الموضوع: بوارق الحقائق
عرض مشاركة واحدة
قديم 08-28-2015, 09:41 AM رقم المشاركة : 8
معلومات العضو
عضو

إحصائية العضو





 

الرفاعي غير متواجد حالياً

 


شكراً: 8
تم شكره 9 مرة في 9 مشاركة
كاتب الموضوع : الرفاعي المنتدى : رواق الطريقة الرفاعية
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم
ــــــــــــــــ

وهذا شاهدنا في ما قلناه والحمد لله.


((( ومن هذا المقام )))

من طريق الحال انكشف لي والحمدلله استار الأسرار الخلقية، السماوية والأرضية، إلا من كان خصيصة لا تنال، ورتبة مزية لا تطال، وداخلني بعد، وأنا في حالي هذا، داخل من التجريد، أقام لي سير العزم على التوكل، بترك كلي لمحض التدبير الإلهي، فقيل من طارق منازلة ظهرت لي: المدبر الحقيقي هو الله، فاترك ضمن تدبيرك عين تدبيرك لتدبيره، وليكن لك في كل تدبيرك بما لا يشغلك عنه، ويكون لشغل فيه حال موافق لحال النبي صلى الله عليه وسلم، أما علمت أنه أُثني على رجل بخير، عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالوا يا رسول الله: كنا إذا ركبنا لا يزال يذكر الله حتى ينزل، وإذا نزلنا لا يزال يصلي حتى يركب، قال عليه الصلاة والسلام : فمن كان يكفيه علف بعيره، وإصلاح طعامه؟ قالوا: كلنا . قال : كلكم خير منه.

فمن هذه المنازلة، نزلت عن واردي الأول، وأخذت بفقهي، واخترت:

((( بيع رؤوس الغنم ))) (1)

أفعل ذلك، لكيلا أكون كًلاًّ على أحد، مع التوكل على الله، وانتظم الأمر، وقلت : هذا من قبيل البرهان اللمّي، فإنه عند أصحاب المعقول اشرف من البرهاب الانيّ، لأنه - أعني اللمّي - ينتج العلة المستلزمة للوجود، والانيّ ينتج الوجدود لا غير، وبيع رؤوس الغنم علة لوجود القناعة، التي تُلْزِم همة النفس الدنية القاصرة بالطمأنينة والسكون، فإذا اعتادت الطمأنينة والسكون، سلم القلب من قلقها، واشتغل بربه سبحانه وتعالى، ولا بد للقلب من معالجة صعبة مع النفس، فتارة يَغْلِب، وتارة يُغْلَب، فإذا استقام صار غالباً بإذن الله، وانمحت ثائرة النفس واضمحلت، وانطمس وجودها، وبقي الحكم للقلب، في مدينة الوجود، وإذا لم يستقم وأخذ قلبه بحكم اشتقاقه، فتقلب محارباً للنفس، وتارة مسالماً لها، على رأي القائل:

ربما عالج القوافي رجال = تلتوي تارة لهم وتلين

طاوعتهم عين وعين وعين = وعصاهم نون ونون ونون


فهو فاتر العزم، قاصر الملكة، وسهمه من قصده، بمقدار عزمه وجده:


بقدر الجد تكسب المعالي = ومن طلب العلا سهر الليالي


ومن ضم نفسه وصانها، وأراد الانتظام بسلك القوم فهو كاذب.


القوم وتر حزبهم في الورى = تنزه الوتر عن الشفع

ذي واو نرجو الف بعدها = وقالها الفرد بلا جمع

ولما ظهرت بالقرب من حمص للعين، بعد أن حجبها البعد عن النظر، قلت: سبحان الله ! هذا القرب الذي هو نتيجة الجد، والسير يوصل المرء إلى أمكنة جهلها فيعرفها، وسمع بها فيراها، وانفصل عنها فيتصل بها، وهذه الأمكنة، بعدها بعد مسافة، فيه صعود ونزول، وعلوٌّ وهبوط، ومطلوب أهل الحق بخلاف ذلك كله، بشاهد : ((وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ)). ((وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ)) لا يلزم لسالكهم إلا تمزيق حجاب الوجودات، وهناك يتصل بموجودها، وقد انتدب للدلالة، صاحب الرسالة، السر الأجمع، والبدر الألمع - صلى الله عليه وسلم - وقام بعده بنيابته العلماء بالله، أصحاب معرفة الله، وكلهم يقول هذا الحجاب زائل، وأنت أيها المحجوب به أيضاً زائل، وثبتت للعقل به الحقائق، بما لا يدافع من البراهين القاطعة، بموت الوالدان والأهل والخلاّن، فلا يعتبر المحجوب، وينتهض لتمزيق حجابه، ويمت بعضه، كضرس، وسن، واصبع، وطرف، وغير ذلك، وينفصل عنه فيبقى بعد هذا بوهدة محجوبيته، ويموت عنه بنومه كل يوم وليلة، ولا يأخذ من هذا سهم انتباه يدفع غينه، وينور عينه، وهنالك ضربت نفسي باسواط العِبرة، وتذكرت قول سيد الحكماء، وسند الأنبياء صلى عليه خالق الأشياء، لصاحبه الفاروق الأعظم رضي الله عنه، وعنا به ( كفى بالموت واعظاً يا عمر ) واستفضت منحة الاتعاظ من سحّاح بحر كرم سيد البشر:

وقلت لنفسي فالوجودات كلها = بعينيك فالبرهان محض زوالِ

الا فاقطع البهتان عنك فكلما = توهمت أن يبقى حضيض خيالِ

ولا توهني عزم الفؤاد وسيره = بقيل الخبط الكذوب وقالِ

وتوبي عن الأغيار فالحقُّ بيّنٌ = وموتي بباب الدائم المتعالي

فاحسن ما تُلفيه ان طمك الثرى = من العمل المقبول صالح حالِ


واستغرقني حال الفناء عن الأغيار بالله، وغلبتني والحمد لله همتي، فغبت عني، واعتصمت بحبل الله.

يتبع إن شاء الله تعالى


(1) فمن هذا اشتهر بالرواس رضي الله عنه






رد مع اقتباس
 
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 12 13 14 16 17 18 19 20 21 22 23 24 26 27 28 29 30 31 34 35 36 37 38 39 41 42 43 44 46 53 54 57 58 59 62 63 64 66 67 70 71 72 73 74 75 77 78 79 80 81 82 83 84 85 86 87 88 89 90 91 92 93 94 95 96 97