عرض مشاركة واحدة
قديم 08-19-2017, 07:50 AM رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
عضو

إحصائية العضو





 

البدوي غير متواجد حالياً

 


شكراً: 16
تم شكره 31 مرة في 28 مشاركة
كاتب الموضوع : Mounya المنتدى : رواق مواضيع للمناقشة والبحث العلمى
افتراضي

هذا مقال للدكتور الحبر الفهامة شيخنا واستاذنا على جمعة
بالاهرام سنة 2005
http://www.ahram.org.eg/Archive/2005/6/11/WRIT2.HTM

رحيل الشيخ أبي بكر سراج الدين
بقلم‏:‏ د‏.‏ علي جمعـة
Martin Lings

رحل عن عالمنا أحد الأعلام الكبار صباح الخميس الموافق الثاني عشر من مايو من هذا العام بمنزله بمقاطعة‏(‏ كنت‏)‏ بانجلترا‏,‏ ودفن في حديقة بيته بعد أن عاش يرعاها محبا للأزهار والجمال‏,‏ وهي الحديقة التي تطل علي الريف المترامي حولها‏,‏ وهو الشيخ‏(‏ مارتن لينجز‏)‏ ـ والذي تسمي بعد ذلك بـ‏(‏ أبي بكر سراج الدين‏)‏ ـ وولد في‏(‏ لانكشير‏)‏ في يناير‏1909‏ من أسرة بروتستانتية‏,‏ من والدين أحباه كثيرا‏,‏ ورأيا فيه النباهة‏,‏ بل والولاية من الصغر‏,‏ فلم يعترضا عليه في شيء طوال حياته حتي من الله عليه بالإسلام‏.‏

أمضي طفولته المبكرة في أمريكا حيث كان يعمل والده‏,‏ وعندما عاد إلي بريطانيا التحق بكليته‏(‏ كليفتون‏)‏ حيث ظهرت عليه مواهب القيادة‏,‏ ثم انتقل إلي‏(‏ أكسفورد‏)‏ لدراسة اللغة الإنجليزية علي يد‏(c.slewis)‏ عام‏1935‏ والذي رأي فيه نابها ينبغي أن يصاحبه ثم درس في ليتوانيا الأدب الإنجليزي‏,‏ وكان من أصدقاء مارتن لينجز اثنان علي نفس روحه الطواقة لمعرفة الحق‏,‏ والبحث عن الحقيقة أحدهما‏(‏ باترسن‏)‏ ـ والذي أسلم بعد ذلك وأسمي نفسه‏(‏ الشيخ حسين‏)‏ ودفن بمقابر المماليك بالقاهرة ـ والآخر أسلم بطريق آخر وأسمي نفسه‏(‏ الشيخ داود‏)‏ ومات في إنجلترا ـ سافر باترسن إلي الصين بحثا عن الحقيقة في‏(‏ الكونفوشيوسية‏)‏ وأراد‏(‏ مارتن لينجز‏)‏ الذهاب إلي الهند بعد أن غير مذهبه إلي‏(‏ الكاثوليكية‏)‏ فلم يجد مراده‏,‏ ففكر في الهندوسية وأثناء السفر إلي الهند عن طريق القاهرة سنة‏1940‏ التقي بالمفكر الفرنسي المسلم‏(‏ رينيه جينو‏)‏ ـ وهو الشيخ عبد الواحد يحيي الذي توفي سنة‏1950‏ ودفن بالقاهرة بجوار الشيخ حسين المذكور‏,‏ وأولاده مازالوا بها حتي الآن نفع الله بهم ـ فوجد ما أراده فيه فأسلم ورجع باترسن إلي مصر وأسلم وعمل في جامعة القاهرة ـ فؤاد الأول حينئذ ـ وتوفي في حادث فروسية‏.‏

تزوج مارتن لينجز من السيدة‏(‏ ليزلي سمولي‏)‏ سنة‏1944‏ وهي التي أسلمت أيضا‏,‏ وأسمت نفسها‏(‏ رابعة‏)‏ وهي تعيش الآن في هذا المنزل الريفي‏,(‏ بكنت‏)‏ بعد رحيل شريك العمر‏,‏ والتي اتفقت مع أفكاره طوال الستين عام الأخيرة‏.‏

