المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الفرق بين التصوف والتشيع فى النشأة وفى الفهم وفى كل شى - اولا الفرق فى النشأة


البدوي
10-16-2016, 11:43 AM
نشأة التصوف :


مقدمـــة :

التصوف الإسلامي هو مقام الإحسان الذي قال عنه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : " أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك " .

وقد أطلق اصطلاح التصوف على الزهاد ، والفقراء ، والعباد ، والملهمين ، والمحدثين ، والسياحين ، والملامتية ، وأهل العزلة ، وأهل الصمت ، وأهل الخلوة ، وأهل الذكر ، وأهل الإرشاد .

وللتصوف الإسلامي تعريفات كثيرة كلها ترجع إلى معنى واحد هو الإحسان والخلق والتقوى وطلب الكمال .

نشأة التصوف الاسلامى

نشأ التصوف أول ما نشأ بالبصرة، وأول من بنى ديرة التصوف بعض أصحاب عبد الواحد بن زيد من أصحاب الحسن البصري رحمه الله .

وقد تميز عباد البصرة آنذاك بالمبالغة في التعبد، وظهرت فيهم مظاهر جديدة لم تكن مألوفة من قبل، فكان منهم من يسقط مغشيا عليه عند سماع القرآن، ومنهم من يخر ميتا، فافترق الناس إزاء هذه الظاهرة بين منكر ومادح، وكان من المنكرين عليهم جمع من الصحابة كأسماء بنت أبي بكر وعبدالله بن الزبير رضي الله عنهم، إذ لم تكن تلك المظاهر في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته وهم الأعظم خوفا والأشد وجلا من الله سبحانه .

ورأى الإمام ابن تيمية أن حال النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته من ضبط نفوسهم عند سماع القرآن أكمل من حال من جاء بعدهم، ولكنه - رحمه الله - لا يذهب إلى الإنكار على من ظهر منه شيء من ذلك إذا كان لا يستطيع دفعه، فقال رحمه الله تعالى : " والذي عليه جمهور العلماء أن الواحد من هؤلاء إذا كان مغلوبا عليه لم ينكر عليه وإن كان حال الثابت أكمل منه " .

معنى التصوف وأصل نسبته
تنازع العلماء في أصل هذه النسبة وإلى أي شيء تضاف فقيل : هي نسبة إلى أهل الصُفَّة ، وقيل : نسبة إلى الصفوة، وقيل : نسبة إلى الصف المقـدّم، وقيل : بل نسبة إلى صوفة بن بشر رجل عرف بالزهد في الجاهلية، قال الإمام ابن تيمية : " وكل هذا غلط ، وقيل - وهو المعروف - أنه نسبة إلى لبس الصوف ". ونفى القشيري صحة هذه النسبة أيضاً، وقال : إن القوم لم يعرفوا بلبس الصوف، وأيا كان أصل النسبة فإن اللفظ صار علما على طائفة بعينها، فاستغني بشهرته عن أصل نسبته.

هذا عن أصل النسبة، أما معنى التصوف فللقوم عبارات مختلفة في ذلك تصور مقام كل واحد في التصوف وتصوره له، فقال بعضهم في تعريف التصوف : أنه الدخول في كل خلق سني، والخروج عن كل خلق دني، وقيل : أن يكون العبد في كل وقت بما هو أولى به في ذلك الوقت ، بمعنى أنه إن كان في وقت صلاة كان مصليا، وإن كان في وقت ذكر كان ذاكر، وإن كان في وقت جهاد كان مجاهدا، لذلك قيل : الصوفي ابن وقته، وقيل في تعريف التصوف الأخذ بالحقائق، واليأس بما في أيدي الخلائق، وقيل التصوف مراقبة الأحوال ولزوم الأدب، وقيل غير ذلك.
فمن تعريفات التصوف :

- قال سيد الطائفة الإمام الجنيد رضي الله عنه : التصوف استعمال كل خلق سني ، وترك كل خلق دني .

- وقال بعض العارفين : الجد في السلوك إلى ملك الملوك .

- وقالوا : هو الموافقة للحق ، والمفارقة للخلق .

- وقالوا : هو ابتغاء الوسيلة إلى منتهى الفضيلة .

- وقالوا : هو حفظ الوفاء وترك الجفاء .

- وقالوا : هو الرغبة إلى المحبوب في درك المطلوب .

- وقالوا : هو تحقق صفات المؤمن الثمانية المذكورة في قوله تعالى :

- وقال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري رحمه الله : التصوف علم تعرف به أحوال تزكية النفوس ، وتصفية الأخلاق ، وتعمير الظاهر والباطن لنيل السعادة الأبدية .

- وقال سيدي أحمد زروق رحمه الله : التصوف علم قصد لإصلاح القلوب ، وإفرادها لله تعالى عما سواه ، والفقه لإصلاح العمل ، وحفظ النظام ، وظهور الحكمة بالأحكام .

- وارتضى شيخنا رحمه الله تعالى قول بعض الشيوخ في تعريف التصوف : التصوف كله أخلاق فمن زاد عليك بالأخلاق زاد عليك في التصوف .

- وقال سيدي الإمام المجدد أبي الحسن الشاذلي رحمه الله : التصوف تدريب النفس على العبودية ، وردها لأحكام الربوبية .

- وقال ابن عجيبة رحمه الله : التصوف هو علم يعرف به كيفية السلوك إلى حضرة ملك الملوك ، وتصفية البواطن من الرذائل ، وتحليتها بأنواع الفضائل ، وأوله علم ، ووسطه عمل ، وآخره موهبة .

- وقال سيدي أحمد زروق رحمه الله في قواعد التصوف : وقد حد التصوف ورسم وفسر بوجوه تبلغ نحو الألفين ، مرجع كلها لصدق التوجه إلى الله تعالى ، وإنما هي وجوه فيه .

- وقد ذكر الحافظ أبو نعيم الأصفهاني في حلية الأولياء تعريفا للتصوف في كل ترجمة من تراجم كتابه تقريبا ، وفي كتابه أكثر من ألفي ترجمة .


منهج الصوفية المتقدمين :
امتاز منهج المتقدمين في الجملة بالتعويل على الكتاب والسنة،
واعتبارهما مصدري التلقي والاستدلال الوحيدين، ويروى عنهم نصوص كثيرة في ذلك، فمن ذلك ما قاله أبو القاسم الجنيد :" مذهبنا هذا مقيد بالأصول الكتاب والسنة " وقال أيضا : " علمنا منوط بالكتاب والسنة من لم يحفظ الكتاب ويكتب الحديث ولم يتفقه لا يقتدى به " وقال أبو سليمان الداراني :" ربما تقع في نفسي النكتة من نكت القوم أياما فلا أقبلها إلا بشاهدين عدلين الكتاب والسنة "، وقال سهل بن عبدالله التستري :" مذهبنا مبني على ثلاثة أصول :" الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، في الأخلاق والأفعال، والأكل من الحلال، وإخلاص النية في جميع الأعمال ".
ليس هذا من التصوف الإسلامي :

اعلم أيها الأخ المسلم أن التصوف الإسلامي الأصيل قد ابتلي بالأدعياء شأنه شأن غيره من علوم الإسلام والدعوات الصادقة فيه ، إذ اقتضت حكمة الله تعالى أن يكون لكل حق باطل يشبهه ، ليميز الله الخبيث من الطيب ، وقد سخر الله تعالى من عباده من بينوا للناس منهج الحق والخير والصواب ، وميزان العدل والاعتدال ، ليميز الناس الحق من الباطل ، والزيف من الصرف ...

من أجل ذلك فاعلم أنه :

- ليس من التصوف الإسلامي : القول بمخالفة الشريعة للحقيقة ، أو أن أهل الحقيقة لا يتقيدون بالشريعة ، أو أن ظاهر الإسلام شيء غير باطنه ، أو أن مسلماً عاقلاً رُفع عنه التكليف .

- وليس من التصوف الإسلامي : القول بالحلول أو الاتحاد ، أو الوحدة التي تزعم أن الكون هو الله ، والله هو الكون ، وما جاء مما يوهم ذلك على لسان بعضهم فهو مؤول بما يوافق دين الله ، أو هو مدسوس على القائل ، أو هو مما قاله في حالة الفناء والغيبوبة على لسان الحق عز وجل ، ونحن نستغفر الله للجميع ، ونحسن الظن بكل مسلم .

- وليس من التصوف الإسلامي : الذكر على الطبل والزمر بأنواعه مهما كان

- وليس من التصوف الإسلامي : تحريف أسماء الله والرقص بها ممطوطة ، أو محولة إلي أصوات ساذجة لا معنى لها ، ولا قراءة الأوراد بغير فهم ولا إعراب .

- وليس من التصوف الإسلامي : لبس عمائم الريش ، ولا حمل سيوف الخشب والصفيح ، ولا القذارة ، ولا البلادة ، ولا البطالة ، ولا الجهالة بدين الله ، ولا ادعاء الولاية والمتاجرة بالكرامات .

- وليس من التصوف الإسلامي : ما يحدث في الموالد من اختلاط محرَّم ، ومباذل وسفاسف لا يرضاها عاقل .

- وليس من التصوف الإسلامي : ما يحدث في الموالد من اختلاط محرَّم ، ومباذل وسفاسف لا يرضاها عاقل ، وادعاءات فضفاضة وتغييب للعقول .

- وليس من التصوف الإسلامي : ادعاء الغيب والدجل والشعوذة والاتصال بالجن والشياطين والسحر والألفاظ الأعجمية والساذجة .

