" ذات الحمد "
قال الإمام محمّد وفا الشّاذلي قدّس الله سرّه :
وذات الحمد ـ e ـ المخصوص بالأوليّة في الخلق الرّوحاني : ( أنا أوّل الأنبياء في الخلق) ويعسوب الأرواح أي : أصلهم.
فذات الحمد روح الأمر ونور العلم، فاتحة الكتاب وأمّه الجامعة لحقائق العلم،ومتعلّقه المعلوم بالفعل، من حيث الكلام والقول، فكما كانت الأشباح بدل عن الأرواح، كظهور حواء عن آدم، نسخ بتعيينه الأعيان، وأختفت النّجوم ببروز شمسه.
وإذا تجلّى نور الحمد ذات الأمر، إستترت تحت أشعّة نجوم الخلق، وتحلّلت معاقل الكون، وإذا تجلّت الجلالة من غيب الأزل، إندرجت أسماء الحق في اسم الحقيقة، وانطوى الواحد في الأحد، وبطل حكم العدد .
وبما خلق الله نور الحمد من نور الوجه ـ حجاب الأزل للحق من حيث تعيين الفعل ـ كان السّبحة العظمى البارزة بالوجود الكل، حقيقة القول، ظهورا بالتّجلّي، متّصلا كالنّور عن الشّمس، بارزا بالإرسال، متّصل بالأصل، ( ولله المثل الأعلى) والأمر كذلك عن الباطن بالعلم، والظاهر بالفعل عينا ومعنى، غيبا وشهادة، ولن تفترق ( لاإله إلّا الله محمّد رسول الله) أبدا وأزلا .
إرسال بالبريد الإلكترونيكتابة مدونة حول هذه المشاركةالمشاركة في Twitterالمشاركة في Facebook
التسميات: النّور الأول
أسبقية النور المحمّدي صلى الله عليه وسلم
قال تعالى ( والفجر،وليال عشر، والشفع والوتر،والليل إذا يسر،هل فى ذلك قسم لذى حجر) يرى بعض المفسرين أن المقصود بالليالى العشر فى هذه السورة أول عشرة أيام من ذى الحجة وأن الفجر هو انفلاق الصبح المعروف عند الناس. ولعدم وجود أية إشارة فى هذه الآيات لأى يوم أو نهار بل هى ليل صرف بعد ليل، وفى كتاب الله تعالى نجد الليالى دائما وأبدا مقرونة بالأيام لقوله سبحانه (سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما) وفى الحديث والأحكام كقوله صلى الله عليه وسلم فيما معناه (فرض على خمسون صلاة فى اليوم والليلة) .
ولذلك يرى كبار المفسرين أهل البصائر أن الفجر هو حالة قبضة نور النبى صلى الله عليه وسلم والليالى العشر هى الحجب العشرة التى تنقل فيها نور النبى صلى الله عليه وسلم وهى حجب الجلال، فكان نور النبى صلى الله عليه وسلم يتنقل فى هذه الحجب العشرة من مرتبة إلى مرتبة، وهى المسماة عند ساداتنا الصوفية بمراتب الذكر، بدايةً بذكر اللسان ونهايةً بالمشاهدة الإلهية، والشفع إنما هو وجود الحقيقة الأحمدية فى الحقيقة المحمدية أى وجود الحقيقتين معا فى حالة الإثنينية، والوتر جمع الحقيقتين فى واحدية سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أى ذاته إذ أن الوتر هو واحد الثلاثة، وإلى هذه الحقائق يشير الرسول صلى الله عليه وسلم فى حديثه الشريف (إن الله فرد يحب الفرد، وإن الله وتر يحب الوتر ،وإن الله جميل يحب الجمال) فالفردية إشارة إلى الحقيقة الأحمدية والوترية إشارة إلى الحقيقة المحمدية والجمال إشارة إلى الذات المحمدية، إذ هو لاهوت الجمال وناسوت الوصال صلى الله عليه وسلم (والليل إذا يسر)معناه كتم معرفة النبى صلى الله عليه وسلم فلا يمكن معرفته مالم يعرفنا هو بنفسه صلى الله عليه وسلم .