وكان وهو في القاهرة يسكن بجوار الهرم في قرية نزلة السمان‏,‏ وظل في القاهرة حتي سنة‏1952,‏ وكان يفصل جلبابه الذي حرص علي ارتدائه دائما عند الحاج عاشور في مدخل خان الخليلي‏,‏ وكان الحاج عاشور من أولياء الله الصالحين رحمهم الله جميعا‏.‏

كان‏(‏ مارتن لينجز‏)‏ يود لو أمضي حياته في مصر ما لم تتدخل أحداث السياسة‏,‏ فقد أعقبت ثورة‏1952‏ مظاهرات معادية للبريطانيين‏,‏ قتل فيها ثلاثة من زملائه في الجامعة‏,‏ وجري تسريح الأساتذة الإنجليز من الجامعة‏,‏ وكانت عودته إلي لندن عام‏1952‏ مشوبة بالصعاب‏,‏ فقد كانت المنافسة الأكاديمية تستلزم ما يربو علي مجرد التدريس في ليتوانيا ومصر‏,‏ وكان الحل الوحيد هو التقدم لنيل الدكتوراه‏,‏ ونشر له في ذلك الحين كتاب كان قد كتبه في مصر وهو‏(‏ كتاب اليقين‏,‏ المذهب الصوفي في الإيمان والكشف والعرفان‏)‏ وكان عليه أن يحصل علي ليسانس في اللغة العربية‏,‏ ثم حصل بعده علي الدكتوراه‏,‏ وكان موضوعها‏(‏ الشيخ أحمد العلوي‏)‏ ونشرت بعنوان‏(‏ ولي صوفي من القرن العشرين‏)‏ وقد كان من أعمق كتبه أثرا بوصفه منظورا فريدا للروحانية الإسلامية من داخلها‏,‏ وعمل‏(‏ لينجز‏)‏ عام‏1955‏ بالمتحف البريطاني‏,‏ وهو الأمر الذي أدي إلي لفت انتباهه إلي الخط القرآني وتبلور في كتابه‏(‏ الفن القرآني في الخط والتذهيب‏)‏ وقد توافق صدوره مع قيام مؤسسة مهرجان العالم الإسلامي عام‏1976.‏

وقضي‏(‏ لينجز‏)‏ الثلاثين عاما التالية في كتابات لجمهوره الذي كان يزداد‏,‏ وقد كان أحد كتبه العديدة مبنيا علي رسالته لنيل الماجستير‏,‏ وصدر بعنوان‏(‏ محمد رسول الله وحياته من أقدم المراجع‏)‏ عام‏1973‏ ثم كتاب‏(‏ شكسبير في ضوء الفنون التقديسية‏)‏ عام‏1966‏ والذي أعيدت طباعته عام‏1984‏ بمقدمة للأمير ولي العهد أمير‏(‏ ويلز‏)‏ بعنوان‏(‏ سر شكسبير‏),‏ حيث يعرض للأصول التراثية في أعمال شكسبير في التراث الأفلاطوني والمدرسي‏,‏ وكتابه عن‏(‏ الفن القرآني في الخط والتذهيب‏)‏ عام‏1976,‏ والذي أعيدت طباعته عام‏2004‏ بعنوان‏(‏ روائع فن الخط والتذهيب القرآني‏),‏ وقد كان خاتمة أعماله‏(‏ مكة‏;‏ تاريخ المدينة المقدسة من عصر ما قبل الإبراهيمية حتي اليوم‏)‏ والذي نشر عام‏2004.‏

وكان للقاء‏(‏ لينجز‏)‏ بـ‏(‏ رينيه جينو‏)‏ عظيم الأثر في ظهور أنوار الهداية التي اجتمعت فيما عرف‏(‏ بمدرسة التراث‏),‏ وقد كان من أحد نتائجها الحاسمة‏;‏ نقد العالم الحديث في تضخمه المادي‏,‏ واكتشاف الحكمة التي تربعت في قلب كل الأديان‏,‏ سواء أكانت الزرادشتية أو البوذية أو الهندوسية‏,‏ ثم اليهودية والمسيحية والإسلام‏,‏ تلك الحكمة التي هي النور الفطري الذي خلقه الله في قلوب الناس‏,‏ والذي منه يمكن دعوتهم إلي الحق‏..‏ قال تعالي‏:(‏ فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون‏)[‏ الروم‏:30]‏ قد عاش في نور تلك الهداية حتي نهاية حياته المباركة‏.‏