البدوي
10-16-2016, 11:46 AM
هذا البحث من مواقع مشايخ السلفية
وهم بالطبع يعادون التصوف واهله
ولكنه اكمل بحث وجدته يحاول ان يبيت اصل التشيع
فلنأخذ منه المعلومة ونتحفظ على الاراء والتجاوزات اللفظية .....البدوى

*****************
إن الشيعة بأصولها ومعتقداتها لم تولد فجأة، بل مرت بمراحل كثيرة ونشأت تدريجياً.. وانقسمت إلى فرق كثيرة. ولاشك أن التتبع التاريخي والفكري للمراحل والأطوار التي مر بها التشيع يحتاج إلى بحث مستقل، ولهذا سيكون الحديث هنا عن: أصل النشأة وجذورها التاريخية، ولا يعنينا تتبع مراحلها ونشوء فرقها.. وسنبدأ بعض رأي الشيعة من مصادرها المعتمدة عندها، ثم نذكر بعد ذلك آراء الآخرين.
فالمنهج العلمي والموضوعية توصي بأخذ آراء أصحاب الشأن فيما يخصهم أولاً.
رأي الشيعة في نشأة التشيع:
لم يكن لهم رأي موحد في هذا، ونستطيع أن نستخلص ثلاثة آراء في نشأة التشيع كلها جاءت في كتبهم المعتمدة، وسنتعقب كل رأي بالمناقشة والنقد.
الرأي الأول:
إن التشيع قديم ولد قبل رسالة النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه ما من نبي إلا وقد عرض عليه الإيمان بولاية علي.. وقد وضع الشيعة أساطير كثيرة لإثبات هذا الشأن، ومن ذلك ما جاء في الكافي عن أبي الحسن قال: "ولاية علي مكتوبة في جميع صحف الأنبياء، ولن يبعث الله رسولاً إلا بنبوة محمد - صلى الله عليه وآله -، ووصية عليّ عليه السلام" [الكليني/ أصول الكافي: 1/437.].
وعن أبي جعفر في قوله الله عز وجل: {وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آَدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا} [طه، آية: 115.] قال: "عهدنا إليه في محمد والأئمة من بعده فترك ولم يكن له عزم [وهذا التفسير بعيد عن الآية.. بل إلحاد في آيات الله. وقد جاء تفسير الآية عن السلف وغيرهم: "ولقد وصينا آدم وقلنا له: {إنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ} فنسي ما عهد إليه في ذلك (أي ترك) ولو كان له عزم ما أطاع عدوه إبليس الذي حسده. قال قتادة : {وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا} أي صبراً". (تفسير الطبري: 16/220-222).]، وإنما سمي أولو العزم أولي العزم لأنه عهد إليهم في محمد والأوصياء من بعده، والمهدي وسيرته، وأجمع عزمهم على أن ذلك كذلك والإقرار به" [الكليني/ الكافي: 1/416، وانظر: ابن بابويه القمي/ علل الشرائع: ص 122، الكاشاني/ الصافي: 2/80، تفسير القمي: 2/65، هاشم البحراني/ المحجة ص: 635-636 ، المجلسي/ البحار: 11/35، 26/278، الصفار/ بصائر الدرجات: ص 21.].
وجاء في البحار: أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال - كما يزعمون -: يا علي، ما بعث الله نبياً إلا وقد دعاه إلى ولايتك طائعاً أو كارهاً [انظر: البحار: 11/60 ، البحراني/ المعالم الزلفى ص: 303 ، وهذه الرواية موجودة في بصائر الدرجات للصفار، وفي الاختصاص للمفيد.]. وفي رواية أخرى لهم عن أبي جعفر قال: إن الله تبارك وتعالى أخذ ميثاق النبيين بولاية علي [المعالم الزلفى ص: 303.].
وعن أبي عبد الله قال: ولايتنا ولاية الله لم يبعث نبي قط إلا بها [النوري الطبرسي/ مستدرك الوسائل: 2/195، المعالم الزلفى ص: 303.]. وعقد لذلك شيخهم البحراني باباً بعنوان: باب أن الأنبياء بعثوا على ولاية الأئمة [المعالم الزلفى ص: 303.]، وقالوا: ثبت أن جميع أنبياء الله ورسله وجميع المؤمنين كانوا لعلي بن أبي طالب مجيبين، وثبت أن المخالفين لهم كانوا له ولجميع أهل محبته مبغضين.. فلا يدخل الجنة إلا من أحبه من الأولين والآخرين فهو إذن قسيم الجنة والنار [الكاشاني/ تفسير الصافي: 1/16.].
وجاءت رواياتهم في هذا المعنى في كثير من كتبهم المعتمدة عندهم: في الكافي [الكليني/ أصول الكافي: 2/8.]، والوافي [الكاشاني/ الوافي: المجلد ج* 2 ص 155، ج* 3 ص 10.]، والبحار [المجلسي/ البحار: 35: 151، القمي/ سفينة البحار: 1/729.]، ومستدرك الوسائل [النوري/ مستدرك الوسائل : 2/195.]، والخصال [الصدوق/ الخصال: 1/270.]، وعلل الشرائع [الصدوق/ علل الشرائع ص: 122، 135، 136، 143، 144، 174.]، والفصول المهمة [الحر العاملي/ الفصول المهمة ص : 158.]، وتفسير فرات [تفسير فرات: ص 11، 13.]، والصافي [تفسير الصافي: 2/80.]، والبرهان [البحراني: 1/86.]، وغيرها كثير. حتى قال الحر العاملي صاحب وسائل الشيعة - أحد مصادرهم المعتمدة في الحديث - بأن رواياتهم التي تقول: بأن الله حين خلق الخلق أخذ الميثاق على الأنبياء تزيد على ألف حديث [الفصول المهمة ص: 159.]
ولم تكتف مبالغات الشيعة بالقول بما سلف، بل قالت بأن: "الله عز اسمه عرض ولايتنا على السماوات والأرض والجبال والأمصار" [النوري/ مستدرك الوسائل: 2/195.]. ولهذا قال شيخهم هادي الطهراني - أحد آياتهم ومراجعهم في هذا العصر -: "تدل بعض الروايات على أن كل نبي أمر بالدعوة إلى ولاية علي - رضي الله عنه -، بل عرضت الولاية على جميع الأشياء فما قبل صلح، وما لم يقبل فسد"[هادي الطهراني/ ودايع النبوة ص: 155.].
نقد هذا الرأي:
هناك من الآراء والمعتقدات ما يكفي في بيان فسادها مجرد عرضها، وهذا الرأي من هذا الصنف، إذ إن فساده وبطلانه من الأمور المعلومة بالضرورة.. وكتاب الله بين أيدينا ليس فيه شيء من هذه المزاعم.
لقد كانت دعوة الرسل - عليهم السلام - إلى التوحيد لا إلى ولاية علي والأئمة - كما يفترون -.
قال الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَاْ فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء، آية: 25.]، وقال تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللَّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ} [النحل، آية : 36.]. فكل رسل الله وأنبيائه كانوا يدعون قومهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له.
فقد قال نوح، وهود، وصالح، وشعيب - عليهم السلام - لقومهم: {اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [الأعراف، آية: 59، 65، 73، 85.].
وقد قال صلى الله عليه وسلم: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله..." [رواه البخاري في كتاب الإيمان، باب: {فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ} (1/11)، ومسلم في كتاب الإيمان، باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله (1/51-52)، وغيرهما.].
وعن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذاً إلى اليمن قال: «إنك تقدم على قوم أهل كتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه عبادة الله عز وجل..." [رواه البخاري ومسلم بألفاظ متقاربة، وما ذكر لفظ مسلم، انظر: صحيح البخاري كتاب الزكاة، باب وجوب الزكاة (2/108)، وصحيح مسلم كتاب الإيمان، باب الدعاء إلى الشهادتين (1/50-51).].
فلم يرد في السنة الصحيحة إلا ما ينقض هذا الرأي. كما أن "أئمة السلف متفقون على أن أول ما يؤمر به العبد الشهادتان" [شرح الطحاوية ص: 75.].
فأين ما يزعمون من أمر ولاية عليّ؟
وإذا كانت ولاية عليّ مكتوبة في جميع صحف الأنبياء، فلماذا ينفرد بنقلها الروافض، ولا يعلم بها أحد غيرهم؟ ولماذا لم يعلم بذلك أصحاب الديانات؟ بل لماذا لم تسجل هذه الولاية في القرآن وهو المهيمن على الكتب كلها، والمحفوظ من لدن رب العزة جل علاه؟!.
إن هي إلا دعوى بلا برهان، والدعاوى لا يعجز عن التنطع بها أحد إذا لم يكن له من دينه أو عقله أو حيائه ما يحميه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وهذه كتب الأنبياء التي أخرج الناس ما فيها من ذكر النبي صلى الله عليه وسلم ليس في شيء منها ذكر عليّ.. وهؤلاء الذين أسلموا من أهل الكتاب لم يذكر أحد منهم أنه ذكر عليّ عندهم، فكيف يجوز أن يقال: إن كلاً من الأنبياء بعثوا بالإقرار بولاية علي، ولم يذكروا ذلك لأممهم، ولا نقله أحد منهم ؟!" [منهاج السنة: 4/64.].
وكيف تتطاول هذه الأساطير على الأنبياء فتزعم أن آدم - عليه السلام - وبقية الأنبياء - ما عدا أولي العزم - قد تركوا أمر الله في الولاية؟!، إن هذا إلا بهتان عظيم، فالولاية باطلة والافتراء على الأنبياء باطل.
ومن المفارقات العجيبة: ذلك الغلو الذي لا يقف عند حد في مسألة عصمة الأئمة.. وهذا الجفاء في حق صفوة الخلق وهم الأنبياء، أليس ذلك دليلاً على أن واضعي هذه الأساطير هم قوم قد فرغت عقولهم ونفوسهم من العلم والإيمان، وشحنت بالحقد والتآمر على المصلحين والأخيار، وأرادوا الدخول على الناس لإفساد أمرهم من طريق التشيع؟، بلى: إنه لا يتجرأ على مثل هذه الافتراءات إلا زنديق، وكأنهم بهذه المقالة يجعلون أتباع الأئمة أفضل من أنبياء الله – ما عدا أولي العزم – لأن الأتباع اتبعوا، والأنبياء تركوا، إن هذا لهو الضلال المبين..
لقد أخذ الله الميثاق على الأنبياء - عليهم السلام - لئن بعث محمد وهم أحياء ليؤمنن به ولينصرنه، هكذا قال ابن عباس [انظر: تفسير الطبري: 6/557 وما بعدها (من الأجزاء المحققة).] وغيره. قال تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ} [آل عمران، آية: 81.].
فكأن هؤلاء أرادوا - كعادتهم - أن يجعلوا ما للنبي صلى الله عليه وسلم هو من حلق عليّ، ثم إن الإيمان بتفصيل ما بعث به محمد لم يؤخذ عليهم، فكيف يؤخذ عليهم موالاة واحد من الصحابة دون غيره من المؤمنين ؟!.
وقد أجمع المسلمون على أن الرجل لو آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم وأطاعه، ومات في حياته قبل أن يعلم أن الله خلق أبا بكر وعمر وعثمان وعلياً لم يضره ذلك شيئاً، ولم يمنعه من دخول الجنة. فإذا كان هذا في أمة محمد صلى الله عليه وسلم فكيف يقال: إن الأنبياء يجب عليهم الإيمان بواحد من الصحابة [انظر: منهاج السنة: 4/46.]؟!.
وأين عقول هؤلاء القوم الذين يصدقون بهذه الترهات! كيف يؤخذ على من قبلنا من الأنبياء وأممهم الميثاق على طاعة علي في إمامته "هذا – كما يقول شيخ الإسلام – كلام المجانين، فإن أولئك ماتوا قبل أن يخلق الله علياً فكيف يكون أميراً عليهم؟!، وغاية ما يمكن أن يكون أميراً على أهل زمانه، أما الإمارة على من خلق قبله، وعلى من يخلق بعده، فهذا من كذب من لا يعقل ما يقول، ولا يستحي مما يقول..

