجل ما انفردت به من اختصاصها بذكر ذات الله العظيمة . وما حوته الصفات . واشتملت عليه من جميع ( الهاءات ) المضمرات العائدات على الذات خاصة . وما تضمنته من تحقيق التوحيد . ( والهاءات ) المشيرات إلى تخصيص الذات دون غيرها من الآيات . المذكور فيها القصص والأمثال والاستخبار والخبر والوعد والوعيد والنعت والترغيب والنهي والأمر . فكانت كل آية في القرآن تابعة لها . لأن كل ما سوى الذات تابع لها . وما تفرق من ذكر جميع الصفات الذاتية . جمعته في آيتها الواحدة . في أحد عشر ( هاء ) مضمرات . دون الأسماء الخمسة المظهرات . ولا شيء أعظم من ذكر الذات . لأنها جامعة للصفات . فهو أعظم مذكور ومذخور . وأشرف معروف ومنظور .

الثانية : أنها اختصت بستر اسم الذات فيها . وفي مضمرات ( هاءاتها ) . وهو جامع لأصول أسماء الذات . وكمال الصفات . وفي الهاء نكتة عجيبة . وأسرار غريبة . وقد روي أنه من داوم على ذكر (( هو )) غشيته أنواره . وظهرت له أسراره .

الثالثة : أنها سميت بأية الكرسي وعرفت به . والكرسي وسع السموات والأرض وفضل عليها . وإن كان الكل خلقه جلّ وعلا . وفي ذلك من تفاوت في الخلقة . وإظهار القدرة . ولكن يختص بفضله ورحمته من يشاء من خلقه . وكذلك فضل آية الكرسي على جميع آي القرآن . وخصصها بإسم ذاته . وإن كان القرآن كله كلامه وصفة من صفاته . وفيه أسماؤه كلها . فيختص بنفسه ما يشاء من كلامه ومن أسمائه .

الرابعة : أن النبي صلى الله عليه وسلم سماها بإسم السيادة وأطلق بذلك الإسم عليها . وخصصها به دون غيرها من الآيات . ولفظ السيادة أبلغ في أسماء المدح . وأتم في إكمال التخصيص . وانه في غاية زيادة الفضل . ألا ترى قوله صلى الله عليه وسلم : ( أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ ) ثم أظهر فضل تواضعه . وكمال سيادته وشرفه . باظهار منة الله تعالى شكراً فقال ( وَلاَ فَخْرَ ) فوجب له الزيادة المطلقة . والفضل التام . بذلك الاعتبار . لأن شرف الذكر بشرف المذكور . وشرف العلم بشرف المعلوم . وفي ذلك قال الشاعر :

اللهُ أَكْبَـرُ لاَ مِثْـلٌ وَلاَ شَبَـهٌ = هُوَ الْكَبِيرُ وَهذَا الْوَصْفُ حَقَّ لَهُ

وَزَادَ إِسْمٌ قَد اسْتَظْهَرْتَ مَظْهَرُهُ = فَانْظُرْ إِلَى الْخَلْقِ ثُمَّ انْظُرْ تَذَلُّلَهُ


واعلم أن (( هو )) لفظة ذكر لجميع الحيوان العاقل وغير العاقل . والناطق وغير الناطق . وذكر لجميع الجمادات . من الحجر والشجر والنبات والهواء . وسائر الموجودات . كبيان من نطق باللسان . وتحريك الجوارح من الانسان . وكالذكر الدائم للقلب . الذي لا يكل بضرباته وخفقانه . ولا يفتر عنه وكذلك النائم بتردد أنفاسه في حالة نومه وكذلك المريض حين يئن بكربه وألمه . والأسد في زئيره . والفرس في صهيله . والحمار في نهيقه . والريح بهبوبه . والطير بلغته . والنبات باضطرابه وحركته . والجماد بسكونه . والماء برعده وزجرته . كل يسبح خالقه . ويشير لموجده ( بالهاء ) المضمرة بضرورة حاله . وبإشارة مقاله (( هو هو )) قال الله تعالى : (( تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا )) والتسبيح هو التنزيه . وهو الذكر المضمر الذي لا يفقه منه إلا الإشارة بإثبات وجود الواجد للموجودات الواحد القادر المنزه عن صفات المحدثات . سبحانه وتعالى . قال الشاعر :

جَلَّ الْعَظِيمُ وَمَا فِي الْكَونِ مِنْ أَثَرٍ = إلاَّ لَهُ ذَاكِرٌ مِـنْ كَثْـرَةِ الْعِبَـرِ

وَكُلُّ شَيْءٍ لَهُ ذِكْـرٌ يَحِـقُّ لَـهُ = أَعْنِي الْجَمَادَ مَعَ الْحَيْوَانِ وَالشَّجَرِ

كُـلٌّ لَـهُ لُغَـةٌ كُـلٌّ يُسَبِّـحُـهُ = كُلٌّ يُنَزِّهُهُ عَـنْ عَالَـمِ الْغِيَـرِ

هُوَ الْمُحِيطُ الَّذِى عِلْمًا أَحَاطَ بِهِمْ = وَلاَ يُحيطُ بِهِ شَيْءٌ مِـنَ الْفِكَـرِ


وروي أن أبا بكر الشبلي رحمه الله تعالى قال :.............

يتبع إن شاء الله تعالى

الرفاعي
05-29-2016, 12:53 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
ـــــــــــــــــــــــــ

وروي أن أبا بكر الشبلي رحمه الله تعالى قال : لقيت جارية حبشية مولهة وهي تجيء وتسرع في مسيرها . فقلت لها يا أمة الله رفقاً عليك والطفي بنفسك . فقالت (( هو هو )) فقلت لها من أين أقبلت فقالت من (( هو )) فقلت لها وأين تريدين فقالت إلى (( هو )) فقلت ما تريدين من (( هو )) قالت (( هو )) فقلت لها ما اسمك قالت (( هو )) فقالت لها لهاكم ذكر (( هو )) قالت لا يفتر لساني عن ذكر (( هو )) حتى ألقى (( هو )) ثم قالت :

وَحُرْمَةِ الْوُدِّ مَالِي عَنْكُمُ عَـوَضُ = وَلَيْسَ لِي فِي سِوَاكُمْ بَعْدَكُمْ غَرَضُ

وَمِنْ جُنُونِي بِكُمْ قَالُوا بِهَا مَرَضٌ = فَقُلْتُ لاَ زَالَ عَنِّي ذَلِكَ الْمَـرَضُ


قال الشبلي فقلت لها يا أمة الله ما تعنين بقولك (( هو )) آلله تريدين . قال فلما سمعت بذكر الله شهقت شهقة فاضت منها نفسها . رحمة الله عليها . قال فأردت أن آخذ في تجهيزها ودفنها فنوديت يا شبلي . من هام بحبنا . وتاه في طلبنا . وتوله بذكرنا . ومات باسمنا . اتركه لنا . فديته علينا . قال الشبلي فالتفت أنظر من المتكلم . فسترت عني . وحجبت عنها . فلم أدر أرفعت أم دفنت . عفا الله عنها . قال الشاعر :

وَمَا الْحُبُّ إلاَّ أنْ تَمُوتَ مُوَلَّهـاً = وَتَضْحَى أَصَمَّ الأُذْن عَمَّا بِهِ تَفْنَى

تُشِيرُ إِشَـارَاتٍ بِكُـلِّ كَلامِهـاَ = الَيْهمْ وَقَدْ هَامُوا بغُرَّتَها الْحَسْنَـا


فتأمل وفقك الله هذا الاسم المفرد وجمعه لجميع المعاني بجملة حروفه وتفصيلها . هو الاسم الأعظم . وهو اسم الألوهية الدي تدبرت به جميع المخلوقات . وبسطت به الأرض ورفعت به السموات . وزخرفت لمفرده جنة النعيم . وسعرت لجاحده نار الجحيم . فإن كل مَلِك من الملوك إنما له مُُلك وليس له مَلك وإنما يرث ويورث ملكا خاصا إذا عدم الوارث والموروث وهذا الاسم المفرد هو اسم الذات . وفيه الجمع بين المَلك والمُلك وهاء الإحاطة بالكل . فلماذا كان كلياً ؟

قال الله تعالى : (( اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ )) أي موجدها ومظهرها ومنورها بعد عدمها . وقال تعالى : (( إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ )) وقال تعالى : (( أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ )) . إن في كل لفظة من الألفاظ المفصلة من هذا الاسم المفرد أسرار عجيبة . ومعاني وحِكَمًا . وفؤائد وعلوما . ومعارف غريبة . وفي الاسم التام الكامل أعني الله أغرب وأعجب . فابحث وافهم . تجد إن شاء الله تعالى .