ولقد أسلم‏(‏ مارتن لينجز‏)‏ علي يد الشيخ عيسي نور الدين الذي كان سويسريا فأسلم علي ولي الله أحمد العلوي المستغانمي الجزائري‏,‏ وطريقته قائمة إلي الآن في مستغانم بالجزائر‏,‏ وكتبه مطبوعة منتشرة‏.‏

وكان لـ‏(‏لينجز‏)‏ اهتمام بالغ برمزية الألوان ودلالاتها وتطورها عند المسلمين‏,‏ كتب يقول في كتابه‏(‏ روائع فن الخط والتذهيب القرآني‏):‏ أعطي اللون الأزرق أسبقية واضحة علي الأخضر والأحمر‏,‏ وسرعان ما ارتفع إلي منزلة مساوية للون الذهبي في المشرق‏,‏ بينما في المغرب كان الأزرق يأتي في المرتبة الثانية‏,‏ وبقيت للون الذهبي صدارته الأصلية‏.‏ إن أهمية هذين اللونين يمكن تقديرها من واقع أن أية أصباغ تضاف إنما تأتي في أغلب الأحوال في دور ثانوي‏.‏ زد علي ذلك‏,‏ أن المرء يجد في جميع الطرز والفترات التاريخية تقريبا أمثلة لمصحف يعتمد فيه بشكل مطلق علي الأزرق والذهبي‏,‏ وهذا الإطلاق نفسه قد يكون ملحوظا في صفحات أي مصحف كان‏,‏ حتي إن جاء تذهيبه بألوان عديدة في صفحات أخري‏.‏

إن الأزرق هو لون اللامتناهي‏,‏ وهو يتطابق مع الرحمة‏,‏ إذ إن‏(‏ رحمتي وسعت كل شيء‏)[‏ الأعراف‏:156].‏ فأعظم رمز لهذه اللانهائية هو السماء المحيطة بالكل‏,‏ أما الاسم الإلهي لها فهو الرحمن‏,‏ وهو أول أسماء الرحمة‏,‏ والوحي يعبر عن الجذور الجوهرية للرحمة‏.‏

إذا كان الأزرق يحرر بواسطة اللانهائية‏,‏ فالذهبي مثله في ذلك مثل الشمس‏,‏ يحرر لكونه رمزا للروح‏,‏ فهو بالتالي يتعالي عن كل عالم الصور‏.‏ إن اللون الذهبي‏,‏ من ذات طبيعته‏,(‏ يفلت‏)‏ من قيد الصور إلي درجة أن الخطاط الذي يكتب باللون الذهبي عليه أن يخطط حواف كتابته باللون الأسود حتي يعطيها الأثر الفعال من الناحية الصورية‏,‏ ولكونه لون النور‏,‏ فإن الذهبي‏,‏ مثله في ذلك مثل الأصفر‏,‏ وهو رمز ذو صلة جوهرية بالعلم‏.‏ خارجيا‏,‏ هو يعني التدريس والظهور‏(‏ أو التجلي‏).‏ أما الأزرق في حضور الذهبي فهو يعني أن الرحمة ميالة إلي الكشف عن ذاتها‏.‏

وما ذكر قليل من كثير عن‏(‏ مارتن لينجز‏)‏ وأعماله التي كان لها وسيبقي ذلك المغزي العميق في عالم مضطرب‏,‏ إلا أن شخصيته هي التي أثرت علي الذين عرفوه‏,‏ بمن فيهم كثير من الشباب الذين كانوا يسعون إليه في المشورة الروحية‏,‏ وهذا أيضا سوف يستمر معهم طوال حياتهم في خوفهم من ألا يجدوا له مثيلا‏.‏ رحمه الله رحمة واسعة ورزق الأمة أمثاله‏.‏ آمين‏.‏
..
إننا في حاجة إلي دراسة أولئك الأعلام‏,‏ الذين أسلموا‏,‏ دراسة علمية تؤكد عالمية ذلك الدين وصلاحيته لكل زمان ومكان‏.‏

انتهى المقال







آخر تعديل البدوي يوم 08-19-2017 في 07:53 AM.
رد مع اقتباس
 
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 12 13 14 16 17 18 19 20 21 22 23 24 26 27 28 29 30 31 34 35 36 37 38 39 41 42 43 44 46 53 54 57 58 59 62 63 64 66 67 70 71 72 73 74 75 77 78 79 80 81 82 83 84 85 86 87 88 89 90 91 92 93 94 95 96 97