[منهاج السنة: 4/78.].
فما الغاية والهدف من هذه المقالة التي لا يخفى كذبها على أحد؟
هل الغاية صد الناس عن دين الله ؟!
لأن هذا معلوم بطلانه بداهة، فإذا رفعوا هذه الدعوى ونسبوها للإسلام، واطلع عليها أصحاب تلك الديانات وغيرهم، ورأوا بطلانها في العقل والنقل شكوا في الإسلام نفسه!!
ثم ماذا يقول أهل العلم والعقل عن هذا التحليل الغريب لفساد الأشياء أو صلاحها من الجمادات والنباتات والمياه... إلخ، وأن هذا بسبب موقفها من ولاية علي.
ماذا يقول العالم عن هذا..؟! هل هذا هو الدين الذي يريدون أن يقدموه للناس؟!
أو أن الهدف تشويه الإسلام والصد عنه!!
ولا يستغرب هذا الرأي من الشيعة، فهم أهل مبالغات غريبة، يكذبون بالحقائق الواضحات، والأخبار المتواترات، ويصدقون بما يشهد العقل والنقل بكذبه... وإذا كانوا يقولون بهذا الرأي فيمن يدعون إمامته، فإنهم أيضاً يقولون في أعداء الأئمة وأعداء الشيعة - في اعتقادهم - ما يقارب هذا الرأي فقد قالوا في الخليفتين الراشدين العظيمين: أبي بكر وعمر، قالوا - مثلاً -: "وقع في الخبر أن القائم - رضي الله عنه - إذا ظهر يحييهم ويلزمهم بكل ذنب وفساد وقع في الدنيا، حتى قَتْل قابيل وهابيل، ورَمْي إخوة يوسف له في الجب، ورمي إبراهيم في النار وسايرها"، وكذا روي عن الصادق: "أنه ما أزيل حجر من موضعه، ولا أريقت محجمة دم إلا وهو في أعناقهما - يعني الخليفة الأول والثاني-" [البحراني/ درة نجفيه ص: 37، وانظر: رجال الكشي ص: 205-206، وانظر: الأنوار النعمانية: 1/82.].

الرأي الثاني (من آراء الشيعة) :
ويزعم بعض الروافض في القديم والحديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم هو الذي وضع بذرة التشيع، وأن الشيعة ظهرت في عصره، وأن هناك بعض الصحابة الذين يتشيعون لعليّ، ويوالونه في زمنه صلى الله عليه وسلم.
يقول القمي: "فأول الفرق الشيعة، وهي فرقة علي بن أبي طالب المسمون شيعة علي في زمان النبي صلى الله عليه وسلم وبعده، معروفون بانقطاعهم إليه والقول بإمامته، منهم المقداد بن الأسود الكندي، وسلمان الفارسي، وأبو ذر جندب بن جنادة الغفاري، وعمار بن ياسر المذحجي.. وهم أول من سمو باسم التشيع من هذه الأمة [المقالات والفرق ص: 15.]. ويشاركه في هذا الرأي النوبختي [فرق الشيعة ص: 17، وقد وَهِمَ الشيبي في نقله لرأي النوبختي، حيث نسب إليه أنه يقول بأن التشيع نشأ بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم (انظر: الصلة بين التصوف والتشيع ص: 22).]، والرازي [انظر: الرازي (من شيوخ الإسماعيلية) الزينة ص: 205 (مخطوط).].
ويقول محمد حسين آل كاشف الغطا (المتوفى سنة 1373ه*) : إن أول من وضع بذرة التشيع في حقل الإسلام هو نفس صاحب الشريعة –؛ يعني أن بذرة التشيع وضعت في بذرة الإسلام [لاحظ أن هذا اعتراف منه بأن بذرة التشيع غير بذرة الإسلام.] جنباً إلى جنب، وسواء بسواء، ولم يزل غارسها يتعاهدها بالسقي والري حتى نمت وازدهرت في حياته، ثم أثمرت بعد وفاته [أصل الشيعة: ص 43.]. وقال بهذا الرأي طائفة من الشيعة المعاصرين [انظر: محسن العاملي/ أعيان الشيعة: 1/13، 16، محمد جواد مغنية/ الاثنا عشرية وأهل البيت ص: 29، هاشم معروف/ تاريخ الفقه الجعفري ص: 105، الوابلي/ هوية التشيع ص: 27، الشيرازي/ هكذا الشيعة ص: 4، محمد الحسني/ في ظلال التشيع ص: 50-51، الزين/ الشيعة في التاريخ ص: 29، 30، المظفر/ تاريخ التشيع ص 18، الصدر/ بحث حول الولاية ص: 63، أحمد تفاحة/ أصول الدين: ص 18، 19.].
مناقشة هذا الرأي:
أولاً: يلاحظ أن أول من قال بهذا الرأي القمي في كتابه «المقالات والفرق» والنوبختي في كتابه "فرق الشيعة". وقد يكون من أهم الأسباب لنشوء هذا الرأي هو أن بعض علماء المسلمين أرجع التشيع في نشأته وجذوره إلى أصول أجنبية، وذلك لوجود ظواهر واضحة تثبت ذلك - سيأتي الحديث عنها [انظر: ص(101) من هذا الكتاب.] -. فبسبب ذلك قام الشيعة بمحاولة إعطاء التشيع صفة الشرعية، والرد على دعوى خصومهم برد التشيع إلى أصل أجنبي، فادعوا هذه الدعوى، وحاولوا تأييدها وإثباتها بكل وسيلة؛ فوضعوا روايات كثيرة في ذلك [في كتب الموضوعات عند أهل السنة روايات كثيرة من وضع الروافض في هذا الباب (انظر -مثلاً -: الموضوعات لابن الجوزي: 1/338 وما بعدها، الشوكاني/ الفوائد المجموعة ص 342 وما بعدها، الكتاني/ تنزيه الشريعة: 1/351 وما بعدها، ولهم وسائل الطرق ومسالك في الاستدلال والاحتجاج على أهل السنة كتبت عنها في رسالتي: فكرة التقريب ص: 51 وما بعدها.]، ونسبوها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وزعموا أنها رويت من طرق أهل السنة، وهي روايات "لا يعرفها جهابذة السنة ولا نقلة الشريعة، بل أكثرها موضوع أو مطعون في طريقه، أو بعيد عن تأويلاتهم الفاسدة" [ابن خلدون/ المقدمة: 2/527، تحقيق د. علي عبد الواحد وافي.].