يَا طَالِبَ السِّرِّ فِي الأَسْماَءِ مَجْتَهِداً = أُطْلُبْ هُدِيتَ إلَى مَقْصُودِكَ الْحَسَنِ

وَابْحَثْ عَلَيْهِ تَرَى فِي شَكْلِ أَحْرُفِهِ = مَعْنًى عَجِيبًا بِهِ مِنْ أَوْضَحِ السُّنَنِ

سَمَا الْكَمَالُ بِهِ فِي أُفْـقٍ مَعْلُـوَةٍ = بُطُولِ طَوْلٍ يُجَافِي أَرْفَـعَ الْغَبَـنِ

أَصْلٌ جَلِيلٌ سَرَى فِي كُلِّ مَعْرِفَـةٍ = وَاسْمَعْ مَعَانِي لَـهُ بِالْفَـمِّ والأُذُنِ

فَهِيَ الْدِّيَانَةُ فِي التَّوْحِيدِ جَوْهَـرُهُ = بِاسْمٍ عَظِيمِ فَذَا لْلعَـارِفِ الْفَطِـنِ

هُوَ الْعَزِيزُ الَّذِي عَزَّ الْوُجُود بِـهِ = عُلْوًا وَسُفْلاً سَعَى لَوْلاهُ لَـمْ يَكُـنِ

سِرُّ الأُلَيْفِ سَرَى فِي الْهَاءِ مُسْتَتِرًا = وَفَهْمُهُ مِنَنٌ مِـنْ أَعْظَـمِ الْمِنَـنِ

فِي حَرْفِ أَوَّلِهِ عُظْمَى جَوَاهِـرِهِ = فِي حَرْفِ آخِرِهِ رُوحٌ بِـلاَ بَـدَنِ

حُرُوفُهُ أَرْبَـعٌ فَـادْرِكْ مَعَانِيَهَـا = تَحْظَى بِحِكْمَتِهِ فِي السِّرِّ وَالْعَلَـنِ

هُوَ الأُلَيْفُ الَّذِي اللاَّمَـانِ تَعْقُبُـهُ = مِنْ قَبْلِ هَاءٍ لَهَا حُكْمٌ عَلَى الزَّمَـنِ

فَاللهُ أَعْنِيهِ إِسْـمُ الـذَّاتِ مُنْفَـرِدًا = فَاعْرِفْ حَقِيقَتَهُ يَاخَيْـرَ مُؤْتَمَـنِ

وَانْطِقْ بِهِ أَبَدًا إِنْ كُنْـتَ ذَا هِمَـمِ = وَاعْلَمْ بِهِ أَدَبًا تُكْفَى مِـنَ الْمُـؤَنِ

وَارْفَعْ بِهِ حُجُبًا وَاشْفِي بِهِ عِلَـلاً = وَاكْشِفْ بِهِ كُرَباً عَنْ كُلِّ مُمْتَحَـنِ

وَاخْرُجْ بِهِ لُؤْلُؤًا مِنْ بَحْرِ مَعْرِفَـةٍ = وَاعْلُو بِهِ دَرَجًا تَرْقَى إِلَى الْوَطَـنِ

وَابْذُلْ لَهُ نَفَسًا فِـي كُـلِّ مَوْهِبَـةٍ = واحْفَظْ سَرائِرَهُ مِنْ كُلِّ مُفْتَتَـنِ

مَنْ لَمْ يَنَلْهُ فَقَـدْ خَابَـتْ مَدَارِكُـهُ = دُنْيَا وَأُخْرَى مَعًا مِنْ حَسْرَةِ الْغَبَنِ

وَمَـنْ تَفَهَّمَـهُ نَـارَتْ شَوَاهِـدُهُ = كَالصُّبْحِ تُشْرِقُ بالآيَاتِ وَالسُّنَـنِ

إَنَّ الْجَوَاهِـرَ لاَ تَغْلُـو لِطَالِبِهَـا = وَلَوْ تَطَالـبَ فِيِهَـا بَالِـغَ الثَّمَـنِ

فَجَوْهَرُ الْحُسْنِ لاَ يَرْقَـى لِرُتْبَتِـهِ = تَأْبَى الْمَعَانِي بِهِ فِي جَوْهَرِ الْحَسَنِ

لاَ زِلْتَ فِي حِفْظِ رَبٍّ صَائِنٍ لَكُـمُ = مَا فَادَتِ الرّيح وَالأَمْوَاج وَالسُّفُـنِ


وسيأتي إن شاء الله تعالى بقية ما أدركنا فهمه بعقولنا وما سمعنا وقيدنا واستفدنا من شيوخنا تغمدهم الله برحمته ورضوانه ونفعهم بالقسم الثاني من علم هذا الاسم المفرد . ومعرفة معانيه . فليتأمله السالك ويجعله من أعظم معانيه . لأن فيه معاني لطيفة . وفوائد وأسرار وحِكَمًا شريفة . يقع الانتفاع إن شاء الله بها . لمن أنعم عليه بفتح أبوابها . فاطلب تجد . وافهم تفد . بحول الله تعالى .

كمل القسم الأول والحمد لله على جميع نعمه . وصلى الله على سيدنا محمد خاتم أنبيائه . يتلوه إن شاء الله تعالى الفسم الثاني بفوائده وحكمه . والله المعين على ذلك . ولا قوة إلا بالله .

يتبع إن شاء الله

مع القسم الثاني: في معرفة فضله وشرف قدره وشرح معاني أسراره واختصاص فوائده وذكره بحول الله تعالى

الرفاعي
05-30-2016, 01:13 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
ـــــــــــــــــــــــــ

القسم الثاني: في معرفة فضله وشرف قدره وشرح معاني أسراره واختصاص فوائده وذكره بحول الله تعالى

قال الله تعالى:

(( يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا وسبحوه بكرة وأصيلا )).

وقال عز وجل : (( الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم )).

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [سبق المفردون قالوا يا رسول وما المفردون قال الذاكرين الله كثيرا والذاكرات].

وقال عليه الصلاة السلام عن الله تعالى: [من شغله ذكري عن مسألتي أعطيه أفضل ما أعطي السائلين].

وقال عليه الصلاة السلام: [أشد الأعمال ثلاثة: إنصاف الرجل من نفسه ومواساة الأخ في المال وذكر الله عز وجل]. وقال عليه الصلاة السلام: [ما عمل آدمي عملا أنجى له من عذاب الله من ذكر الله].

وقال الحسن: قلت أي الأعمال أفضل يا رسول الله؟ قال: [أن تموت ولسانك رطب بذكر الله].