وفى ذلك يقولون:
جل وجه به تجلى علينــا **ففقدنا بنوره ما لديـــنا
لو رأيناه فى الجمال اكتفينا **أو شهدناه فى الجلال رأينا
أسدا فاتكا من الأسد أسطى
وفى تأكيد عدم معرفته قالوا:
يا طالبا عرفانه من غيره **هيهات ذا صدت به فرسانه
ولما حاج اليهود والنصارى الرسول صلى الله عليه وسلم بأن سيدنا عيسى عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام هو ابن الله نزلت عليه الآية الكريمة (قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين) فأثبتت هذه الآية أولية وجود نور النبى صلى الله عليه وسلم وأنه أول مع عبد المولى تبارك وتعالى فى هذه الحجب العشرة وهى مراتب الذكر بكل العبادات التى لا تتأتى لغيره صلى الله عليه وسلم فكان أعرف الخلق بالله وأخوفهم منه ووفى كل مراتب العبودية فسماه الله تعالى (محمداe) بمعنى خصاله كلها محمودة ولا يستحق هذا الاسم بحق وحقيق غيره عليه أفضل الصلاة وأتم السلام، وحديث سيدنا جابر الأنصارى رضي الله عنه يثبت أسبقية نوره صلى الله عليه وسلم وذلك عندما سأله سيدنا جابر عن أول شئ خلقه الله فقال صلى الله عليه وسلم (نور نبيك يا جابر) وتأكيدا لذلك فقال أيضا صلوات ربى وسلامه عليه :(أنا من نور الله والمؤمنون من رشحات نورى) وقد سئل صلى الله عليه وسلم: متى نبئت؟ فقال(:(كنت نبيا وآدم منجدل فى طينته) ومرة أخرى قال ردا على سؤال سائل (كنت نبيا وآدم بين الماء والطين) ومرة ثالثة (كنت نبيا ولا ماء ولا طين) وقد قال ساداتنا الصالحون فى ذلك:
آدم من أجله يا لك من ***ولد قبـل أبيه كون
والدليل المصحفى على أسبقية نوره صلى الله عليه وسلم سورة الإنسان فقد قال تبارك وتعالى (هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا،إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا) قال بعض المفسرين أن الإنسان المقصود فى هذه السورة هو أبونا آدم عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام، ويقول أهل البصائر أن سيدنا آدم عليه السلام لم يكن مخلوقا من نطفة أمشاج، لذلك فإن المقصود فى هذه الآيات هو الإنسان الكامل (سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم) فالنبى صلى الله عليه وسلم هو الأصل ودينه أصل الديانات وكل الأنبياء والمرسلين يسلمون على شريعته بدليل قوله تبارك وتعالى (إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا) فهم عليهم السلام مؤمنون بل هم أكثر إيمانا من غيرهم ولذلك فالنبى صلى الله عليه وسلم أولى بهم من أنفسهم لقوله تعالى (النبى أولى بالمؤمنين من أنفسهم) وهم عليهم السلام المكلفون بتعريف أممهم بالنبى صلى الله عليه وسلم كما قال تعالى (وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصرى قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين) فاتضح من هذا وذاك أن أصل الهداية وأصل النور وكل مواثيق الدين عند النبى صلى الله عليه وسلم وهو الواسطة والممد لكل الأنبياء والمرسلين كما قال تعالى (ولقد كتبنا فى الزبور من بعد الذكر) وقال
تعالى (إنا أرسلناك شاهدا) على أمم الأنبياء والرسل (ومبشرا) للمؤمنين (ونذيرا) للمكذبين (وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا) وهو صلى الله عليه وسلم وسيلة لكل الأنبياء فقد توسل به أبونا آدم، وقالوا فى ذلك:
والخلق تحت سما علاه كخردل **والأمر يبرمه هناك لسانــه
وتطيعه الأملاك فى جو السما**واللوح ينفذ ما قضاه بنانه
وهو بشرى سيدنا عيسى عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام فهى ظاهرة فى قوله تعالى (ومبشرا برسول يأتى من بعدى اسمه أحمد) وحسبنا فى بيان بعض شمائله ما قاله الإمام فخر الدين رضى الله عنه:
لا يعلم الثقلان عنه قدر ما **جهلوا وضلوا فى جلى ضحاه
لا يبلغ الطلاب منه بداية **أو تفقه الأملاك ما نجـــواه
صلى الله عليك وآلك وصحبك وسلم يا سيدى يا حبيب الله .
منقول من موقع الطريقة الكسنزانية القادرية