ثانياً: إن هذا الرأي لا أصل له في الكتاب والسنة، وليس له سند تاريخي ثابت، بل هو رأي يجافي أصول الإسلام وينافي الحقائق الثابتة، فقد جاء الإسلام لجمع هذه الأمة على كلمة سواء، لا ليفرقها شيعاً وأحزاباً، ولم يكن بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم شيعة ولا سنة، والله سبحانه وتعالى يقول: {إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الإِسْلاَمُ} [آل عمران، آية: 19.] لا التشيع ولا غيره، وهم يعترفون في قولهم: "إن بذرة التشيع وضعت مع بذرة الإسلام جنباً إلى جنب..." إن التشيع غير الإسلام. والله يقول: {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ} [آل عمران، آية: 85.].
ومن الحقائق التاريخية المتواترة والتي تكشف خطأ هذا الرأي ومجانبته للحقيقة أنه لم يكن للشيعة وجود زمن أبي بكر وعمر وعثمان [يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: «ففي خلافة أبي بكر وعمر لم يكن أحد يسمى من الشيعة، ولا تضاف الشيعة إلى أحد». (منهاج السنة: 2/64 تحقيق د. محمد رشاد سالم).]. وقد اضطر بعض شيوخ الشيعة للإذعان لهذه الحقيقة وهم الذين مردوا على إنكار الحقائق المتواترات.
يقول آيتهم ومجتهدهم الأكبر في زمنه محمد حسين آل كاشف الغطاء: "... ولم يكن للشيعة والتشيع يومئذ (في عهد أبي بكر وعمر رضي الله عنهما) مجال للظهور؛ لأن الإسلام كان يجري على مناهجه القويمة..." [أصل الشيعة: ص 48.]. وبمثل هذا اعتراف شيخهم الآخر محمد حسين العاملي، فقال: "إن لفظ الشيعة قد أهمل بعد أن تمت الخلافة لأبي بكر، وصار المسلمون فرقة واحدة إلى أواخر أيام الخليفة الثالث" [الشيعة في التاريخ ص: 39-40.].
ونحن نقول: إنه أهمل لأنه لم يوجد أصلاً، إذ كيف يهمل، ولا يظهر، والحكومة كافرة في نظركم، كما هو متواتر في كتبكم - كما سيأتي نقله وبيانه - وهل كان المسلمون شيعاً في عهد الرسول... وفرقة واحدة في عهد الخلفاء الثلاثة؟!
ثالثاً: زعموا أن الشيعة كانت تتألف من عمار، وأبي ذر، والمقداد، فهل قال هؤلاء بعقيدة من عقائد الشيعة من دعوة النص، وتكفير الشيخين: أبي بكر وعمر وأكثر الصحابة، أو أظهروا البراءة والسب لهم أو كراهيتهم..؟ كلا، لم يوجد شيء من ذلك.. وكل ما قاله الشيعة من دعاوى في هذا وملأوا به المجلدات لا يعدو أن يكون وهماً من الأوهام نسجته خيالات الحاقدين والأعداء [كقولهم: "إن الزبير والمقداد وسلمان حلقوا رؤوسهم ليقاتلوا أبا بكر.." (رجال الكشي رقم 210 ص: 133). وأخبارهم في هذا تملأ مجلدات.. ويلاحظ في الرواية السابقة: أنهم ذكروا الزبير، والزبير كان ممن حارب علياً فيما بعد، ونسوا ذكر أبي ذر، وعمار، وآل البيت.].
قال ابن المرتضى (وهو شعي زيدي) : "فإن زعموا أن عماراً، وأبا ذر الغفاري، والمقداد بن الأسود، وسلمان الفارسي كانوا سلفهم؛ لقولهم بإمامة علي – عليه السلام – أكذبهم كون هؤلاء لم يظهروا البراءة من الشيخين ولا السب لهم، ألا ترى أن عماراً كان عاملاً لعمر بن الخطاب في الكوفة [انظر: ابن الأثير/ أسد الغابة: 4/64، ابن حجر/ الإصابة: 2/506، ابن عبد البر/ الاستيعاب: 2/473.]، وسلمان الفارسي في المدائن" [طبقات ابن سعد: 4/87.] [المنية والأمل ص: 124، 125.]. وهذه الحقائق التاريخية الثابتة تنسف كل ما شيده الشيعة من دعاوى في هذا عبر القرون.
رابعاً: يرى الشيخ موسى جار الله أن هذه المقالة من الشيعة مغالطة فاحشة خرجت من حدود كل أدب، وأنها افتراء على النبي صلى الله عليه وسلم ولعب بالكلمات، ويتعجب من قولهم: "إن أول من وضع بذرة التشيع في حقل الإسلام هو نفس صاحب الشريعة"، فيقول: "أي حبة بَذَرَ النبي حتى أنبتت سنابل اللعن والتكفير للصحابة وخير الأمة، وسنابل الاعتقاد بأن القرآن محرف بأيدي منافقي الصحابة، وأن وفاق الأمة ضلال، وأن الرشاد في خلافها، حتى توارت العقيدة الحقة في لجّ من ضلال الشيعة جم" [الوشيعة ص: مه.].
الرأي الثالث:
يجعل تاريخ ظهور الشيعة يوم الجمل. قال ابن النديم [محمد بن إسحاق بن محمد بن أبي يعقوب النديم ، كان معتزلياً متشيعاً. من تصانيفه: الفهرست، توفي سنة (438ه*).
(لسان الميزان: 5/72).]: إن علياً قصد طلحة والزبير ليقاتلهما حتى يفيئا إلى أمر الله جل اسمه، فسمى من اتبعه على ذلك الشيعة، فكان يقول: شيعتي، وسماهم - عليه السلام - الأصفياء الأولياء، شرطة الخميس، الأصحاب [ابن النديم/ الفهرست ص: 175.].
هذا رأي انفرد به ابن النديم - حسب علمي - وهو فيما يبدو ويشير إلى تاريخ ظهور الشيعة بمعنى الأنصار والأتباع، وتاريخ إطلاق لقب الشيعة على أنصار علي - رضي الله عنه - وأن علياً - عليه السلام - هو الذي لقبهم بذلك حيث يقول: "شيعتي".
ولاشك أن هذا القول لا يدل على بداية الأصول الفكرية للتشيع، فهو يعني هنا المعنى اللغوي للشيعة وهو الأنصار، ولهذا استخدم أيضاً ألقاباً أخرى تدل على ذلك كالأصحاب والأولياء، كما أن الوثائق التاريخية - كما سلف - أثبتت أن لقب "شيعتي" والشيعة كما استعمله علي - رضي الله عنه - قد استعمله معاوية - رضي الله عنه -.
ويصف د. مصطفى كامل الشيبي - شيعي معاصر - رأي ابن النديم هذا بالغربة، حيث جعل التشيع لقباً أطلقه عليّ بنفسه على أصحابه [الصلة بين التصوف والتشيع ص: 18.].. وما أدري ما وجه الغرابة، في أن يدعو علي أنصاره بقوله: "شيعتي".
أما د. النشار فيرى في كلام ابن النديم بعض الغلو [نشأة الفكر الفلسفي: 2/32.] ولا يذكر النشار وجه الغلو الذي يصف به كلام ابن النديم.
آراء غير الشيعة في نشأة التشيع:
القول الأول:
إن التشيع ظهر بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم حيث وجد من يرى أن أحقية علي - رضي الله عنه - بالإمامة. وهذا الرأي قال به طائفة من القدامى والمعاصرين، منهم العلامة ابن خلدون، وأحمد أمين، وبعض المستشرقين، وهذا القول منهم مبني على ما نقله البعض من وجود رأي يقول بأحقية قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخلافة بعده.
يقول ابن خلدون: "اعلم أن مبدأ هذه الدولة - يعني دولة الشيعة - أن أهل البيت لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يرون أنهم أحق بالأمر، وأن الخلافة لرجالهم دون من سواهم" [العبر: 3/107-171.].
ويقول أحمد أمين: "كانت البذرة الأولى للشيعة الجماعة الذين رأوا بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم أن أهل بيته أولى الناس أن يخلفوه" [فجر الإسلام ص: 266، وانظر: ضحى الإسلام: 3/209، وقال د. علي الخربوطلي: "ونحن نرى أن التشيع بدأ بعد أن آلت الخلافة إلى أبي بكر دون علي بن أبي طالب" (الإسلام والخلافة ص: 62). كما يقول بهذا الرأي محمد عبد الله عنان (انظر: تاريخ الجمعيات السرية ص: 13).]. كما قال بمثل ذلك بعض المستشرقين [انظر: دائرة المعارف الإسلامية: 14/58.].
مناقشة هذا الرأي:
وهذا الرأي يستند القائلون به إلى الرأي القائل بأحقية القرابة بالإمامة. ولا شك أنه إذا وجد من يرى أحقية عليّ بالإمامة، وأن الإمامة ينبغي أن تكون في القرابة، فقد وجد رأي يقول باستخلاف سعد بن عبادة، وأن الإمامة ينبغي أن تكون في الأنصار، وهذا لا دلالة فيه على ميلاد حزب معين، أو فرقة معينة، وتعدد الآراء أمر طبيعي، وهو من مقتضيات نظام الشورى في الإسلام، فهم في مجلس واحد تعددت آراؤهم "وما انفصلوا حتى اتفقوا، ومثل هذا لا يعد نزاعاً" [ابن تيمية/ منهاج السنة: 1/36.]، "وقد اندرجوا تحت الطاعة عن بكرة أبيهم لأبي بكر - رضي الله عنه - وكان علي - رضي الله عنه - سامعاً لأمره، وبايع أبا بكر على ملأ من الأشهاد، ونهض إلى غزو بني حنيفة" [الجويني/ الإرشاد ص: 428.] "وكانوا - على حال ألفة، واجتماع كلمة - يبذلون في طاعة أئمتهم مهج أنفسهم، وكرائم أموالهم على السبيل التي كانوا عليها مع نبيهم.." [الناشئ الأكبر/ مسائل الإمامة ص: 15.].
ولو كان هذا الرأي القائل بأحقية القرابة بالإمامة يمثل البذرة والنواة للتشيع لكان له ظهور وودود زمن أبي بكر وعمر، ولكنه رأي إن ثبت فهو كسائر الآراء التي أثيرت في اجتماع السقيفة، ما إن وجد حتى اختفى بعد أن تمت البيعة.. واجتمعت الكلمة.. واتفق الرأي من الجميع. وموقف أمير المؤمنين علي - رضي الله عنه - ينفي استمرار مثل هذه الآراء أو بقائها بين الصحابة، فقد تواتر عنه - رضي الله عنه، من وجوه كثيرة - أنه قال على منبر الكوفة: "خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر" [قال ابن تيمية: "روي عن علي من نحو ثمانين وجهاً وأكثر أنه قال على منبر الكوفة هذا القول - كما مر - وقد ثبت في صحيح البخاري من رواية رجال همدان خاصة التي يقول فيها علي: لو كنت بواباً على باب جنة لقلت لهمدان: ادخلي بسلام، من رواية سفيان الثوري عن منذر الثوري وكلاهما من همدان، قال البخاري: حدثنا محمد بن كثير، أخبرنا سفيان ، حدثنا جامع بن أبي راشد، حدثنا أبو يعلى عن محمد بن الحنفية قال: "قلت لأبي: أي الناس خير بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟" قال: أبو بكر قلت: ثم من؟ قال: عمر. وخشيت أن يقول: عثمان، قلت: ثم أنت؟ قال: ما أنا إلا رجل من المسلمين". (صحيح البخاري مع فتح الباري، كتاب فضائل الصحابة، باب فضل أبي بكر ج*7 ص20).