فانظر وفقك الله كيف جعل ذكر هذا الاسم اسم الله أفضل العبادات. لأن الله تعالى جعل لسائر العبادات مقدارا ووقتا وزمانا. ولم يجعل لذكر هذا الاسم مقدارا ولا وقتا ولا زمانا. وحض على الإكثار من ذكره. فقال [اذكروا الله ذكرا كثيرا] وقال [والذاكرين الله كثيرا والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما] وقال تعالى [واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون] وقال تعالى : (( فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا )).

وقال رسول صلى الله عليه وسلم [الذاكرون الله كثيرا والذاكرات هم السابقون والفائزون].

وروى أن في التوراة مكتوبا [استوى الجبار بعزته فوق معاقد العز من عزه فاضطرب الماء لهيبته ونادى الجليل جل جلاله أنا الله لا إله إلا أنا من ذكرني ذكرته ومن سألني أعطيته].

ومنها أيضا [قال يا موسى أنا الله القديم الأزلي خالق مكة مفقر الزناة تارك تاركي الصلاة عراة مغلي الأسعار والأهواء مملوءة ومرخصها والأهواء فارغة ذلكم الله ربكم فاعبدوه].

واعلم أن هذا الاسم قد تقدم الكلام عليه أولا في قسمه بنور ما سمع من علمه. وما فتح الله به من إلهامه وفهمه. وإنما الحكمة في تذكار ذكره. والحث على كثرة الذكر به دون غيره وذلك لمحبة الله له. وتعظيمه عنده. وعلو مقداره. وتخصيص فضله وإظهار شرفه. على سائر أذكاره. ليقع التفكر في معاني أسراره. التي تشرق على القلوب والأبدان شموس أنواره. وترسخ معرفة ذاكره. ويشتد له حبه. وتكمل خصوصيته ويزداد به قربه. فان من علامة محبة المحبوب كثرة ذكره. ومن علامة المزيد كثرة شكره. ومن علامة التوفيق اجتناب نهيه وامتثال أمره. ومن علامة الرضى الاستعمال في الأوقات الفاضلة بصالحات بره. وغلبة خيره على شره. وفي ذلك قال الشاعر:

كرر على الذكـر مـن أسمائـه = واجلوا القلوب بنـوره وسنائـه

ودر الكؤوس على النفوس فإنها = تصبو إلى المشروب من صهبائه

اسم به الكون استفـاد ضيـاءه = في أرضه وفضائـه وسمائـه

حارت عقول القوم عند صفاتـه = نارت قلوب الخلق عند ضيائـه

وإذا تجلـى للقلـوب جـلالـه = شعرت بسـر سنائـه وبهائـه

قـرت قلـوب المتقيـن بقربـه = وعلت علـى عليائـه وعلائـه

عز اسمـه للعارفيـن مكـررا = معروفة المعروف مـن آلائـه

ومن تخصيص هذا الاسم المفرد بالذكر أنه ما من لفظة بالذكر من قل هو الله أحد وفيها تخصيص وإشارة ومعنى وفوائد عجيبة. وأسرار وحكم وعلوم ومعارف جليلة غريبة فهاهنا [قل] إشارة إلى الأمر [هو] إشارة إلى الإثبات لوجوده [الله] إشارة لاسم ذات الألوهية [أحد] إشارة لإفراد الأحدية [الله] إشارة لذكر الاسم المفرد [الصمد] إشارة لتنزيه الذات عن النفس البشرية [لم يلد] إشارة إلى كمال التنزيه عمن سواه [ولم يولد] إشارة إلى إثبات الأزلية والقدم. ونفى السبقية والحدوث والعدم. وهي إشارة إلى عدم الضد. والشبيه. والنظير. والكفو. والند.

وسمى هذا الاسم بالاسم المفرد لتكرار ذكره وإفراده بين الاسم الآخر واسم الصمد. فاختص الحق سبحانه هذا الاسم الثاني وأفرده. وكرر ذكره ليذكر. كما خص الاسم باسم ذات الألوهية بمعناها ظهر. وذكر في الوجود واشتهر. فقال تعالى (( قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون )) وقال تعالى (( وهو الله في السماوات وفي الأرض )) أي معبود. ومذكور. ومحمود ومشكور. وجميع الخلق تحت أمره ونهيه مقهور. يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور. ولا يخفي عليه شيء فيها من جميع الأمور. وكذا الله أكبر. فيه خمسة أوجه. أحدها أن ذكر الله تعالى لنفسه. وتوحيده وتعظيمه وتمجيده. أكبر وأعظم من ذكر خلقه الضعفاء الفقراء وتوحيدهم له. لأنه هو الغني الحميد. الثاني أن ذكر هذا الاسم أعظم من ذكر غيره من أسمائه. الثالث أن ذكر الله تعالى لعبده في الأزل قبل كونه أعظم وأكبر إذا ذكره العبد في الحال. وأسبق وأقدم وأتم وأسنى وأرفع وأشرف وأكرم. قال الله تعالى (( ولذكر الله أكبر )) الرابع إذا ذكر الله تعالى في الصلاة أفضل وأكبر من ذكره في غير الصلاة ومشاهدة المذكور في الصلاة أعظم وأكمل وأكبر من الصلاة. الخامس أن ذكر الله لكم بهذه النعم العظيمة. والمنن الجسيمة. وندبه إليكم بدعوته إياكم لطاعته أكبر من ذكركم له بالذكر عليها إذ لا تطيقون شكر نعمته. ولهذا قال نبينا صلى الله عليه وسلم [لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك] معناه لا أطيق وكان أعلمهم وأشرفهم وأرفعهم قدرا وأفضلهم. فأظهر عجزه مع كمال علمه ومعرفته صلى الله عليه وسلم.

ثم إن ما بعد توحيده شيء أعظم من الصلاة, ولهذا كانت ثاني قاعدة من قواعد الإسلام بقوله عليه السلام [بني الإسلام على خمس أن يوحد الله وإقام الصلاة] الحديث. وجعلت تكبيرة افتتاحها الله أكبر. ولم تجعل لغيره من الأسماء كلها. ولا يجوز غير ذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم [تحريمها التكبير] وكذلك ذكر هذا الاسم في الأذان. وفي كل تكبيرة للصلاة. فذكر هذا الاسم أفضل من جميع العبادات. وأقرب للمناجاة لا للصلاة ولا غيرها من أنواع الطاعات. وقد ورد في الحديث عن الله عز وجل أنه قال [أنا جليس من ذكرني] وقال [أنا عند ظن عبدي إذا ذكرني فان ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي وان ذكرني وحده ذكرته وحدي وان ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه] قال تعالى [فاذكروني أذكركم] ودليل تفضيله على الصلاة من نفس الآية قوله تعالى [إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر] وإنها كذلك وهي معظم الذكر ولكن ذكر الله أكبر منها ومن كل عبادة. لقوله تعالى [ولذكر الله أكبر] ولما روى أبو الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال [ألا أخبركم بخير أعمالكم وأرفعها في درجاتكم وأزكاها عند مليككم وخير لكم من إعطاء الذهب والورق وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم قالوا بلى قال ذكر الله] ولقوله عليه السلام في حديث معاذ بن جبل [ما عمل ابن آدم من عمل أنجى له من عذاب الله من ذكر الله] ومعنى ذكر الله سبحانه لعبده أن من ذكره بالتوحيد. ذكره بالجنة والمزيد. قال الله تعالى [فأثابهم الله بما قالوا جنات تجري من تحتها الأنهار] ومن ذكره باسمه المفرد أعني [الله] ودعاه بإخلاص أجابه. قال الله تعالى [وإذا سألك عبادي عني فإني قريب] الآية. ومن ذكره بالشكر ذكره بالمزيد. قال الله تعالى [ولئن شكرتم لأزيدنكم] وما من عبد ذكره بذكر إلا ذكره بما يقابله عوضا له. فان ذكره العارف بمعرفته. ذكره بكشف الحجاب لمشاهدته. وان ذكره المؤمن بإيمانه وذكره برحمته ورضوانه. وان ذكره التائب بتوبته ذكره بقبولها ومغرفته. وان ذكره العاصي باعتراف زلته. ذكره بستره وأناته. وان ذكره الفاجر بفجوره وغفلته. ذكره بعذابه ولعنته. وان ذكره الكافر بكفره وجرأته. ذكره بعذابه وعقوبته ولعنته. ومن هلله أجله ومن سبحه أصلحه. ومن حمده أيده. ومن استغفره غفر له. ومن رجع إليه أقبل عليه فان أحوال العبد كلها أربعة أحوال. منها أن يكون في طاعة فيذكره برؤية المنة في توفيقه لها. ومنها إن يكون في معصية فيذكره بالستر والتوبة. ومنها أن يكون في نعمة فيذكره بالشكر. ومنها أن يكون في شدة فيذكره بالصبر. وفي ذكر الله تعالى خمس خصال. رضي الله تعالى. ورقة القلب. وزيادة الخير. وحرز من الشيطان. ومنع من ركوب المعاصي. فما ذكره الذاكرون إلا بذكره لهم. وما عرفه العارفون إلا بتعريفه إياهم وما وحده الموحدون إلا بعلمه لهم. وما أطاعه المطيعون إلا بتوفيقه لهم وما أحبه المحبون إلا بتخصيص محبته لهم. وما خالفه المخالفون إلا بخذلانه لهم. فكل نعمة منه عطاء. وكل محنة منه قضاء. وما أخفته السابقة أظهرته اللاحقة.