قال ابن تيمية: وهذا يقوله لابنه الذي لا يتقيه.. (الفتاوى: 4/407-408، منهاج السنة: 4/137-138).]. فكيف يرى غيره من الصحابة فيه ما لم يره في نفسه؟!
والشيعة ليس لها ذكر أو وجود في عهد أبي بكر ولا عمر ولا عثمان، فكيف يقال بنشأتها بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم [وما ذكره بعضهم من ظهور جماعة بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم ترى أحقية علي بالإمامة.. ليس له أصل تاريخي ثابت، ويبدو أن عمدته رواية اليعقوبي في تاريخه والتي تقول: بأن جماعة منهم سلمان وأبو ذر وعمار والمقداد تخلفوا عن بيعة أبي بكر ومالوا إلى علي. ( تاريخ اليعقوبي: 2/124). وروايات اليعقوبي، ومثله المسعودي يجب الاحتزازوالحذر منهما - لجنوحهما للرفض - ولاسيما فيما يوافق ميولهما المذهبية، وفيما ينفردان به من نقول. يقول القاضي أبو بكر بن العربي: "لا تسمعوا لمؤرخ كلاماً إلا للطبري، وغير ذلك هو الموت الأحمر والداء الأكبر". وقال في المسعودي المؤرخ: "إنه مبتدع محتال". (العواصم من القواصم ص: 248-249).
وأيضاً لأن الطبري يروي بالسند فيسهل فحص رواياته والتحقق منها.]؟! وقد أقر بهذه الحقيقة بعض شيوخ الشيعة كما سلف [انظر: ص: ( 166).].
القول الثاني:
أن التشيع لعلي بدأ بمقتل عثمان - رضي الله عنه، يقول ابن حزم: "ثم ولي عثمان، وبقي اثني عشر عاماً، وبموته حصل الاختلاف، وابتدأ أمر الروافض" [الفصل: 2/8، وبمثل قول ابن حزم هذا قال طائفة من العلماء والباحثين مثل: الشيخ عثمان بن عبد الله الحنفي صاحب الفرق المتفرقة بين أهل الزيغ والزندقة (انظر: الفرق المفترقة ص :6) ومثل المستشرق: فلهوزن (انظر: الخوارج والشيعة ص: 112).]. والذي بدأ غرس بذرة التشيع هو عبد الله بن سبأ اليهودي [عبد الله بن سبأ رأس الطائفة السبئية وكانت تقول بألوهية علي، كما تقول برجعته وتطعن في الصحابة... أصله من اليمن وكان يهودياً يتظاهر بالإسلام، رحل لنشر فتنته إلى الحجاز فالبصرة فالكوفة، ودخل دمشق في أيام عثمان بن عفان - رضي الله عنه - فأخرجه أهلها، فانصرف إلى مصر وجهر ببدعته. قال ابن حجر: "عبد الله بن سبأ من غلاة الزنادقة ضال مضل، أحسب أن علياً حرقة بالنار" اه*. وقد تكاثر ذكر أخبار فتنته وشذوذه وسعيه في التآمر هو وطائفته في كتب الفرق والرجال والتاريخ وغيرها من مصادر السنة والشيعة جميعاً.
انظر في ذلك: الملطي/ التنبيه والرد ص: 18، الأشعري/ مقالات الإسلاميين: 1/86، البغدادي/ الفرق بين الفرق ص 233، الشهرستاني/ الملل والنحل: 1/174، الإسفراييني/ التبصير في الدين ص: 71-72، الرازي/ اعتقادات فرق المسلمين ص: 86، ابن المرتضى/ المنية والأمل ص: 29، ابن حجر/ لسان الميزان: 3/289، ابن عساكر/ تهذيب تاريخ دمشق: 7/431، السمعاني/ الأنساب: 7/46، ابن الأثير/ اللباب: 1/527، المقدسي/ البدء والتاريخ: 5/129، تاريخ الطبري: 4/340، ابن الأثير/ الكامل: 3/77، ابن كثير/ البداية والنهاية: 7/167، ابن خلدون/ العبر: 2/160،161، الطبري/ تبصير أولي النهى الورقة (14) (مخطوط).
ومن مصادر الشيعة: الناشئ الأكبر/ مسائل الإمامة ص 22-23، القمي/ المقالات والفرق ص: 20، النوبختي/ فرق الشيعة ص: 22، وأورد الكشي عدة روايات في ابن سبأ (رجال الكشي، انظر الروايات رقم: 170-171، 172، 173، 174، من ص 106-108)، ابن أبي الحديد/ شرح نهج البلاغة: 2/308.]، والذي بدأ حركته في أواخر عهد عثمان، وأكد طائفة من الباحثين القدماء والمعاصرين على أن ابن سبأ هو أساس المذهب الشيعي والحجر الأول في بنائه [انظر - مثلاً - : ابن تيمية الذي يعتبر ابن سبأ أول من أحدث القول بالعصمة لعلي، وبالنص عليه في الخلافة، وأنه أراد إفساد دين الإسلام، كما أفسد بولس دين النصارى (مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية/ جمع عبد الرحمن بن قاسم: 4/518). وكذا ابن المرتضى في كتابه المنية والأمل ص: 125، ومن المعاصرين - مثلاً - أبو زهرة الذي ذكر أن عبد الله بن سبأ هو الطاغوت الأكبر الذي كان على رأس الطوائف الناقمين على الإسلام الذين يكيدون لأهله، وأنه قال برجعة علي، وأنه وصي محمد، ودعا إلى ذلك.
وذكر أبو زرهة أن فتنة ابن سبأ وزمرته كانت من أعظم الفتن التي نبت في ظلها المذهب الشيعي (انظر: تاريخ المذاهب الإسلامية: 1/31-33)، وسعيد الأفغاني الذي يرى أن ابن سبأ أحد أبطال جمعية سرية (تلمودية) غايتها تقويض الدولة الإسلامية، وأنها تعمل لحساب دولة الروم (انظر: عائشة والسياسة ص: 60)، وانظر: القصيمي في الصراع: 1/41.]. وقد تواتر ذكره في كتب السنة والشيعة على حد سواء.
ونبتت نابتة من شيعة العصر الحاضر تحاول أن تنكر وجوده بجرة قلم دون مبرر واقعي، أو دليل قاطع [وهو: مرتضى العسكري في كتابه "عبد الله بن سبأ.." ص: 35 وما بعدها.]، بل ادعى البعض منهم أن عبد الله بن سبأ هو عمار بن ياسر [وهو: علي الوردي في كتابه (وعاظ السلاطين) ص: 274، وقلده في هذا الشيعي الآخر: مصطفى الشيبي في كتابه (الصلة بين التصوف والتشيع) ص: 40-41، ويرى الأستاذ علي البصري أن الوردي هذا مقلد للأستاذ هدايت الوحكيم الهلي أستاذ بجامعة لندن في تلك الآراء والذي نشرها في كتابه: "تخس إمام" أي: الإمام الأول. وأن الوردي قام بنشر ترجمتها تقريباً في كتابه "وعاظ السلاطين".
(انظر: مجلة الثقافة الإسلامية/ بغداد/ العدد (11)، السنة الأولى، مقال علي البصري بعنوان "من طلاب الشهرة علي الوردي").]. وهذه الدعوى هي محاولة أو حيلة لتبرئة يهود من التآمر على المسلمين.. كما هي محاولة أو حيلة لإضفاء صفة الشرعية على الرفض.. والرد على دعوى خصومهم برد أصل التشيع إلى أصل يهودي.
وقد اتفق القدماء من أهل السنة والشيعة على السواء على اعتبار ابن سبأ حقيقة واقعية، وشخصية تاريخية، فكيف ينفى ما أجمع عليه الفريقان؟! أما القول بأن ابن سبأ هو عامر بن ياسر فهو قول يرده العقل والنقل والتاريخ، وكيف تلصق تلك العقائد التي قال بها ابن سبأ بعمار بن ياسر، وهل هذا إلا جزء من التجني على الصحابة والطعن فيهم؟!.
ولست بحاجة إلى دراسة هذه المسألة فقد خرجت دراسات موضوعية ومستوفية لهذه القضية [من أبرز هذه الدراسات وأهمها: رسالة "عبد الله بن سبأ وأثره في إحداث الفتنة" للدكتور/ سليمان العودة، وقد توفرت لديه أدلة قاطعة على وجود ابن سبأ وسعيه في الفتنة. وهذه دراسة جادة ومستوفية وقد ناقش المشككين والمنكرين والقائلين أن ابن سبأ هو عمار بن ياسر، وأثبت زيف هذه الأقوال بالحجة والبرهان.
وكذلك د. عمار الطالبي أثبت بطلان هذه الأقوال في كتابه: "آراء الخوارج" ص: 74 –81. وللدكتور عزت عطية مناقشة لهؤلاء وتزييف لأقوالهم في كتابه "البدعة" ص: 64 وما بعدها. وقدم الدكتور سعدي الهاشمي محاضرة قيمة في هذا الموضوع أثبت فيها وجود ابن سبأ بالأدلة من الفريقين (انظر: محاضرات الجامعة الإسلامية عام 1398-1399ه*: "ابن سبأ حقيقة لا خيال" ص: 201-223).]، فلا حاجة للوقف عندها طويلاً.. ويكفي – هنا – الاستشهاد بما جاء في كتب الشيعة المعتمدة عن ابن سبأ تمشياً – أولاً – مع خطة البحث في الاعتماد على أصولهم، وثانياً: لأن الإنكار لوجود ابن سبأ جاء من جهة الشيعة، فالاحتجاج عليهم من كتبهم المعتمدة يسقط دعواهم من أساسها. وثالثاً: لأن في عرض آراء ابن سبأ من كتب الشيعة تصويراً لأهل الشيعة وجذورها من كلام الشيعة أنفسهم، وهو موضوع هذا البحث.
فماذا تقول كتب الشيعة عن ابن سبأ؟.. فالشيعي سعد بن عبد الله القمي شيخ الطائفة وفقيهها ووجهها، كما ينعته النجاشي [رجال النجاشي ص: 126.] (المتوفى سنة 229-301) يقر بوجود ابن سبأ، ويذكر أسماء بعض أصحابه الذين تآمروا معه، ويلقب فرقته بالسبئية، ويرى أنها أول فرقة في الإسلام قالت بالغلو، ويعتبر ابن سبأ "أول من أظهر الطعن على أبي بكر وعمر وعثمان والصحابة وتبرأ منهم، وادعى أن علياً – رضي الله عنه – أمره بذلك"، ويذكر القمي أن علياً بلغه ذلك فأمر بقتله ثم ترك ذلك واكتفى بنفيه إلى المدائن [المقالات والفرق ص: 20.].
كما ينقل عن جماعة من أهل العلم - كما يصفهم -: "أن عبد الله بن سبأ كان يهودياً فأسلم، ووالى علياً وكان يقول وهو على يهوديته في يوشع بن نون وصي موسى بهذه المقالة، فقال في إسلامه بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في علي بمثل ذلك، وهو أول من شهد بالقول بفرض إمامة علي بن أبي طالب وأظهر البراءة من أعدائه.. وأكفرهم، فمن هاهنا قال من خالف الشيعة أن أصل الرفض مأخوذ من اليهودية [المقالات والفرق ص: 20.]. ثم يذكر القمي موقف ابن سبأ حينما بلغه نعي علي حيث ادعى أنه لم يمت وقال برجعته، وغلا فيه [المقالات والفرق ص: 21.].
هذا ما يقوله القمي عن ابن سبأ، والقمي عند الشيعة ثقة واسع المعرفة بالأخبار [انظر: الطوسي/ الفهرست ص: 105، الأردبيلي / جامع الرواة : 1/352.]، ومعلوماته - عندهم - مهمة نظراً لقدم فترتها الزمنية، ولأن سعداً القمي كما روى شيخهم الملقب عندهم بالصدوق قد لاقى في إمامهم المعصوم - في نظرهم - الحسن العسكري وسمع منه [انظر: ابن بابويه القمي/ إكمال الدين ص: 425-453.]. ونجد شيخهم الآخر النوبختي يتحدث عن ابن سبأ ويتفق فيما يقوله عن ابن سبأ مع القمي حتى في الألفاظ نفسها [انظر: فرق الشيعة للنوبختي ص: 22-23.]، والنوبختي ثقة معتمد عندهم [انظر: الطوسي/ الفهرست ص: 75، الأردبيلي/ جامع الرواة : 1/228، عباس القمي/ الكنى والألقاب: 1/148، الحائري/ متقبس الأثر: 16/125.]. وعالمهم الكشي [وهو عندهم "ثقة بصير بالأخبار والرجال" (الطوسي/ الفهرست: 171).] يروي ست روايات في ذكر ابن سبأ [رجال الكشي ص: 106-108، 305.] وذلك في كتابه المعروف "برجال الكشي" والذي هو من أقدم كتب الشيعة المعتمدة في علم الرجال، وتشير تلك الروايات إلى أن ابن سبأ ادعى النبوة وأنه زعم أن أمير المؤمنين هو الله - تعالى الله وتقدس - وأن علياً استتابه فلم يتب، فأحرقه بالنار، كما ينقل الكشي لعن الأئمة لعبد الله ابن سبأ، وأنه كان يكذب على علي، كقول علي بن الحسين: "لعن الله من كذب علينا إني ذكرت عبد الله بن سبأ فقامت كل شعرة في جسدي، لقد ادعى أمراً عظيماً، ما له لعنه الله، كان علي - رضي الله عنه - والله عبداً لله صالحاً أخو رسول الله ما نال الكرامة من الله إلا بطاعته" [المصدر السابق: ص: 108.].
ثم قال الكشي بعد ذكر تلك الروايات: "ذكر أهل العلم أن عبد الله بن سبأ كان يهودياً فأسلم ووالى علياً، وكان يقول وهو على يهوديته في يوشع بن نون وصي موسى بالغلو، فقال في إسلامه بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في علي - رضي الله عنه - مثل ذلك، وكان أول من شهد بالقول بفرض إمامة علي وأظهر البراءة من أعدائه، وكاشف مخالفيه وأكفرهم، فمن ها هنا قال من خالف الشيعة: أصل التشيع والرفض مأخوذ من اليهودية" [المصدر السابق ص : 108-109.]. هذه مقالة الكشي وهي تتفق مع كلام القمي والنوبختي وكلهم يوثقون قولهم هذا بنسبته إلى أهل العلم.
ثم إن هذه الروايات الست كلها جاءت في رجال الكشي، والذي يعتبرونه أحد الأصول الأربعة التي عليها المعول في تراجم الرجال، وقام الطوسي شيخ الطائفة عندهم بتهذيب الكتاب، فصار عندهم أكثر ثقة وتحقيقاً حيث اجتمع في تأليفه الكشي الذي هو عندهم ثقة، بصير بالأخبار وبالرجال مع الطوسي وهو صاحب كتابين من صحاحهم الأربعة، ومؤلف كتابين من كتبهم الأربعة المعول عليها في علم الرجال عندهم [وما نقلناه عن الكشي هو من تذهيب الطوسي واختياره؛ لأن الأصل – كما يقولون – مفقود لا يعرف له أثر. (انظر: مقدمة رجال الكشي ص 17-18، يوسف البحراني/ لؤلؤة البحرين ص: 403).].
ثم إن كثيراً من كتب الرجال الأخرى عندهم جاءت على ذكر ابن سبأ [لعل أقدم مصدر عند الشيعة تحدث عن ابن سبأ والسبئية وهو كتاب: مسائل الإمامة ص: 22-23 لعبد الله الناشئ الأكبر (المتوفى سنة 293ه*).
(راجع ترجمته في وفيات الأعيان: 3/91-92، أنباء الرواة: 2/128-129).
ومن كتبهم في الرجال التي جاءت على ذكر ابن سبأ: المازندراني/ منتهى المقال (غير مرقم الصفحات)، الاستراباذي/ منهج المقال في تحقيق أحوال الرجال ص: 203-204، الأردبيلي/ جامع الرواة: 1/485، ابن داود الحلي/ الرجال: 2/71، التستري/ قاموس الرجال: 5/461 وما بعدها، رجال الطوسي ص: 51.
ومن كتبهم في الحديث والفقه التي جاء فيها ذكر ابن سبأ: ابن بابويه القمي/ من لا يحضره الفقيه: 1/213، الخصال ص: 628، الطوسي، تهذيب الأحكام: 2/322، المجلسي/ بحار الأنوار: 25/286 وما بعدها.]، كما جاء ذكر ابن سبأ في أهم وأوسع كتبهم الرجالية المعاصرة وهو تنقيح المقال [تنقيح المقال: 2/183.] لشيخهم عبد الله الممقاني [انظر: الأعلمي/ مقتبس الأثر: 21/230.] (المتوفى سنة 1351ه*).
ولهذا يلحظ أن ثمة اتجاهاً أخيراً لدى بعض شيوخ الشيعة المعاصرين إلى العدول عن إنكاره، يقول - مثلاً - محمد حسين الزين: "وعلى كل حال فإن الرجل - أي: ابن سبأ - كان في عالم الوجود، وأظهر الغلو، وإن شك بعضهم في وجوده وجعله شخصاً خيالياً.. أما نحن - بحسب الاستقراء الأخير - فلا نشك بوجوده وغلوه" [الشيعة في التاريخ ص: 213.].
ذلك أن إنكار وجود ابن سبأ هو تكذيب منهم - وإن لم يصرحوا - لشيوخهم الذين ذكروا ابن سبأ، ولكتبهم في الرجال التي تكاثر فيها ذكره، وهو اعتراف منهم - وإن لم يشعروا - أن كتب الرجال لديهم ليست مرجعاً يوثق به وإجماعها لا يعتد به.
وهكذا تعترف كتب الشيعة بأن ابن سبأ هو أول من قال بالوصية لعلي ورجعته وطعن في الخلفاء الثلاثة والصحابة.. وهي آراء وعقائد أصبحت فيما بعد من أسس المذهب الشيعي، وذلك حينما صيغت هذه الآراء وغيرها على شكل روايات وأحاديث ونسبت لآل البيت زوراً وبهتاناً، فوجدت القبول لدى كثير من العوام وغيرهم ولا سيما العجم.
القول الثالث:
ويقول بأن منشأ التشيع كان سنة 37ه*، ومن أشهر القائلين بهذا الرأي صاحب مختصر التحفة الاثني عشرية حيث يقول: "إن ظهور اسم الشيعة كان عام 37ه*" [مختصر التحفة ص : 5.]. كما يقول بهذا الرأي الأستاذ وات منتوجمري (Montgomery Watt) حيث يذكر "أن بداية حركة الشيعة هي أحد أيام سنة 658م (37ه*)" [Montgomery Watt, Islam and the Integration of Society p,104.]. ويبدو أن هذا القول يربط نشأة التشيع بموقعة صفين، حيث وقعت سنة 37ه* بين الإمام علي ومعاوية - رضي الله عنهما - وما صاحبها من أحداث، وما أعقبها من آثار، ولكن هذا الرأي لا يعني بداية الأصول الشيعية؛ حيث إننا لا نجد في أحداث هذه السنة فيما نقله المؤرخون من نادى بالوصية، أو قال بالرجعة، أو دعا إلى أصل من أصول الشيعة المعروفة، كما أن أنصار الإمام علي لا يمكن أن يقال بأنهم على مذهب الشيعة، أو أصل من أصول الشيعة، وإن كان في أصحاب الإمام علي كما في أصحاب معاوية من أعداء الإسلام الذين تظاهروا بالإسلام ليكيدوا له بالباطن ما لا ينكر، وقد كان للسبئيين أثر في إشعال الفتنة لا يجحد، وهم وجدوا قبل ذلك، كما أننا نلحظ أنه بعد حادثة التحكيم وفي بنود التحكيم أطلق لفظ الشيعة على الجانبين بلا تخصيص – كما سبق – [انظر: (ص 38).].
القول الرابع:
بأن التشيع ولد إثر مثل الحسين. يقول شتروتمان [رودلف شتروتمان من المستشرقين المتخصصين في الفرق ومذاهبها، وله عنها مباحث. من آثاره: الزيدية، وأربعة كتب إسماعيلية.
(انظر: نجيب العقيقي/ المستشرقون: 2/788).] (Strotnmann, R) "إن دم الحسين يعتبر البذرة الأولى للتشيع كعقيدة" [دائرة المعارف الإسلامية: 14/59.].
الرأي المختار:
عرضنا فيما سبق معظم الآراء في نشأة التشيع، وناقشنا ما يحتاج إلى مناقشة.. والذي أرى أن الشيعة كفكر وعقيدة لم تولد فجأة، بل إنها أخذت طوراً زمنياً، ومرت بمراحل.. ولكن طلائع العقيدة الشيعية وأصل أصولها ظهرت على يد السبئية باعتراف كتب الشيعة التي قالت بأن ابن سبأ أول من شهد بالقول بفرض إمامة علي، وأن علياً وصي محمد - كما مر - وهذه عقيدة النص على علي بالإمامة، وهي أساس التشيع كما يراه شيوخ الشيعة كما أسلفنا ذكره في تعريف الشيعة. وشهدت كتب الشيعة بأن ابن سبأ وجماعته هم أول من أظهر الطعن في أبي بكر وعمر وعثمان أصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم وأرحامه وخلفائه وأقرب الناس إليه - رضي الله عنهم - والطعن في الصحابة الآخرين، وهذه عقيدة الشيعة في الصحابة كما هي مسجلة في كتبهم المعتمدة. كما أن ابن سبأ قال برجعة علي [انظر: القمي/ المقالات والفرق ص: 21، النوبختي/ فرق الشيعة ص: 23، الناشئ الأكبر/ مسائل الإمامة ص: 22-23، الأشعري/ مقالات الإسلاميين: 1/86، الملطي/ التبيه والرد ص: 18، البغدادي/ الفرق بين الفرق ص: 237، الإسفراييني/ التبصير في الدين ص: 72، الرازي/ محصل أفكار المتقدمين والمتأخرين ص: 242، الإبجي / المواقف ص: 419.] والرجعة من أصول الشيعة كما سيأتي. كما أن ابن سبأ قال بتخصيص علي وأهل البيت بعلوم سرية خاصة. كما أشار إلى ذلك الحسن بن محمد بن الحنفية [قال ابن حجر: الحسن بن محمد بن علي بن أبي طالب، أبو محمد المدني ، وأبوه يعرف بابن الحنفية. له رسالة في الإرجاء أخرجها محمد بن يحيى العدني في كتاب الإيمان. انظر تهذيب التهذيب: 2/32.] ( ت 95 أو 100ه*) في رسالة الإرجاء [رسالة الإرجاء (ضمن كتاب الإيمان، لمحمد بن يحيى العدني ص 249-250).].