وفي ذلك قال الشاعر:

يا فاضلا لم يزل ماذا أقـول بـه = وفضل ذكرك بالأعـلام أذكـار

بذكرك العبد خذ لي واهدني رشدي = فهديكم بطريـق الرشـد أنـوار

وأهد لي عملا ترضاه يـا أملـي = وأطلق لساني بذكر الحق إجهـار

واعلم أن كلمة التوحيد شيء بين النفي والإثبات، أولها لا إله، وذلك نفي وتبرئة وجحد وكفر وإنكار.. وآخرها إلا الله، وذلك هو إن شاء واثبات وإيمان وتوحيد ومعرفة وإسلام وشهادة وأنوار. فلا تنفي الألوهية عما لا يستحقها ولا يجب له. وإلا الله إثبات الألوهية لمن يستحقها ويجب له حقيقة. وقد جمع معنى ذلك في قوله تعالى : (( فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى )) ولا اله إلا الله هو للعامة طهارة لإفهامهم. من شبه خبالات أوهامهم. إثبات الوحدانية. ونفي الاثنينية. وهي للخاصة قوة في أديانهم. وزيادة في نور آمالهم بإثبات الذات والصفات. وتنزيهها عن تغير صفات الأحداث وطرو الآفات. وهو لخاصة الخاصة تنزيها عن ذكره ورؤية المنة والفضل بالشكر على شكرهم.

والناس في التوحيد وذكره ثلاثة أصناف.................

يتبع إن شاء الله تعالى

الرفاعي
05-30-2016, 02:28 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
ـــــــــــــــــــــــــ

والناس في التوحيد وذكره ثلاثة أصناف:

- صنف منهم عموما لأهل البداية. وهو التوحيد باللسان نطقا ومقالا واعتقادا وإخلاصا

بأنوار شهادة التوحيد [لا اله إلا الله محمد رسول الله] وهو الإسلام.

- وصنف خصوص وسط. وهو توحيد القلب تصريفا وصرفا واعتقادا وإخلاصا وهو الإيمان.

- وصنف خصوص الخصوص وهو توحيد العقل عيانا أو يقينا ومشاهدة وهو الإحسان.

للذكر ثلاثة مقامات

ذكر باللسان: وهو ذكر عامة الخلق.

وذكر بالقلب: وهو ذكر خواص المؤمنين.

وذكر بالروح: وهو لخاصة الخاصة، وهو ذكر العارفين بفنائهم عن ذكرهم وشهودهم إلى ذاكرهم، ومنته عليهم.

ولذاكر هذا الاسم المفرد أعني [ الله ] حالات:

حالة الوله والفناء. وحالة الحياة والبقاء. وحالة النعم والرضا.

فأما الحالة الأولى من الوله والفنا:

وهو الذي يقتصر على ذكره ولا خاصة في بدايته دون غيره من الأسماء. ويجعله نجيا. ويحقق ذكر الهاء فيه حين يذكره. فمن داوم على ذلك محا ظاهره وأمحق باطنه. فكان في ظاهره كالمجنون والموله الممحق عقله عنه لا يقبل عليه أحد ويفر الخلق منه ولا يسكن إليه. لأجل ثبوت الوله الذي كسا ظاهره. وسر الاسم الذي هو ذاكره. فان ذكر صفة الألوهية لا يقدر أحد أن يتصف بشيء منها. ولا يستقيم ثباتا أن يتلقاه نفسا يصدر عنها فصار ذاكره بين الخلق كما قال تعالى: [فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون] وكان في باطنه كالميت الفاني لسكون ذاته وصفاته. وسكونه عن مألوفاته وعاداته. وخضوع جوارحه وهمود فؤاده وخشوعه. كما قال تعالى [إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا] وقال تعالى: [وترى الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج].

وأما الحالة الثانية من الحياة والبقاء:

فإنه إذا تحقق ذاكر هذا الاسم فيه وثبت عليه وألِفَهُ امتحت منه رسومه وأوصافه. ونفخ فيه روح الرضا بعد موت اختياراته وإرادته. وفني عن حظوظ عاداته وشهواته. وخرج عن مذموم صفاته. وانتقل من حالة الوله والفناء. إلى حالة الحياة والبقاء. وكانت له هيبة وسطوة في الموجودات. خافه وعظمه وذل له وتبرك به كل شيء من المحدثات.

وأما الحالة الثالثة من حالة النعيم والرضا:

فإن ذاكر هذا الاسم إذا عظم أمر الله. وأشفق على خلق الله. ولم يتغالى بالادعاء في دين الله. وانبسط من نفسه بالله لله. واتسع بسعة رحمة الله ولم تؤثر فيه مخلوقات الله. ولم يبق لأحد ولا لشيء عليه سبيل بإذن الله. انتقل من حالة الحياة والبقاء إلى حالة النعيم والرضا وعاش عيشة منعمة دائمة كريمة هنيئة مرضية. لا كدر فيها ولا غير . سليمة مستقيمة وتمكن في حاله. وأمن فاطمأن. وثبت وكان بين الخلق كغيث المطر حيثما حل أخصب وأنبت واقتات جميع الأشياء منه. وحصل له التنعم والرضا بالله. ورضي الله عنه. قال الله تعالى: [ثم أنشأنا خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين].

وروي أن فقيرا في مجلس الشبلي رضي الله عنه صاح: الله. فقال له الشبلي يا هذا إن كنت صادقا فقد اشتهرت. وان كنت كاذبا فقد هلكت.

وصاح رجل عند أبي القاسم الجنيد رحمه الله. فقال له الجنيد يا أخي إن كان من ذكرته شاهدا لك وأنت حاضر معه. فقد هتكت الستر والاحترام والغيرة من شيم أوصاف المحب المستهام. وان كنت ذكرته وأنت غائب عنه فذكر الغيبة غيبة والغيبة حرام.