البدوي
10-16-2016, 11:46 AM
وهذه المسألة أصبحت من أصول الاعتقاد عند الشيعة، وقد ثبت في صحيح البخاري ما يدل على أن هذه العقيدة ظهرت في وقت مبكر، وأن علياً - رضي الله عنه - سئل عنها، وقيل له: هل عندكم شيء مما ليس في القرآن ومما ليس عند الناس؟، فنفى ذلك نفياً قاطعاً [وقد أخرج الإمام البخاري هذا الحديث في باب كتابة العلم (البخاري مع الفتح: 1/204) وباب حرم المدينة (البخاري مع الفتح 4/81) وباب فكاك الأسير (6/167)، وباب ذمة المسلمين وجوارهم (6/273) وباب إثم من عاهد ثم غدر (6/279-280) وباب إثم من تبرأ من مواليه (12/41-42) وباب العاقلة (12/246) وباب لا يقتل مسلم بكافر (12/260)، وباب ما يكره من التعمق والتنازع والغلو (13/275-276). وأخرجه مسلم في باب فضل المدينة وبيان تحريمها (مسلم مع النووي: 9/143-144) وكتاب الذبائح (مسلم مع النووي 13/141). وأخرجه النسائي (المجتبى: 8/19). والترمذي (4/668). وأحمد (المسند: 1/100).].
هذه أهم الأصول التي تدين بها الشيعة [مما ينبغي أن يلحظ أن ربط نشأة التشيع بابن سبأ هو في التشيع المتضمن لهذه الأصول الغالية، أما "التشيع المتوسط والذي مضمونه تفضيل علي وتقديمه على غيره ونحو ذلك فلم يكن هذا من إحداث الزنادقة، بخلاف دعوى النص والعصمة فإن الذي ابتدع ذلك كان منافقاً زنديقاً".
(ابن تيمية/ مجموعة الفتاوى: 20/466) وهو ابن سبأ وعصابته من اليهود والمنافقين والحاقدين والموتورين.]، وقد وجدت إثر مقتل عثمان – رضي الله عنه – في عهد علي – رضي الله عنه – ولم تأخذ مكانها في نفوس فرقة معنية معروفة، بل إن السبئية ما كادت تطل برأسها حتى حاربها علي – رضي الله عنه – [فقد أمر بإحراق أولئك الذين ادعوا فيه الألوهية. (انظر: ابن تيمية/ منهاج السنة: 1/219 تحقيق د. محمد رشاد سالم، فتح الباري: 2/270، الملطي/ التنبيه والرد ص: 18، الإسفراييني/ التبصير في الدين: ص 70). وأما السبابة الذين يسبون أبا بكر وعمر فإن علياً لما بلغه ذلك طلب ابن السوداء الذي بلغه ذلك عنه، وقيل: إنه أراد قتله، فهرب منه. وأما المفضلة الذين يفضلونه على أبي بكر وعمر فروي أنه قال: "لا أوتى بأحد يفضلني على أبي بكر وعمر إلا ضربته حد المفتري". (منهاج السنة: 1/219-220).]، ولكن ما تلا ذلك من أحداث هيأ جواً صالحاً لظهور هذه العقائد، وتمثلها في جماعة وذلك كمعركة صفين، وحادثة التحكيم التي أعقبتها، ومقتل علي، ومقتل الحسين.. كل هذه الأحداث دفعت القلوب والعواطف إلى التشيع لآل البيت، فتسلل الفكر الوافد من نافذة التشيع لعلي وآل بيته، وصار التشيع وسيلة لكل من أراد هدم الإسلام من ملحد ومنافق وطاغوت، ودخلت إلى المسلمين أفكار ومعتقدات أجنبية اكتست بثوب التشيع وتيسر دخولها تحت غطائه، وبمرور الأيام كانت تتسع البدعة ويتعاظم خطرها، حيث قد وجد لابن سبأ خلفاء كثيرون.
ولم يكن استعمال لقب "الشيعة" في عهد علي - رضي الله عنه - إلا بمعنى الموالاة والنصرة، ولا يعني بحال الإيمان بعقيدة من عقائد الشيعة اليوم.. ولم يكن يختص إطلاق هذا اللقب بعلي - رضي الله عنه - يدل على ذلك ما جاء في صحيفة التحكيم من إطلاق اسم الشيعة على كل من أتباع علي وأتباع معاوية كما سلف [انظر ص: ( 38).].
فإذن كانت الأحداث التي جرت على آل البيت (مقتل علي، مقتل الحسين، إلخ) هي من العوامل المؤثرة للاندفاع إلى التشيع لآل البيت، وكان التعاطف والتأثر لما حل بالآل هو شعور كل مسلم، ولكن قد استغل هذا الأمر من قبل الأعداء الذين يتربصون بالمسلمين الدوائر فدخلوا من هذا المنفذ، وأشاعوا الفرقة في صفوف الأمة، وحققوا بالكيد والحيلة ماعجزوا عنه بالسلاح والسنان، ودخل أتباع الديانات الأخرى، والمتآمرون، والمتربصون في التشيع، وبدأوا يضعون أصولاً مستوحاة من دينهم، ألبسوها ثوب الإسلام.. كما سندرس هذا في أصل التشيع.
أصل التشيع
( أو أثر الفلسفات القديمة في المذهب الشيعي )
اختلف أنظار العلماء والباحثين في مرجع الأصول العقدية للتشيع؛ فمن قائل بأنها ترجع لأصل يهودي، ومن قائل بأنها ترجع لأصل فارسي، ومن قائل بأن المذهب الشيعي كان مباءة للعقائد الآسيوية القديمة كالبوذية [البوذية: هم أتباع بوذا، ولها انتشار بين عدد من الشعوب الآسيوية، وتتباين عقائد الأتباع حول هذه النحلة؛ فتجعل البوذية اليابانية «بوذا» جوهراً إلهاً حالاً في الكون، وبوذية الهند – وهي الأصل – لا إله لها، وبوذية الصين مالت إلى الاعتقاد بفكرة كائن مطلق يتمثل في شخصيات مختلفة بوذا واحد منها. وانظر عن البوذية (محمد سيد كيلاني/ ذيل الملل والنحل ص 13، 26، 31، محمد أبو زهرة/ الديانات القديمة ص: 53، سليمان مظهر/ قصة الديانات ص: 73).] وغيرها:
القول بالأصل اليهودي:
من الباحثين من يرى أن أصل التشيع ذو صبغة يهودية وذلك باعتبارين:
الأول:
أن ابن سبأ كان أول من قال بالنص والوصية، والرجعة، وابن سبأ يهودي، وهذه الآراء صارت من أصول المذهب الشيعي، ولهذا أشار القمي، والنوبختي والكشي، وهم من شيوخ الشيعة القدامى إلى هذا، وذلك حينما استعرضوا آراء ابن سبأ والتي أصبحت فيما بعد من أصول الشيعة، قالوا: "فمن هنا قال من خالف الشيعة: إن أصل الرفض كان مأخوذاً من اليهودية" [انظر: القمي/ المقالات والفرق ص: 20 النوبختي/ فرق الشيعة ص: 22، رجال الكشي ص: 108.].
الاعتبار الثاني:
هو وجود تشابه في الأصول الفكرية بين اليهود والشيعة، ولعل أول بيان لذلك وأشمله هو ما روي عن الشعبي [عامر بن شراحيل بن عبد ذي كبار الشعبي، راوية من التابعين، يضرب المثل بحفظه، (ت 102ه*). (تهذيب التهذيب: 5/5).] في هذا الباب [رواه الخلال في كتابة السنة، قال محقق الكتاب: إسناده لا يصح، لأن فيه عبد الرحمن بن مالك بن مغول متروك، ولكن الأمور المذكورة واقعة من الرافضة (السنة للخلال: 2/563-565)، وانظر: منهاج السنة لابن تيمية: 1/6-10، اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة. (انظر: كاشف الغمة في اعتقاد أهل السنة ص611)، ابن الجوزي/ الموضوعات: 1/338، ابن بكر/ التمهيد والبيان: ص 233-234، (القسم المخطوط).]. كما أشار ابن حزم إلى شيء من ذلك حينما قال: "سار هؤلاء الشيعة في سبيل اليهود القائلين.. إن إلياس -عليه السلام -، وفنحاس بن العازار بن هارون - عليه السلام - أحياء إلى اليوم" [الفصل: 5/37.]. وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية أن في الشيعة من الجهل والغلو واتباع الهوى ما أشبهوا فيه النصارى من وجه واليهود من وجه، وأن الناس مازالوا يصفونهم بذلك، ثم نقل ما روي عن الشعبي من مشابهة الشيعة لليهود والنصارى [منهاج السنة: 1/6.]... وقد قال بهذا الرأي جمع من الباحثين [من هؤلاء الأستاذ أحمد أمين، حيث قال: "فاليهودية ظهرت في التشيع بالقول بالرجعة، وقالت الشيعة: إن النار محرمة على الشيعي إلا قليلاً كما قال اليهود: {لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّامًا مَّعْدُودَةً}. والنصرانية ظهرت في التشيع في قول بعضهم: إن نسبة الإمام إلى الله كنسبة المسيح إليه..." انظر: فجر الإسلام ص: 276، ويرى جولد تسيهر أن فكرة الرجعة تسربت إلى التشيع من طريق المؤثرات اليهودية والنصرانية (انظر: العقيدة والشريعة ص 215). وكذلك يرى فريد لندر أن التشيع قد استمد أفكاره الرئيسة من اليهودية. (انظر: المصدر السابق: ص 100 وما بعدها)، ويقول فلهوزن بالأصل اليهودي، ويشير إلى بعض أوجه التشابه في الأفكار بين اليهود والشيعة (أحزاب المعارضة ص: 170).].
القول بالأصل الفارسي ( فارسية التشيع ):
يقرر بعض الباحثين أن التشيع نزعة فارسية، وذلك لعدة اعتبارات:
الأول: ما قاله ابن حزم والمقريزي من أن الفرس كانت من سعة الملك، وعلو اليد على جميع الأمم، وجلالة الخطر في أنفسها بحيث إنهم كانوا يسمون أنفسهم الأحرار والأسياد، وكانوا يعدون سائر الناس عبيداً لهم، فلما امتحنوا بزوال الدولة عنهم على أيدي العرب، كان العرب عند الفرس أقل الأمم خطراً، تعاظمهم الأمر، وتضاعفت لديهم المصيبة وراموا كيد الإسلام بالمحاربة في أوقات شتى، وفي كل ذلك يظهر الله الحق.. فرأوا أن كيده على الحيلة أنجع، فأظهر قوم منهم الإسلام، واستمالوا أهل التشيع، بإظهار محبة أهل البيت، واستبشاع ظلم علي - بزعمهم – ثم سلكوا بهم مسالك حتى أخرجوهم عن طريق الهدى [ابن حزم/ الفصل: 2/273، وانظر: المقريزي/ الخطط: 2/362.].
الثاني: أن العرب تدين بالحرية، والفرس يدينون بالملك والوراثة في البيت المالك، ولا يعرفون معنى الانتخاب للخليفة، وقد انتقل النبي صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى، ولم يترك ولداً، فأولى الناس بعده ابن عمه علي بن أبي طالب، فمن أخذ الخلافة كأبي بكر وعمر وعثمان، فقد اغتصب الخلافة من مستحقها، وقد اعتاد الفرس أن ينظروا إلى الملك نظرة فيها معنى التقديس، فنظروا هذا النظر نفسه إلى علي وذريته، وقالوا: إن طاعة الإمام واجبة، وطاعته طاعة الله سبحانه وتعالى [انظر: محمد أبو زهرة/ تاريخ المذاهب الإسلامية: 1/37، أحمد أمين/ فجر الإسلام: ص277، عرفان عبد الحميد/ دراسات في الفرق: 23، فلهوزن/ أحزاب المعارضة السياسية الدينية في صدر الإسلام: ص 168، فلوتن/ السيادة العربية: ص 76.]. وكثير من الفرس دخلوا في الإسلام ولم يتجردوا من كل عقائدهم السابقة التي توارثوها أجيالاً، وبمرور الزمان صبغوا آراءهم القديمة بصبغة إسلامية، فنظرة الشيعة إلى علي وأبنائه هي نظرة آبائهم الأولين إلى الملوك الساسانيين.
يقول الشيخ محمد أبو زهرة: "إنا نعتقد أن الشيعة قد تأثروا بالأفكار الفارسية حول الملك والوراثة، والتشابه بين مذهبهم ونظام الملك الفارسي واضح، ويزكي هذا أن أكثر أهل فارس من الشيعة، وأن الشيعة الأولين كانوا من فارس" [محمد أبو زهرة/ تاريخ المذاهب الإسلامية: 1/38.].