وحكي عن أبي الحسن الثوري رحمه الله أنه بقي في منزله سبعة أيام لم يأكل ولم يشرب ولم ينم وهو يقول الله الله. وأخبر أبو القاسم الجنيد بحاله فقال: أمحفوظ عليه أوقاته؟ قيل له: إنه يصلي الصلاة لوقتها. فقال: الحمد لله الذي حفظه ولم يجعل للشيطان عليه سبيلا. ثم قال لأصحابه قوموا بنا حتى نزوره فإما نفيده أو نستفيد منه. قيل فلما دخل عليه الجنيد قال يا أبا الحسن هو قولك الله الله، بالله أم بنفسك، فإن كنت القائل بالله فلست القائل له، فإنه المتكلم على لسان عبده، الذاكر نفسه بنفسه. وإن كنت القائل بنفسك فأنت مع نفسك فما معنى الوله. قال له الثوري نعم المؤدب أنت يا أستاذ فسكن ولهه:

ولهت بكم ذكـرا وحقـا لصبكـم = يصيب بذكراكم ويفنى بكـم عشقـا

فمن لم يجد شوقا إلى الحب غالبـا = على العقل من وجد لعمري لقد يشقى

وما الذكـر إلا أن يغيـب بذكـره = عن الذكر في المذكور ومن له يلقى

ومن كان ذا عقل فليس لـه ذكـر = ومن غاب عن ذكر فحق له يرقـى


واعلم إن الذكر هو التخلص من الغفلة والنسيان بمداومة حضور القلب وإخلاص ذكر اللسان. مع رؤيته منه. السيد يجري إطلاق الذكر على لسان العبد. وقيل الذكر هو الخروج من ميدان الغفلة إلى فضاء المشاهدة. على استيلاء الخوف وشدة لمحبة وهيجان الشوق وقلة الغلبة. وحقيقة الذكر إفراد المذكور بغيبة الذاكر عن ذكره. وفنائه في المشاهدة والحضور لم يغيب بمشاهدته في مشاهدته. فيشهد حقا بحق فيكون الله هو الذاكر والمذكور. فمن حيث جريان الذكر على لسان العبد كان ذاكرة له. ومن حيث تيسيره له وتسهيله على لسانه هو ذاكر لعبده فما به ذكره. ومن حيث بعث الخاطر ابتدأ منه كان ذاكرا لنفسه على لسان عبده كما روي في الحديث الصحيح أنه قال تعالى: [كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ولسانه الذي ينطق به...الحديث]. وفي رواية أخرى: [كنت له سمعا وبصرا ولسانا ويدا ومؤيدا...الحديث].

والذكر تختلف أنواعه وتتعدد والمذكور واحد لا يتعدد ولا يتحدد، وأهل الذكر هم أحباب الحق من حيث اللوازم،

وهو على ثلاثة أقسام:

ذكر جلي.

وذكر خفي.

وذكر حقيقي.

فالذكر الجلي: لأهل البداية وهو ذكر اللسان يصرف الشكر والثناء والحمد بتعظيم النعم والآلاء ورعي العهد وحسنته بعشرة إلى سبعين.

والذكر الباطن الخفي: لأهل الولاية وهو ذكر سر القلب بالخلاص من الفترة. والبقاء مع المشاهدة بلزوم مشاهدة الحضرة وحسنته بسبعين إلى سبعمائة.

والذكر الكامل الحقيقي: لأهل النهاية. وهو ذكر الروح بشهود الحق إلى العبد. والتخلص من شهود ذكره ببقائه بالرسم والحكم وحسنته بسبعمائة إلى ما لا نهاية له بالتضعيف لأن المشاهدة فناء لا لذة فيها والروح له ذكر الذات.

والقلب له ذكر الصفات. واللسان له ذكر العادة للتعرضات. فإذا صح ذكر الروح مكث القلب عن ذكره ذلك وذكر هيبة الذات. وفيه إشارة إلى التحقيق بالفناء. وإشعار بالقرب. وإذا صح ذكر القلب سكت اللسان وفتر عن ذكره وذلك ذكر الآلاء ونعمها اثر الصفات. وفيه إشارة إلى استدعاء وجود بقية دون فناء وإشعار تضعيف القبول. فإذا غفل القلب عن الذكر أقبل اللسان على الذكر عادة وتعرضا. ولكل واحد من هذه الأذكار آفة. فآفة ذكر الروح اطلاع سر القلب عليه وآفة ذكر القلب إطلاع النفس عليه. وآفة ذكر النفس التعرض للعلات. وآفة ذكر اللسان الغفلة والفتور .

وفي ذلك قال الشاعر:

هو الله فاذكره وسبح بحمـده = فلا ينبغي التسبيح إلا لمجـده

عظيم له حق المحامـد كلهـا = فماذا عسى تقضيه أذكار عبده

لو البحر أضحى والبحار تمده = مدادا ومحصي البحر عاد كمده

وأجهرت الأشجار تكتب حمده = لإنفاد ما تحمده من دون عـدة

لزاد تسمى بالحميـد وخلقـه = تسبح ما دام الوجـود لمجـده


ثم الناس في الذكر على ثلاثة أقسام:...................

يتبع إن شاء الله تعالى

الرفاعي
05-30-2016, 02:35 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
ـــــــــــــــــــــــــ

ثم الناس في الذكر على ثلاثة أقسام:

عامة مفادون. وخاصة مجتهدون. وخاصة الخاصة مهتدون.

فذكر العامة بداية للتطهير.

وذكر الخاصة وسط للتقدير.

وذكر خاصة الخاصة نهاية للتبصير.

فذكر العامة بين نفي وإثبات. وذكر الخاصة إثبات في إثبات. وذكر خاصة الخاصة حق بحق إثبات الإثبات.

من غير روية واسعة ولا التفات. فذكر الخائفين على وعيده. وذكر الراجين على وعده. وذكر الموحدين بتوحيده. وذكر المحبين على مشاهدته وذكر العارفين ذكره له لا بهم ولا لهم. فالعارف يذكر الله تشريفا وتعظيما. والعالم يذكر الله تنزيها وتمجيدا. والعابد يذكر الله خائفا وراجيا. والمحب يذكر الله ولها. والموحد يذكر الله هيبة وإجلالا. والعامة تذكر الله عادة جارية. والعبد مقهور وللذكر مذكور. والمكلف غير معذور..

وكيفية الذكر على ثلاثة أحوال ذكر البداية للحياة واليقظة. وذكر التوسط للتنزيه والطهارة. وذكر النهاية للوصلة والمعرفة. فذكر الحياة واليقظة بعد التلبس بشروطه الإكثار من ذكر [يا حي يا قيوم لا اله أنت]. وذكر التطهير والتنزيه بعد التلبس بشروطه الإكثار من [حسبي الله الحي القيوم].

وللذكر ثلاث مراتب

منها:

- ذكر الغفلة وجزاؤه الطرد واللعن.

- وذكر الحضور قرب وزيادة وفضل.

- وذكر الاستغراق محبة ومشاهدة ووصل كما قيل:

ما إن ذكرتك إلا وهـم يقلقنـي = فكري وذكري وسري عند ذكراكا

حتى كأن رقيبا منك يهتف بـي = إيـاك ويحـك والتذكـار إياكـا

اجعل شهودك في لقياك تذكـرة = فالحـق تذكـاره إيـاك لقياكـا

أما ترى الحق قد لاحت شواهـده = وواصل الكل من معناه معناكـا

فامنن بذكر صفا عن كل مشتبـه = وارحم عبيدا عسى بالقلب يرعاكا


واعلم أن الذكر لا يخلو من ثلاثة أشياء:

إما ذكر اللسان بقرع باب الملك وهو كفارة ودرجات.

وإما ذكر القلب بإذن مخاطبة الملك وهو زلفا وقربات.

وإما ذكر باللسان والقلب غافل هو ذكر العادة العاري عن الزيادة. والذكر باللسان والقلب خاطر هو ذكر العبادة المخصوص بالإفادة. والذكر بكل اللسان وملء القلب هو الكشف والمشاهدة. ولا يعلم قدره إلا الله تعالى.

وروى: [أن من أكثر في بدايته من قراءة قل هو الله أحد، نور الله قلبه وقوى توحيده].

وروى البزار عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:

[من قرأ قل هو الله أحد مائة ألف مرة فقد اشترى بها نفسه من الله تعالى ونادى مناد من قبل الله تعالى في سمواته وفي أرضه ألا إن فلانا عتيق الله فمن له قبله تبعة فليأخذ من الله عز وجل].

وروى: [أنه من أكثر من الاستغفار عمر الله قلبه وكثر رزقه وغفر ذنبه ورزقه من حيث لا يحتسب وجعل له من كل ضيق فرجا ومخرجا ويؤتيه الدنيا وهي راغمة ولكل شيء عقوبة وعقوبة العارف الغفلة عن الحضور في الذكر].

وفي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: [لكل شيء مصقلة ومصقلة القلب الذكر وأفضل الذكر لا إله إلا الله ].

وجلاء القلب وبياضه وتنويره بالذكر. وباب الفكر. فان أرفع المجالس وأشرفها الجلوس مع الفكرة في ميدان التوحيد والتوكل عمل القلب. والتوحيد قوله. وباب الذكر الفكر. وباب الفكر اليقظة. وباب اليقظة الزهد. وباب الزهد القناعة. وباب القناعة طلب الآخرة. وباب الآخرة التقوى وباب التقوى الدنيا. وباب الدنيا الهوى. وباب الهوى الحرص. وباب الحرص الأمل. والأمل هو الداء العضال الذي لا يبرأ. واصل الأمل حب الدنيا. وباب حب الدنيا الغفلة. والغفلة هي غلاف على باطن القلب يتولد. والتوحيد هو الإكسير الذي لا يضر مع اسمه شيء. كما قيل [بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم] وأعظم التوحيد ولبه وقلبه وجوهره توحيد هذا الاسم المفرد وإفراده ومعرفته.

وذكر أن بعض العارفين المحققين سئل عن اسم الله الأعظم فقال هو أن تقول الله. وأنت لا تكون هناك. فان من قال الله من الخلق قاله بحظ. وما تدرك الحقائق بالحظوظ. ومن قال الله بالحروف فانه لم يقل الله ولا ذكره حقيقة. لأنه خارج عن الحظوظ والحروف والإفهام والمحسوس والرسوم والخيالات والأوهام لكن ربنا بفضله رضي منا بذلك وأثابنا عليه لأنه لا سبيل إلى ذكره وتوحيده من حيث لا حال ولا مقال إلا بها في استطاعة البشر من قوله بإدراكه. وأصل التخصيص والعناية من العارفين والعلماء أهل التمكين لا يرضى ذكره منهم بذلك كما قال [وما منا إلا له مقام معلوم] ومن أحسن أن يقول الله ويذكره بتوفيقه له. وتخصيصه إياه. تحققت له الأسماء الحسنى بقوله وذكر الله ويذكر اسم من أسمائه فكان قوله الاسم مثل كن تكن له الكائنات. ويتصرف به في الموجودات. فمن قال الله حقا بحق لا عن على ولا بعلة. بل عن علم قام به وبمعرفته وتعظيم له وإجلال كامل. وتنزيه محض. ورؤية منه. فقد أجل الله وذكره وعظمه وعرف قدره. فان ذكر الله وتوحيده هو رضاه لهم به كما يستحقه هو سبحانه. والمعرفة رؤية لا علم. وعين لا خبر. ومشاهدة لا وصف. وكشف لا حجاب. ما هم هم. ولا هم بإياهم كما قال تعالى [إن هو إلا عبد أنعمنا عليه فإذا أحببته كنت له سمعا وبصرا ويدا ومؤيدا].

كيف السبيل إليه وهو منـزه = عن مهنة الكلـي والأبعـاض

لفنا وجودهم بـذات وجـوده = متنزه عن جوهر الإعـراض

لا شيء يشبهه فأين وكيف ما = فمتى سؤال عن حدود ماضي

ومن العجائب أن يكون وجوده = فوق الظهر وغاية الإغماض


وفي الحقيقة وما ذكر الله إلا الله. ولا عرفه سواه. ولا وحده حقا إلا إياه..........

يتبع إن شاء الله تعالى

الرفاعي
05-30-2016, 02:41 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
ـــــــــــــــــــــــــ

وفي الحقيقة وما ذكر الله إلا الله. ولا عرفه سواه. ولا وحده حقا إلا إياه. أما ذكره لنفسه فقوله [ولذكر الله أكبر] فذكره جل وعلا لنفسه أكبر وأعظم وأكمل وأتم من ذكر غيره له. وأما معرفته به فقوله [وما قدروا الله حق قدره] فهو العارف بكمال ذاته. وعظيم صفاته. وغيره من جميع مخلوقات عاجزون عن أن يحيطوا ببعض مخلوقاته. فكيف بصفة من صفاته. وأما توحيده له فقوله [شهد الله أنه لا إله إلا هو] الآية فهو العالم بتوحيده على الحقيقة والكمال. وما وحده غيره من خلقه إلا بعد ما وحد نفسه. وأفاض من نور توحيده شيئا على ملائكته. وأولى العالم بقدر ما يمله كل صنف منهم. وما سبق لهم من قسمة قسمها في أزلية علمه. فوجوده بنور توحيده. لا بذات نفس توحيده. وكل عارف عاجز عن معرفته. والمعرفة موجودة فيه. لأنها ضرورية وهي غاية المعرفة فان مثل المعرفة الضرورية كالسراج في الشمس وانبساط شعاعها عليه. ولهذا أكمل التوحيد رسوخه في العقل وأقواه سببا في الحجة. وأثبته تبيانا في الذهن. وأحقه تمكينا في اليقين. وأوضحه ظهورا في المحجة. والصفة اتحادا بالقلب ما أخذه الموجد بشاهد من شواهد ضرورات نفسه. وتحققه بنظر سالم ونقد صحيح من أدرك عقله من غير تقليد ولا تشكيك. ولا ظن ولا ترديد فان التقليد في التوحيد. بعيد المزيد. ولا ينفع ولا يفيد. والتقليد هو التزام قول الغير من غير معرفة برهان ولا بيان دليل ولا يرضى به إلا كل غبي الفهم غليظ الطبع بليد الفكر جاهل ذليل. مبعود محجوب. مهمل مسلوب. عصمنا الله وإياكم من حجاب هذه الصفة. وجعلنا من أهل العلم والفهم والتحقيق والمعرفة بمنه.

وروى أبو سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: [القلوب أربعة أجرد فيه سراج يزهر فذلك قلب المؤمن وقلب أسود منكوس فذلك قلب الكافر وقلب أغلف مربوط على غلاف فذلك قلب المنافق وقلب تصفح فيه إيمان ونفاق فمثال الإيمان فيه البقلة يمدها الماء الطيب ومثل النفاق فيه كمثل القرحة يمدها القيح والصديد فأي المادتين غلبت حكم له بها] وفي رواية ذهبت به.

وقال علي كرم الله وجهه ورضي عنه: "القلب الأجرد هو انجراده بالزهد في الدنيا وتجريده من الهوى. وسراجه الذي يزهو فيه هو نور اليقين يبصر به اليقين". قال بعضهم: القلب جرد هو انجراده بالتوحيد عن التشكيك والترديد والتقليد وتجريده عما سوى الله. والقلب المنكوس هو من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم. ونكسه عكس رؤية نور ضرورة علم التوحيد برؤية ظلمة الفكر والإشراك. وفي هذه قال بعض العارفين: أشد الظلم ظلمة العلم وأعظم الجهل جهل التقليد. والقلب الأغلف هو المحجوب بظلمة ظلام جهل التقليد. عن رؤية شمس النبوة والتوحيد.