الثالث: حينما فتح المسلمون بلاد الفرس تزوج الحسين بن علي - رضي الله عنه - ابنه يزدجرد أحد ملوك إيران، بعدما جاءت مع الأسرى فولدت له علي بن الحسين، وقد رأى الفرس في أولادها من الحسين وارثين لملوكهم الأقدمين، ورأوا أن الدم الذي يجري في عرق علي بن الحسين وفي أولاده دم إيراني من قبل أمه ابنة يزدجرد والذي من هو من سلالة الملوك الساسانيين المقدسين عندهم [انظر في أن أم علي بن الحسين هي ابنة يزدجرد: تاريخ اليعقوبي: 2/247، صحيح الكافي: 1/53. وانظر في أثر ذلك: سميرة الليثي/ الزندقة والشعوبية: ص 56، عبد الله الغريب/ وجاء دور المحبوس: ص 77، النشار/ نشأة الفكر الفلسفي: 2/11، عبد الرزاق الحصان/ المهدي والمهدوية: ص 82، رونلدسن/ عقيدة الشيعة: ص101.]، أضف إلى ذلك أن اسم فاطمة - فيما يقال - اسم مقدس عند الفرس، لأن لها مقاماً محموداً في تاريخ الفرس القديم [لأن لفاطمة أثراً جميلاً - كما يعتقدون - في الكشف عن سمرديس المجوسي الذي استولى على عرش الكيانيين، فكانت فاطمة بطلة، وكانت فاطمة مقدسة ، ولولاها لما علم شيء من أمر سمرديس المجوسي هذا، ولولاها لما دبر أبوها أوتانس وصحبه مؤامرة عليه. (انظر: عبد الرزاق الحصان/ المهدي والمهدوية: ص 84، عن هيرودوتس: 2/462، المقدسي/ البدء والتاريخ: 4/134، 6/95).].
الرابع: وتلمح الأصل الفارسي أيضاً في روايات عديدة عند الاثني عشرية، تفرد سلمان الفارسي - رضي الله عنه وبرأه الله مما يفترون - بخصائص وصفات فوق مرتبة البشر، حيث جاء في أخبارهم: "أن سلمان باب الله في الأرض، من عرفه كان مؤمناً، ومن أنكره كان كافراً" [رجال الكشي: ص 15.]. وهذا الوصف لسلمان اعتاد الشيعة في رواياتهم على إطلاقه على أئمتهم الاثني عشر، كما أثبتت رواياتهم بأن سلمان "يبعث الله إليه ملكاً ينقر في أذنه يقول كيت وكيت" [رجال الكشي: 16.] و"عن الحسن عن منصور قال: قلت للصادق - عليه السلام -: أكان سلمان محدثاً؟ قال: نعم. قلت: من يحدثه؟ قال: ملك كريم. قلت: إذا كان سلمان كذا فصحابه أي شيء هو؟ قال: أقبل على شأنك" [رجال الكشي: ص 19.]. فهي تثبت الوحي لسلمان وتوحي بأن صاحبه وهو علي فوق ذلك؟! بل أثبتت أخبارهم لسلمان علم الأئمة والأنبياء، كما جعلت له أمر الإمام والنبي، فقالت: "... سلمان أدرك علم الأول وعلم الآخر" ثم فسرت ذلك، فقالت: "يعني علم النبي صلى الله عليه وسلم، وعلم علي، وأمرالنبي صلى الله عليه وسلم وأمر علي" [رجال الكشي: ص 16.].
وجاء في رواياتهم أن سلمان أحد الشيعة الذين بهم - كما يفترون "ترزقون، وبهم تنصرون، وبهم تمطرون" [رجال الكشي: ص 6-7.]. بل بلغ الغلو ببعض الفرق الشيعية أن قالت بتأليه سلمان، وقد وجدت هذه الفرقة في عصر أبي الحسن الأشعري (المتوفى سنة 330ه*)، وأشار إليها في مقالاته حيث قال: "وقد قال في عصرنا هذا قائلون بألوهية سلمان الفارسي" [مقالات الإسلاميين: 1/80.]. وقد تكون هذه الروايات في كتب الاثني عشرية هي من آثار هذه الفرقة، لأن كتب الاثني عشرية قد استوعبت معظم آراء الفرق الشيعية بكل ما فيها من شذوذ.. وبقاؤها في كتبهم قد يؤذن بخروج طوائف منها مرة أخرى.
بل نلحظ أن هناك اتجاهاً داخل الدوائر الشيعية لتعظيم بعض العناصر الفارسية التي شاركت في التآمر والكيد ضد دولة الخلافة الراشدة وهو أبو لؤلؤة الفارسي المجوسي قاتل الخليفة العظيم عمر بن الخطاب، فقد أطلق عليه عندهم "بابا شجاع الدين" [انظر: عباس القمي/ الكنى والألقاب: 2/55.] ، واعتبروا يقوم مقتل عمر - رضي الله عنه - بيد هذا المجوسي عيداً من أعيادهم، وقد ساق شيخهم الجزائري روايات لهم في ذلك [انظر: الأنوار النعمانية: 1/108.] ، كما يعظمون يوم النيروز، كفعل المجوس [انظر: الأعلمي/ مقتبس الأثر: 29/202-203، المجلسي/ بحار الأنوار، باب عمل يوم النيروز: 98/419، وانظر: وسائل الشيعة، باب استحباب صوم يوم النيروز والغسل فيه، ولبس أنظف الثياب والطيب: 7/346.]، وقد اعترفت أخبارهم بأن يوم النيروز من أعياد الفرس [انظر: بحار الأنوار: 48/108.].
القول بأن المذهب الشيعي مباءة للعقائد الآسيوية القديمة:
ويضيف البعض أن المذهب الشيعي كان مباءة ومستقراً للعقائد الآسيوية القديمة كالبوذية وغيرها [انظر: تاريخ المذاهب الإسلامية لأبي زهرة: 1/37.]. يقول الأستاذ أحمد أمين: "وتحت التشيع ظهر القول بتناسخ الأرواح [تناسخ الأرواح: انتقال الروح بعد الموت من بدن إلى آخر؛ إنساناً أو حيواناً. قال بهذه النظرية بعض الهنود، وفيثاغورس من اليونان، وتسربت للعالم الإسلامي. (انظر: المعجم الفلسفي ص 55، التعريفات للجرجاني: ص93).] ، وتجسيم الله [المقصود وصف الله جل شأنه بصفات المخلوقين، وقد وجد هذا عند طوائف من الشيعة كالهشامية أتباع هشام بن الحكم وغيرها - كما سيأتي - أما لفظ الجسم فإن للناس فيه أقوالاً متعددة اصطلاحاً غير معناه اللغوي.
انظر في ذلك: ابن تيمية/ التدمرية: ص 32-33 (ضمن مجموع فتاوى شيخ الإسلام – ج*3) منهاج السنة: 2/97 وما بعدها، 2/145 وما بعدها، درء تعارض العقل والنقل: 1/118-119، التعريفات للجرجاني: ص 103.]، والحلول [الحلول: هو الزعم بأن الإله قد يحل في جسم عدد من عباده، أو بعبارة أخرى أن اللاهوت يحل في الناسوت (المعجم الفلسفلي: ص 76 ).] ونحو ذلك من الأقوال التي كانت معروفة عند البراهمة [البراهمة: هم المنتسبون إلى رجل مهم يقال له: براهم (الملل والنحل : 2/251) أو: برهام من ملوك الفرس (المنية والأمل: ص 72). يقرون بالله، ويجحدون الرسل.. وهم فرق مختلفة (انظر نفس الموضع من المصدرين السابقين).] والفلاسفة والمجوس [المجوس: هم عبدة النار، ويقولون بأصلين؛ أحدهما: النور، والآخر: الظلمة. والنور أزلي، والظلمة محدثة. ومسائل المجوس كلها تدور على قاعدتين، إحداهما: بيان سبب امتزاج النور بالظلمة، والثانية: بيان سبب خلاص النور من الظلمة، وجعلوا الامتزاج مبدأ، والخلاص معاداً. (انظر: الملل والنحل: 1/232 وما بعدها، الرازي/ اعتقادات فرق المسلمين والمشركين ص 134، وانظر: أخبار أمم المجوس/ الكسندر سيبيل).] قبل الإسلام" [فجر الإسلام: ص 277.]. ويشير بعض المستشرقين إلى تسرب الكثير من العقائد غير الإسلامية إلى الشيعة ويقول: "إن تلك العقائد انتقلت إليها من المجوسية، والمانوية [المانوية: أصحاب ماني بن فاتك، كان في الأصل مجوسياً، ثم أحدث ديناً بين المجوسية والنصرانية، وقد خالفته المجوس وسعت في قتله، حتى قتله بهرام بن هرمز بن سابور وذلك بعد عيسى - عليه السلام - وبقي مذهبه في أتباعه. والمانوية يقولون بالأصلين: النور والظلمة، وأن العالم صدر عنهما، وأن النور خير من الظلمة وهو الإله المحمود.
(انظر: الملل والنحل: 1/244 وما بعدها، المنية والأمل: ص 60، شرح الطحاوية: ص 18، الرازي/ اعتقادات فرق المسلمين والمشركين: ص 138).] ، والبوذية وغيرها من الديانات التي كانت سائدة في آسيا قبل ظهور الإسلام" [فلوتن/ السيادة العربية: ص 83-84.].
ويذكر صاحب مختصر التحفة: "أن مذهب الشيعة له مشابهة تامة مع فرق اليهود والنصارى والمشركين والمجوس"، ثم يذكر وجه شبه المذهب الشيعي بكل طائفة من هذه الطوائف [انظر: مختصر التحفة ص 298 وما بعدها.].
كما يذكر البعض أنه تتبع مذاهب الشيعة فوجد عندها كل المذاهب والأديان التي جاء الإسلام لمحاربتها [انظر: بركات عبد الفتاح/ الواحدانية: ص 125.].
الرأي المختار في أصل التشيع:
والذي أرى أن التشيع المجرد من دعوى النص والوصية ليس هو وليد مؤثرات أجنبية، بل إن التشيع لآل البيت وحبهم أمر طبيعي، وهو حب لا يفرق بين الآل، ولا يغلو فيهم، ولا ينتقص أحداً من الصحابة، كما تفعل الفرق المنتسبة للتشيع، وقد نما الحب وزاد للآل بعدما جرى عليهم من المحن والآلام بدءاً من مقتل علي، ثم الحسين.. إلخ.
هذه الأحداث فجرت عواطف المسلمين، فدخل الحاقدون من هذا الباب، ذلك أن آراء ابن سبأ لم تجد الجو الملائم؛ لتنمو وتنتشر إلا بعد تلك الأحداث.. لكن التشيع بمعنى عقيدة النص على علي، والرجعة، والبداء، والغيبة، وعصمة الأئمة.. إلخ فلا شك أنها عقائد طارئة على الأمة، دخيلة على المسلمين، ترجع أصولها لعناصر مختلفة، ذلك أنه قد ركب مطية التشيع كل من أراد الكيد للإسلام، وأهله، وكل من احتال ليعيش في ظل عقيدته السابقة باسم الإسلام، من يهودي، ونصراني، ومجوسي، وغيرهم. فدخل في التشيع كثير من الأفكار الأجنبية والدخيلة – كما سيتبين في الدراسة الموسعة لأصولهم -، ولهذا ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية إلى أن المنتسبين للتشيع قد أخذوا من مذاهب الفرس والروم، واليونان، والنصارى، واليهود، وغيرهم أموراً مزجوها بالتشيع، ويقول: وهذا تصديق لما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم، وساق بعض الأحاديث الواردة في أن هذه الأمة ستركب سنن من كان قبلها…، وقال بأن هذا بعينه صار في المنتسبين للتشيع [منهاج السنة: 4/147، وانظر الأحاديث في ذلك في: صحيح البخاري، كتاب الاعتصام بالسنة، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لتتبعن سنن من كان قبلكم": 8/151، وفي صحيح مسلم، كتاب العلم، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لتتبعن سنن من كان قبلكم" رقم (2669)، المسند 2/450-511، 527.].
_________________________________
([1] ) الشيخية فرقة خرجت من رحم الاتجاه الإخباري الذي برز في بعض أوساط الإمامية الإثنى عشرية منذ مطلع القرن الحادي عشر الهجري واستمر حتى منتصف القرن الثالث عشر.

شهاب الدين
10-17-2016, 12:54 PM
جزاك الله عنا كل خير الكتابة باللون الاحمر بعد نقد الراي بسبعة وثلاثون سطرا يرجى مراجعتها

البدوي
10-17-2016, 03:12 PM
شكرا لك اخى الحبيب شهاب الدين الغالى
لقد حذفت الفقرة التى تتكلم عن سيدى بن عربى
رغم انى تركتها اولا لامانة النقل
ولكن بعد تنبيهك فكرت فوجدت انها لربما تدخل الظلمة على قلب محب
لذلك حذفتها
ونوهت فى اول مقال التشيع انه منقول من مواقع السلفية والذين يكرهون التصوف والصوفية بلا سبب او دليل هداهم الله
جزاكم الله كل خير اخى الحبيب .........الفاتحة