قال الله تعالى: [إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون]. وقال تعالى: [وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا] والقلب المصفح هو المتردد بين هوى النفس ومراءاته بعلمه. مع وجود أمانه وتصريفه. والرياء شرك والشرك محبط للعمل. وأعظم الرياء من راءا بالإيمان. قال الله تعالى [ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام] الآية وقال تعالى [ولا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى] الآية وقال تعالى [فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون الذين هم يراءون ويمنعون الماعون]. وبالجملة أيما كان القلب فهو الموجب لا السالب. وقيل مثل القلب في قوة نوره وتوحيده وضيائه مثل المصباح في القنديل هو القلب. والماء مكان العقل منه. والزيت موضع العلم به وهو روح المصباح. وبكثرة العلم يكون روح اليقين. وأيدهم بروح منه. والفتيلة مكان الإيمان منه. وهو أصله وقوامه الذي يغمر بها. فعلى قدر صفاء القنديل الذي هو القلب المخلص يظهر لون الماء الذي هو العقل المؤيد. وعلى قدر صفاء الزيت ورقته واتساعه الذي هو العلم يضيء نور النور الذي هو مكان الإيمان وعلى قدر قوة الفتيلة وجودة جوهرها يقوى اليقين. وهو مثل الإيمان في قوته بالزهد والخوف والخشية. وبضياء النار تضيء النفس وهو مثل العلم في مواد التقوى والورع والمعرفة وعدم الهوى وشهوة الطبع. فصار العلم مكانا للتوحيد فتمكن الموحد في التوحيد على قدر المكان. والتوكيل عمل القلب. والتوحيد قول القلب. وأرفع المجالس وأشرفها الجلوس مع الفكر في ميدان التوحيد. فكلما اتسع القلب بالعلم زهد في الدنيا وعدم منه الهوى والحرص والأمل وازداد إيمانه وتم توحيده. وقيل مثل القلب كالعرش. والصدر كالكرسي. وإذا اتسع الصدر بعلم الإيمان وانشرح بنور اليقين صار كرسيا وسع علمه ظاهر عالم الملك وباطن عالم الملكوت في ذاته وفي غيره. وصار سيلا متحيزا في معارفه. سالكا معتبرا متخلقا بأخلاق الملأ الأعلى في إصرافه كما روي عن الله تعالى انه قال: [لا يزال العبد يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به...الحديث].

وإذا امتلأ القلب بالتوحيد كان عرشيا. وتنزهت عن أوصاف البشرية ذاته. وشرفت في الملأ الأعلى صفاته. وعلت وسمت في الملأ الأسفل معرفته. واكتملت بنور اسم الذات بصيرته. وعظمت ما عظم العرش على المخلوقات منزلته. وتخلق بأخلاق الله. وتصير الأسماء الحسنى وصفه وصفته. وصار محققا مستبصرا فانيا في شهود المذكور عن ذكره. مرددا رحمته للخلق داعيا إلى الحق بالحق. كما روي عن الله تعالى انه قال [لا يسعني عرشي ولا كرسي ولا سماي ووسعني قلب عبدي] معنى يسعه توحيدا وإيمانا وعلما ومعرفة وإيقانا ومحبة وإخلاصا فضلا من الله وتخصيصا. لا يسعه مساحة ولا خيالا ولا حلولا ولا حسا ولا حكما وتنزيه الحق سبحانه على ثلاثة أقسام. تنزيه العامة. وتنزيه الخاصة. وتنزيه خاصة الخاصة. فتنزيه العامة تنزيه الحق عن النقائص. وهو تنزيه النفس عن الشرك والضد والند وإفراد الألوهية بالتوحيد للإله الواحد. وتنزيه الخاصة عن حصر ما لا يتناهى من المحامد لان محامد القديم لا تتناهى وحصر ما لا يتناهى محال. وهو تنزيه القلب عن الغفلة والفترة بلزوم الذكر والخشية. ورؤية الفضل والمنة. وتنزيه خاصة الخاصة تنزيه عن رؤية أنفسهم في التنزيه بنفي تأثير فيه وجود البشرية. وتنزيه عن دعوى صدور رؤية الفعلية وهو تنزيه العقل عن تنزيهه عن دعوى صدور رؤية الفعلية وهو تنزيه العقل عن تنزيهه. ومعرفة الحق سبحانه على ثلاثة أوجه. معرفة الوحدانية من طريق الخبر على لسان التوحيد بدليل الكمال والقدم. ومعرفة القدرة من طريق الاجتهاد على بساط الصفا في ميدان الإحسان بدليل الفضل والنعم. ومعرفة المحبة من طريق الكشف على شهود الحضور في ميدان التجلي بدليل الجود والكرم.

واختلف العلماء المعتبرون في معرفة الله تعالى على ثلاثة أصناف:...........

يتبع إن شاء الله تعالى

الرفاعي
05-30-2016, 02:52 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
ـــــــــــــــــــــــــ

واختلف العلماء المعتبرون في معرفة الله تعالى على ثلاثة أصناف:

فصنف منهم قالوا ما في الوجود من لم يعرف الله وصرفوا.

وصنف منهم قالوا ما في الوجود من عرف الله تعالى وصرفوا.

وصنف قالوا ما عرف الله إلا الله عز وجل وصرفوا.

فأما من أثبت المعرفة بالله لجميع العالم وصرفهم في ذلك فهي من طريق الأسماء والصفات فان أول الواجبات في معرفة الديانات معرفة المعلوم على ما هو به من صفات ذاته وأفعاله ويستدل على الصانع بصنعته وعلى الفعل بفاعله إذ بضرورة العقل يعلم وجود الفاعل لاستحالة وجود فعل من غير فاعل.

وقد قال الله تعالى: (( أفي الله شك فاطر السماوات والأرض )).

وقال تعالى : (( شهد الله أنه لا اله إلا هو )).

وحديث معاذ بن جبل حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن فقال: [انك تقدم على قوم أهل كتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه عبادة الله فإذا عرفوا الله فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات...الحديث]. فأثبت الله تعالى ورسوله عليه السلام معرفته. ونفى الشك عنهم بوجوده.

قال الله تعالى: (( ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله فأنى يؤفكون )) الآية.

وقال تعالى : (( ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن خلقهن العزيز العليم)) الآية.

وهذه الآيات عموم في سؤال الخلق عن خالقهم. فثبت بطريق العقل والنقل أنه ما في الوجود من ينكر وجود الصانع الفاعل المختار. ولا من يجهل اسمه جل ذكره.

وأما من نفى المعرفة بالله عن جميع العالم وصرفهم في ذلك فهي من طريق عدم الإحاطة بمعرفة حقيقة ذاته وصفاته على ما هو به من كنه ماهيته. إذ بضرورة العقل يعلم عدم إحاطة معرفة المحدث المقيد. بكمال وجود المطلق القديم الأحد. لأنه من إحاطة المفعول بفاعله. وهو محال عقلا.

وقوله تعالى : (( ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء )).

وقوله تعالى : (( ولا يحيطون به علما )).

وقوله تعالى : (( وما قدروا الله حق قدره )). معناه ما عرفوه حق معرفته.

قال صلى الله عليه وسلم: [ لو عرفتم الله حق معرفته لمشيتم على البحار ولزالت بدعائكم الجبال].

وقال عليه السلام: [ لو عرفتم الله حق معرفته لعلمتم العلم الذي ليس بعده جهل وما بلغ ذلك أحد. قالوا ولا أنت يا رسول الله قال ولا أنا قالوا ما كنا نرى الرسل عليهم السلام تقصر عن ذلك].

فهو من طريق تحقيق الإحاطة بعلمه المطلق. فانه خالق الموجودات ومحدث المحدثات ومدبر أمورهم وعالم قدرهم ومقدارهم ومفنيهم وموجدهم ومبديهم ومعيدهم.

قال الله تعالى: (( الله خالق كل شيء وهو على كل شيء وكيل )).

وقال تعالى : (( ذلكم الله ربكم خالق كل شيء لا إله إلا هو فأنى تؤفكون )).

وقال تعالى : (( هل من خالق غير الله )) الآية.

وقال تعالى : (( أحاط بكل شيء علما وأحصى كل شيء عددا )).

وقال تعالى : (( والله على كل شيء قدير )).

وقال تعالى : (( يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون )).

وقال تعالى : (( تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة )).

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [ لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك ].

وقال الله تعالى: (( لو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما أدري ما يفعل بي ولا بكم )) الآية.

وكان عليه السلام أفضل الخلق. وإمام العالم. وقطب الوجود. وروح الموجودات. ولكن أعطى الربوبية حقها. وذلك لكمال معرفته. ونهاية علمه. وشرف قدره. صلى الله عليه وسلم ترضيه وتزيده شرفا وعزا وتخصيصا وقربا. ومقامات دانية تدنيه.

فثبت بطريق العقل والنقل أن ما عرف الله تعالى على الحقيقة أحد من خلقه. ولا عرفه معرفة تجب له سواه جل وعلا.

قال الشاعر:

نطقت بلا نطق هو النطـق انـه = لك النطق لفظا أو يبين على النطق

تراءيت كي تخفى وقد كنت خافيا = وألممت لي برقا فأنطقت بالبـرق

فمن لي بالنطـق الحقيقـي أننـي = فقير من الأشياء بالحـق للحـق

جهلت فلم أعلم أشـرت فلـم أفـد = وصرت له عبدا فمن لي بالعتـق

فنيت به عني وكنـت بـه خفـي = فان شاء أفناني وان شاء لي يبقي

وما أحد يدري سـوى الله نفسـه = وكل له بالجهل ينطـق بالصـدق


واعلم أن الناس في ذكر توحيدهم على ثلاثة أقسام:

عموما لأهل البداية الذكر باللسان نطقا ومقالا وإقرارا بالشهادة وهو الإسلام.

وخصوصا لأهل التوسط الذكر بالقلب تصديقا واعتقادا وصدقا وإخلاصا. وهو الإيمان.

وخصوص الخصوص لأهل النهاية. الذكر بالعقل عيانا يقينا مشاهدة بضرورة الطبع. وهو الإحسان.

والتفاوت في مراتب معرفة الخلق وتوحيدهم موجود على قدر رتبة الخصوص والعموم في معرفة توحيد الجملة والتفصيل من معرفة الأسماء والصفات خاصة لا معرفة الذات. لأن أصل المعرفة معرفة حق ومعرفة حقيقة. فمعرفة الحقيقة هي معرفة الذات ولا سبيل إليها لامتناع الضدية. فان العجز عن درك الإدراك إدراك. والبحث عن ذات الذات اشتراك. قال تعالى: [ ولا يحيطون به علما ] وقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه: فسبحان من لم يجعل سبيلا إلى معرفته إلا بالعجز عن معرفته.

وأما معرفة حق فهي معرفة الأسماء والصفات وهي مفتوح للخلق بابها وفيها وقع التفاوت بين أهل المعرفة. فمنهم من نظر إلى أفعاله من حيث أنها أفعاله وصنعته وذلك حد معرفة عقله وأدراك عقله لا يتعداه.

ومنهم من نظر إلى قدرة القادر. ولاحظ صفاته. ورأى حكمته. ولم تحجبه الأفعال عن الصفة. وذلك حد معرفته وإدراك عقله لا يتعداه.

ومن من نظر إلى الصانع لا إلى الصنعة. ولم تحجبه الصفات عن عظمة الذات. وذلك غاية الإدراك ونهاية العقول. ولا تتعداه واليه انتهت المعرفة في استدلال العموم بالصنعة على صانعها بداية.

قال تعالى : (( قل انظروا ماذا في السماوات والأرض )) الآية.

وقال تعالى : (( أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت )) الآية.

وقال تعالى : (( إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر )) الآية.

وقال تعالى : (( وفي الأرض آيات للموقنين وفي أنفسكم أفلا تبصرون )) الآية.

واستدلال الخصوص بالصانع على صنعته نهاية.

قال الله تعالى: (( أو لم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد ))الآية.

وقال تعالى : (( وكفى بالله شهيدا )) الآية.

وقال تعالى : (( أفي الله شك فاطر السماوات والأرض )) الآية.

والناس في المشاهدة على ثلاثة أقسام:

بداية للعامة.

ووسط للخاصة.

ونهاية لخاصة الخاصة.

فالعموم شاهدوا جمال حسن صورة حسن المعنى في الجسم الكثيف المركب الأدنى.

والخصوص شاهدوا جمال حسن صورة حسن أس المعنى اللطيف المفيد في هياكل الفنا.

وخصوص الخصوص شاهدوا جمال إجلال حسن الجمال الأسنى المنزه المطلق في الوجود الصادر عن سر الأسماء الحسنى.

مشاهد إنما يشهد بقدر ما رفع له من الحجاب. وأشهده إياه من قسمة كانت له في أم الكتاب. فمن مشاهد يشهد مخلوقا مفيدا خلقا بخلق. ومشاهد يشهد تحقيقا مطلقا حقا بحق. فشتان ما بين ناظر معتبر وناظر.

وفي ذلك قال القائل:

ويبدو بأوصاف الجمال فلا يرى = برؤيته شيئـا قبيحـا ولا ردى

فلما تجلى لي على كـل شاهـد = وأشهدني بالحق في كل مشهـد

تجنبت تقييـد الجمـال ترفعـا = وطالعت أسرار الجمال المبـدد

ففي كل مشهـود لقلبـي شاهـد = وفي كل مسموع له لحن معبـد

وصار سماعي مطلقا منه بـدؤه = وحاشى لمثلى من سمـاع مقيـد

أراها بأوصاف الجمال جميعها = كمحنة مهجور ومحنـة مسنـد


فتنبه رحمك الله لهذه اللطائف الحسنة. والمعارف الفاضل الجليلة البديعة المستحسنة. وتفهم عند تذكرها في معاني أسرارها تر عجبا. وتستفد أدبا. وادع لكاتبها ومؤلفها أن ينفعهما الله بعوارفها ومعارفها. ونسأله أن ينور بصائرنا بنور توحيده ومعرفته. وأن يمد عقولنا بمواد توفيقه وهدايته. وأن يحرس عقائدنا بالتمسك بكتابه وسنته. فانه المرشد للطريق. والهادي إلى طلب التحقيق. والموفق المعين. الساقي بكأس من معين. من عيون المعارف. وأنواع اللطائف. من شاء من العباد. ومن سماه بالمراد. بمنه وفضله وطوله. وهو حسبي ووليي في شرح صدري وتنوير قلبي. والأمر لله. ولا قوة إلا بالله.

كملت رسالة القصد المجرد. في معرفة الاسم المفرد. أعني الله جل ذكره. وعز قدره. بشرح معاني أسراره. واختصاص فوائد أذكاره. وكيفية التعرض لإشراق أنواره. والحمد لله. والشكر له. على جميع نعمه أولا وآخرا. والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله ظاهرا وباطنا. والرضى عن خلفائه وأصحابه وأزواجه وذريته والتابعين وتابع التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين. من جميع أمته. وأهل ملته.

سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ .