المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : بوارق الحقائق


الرفاعي
08-28-2015, 09:36 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

بوراق الحقائق للقطب الغوث الفرد المتمكن العارف بالله ولي الله المشغول بالله عن الناس مولانا الشيخ الكبير السيد محمد مهدي بهاء الدين الشيوخي الشهير بالرواس ابن السيد علي ابن السيد نور الدين الرديني الصيادي الرفاعي الحسيني الحسني رضي الله عنه ونفعنا بمدده وفتوحاته وعلومه وبركاته آمين.

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله أتم الحمد وأكمله والصلاة والسلام على سيدنا محمد عبدالله ورسوله الذي اصطفاه لذاته وبالحق ارسله، وعلى آله وأصحابه شموس آفاق الكمالات، وعلى التابعين لهم باحسان مادامت الأرضون والسموات أما بعد: فالعبد محمد مهدي بن علي الرديني الرفاعي غفر الله له ولوالديه وللمسلمين.

يقول: هذه كلمات إنشقت عنها ستور أسرارٍ أراد الله اظهارها فظهرت بسر الله من وراء حجب الخفا إلى ساحة المشاهد المنجلية ليفتح الله بها اقفال قلوب اجتذبها إليه، ودلها عليه، وها هي من بحر الكرم إلى صدور طلاب الكرم، على بركة الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

أنا عبد قذفت به موجة بحر المشيئة من فضاء العدم، فافرغته في قوالب أصلاب أمةٍ اختارها الخالق الذي لا ينازَع احباباً، فصورها انجاباً وجعلها مظهر الهداية، وزواهر العناية وذخائر النبوة والولاية، وكان حكم البروز من بطون تلك المعادن سهم صلب علي بن نورالدين الرفاعي، من بني سبط الحسين السبط الشهيد عليه السلام فانفتق رتق خبأ الوجود بسوق الشيوخ بليدة دحاها مبرزها في فيفاء العراق، فقام هذا القالب الضعيف بعد أن كان قاعداً في خزانة الغيب يتقلب على بساط الشهادة حتى دار عليه في حجر أبيه وأمه أعوام الصبيانية، وارتفع سنه إلى درجة الطفولية، وقال معلم الأزل : كن قارئاً، فأخذ العقل حصة الوهب والفهم وحصة الالهام وهبت نسمة الفتح فحصل له عل يد عبدٍ من الصالحين يقال له ملا أحمد بركة تعلم القرآن، ثم منَّ المنعم المتفضل فحفظ الكتاب القديم بالتجويد والترتيل، والروايات التي أقام عليها السبعة البرهان والدليل، ولم يدر إذ ذاك تسع سنين، وهناك انفلتت زعازع القدر بالطاعون فصرعت مع من صرع أمه وأباه وبقي وحيداً ولا إلى إلا الله.

فكفله خاله السيد عبد الله ابن السيد يوسف، ولما بلغ خمس عشرة سنة قطع خاله العلائق، وطلب بيت الله، وحمله معه، فسارت قافلة عزمهم بمحض الإستناد إلى الله فجاور مع خاله بمكة المكرمة سنة، وفي المدينة المنورة سنتين، ورجعت نفس خاله إلى ربها راضية مرضية في بلدة سيد الكونين، وعروس الحضرتين، ونقطة الدائرة المتضمنة أسرار الدارين، ولم يفته في تلك الأيام، الانكباب على طلب العلم الذي هو فريضة على كل مسلم ومسلمة، فشم عتبة الباب المحمدي بأنف دفع الأنَفَه، وتخلى عن مشهد وجوده مستمطراً من بحر الرسول الرحمة سحةً من وارد كرمه وجوده، واستأذن بناطق قلب انقلب عن الاكوان إلى ذلك الجناب، واستعطف أن يُتحف برخصة اكمال شريعته المحفوظه من الشك والارتياب، فحفته نفحة كرمه، وملأته بالفضل من فرقه إلى قدمه وانشد هاتف العناية رجز الاذن والرخصة وانجلت عروس الافاضة في حضرة الوهب على المنصة، فثبت القلب بتلك العتبة الشامخة الرفرف على بساط التمكين، وقيل لحزب الجوارح الهيكلية: ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين.

يتبع إن شاء الله تعالى

الرفاعي
08-28-2015, 09:36 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

وقيل لحزب الجوارح الهيكلية: ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين .

فحصلت الإغاثة والحمد لله، برد لهفة الطلب وحصل المطلوب وبعد إقامة ثلاثة عشر سنة في الجامع الأزهر والرحاب المبارك الأنور أخذ الإجازة من مشايخ الجامع يومئذٍ، ولم يبق علم مدون أو فن مقروء إلا واستقصاه، ومنح به الإجازة من أهله والمنة لله.

وهذه بوارق الحقائق

وهنا قامت بارقة من معارج مقام القطب الغوث الجامع وأنا في رواق الجامع، فقال صاحبها: أيها السيد أنت المخطوب المحبوب قم فَسِرْ في طريق الله إلى الله. إنتدب لما أُردت له. آن إبّان اقامتك لشأنك. هذه هدرات بحور الواردات من اكناف جميع الحضرات تجتمع من عليّ محادرها، فتتوجه إليك، وأنت على حافة الطريق فوق فراشك وسنابك خيل الفيوضات تقدح طائرة لايصالك. اعيذك بالله من الغفلة. قم ايدك الله بسر بسم الله الرحمن الرحيم .

اضرب فيفاء عراقك حيث ديار عناصرك السابقة وأعراقِك هناك بين خيام الجحاجح الذين عرفتهم المضروبة الأطناب على أوتاد البروج المتصلفة في قبب الآفاق الممنطقة بحزم الزهر الجامعة من كبكبة الألى كل قرم وارث نبوي العزم والعزيمة . غاب وجوده عن الأبصار وحضر بارق سره في الأقطار بإذن الملك الجبار . وقف قبل خروجك من مصر متريضاً ريِّض القلب بالذكر مندفعا عنك واقفاً مع الإشارة لا تبارح وارد طورك منسلخاً في منازلاته من شهودك ممتلئاً مع هزاته تمكيناً ، وليكن علمك بشريعة نبيك حجتك في طريقك دليلك في سيرك واصفع طوارق خواطرك باكُف برهان فقهك فانصرف بسيرك عنك وعن غيرك آخذاً إثر جدك في أخذك وردك والسلام عليك من حضرة القرب التي تلحقك بالركب ورحمة الله وبركاته . فهزتني نغمة كلامه من رياضة السكون إلى روضة الارتياح فقلت وفيها ذكرت ما فعلت:

جاء البشير ليعقوبي بيوسفه = اهلا بيوسف وقت سرّ يعقوبي

رنّت له في طريق السّمع داعية = فقمت مبتهجا في طور مجذوب

أرتاح هذا قميص الوعد مس به = على عيون فؤادي كفّ محبوبي

أبصرت بعد انطماس كنت أحمله = وراق لي من كؤوس القرب مشروبي

وصرت أشهده في كل بارزة = وصرت أقرؤه في كل مكتوبي

والصحو يثبت لي حالا يثبتني = والمحو يبرز عندي حال مسلوب

لم أخش بعد شهودي حسن طلعته = تلوين حالي بمعزول ومنصوب

إن صح لي وشؤن الكون عاطلة = فلا ضرار لعمري ذاك مطلوبي

أقوم والليل مدجاة عوالمه = وذيله ساقط في شكل مسحوب

أإن أنة ثكلى الحي فاقدة = وأستعيد صراخا شأن مرعوب

واستميل غصون البان عاكفة = عليّ اطيارها تصغى لتشبيبي

وحجتي وقفول القوم قافلة = بكل خير مسيري نحو مرغوبي

كأن بي يوم أن تلوى جنائبهم = موقورة الرّحل كسبا ما بمسلوب

أطير وجدا ولي في النفس مثقلة = فكم لها قلت يالوامتي توبي

وراقصات على الضلعين قلن أفق = ما شأن منتدب يسعى كمندوب

هذي السعادة قد جاءتك رافلة = ببردها ضمن خدر الوهب مضروب

وخاطبتك به العلياء قائلة = قم أنت يا ابن رسول الله مخطوبى

فاجمع شتات شؤن أنت صاحبها = وجل ببيد التدلي خير مصحوبي

دنوت إذ ذاك من طور الخطاب وقد = أجريت ضمن جوابي حسن اسلوب

ولاح لي جمع شطح كدت أشهده = مقام مرتبتي أوهام مغلوب

وقمت من حضرتي والأنس يجمعني = وقد تولى رسول الله تأديبي

حكّمت فقهي بإشراقات واردتي = بالنص لا بمعاني فهم موهوب

وكل طارق الهام ينازلني = قيدته بقياس غير مكذوب

وقلت يانخوتي بالذّلة انقطعى = ويا علائق نفسي مرّة ذوبى

فساقني من أبي الزهراء سوق هدى = إلى العراق وفاحت نفحة الطيب

وقيل لي خذ لشيخ المتقين يدا = فتلك أشرف مكسوب وموهوب

فجلت واللمعة البيضاء تسبقني = أنى ذهبت وهذا برء ايوبى

وجبت بيض دمشق واتصلت بها = وقد وقفت بهاتيك المحاريب

وبعد أنجدت حتى البصرة اتضحت = بعد الغموض ونار الوجد تعلو بي

زرت المقام وإبراهيم واتّخذت = ذاتي مصلّى به من بعد تغريبي

وضعت كفا بكف بالإشارة عن = أمر على بيعة الرضوان تهذيبي

وكان شيخي من الأوتاد منزلة = وفي أولي العلم فذا مثل يعسوب

ألقى علىّ إشارات بدمدمة = رشيقة ذات تشريق وتغريب

بنى عليها سلوكي كلها حكم = كلؤلؤ ببديع السلك مثقوب

طرقت بعد الهجوع الحيّ ممتثلا = أمر السماوات أبغي قرب مرقوبى

وصلت أم عباد والصباح له = غلاغل فيه أصناف الأساليب

فجت لناظر سري أي بارقة = من ذلك القبر أحيت ميت منسوبى

فقلت يانظرتي بالحضرة ابتهجى = ويازليخاء نفسي باللقا طيبي

الحمد لله هذا باب سيدنا = شيخ العواجز حامى كل محسوب

فتى يريع الليالي بأس صولته = ويستريح لديه كل متعوب

من الحسين انتقي عقد يتيمته = عصماء عاقبة الزهر الشآبيب

ذو ساحة من رياض الخلد طاف بها = من العلا كل روحىّ وكرّوبي

لذنا بديوان قدس عند مرقده = مرفرف بشفوف الوهب منصوب

وقد طرقنا له الصحراء عافية = نخبّ وجدا بتمزيق الجلابيب

جلا لنا قبسا من طور قبته = حىّ بنور على الأكناف مصبوب

وانشق عن فيض عرفان به جمل = مبسوطة مزجت حسن التراكيب

أحيت قلوبا طماها القبض فانبسطت = بفهمها غير مقروء ومكتوب

من رشة ابن الرفاعي الإمام روت = حين ارتوت كل أنواع الأعاجيب

هذا الذي هد ركن الشطح يوم زها = بخلعة الفتح لكن زهو مطلوب

هذا الذي هز سيف العزم منتدبا = للّه واطرح إذا هز الاحاديب

هذا الذي وصدور القوم شاهدة = مدّ اليمين له الهادي لتقريب

هذا المجرب ترياق القلوب فخذ = منه الأماني ودع زعم التجاريب

هذا الكريم المحيا كم به فرجت = من كربة صعبة عن قلب مكروب

هذا ابن فاطمة الزهراء وهو لها = بعد الأئمة حقا خير منسوب

هذا الذي قام سر النصر فيه فمن = يلجأ به بعراك غير مغلوب

هذا المحجب في الأقطاب سيدهم = في كل باب بإطراق وتأويب

لم يجهل العز من عالي تحجبه = عن قادة القوم إلا كل محجوب

على أرسلان والجيلي قد ضربت = خيامه بعد عزاز ومهيوب

وكان سبعون فردا تحت رايته = غير المحاذين من دان ومحبوب

العرش والفرش والأكوان تعرفه = أنعم بسطر بلوح القدس مكتوب

تكبكبت همم الأقطاب وانجمعت = به بتمكين عزم غير مسلوب

قف عند أعتابه القعساء متثقا = وطب فلست بمتعوب ومعتوب

وقل عليك سلام الله خذ بيدي = فالركب سار وحملى عاق مركوبى


وكان كما نصت هذه السانحة، فقمت على قدم التجريد اتلو: بسم الله الرحمن الرحيم . متوكأً على جذع العناية، اقارع طرق البر من مفازة إلى مفازة، ومن صعدةٍ إلى واد حتى انتهت بي نوبة السير بعد مفارقة ذيل العريش إلى بيداء الشام.

يتبع إن شاء الله تعالى

الرفاعي
08-28-2015, 09:37 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

وكان كما نصت هذه السانحة، فقمت على قدم التجريد اتلو: بسم الله الرحمن الرحيم . متوكأً على جذع العناية، اقارع طرق البر من مفازة إلى مفازة، ومن صعدةٍ إلى واد حتى انتهت بي نوبة السير بعد مفارقة ذيل العريش إلى بيداء الشام.

وهناك قامت بارقة. من مصدر طالعةِ اضرحة الأنبياء العظام أصحاب ديار الشام عليهم الصلاة والسلام، فتوجهت بهمتي مع لوامع البارقة السعيدة اتمسك بخيط كل لامعة . تنتهي إلى ساحة محراب نبيّ. ووقفت في حضرات تلك المحاريب وقوف العبد الذليل باب السيد الجليل، وفرشت خدي بعزية خضوعي، وتحققي في مقام الاستجداء من نوال كل فرد من أفرادهم أعلى الله منارهم. وأسطع في ملكوته أنوارهم والصلاة والسلام من لدن ذاته الربانية عليهم ما تواصلت واردات عوارفه المتواترة الزيادة المصونة من الانقطاع إليهم، وأخذت بأكف الاستجداء مواهبهم السنية وعطاياهم النبوية فانكشف لي بعد تلك الرحمة الهامعة علائق العالمين وظهر لي مشهد الرمزين من حيطة الجمع والفرق في المقامين لا بملابسةٍ تُوهم اتحاداً، ولا بمجانسة تكثّر اعداداً حكم انفصالي لا عن شيء، وشأن اتصالي لا بشيء من مواردات فيوضٍ انتقاها المنح القديم فافرغها من عالية حظيرة الكرم على هذا العبد الفارغ العديم:

شوارق قدس اطلع الله فجرها = بآفاق قلبي فازدهت بالحقائق

فقلت لقلبي والبروق طوارق = أعيذك بالرحمان من كل طارق


واخذتني سابقة عناية من جناب الخليل ابي النبي الأعظم الجليل عليهما ما دام ملك الله اكمل صلوات الله وأتم تسليمات الله . فبرز لي طالع جماله على فرس بيضاء طرق هامها هام الكوكب الرابع، ونطحت جبهتها جبهة الجرم الثاني متمكناً على متنها بحلة بيضاء، وصفة حسناء، أخذت من أبدع الجمال أتمَّه، ومن أتم الحسن أعمَّه، فصليت عليه في حضيرة ذلك الشهود قائلاً:


بسم الله الرحمن الرحيم

اللهم صل على محمد حبيبك ابن إبراهيم خليلك وعلى أبيه إبراهيم المقرب في سدة الاصطفا إلى غاية قمة مرتبة الخلَّة صلاة تجمع بها لهما بين المحبوبية والخلة، بكسوة الأبوة وخلعة النبوة على سريري الرسالة والنبوة وترفع لهما عن جمالك حجاب الجلال، وتبرز لطرفيهما من طالع أُنس قدوسيَّتك مظهر الجمال، كما هي في هذا المقام، بسر التحقق على كل حال.

اللهم وكما قَرَّتْ عين عبدك وخليلك إبراهيم بطلعة نجابة ولده عبدك الحبيب الصادق الأمين فابسط له بساط الانس معك، في حضرة الجمع المضيئة بجمال نورك المتلألئ بغرة رسولك سيدنا محمد كما يرضاه خليلك لك بك، وكما ترضاه بكرمك وإحسانك له إنك البرّ الكريم، الرؤف الرحيم، وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين .

فأخذ ذلك المشهد الإبراهيمي ينجلي عن إشراق سرور يقدمه النور، وأُلقيت عليَّ ولله الحمد من قِبَلِه المكرم خلعة السمة العرفانية من طريق الحال حيث ان السير إذ ذاك لا يقوم بعبأ المقام فقابلتني لذلك مشاهد الأكوان بطراز التبريك. أرى قبب العلا وفجاج الثرى. قد خط عليها بقلم النور بورك لعبدالله ووليه محمد المهديّ بخلعة العرفان الإبراهيمي بورك هو وهي:

رقصت لي الأشياء لما حفني = مدد الخليل وضاءت الأكوان

وبرزت أزهو لا على غيري ولا = أنا من يطيش وسرني الإحسان

لما علوتُ وكنتُ دوناً قلت يا = قومي السماحُ فكلنا إخوان

ورجعت بمشهدي هذا إلى الباب النبوي، فأجلت وجهي على عتبة الركن المحمدي، ووقفت بنسقي استجلي طارفة السر المؤيِّد لتلك الخلعة الإبراهيمية، فبرز المنشور، المسهَّم بالنور، مؤيداً لها، موقِّعاً عليها، فشكرت الله وحمدته، وصليت على السر الأعظم والكنز المطلسم صلى الله عليه وسلم قائلاً:

اللهم صل من طريق كل بارزة ومطموسة، ومن لسان كل مغيَّبة ومحسوسة، ومن عينية كل غائب وحاضر، ومن حقيقة كل باطنٍ وظاهر، بمظهرية كل اسم لك، علمته خلقك أو اضمرته في علمك، صلاة تشق اردية المُلك والملكوت، وتملأ حظائر الجبروت والرحموت، تدوم زائدة ولا تنقطع، ولا يشوبها من تحدرها كما هي نقصان، على عبدك ورسولك سيدنا محمد المصطفى، عزيز امصار الوجودات، شمس سماوات الحظائر العلويات، عَلَم ملكك، الذي نشرته في طي عِلمك، قبل تَعَيُّنِ أشكال الحادثات، ونصبت له كرسي النهي والأمر، في البر والبحر، وحكمته في عوالمك قوياً أميناً، باعانتك وكرمك، اختصاصاً واصطفاءً، وتشريفاً وتعظيماً، وتوقيراً وتكريماً، وسلم اللهم عليه، سلاماً يعطر طرق السموات والأرضين، يرفع اليك منك، ويفد سحاح برّه إلى بريتك راوياً عنك، ما امَّتْه قلوب العارفين، وطابت به أسرار المخلصين، وسرى سرُّه في العالمين، ياحيُّ ياقيوم. ياذاالجلال والإكرام، وتفضل بمثل ذلك على عبيدك اخوانه النبيين والمرسلين، والسلام علينا وعلى عباد الله الصالحين.

ثم تفجرت ينابيع الكرم، وتواردت موائد المنن .............

يتبع إن شاء الله تعالى

الرفاعي
08-28-2015, 09:38 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
ــــــــــــــــ

ثم تفجرت ينابيع الكرم، وتواردت موائد المنن، فلم يبق نبي كريم، ولا مرسل عظيم، عليهم جميعاً من الله العظيم، أفضل الصلاة والتسليم، الا وكستني واردة من موارد روحه المعظمة ببردة منح تكف المحنة وتمطر بالمنة، وكلما استظليت بظل واردة من موارداتهم، وانبسطت لي شقة كرم من عنايتهم وقفت بالباب الرفيع المحمدي متذللاً لا أبرح حتى أرى توقيع التأييد من ذلك المشهد الأمجد السعيد وبعد: فأنصرف بالأمن والطمأنينة والثبات والسكينة، تحت راية الحماية النبوية رفيق المظاهرة الدائمة المحمدية، ورتعت في جنة ((( دمشق ))):

((( دمشق )))

أخب بنور الإعانة مع حفظ الأمانة لا ألتفت يميناً ولا شمالاً، منصباً على موراد العلامات، التي تلمع من السماء. أين كانت؛ وإلى أين صارت؛ ارفع طوق العزم إذا اتصلت، ولا اكفكف وابل الدمع إذا انقطعت، حتى ترد، فاجتمع بعد شتاتي وأفرق بين البطالة وأوقاتي، وقمت على قدم الاستعانة بالله ولا حول ولا قوة إلا بالله - إلى سبيلي من طريق حمص، فلما ظَهرتُ إلى ظاهر دمشق، قال لي ابليس : أنت المُعان المُصان المحفوف بالعوارف واللطائف، اظهر بما أنت فيه من علمك . وصنوف فنونك وطرائف آدابك وتصدر على كرسي الإفادة، بمنطقك، بنحوك، بفقهك، بتفسيرك، بما جمعت من علومك، التي انطوت فيك، انشرها بهذه البلدة الطيبة، وبها تقوم لك وتقعد، أين مثلك في زمانك؟ أنت بخاري المحدثين وترجمان المفسرين، ودؤلي النحويين، وحسان الأدباء، وأبو حنيفة الفقهاء، وشافعي العلماء، وهدر وزمجر، وبالغ واستشدق وتشدق، فوقعت على كلامه النفس، وقابلها الهوى بالتأويل الحسن، واشرفت عليها الدنيا بزينتها ومحاسنها، فكدت اتمزق من غيظ القبض وأنا هناك، وإذا برجل اعرابي، فقال: السلام عليكم فقلت: وعليكم السلام. قال: استفتيك. هل الهرب من الدنيا اولى أم الدخول فيها أولى؟ قلت: بل الهرب منها أولى. قال: هل إذا انطوى العبد مأموراً أولى أم إذا انتشر مفتوناً أولى؟ قلت: بل إذا انطوى مأموراً أولى. فقال: هل العالم بعياطه وشياطه يهدي الناس أم الهادي هو الله؟ والتأثير يسري بنسبة صدق العالم مع الله أم لا؟ قلت: بل الهادي هو الله والتأثير بنسبة الصدق. فقال: فقال هل يصلح لمداواة عيون الناس الأعمش؟ قلت لا قال سر على بركات الله، كن مع الأمر لا مع النفس. اصلح أولاً شأنك، ثم التفت بعدك لإصلاح غيرك. دس بنعالك هامة شيطانك، واقطع علائق نفسك، وعليك بخويصتك، واعتزل الناس واشتغل بالله، وكن عبداً، وإياك منك، والسلام عليكم. فأخذت بطرف عباته، وقلت بارك الله بك، ما اسمك قال أحمد. قلت تريد ( حمصاً ) فقال: سر بالله، هو خير مني ومن غيري. هذه القافلة تريد حمصاً فصر معها، واحفظ وقتك، وإياك من طرائق شيطانك، ودسائس نفسك، واعمل لله خالصاً، وبه عن غيره الكفاية، فوقفت اتفكر بسر أقواله، فإذا هو قد غاب عن بصري، فعرفت أن هذا القالب، طراز روح سيدنا ومولانا السيد ( أحمد الكبير الرفاعي ) رضي الله عنه، والله تعالى يفعل ما يشاء، وهو على كل شيء قدير.

فطرقت مع القافلة الطريق طيب الخاطر ريِّض القلب فسيح الساحة منقطعاً عن غوش احدوثات النفس وغلبني سلطان الذكر فرنت بنغمته ذرات وجودي من كل جانب حتى صرت أسمع من كلها على الانفراد، أنواع ذكر الله جل وعلا ولا زلنا حتى وصلنا قرية ((( دوما))).

يتبع إن شاء الله تعالى

الرفاعي
08-28-2015, 09:39 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
ــــــــــــــــ

((( دوما )))

فوافيت جامعها، وقمت للصلاة، ثم تجردت للذكر، فجائني خطيب القرية، ووقف عندي قليلاً، ثم وكزني بيده، فالتفت إليه فقال: كأنك من الفقراء - يعني سلاك الطريق - فأجبته بالإيماء، فلغا وهو داخل المسجد، بكلام كثير خلاصته: يسألني إلى أي طريق أنتمي فخرجت من المسجد إلى الخارج ,قلت له بالرفق: أيها الرجل - بارك الله بك - أيحسن بمثلك من خدمة الشريعة اللغو داخل المسجد؟ قال لا بأس قل لي لأي طريقة تنتمي؛ فقلت له: أنا أحمدي. أنتمي لطريقة الغوث الأكبر ( الرفاعي ) رضي الله عنه. فقال أما سمعت نصوص إمامنا، شيخ الاسلام بشأن الأحمدية؟ قلت: ومن إمامكم شيخ الاسلام؟ قال الشيخ ابن تيمية الحنبلي. فضحكت منه، ثم قلت أيها الخطيب: هل خالف إمامكم هذا في مسائل أصولية رجال المذاهب الثلاثة، الشافعية، والحنفية، والمالكية، ورجال من مذهبه حنبليون ايضاً أم لا؟ قال نعم ولكن. قلت دع ما بعد. أنت تعترف أن جلّة رجال المذاهب السائرة، وطائفة من كبار الحنابلة ايضاً خالفوه في الاصول بمسائل معلومة، والأحمدية يقولون: اقواله بشأننا، من اجتهاداته الفاسدة، وتصرفاته الباردة، والمسألة فرعية، نرد عليه، كما رد عليه رجال مذهبنا، والباقون من رجال المذاهب السائرة، اقواله في المسائل الاصولية، ويقولون هل كل قول قاله ( ابن تيمية ) أُجْمِع عليه، فلا بد، أن نقول لا بل خولف بكثير من أقواله، ومخالفوه أمة من أعيان علماء الدين، وسادات المسلمين، ونحن إذاً مثلهم، نخالفه في أقواله، التي لبها تعصبه، وقلة عقله، وسوء تصرفه والسلام. فقال: كيف وهو شيخ الاسلام؟ قلت: يعني الاسلام الذين يقولون باقواله . ويوافقونه في كل ترَّهاته الناتجة من خياله، وإلا فالاسلام، لهم غيره مشايخ، لا يمكن عندهم استبدالهم بشيخكم - ابن تيمية - عفا الله عنه - فسكت مبهوتاً، ورجعت وأنا على طرف من القبض، لمفاجأة ذلك الخطيب لي، فأخذتني منازلة، من منازلات روح سرّ الوجود - صلى الله عليه وسلم - غبت فيها عني، وانقبض بها عني القبض، فسبحت روحي بتلك الطارقة السعيدة، فقام خطيب من رجال الحضرة، على كرسيِّ الارشاد، يجمع بين لباب الحقيقة، وظاهر الشريعة، وقد انطبع فيَّ، ولله الحمد كل ما قاله، وصرت اتمنى على مائدة الكرم أن يمنَّ الله عليَّ بنص بشأن واقعتي مع الخطيب، تقف به خواطري، على ساحل الأمن من حيث المواردات التي يلزم عليَّ تحكيم الفقه فيها، فما كان إلا أن قال : أدخل الناس في الاسلام قول : لا إله إلا الله محمد رسول الله، ولا يخرجهم منه إلا جحود هذا القول، أو فعل يتضمن جحوده، وكل قول أو عمل، يتضمن تأييد معنى هذا القول، ولم يرد بالمنع عنه نص قاطع، فهم من الاقوال أو الاعمال المرضية، وكل قول أو عمل يتضمن مسَّ ساحة هذا القول بتنقيص، فهو من الاقوال أو الاعمال المردودة، وثواب ذلك القول أو العمل المؤيد، رد ذلك القول أو العمل المنقص بنسبة طبقته والقصد فيه، فإن صدر عمل من مسلم موحد لا نهي فيه، وكان ذلك العمل ينتهي سرُّه، لتأييد سلطان الربوبية، وبرهان النبوة، ويعتقد فاعله، أن قيامه به كان بمعونة الله وكرمه، أو بإكرام الله تعالى لوليّ من اوليائه، فتحريف طريق هذا القصد، وتحويل درب هذا العمل، معونة لأهل الزيغ، الذين همُّهم إنكار أسرار الله السارية بأنبيائه وأوليائه، والمتوالية الظهور، في عوالم مخلوقاته جلت قدرته. وهذا من نزغ الشيطان وتلبيسه، يقود المتفقه لمصادمة هذا السر، بحيلة الانتصار للحكم، ويسقط لعدم نوره في فقه عن فَهْم الحكمة، وعلى هذا فأتباع السيد ( أحمد الرفاعي ) طيب الله بنشر نوافج اللقا روحه، الذين تهزهم مضمرات الاحوال، فتظهر على أيديهم بعض الخوارق كل أعمالهم هذه من المؤيدات لسلطان الربوبية، وبرهان النبوة، تجاه المارقين وأهل الزيغ، وأصحاب البدع والاهواء والضلالة والعالم منهم والجاهل يعتقد أن قيامه بمثل هذه الخوارق بمعونة الله واكرامه سبحانه لعبده ووليه السيد ( أحمد الرفاعي ) نضَّر الله وجهه بمجلس الشهود الجامع ورَحِمه - وهم بهذا مثابون، والناس على عقائدهم مأمونون، ونعم الاصحاب والاتباع، اصحاب السيد ( أحمد ) واتباعه خطهم في حضرة القرب (( إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى )) ثم ختم الخطيب مجلسه , وصلى الناس على صاحب الحضرة النورانية - صلى الله عليه وسلم - فحمدت الله على موافقة فقهي نص الباطن، وحكم الظاهر، وكلاهما كما ظهر لك واحد وهنا قلت:

يتبع إن شاء الله تعالى

الرفاعي
08-28-2015, 09:39 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
ـــــــــــــــ

ثم ختم الخطيب مجلسه، وصلى الناس على صاحب الحضرة النورانية - صلى الله عليه وسلم - فحمدت الله على موافقة فقهي نص الباطن، وحكم الظاهر، وكلاهما كما ظهر لك واحد وهنا قلت:

حسدَتك يا ابنَ رفاعةَ الأقوامُ = لعلو قدرٍ دونه الأوهامُ

أيعاب اصحابٌ بسرّك ادركوا = حال الخليلِ وكلهم اعلامُ؟

قومٌ يلوذ السالكون ببابهم = وتضيء منهم بالهدى الأفهام

وعليهم يلقي العواجزُ حملهم = وبهم يعز وجدّك الاسلام

بسحاب سرّك اخمدوا ضرم الغضا = وهل السحابُ يرى لديه ضرامُ

مولاي يا سلطان اصحاب الحمى = وإمامهم ما كرَّت الأيام

لك بالحسين تسلسلٌ خطت له = في لوح واسطة العبا الارقام

وعليك دار رحى الرجال فقطبهم = هو أنت إن قعدوا وإن هم قاموا

اعطاك ربُّك رفعةً لا تنتهي = وفتىً يؤول اليك ليس يضام

ابرزت من تحفِ العلوم حقائقاً = تعلي الشريعة كلها إلهام

وأئمة الاغواث أنت لركبهم = في حضرة الجمع المنيع إمام

بركابك العالي مشت افرادهم = ولهم بسلكك في الطريق نظام

وجحاجح العلماء حولك حلقوا = ولهم ببابك للعلوم قيام

ولأنت آية زهر آل محمد = صلى عليه الخالق العلام


ولما زمَّت القافلة إلى السير قمت وما انا بحاضر مع جمعي، لمكافحة رفارف تلك الحضرة، التي غيبتني عني، وأخذتني مني، وما نقلت قدماً، ولا استشرفت من الأرض شبراً إلا وقام لي حال منه، طويت منه معنىً يدل على الله، ويذكر بالله، تنصب عليّ رقائق الفقه فيه، من ساحل بحر النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، ويفاض إلي بواسطة روح سيدنا ومولانا أبي العلمين، رضي الله عنه وأرضاه ورضي عنا به، وأيدنا بمنازلات قلبه آمين. ولا زلت رفيق القوم مرحلة بعد مرحلة نشال ونحط حتى اشرفنا على ((( حمص ))).

يتبع إن شاء الله تعالى

الرفاعي
08-28-2015, 09:40 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

((( حمص )))

ولي في ذلك الطريق، من مطارقات المنازلات المتدلية من العلى، ما يخفق قلب الفلك، هنالك صلصلة ترن، من سلسلة تدن، سطور تخط، واقلام تقط، البارقة تدفعها البارقة، والطارقة تتبعها الطارقة، وفتحت السماء فكانت ابوابا، وضربت منقضات الهمم إلى حقائق الطوارق أسبابا، وسبح الكشف في بحر السر يلتقط - غائصاً فيه - درر البراهين الطامسة، في قعر عالم الخفا، لاستجلاء كنه رقائق تلك المعاني المطوية، في تلك الحقائق المخفية، ما اندفعتُ خطوة، إلا وفيها من هذه الأسرار الطارقة أزيد من مائة الف بارقة، وبرز لي مع رفيف الهواء، خطوط نورية مكتوبها - لا إله إلا الله محمد رسول الله - فقلت لعلي طبت للذكر، وولهت بالجناب الأحمدي، فغلب عليَّ سلطان هذا الشأن، فظهر لي ما أراه من تلك الغلبة، فجمعت أمري حتى تحقق ذلك، تحقيقاَ بديعاً معه اطرزة براهين، جمعن جمعي عليّ وأوصلت نور ذلك الفَهْم الحق إليّ، ثم ارتفع نظام تلك المشاهد، حتى انجلا عن مضامين علوم احكمت فيّ معنى - لا إله إلا الله - بذوق حالي، تكلّ عنه العبارة، وينعقد عنده لسان الإفصاح، ولا يتصرف النطق به فيتمكن من الإيضاح، وكذلك قول الله جل علاه (( فاعلم أنه لا إله إلا الله )) فقد طوى بنصّ - فاعلم - سر إلهيّ حاليّ، ولو أن العلم يتعلق المعنى المقصود، اعني معنى كلمة التوحيد، وخلاصة معناها عند علمائنا رضي الله عنهم : لا معبود بحق متصف بصفات الكمال منزه عن صفات الحوادث والنقصان إلا الله، وهو الغنيّ عن كل شيء، واليه يحتاج كل شيء، وهو على كل شيء قدير.

والسر الإلهيّ الحاليّ قام به الذوق، بمحض الوهب الرباني يفصح عنه ما جاء في الكتاب (( واتقوا الله ويعلمكم الله )) أي من لدنه علماً يصلح به شأنكم، معه ومع خلقه، ويجعل لكم نوراً تمشون به في الناس، وقد يقول القاصر : بلغ الرسول العظيم عليه أجل الصلاو وأكمل التسليم، وما زاد عما بلغه، فمن أين ؟ فقل له : من الذي بلغه، فإنه بلغ عن الله قوله تعالى (( اتقوا الله )) ونتج عن هذا التعليم الإلهي ببرهان (( ويعلمكم الله )) ففي بعض احكام البلاغ جُمَلٌ مطويّ فيها التفصيل، وهو - أعني التفضيل - ينفتق عنه رتق الاجمال . نعم والمبلغ العظيم صلى الله عليه وسلم، هو صاحب جوامع الكلم، سيد الفصحاء، وابلغ البلغاء الذين هم من كبار الأنبياء فمن دونهم عليه وعليهم أزكى الصلاة وأكمل السلام .

فجمل ارشاده عليه الصلاة والسلام ضمنها تفاصيل تحملها الآذان الواعية والقلوب الطاهرة، من أولي الألباب المتقين، الذين شغلهم حب الله وحبه عليه الصلاة والسلام عن انفسهم فغابوا به وحضروا به، وهنالك تبرز لهم مفاتيح كنوز العناية الربانية، من الحظائر الغيبية، وتحل لهم من تلك الجمل عقد التفاصيل، هذا من طريق الأحوال مع الله، والمقامات المتدلية إلى حظائر مدد الله، وإلا فمن طريق الحكم، وطريق العبدية وما يلزم لمنهاجي الدين والدنيا، والوصول إلى الله تعالى، فإنه لم يترك عليه الصلاة والسلام كليّاً ولا جزئياً إلا وبلغه، وعلّم الأمة بتعليم الله تعالى له ما لم تكن تعلم، ودلهم على الجهاد في الله لتحصل لهم غنيمة الهداية من الله، إلى سبل الله، الموصلة إلى الله، قال الله تعالى : (( وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا )) ومن طرق الهداية إلى تلك السبل انكشافات تنتج عن تقوى، تُبْرِزُ لفكرة العبد أسراراً سماوية، وأرضية، وناسيّة، ونفسيّة، فإذا عرف نفسه عرف ربه . (( لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ )) . (( وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ )) وقد تقع سحائب المنن بمجرد الوهب، على العبد المؤمن الغير العالم، فيرتفع بها على اكُفّ الاحسان إلى بساط الكرم، قال الله تعالى : (( يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ )) فالمؤمن إذا حفه الفضل يرفعه إلى درجة التقوى، فيتحقق بها تحققاً كاملاً، ويعلمه الله، والعالم يرفعه ناهض الفضل إلى درجة الخشية، قال الله تعالى : (( إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء )) وثمَّ درجات أخر، تكون بمقتضى الوهب، نسكت عنها، لعدم القول بالحصر، فيما لا يقبل الحصر، ويستحيل فيه ذلك، وشأن العلم شأن عظيم، كيف لا، وهو طريق إلى حضرة تَلَقي خلعة محبة الله للعبد عليه فيها بشاهد ما جاء في الخبر عن الصادق الأمين الأبر - صلى الله عليه وسلم - أوحى الله إلى إبراهيم - يا إبراهيم إني عليم أحب كل عليم - فالعالم التقي، هو الذي يرجى له سانح الاحسان، بتحقيقه في درجة الخشية والشاهد (( وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ )) فحال التقوى يوصله إلى فهم حكمة العلم، بمحض الفضل ، وهناك يخشى الله، والمؤمن الذي يرجى له جاذب المدد الذي يرفعه إلى درجة التقوى، هو الذي إذا ذكر الله وجل قلبه، وإذا ذكِّر بالله وآياته، زادته الذكرى إيماناً، وصح توكله على ربه، وكان مقيماً للصلاة، منفقاً مما رزقه الله، قال الله تعالى : (( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً )) صدق الله العظيم , وهذا شاهدنا في ما قلناه والحمد لله.

يتبع إن شاء الله تعالى

الرفاعي
08-28-2015, 09:41 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
ــــــــــــــــ

وهذا شاهدنا في ما قلناه والحمد لله.


((( ومن هذا المقام )))

من طريق الحال انكشف لي والحمدلله استار الأسرار الخلقية، السماوية والأرضية، إلا من كان خصيصة لا تنال، ورتبة مزية لا تطال، وداخلني بعد، وأنا في حالي هذا، داخل من التجريد، أقام لي سير العزم على التوكل، بترك كلي لمحض التدبير الإلهي، فقيل من طارق منازلة ظهرت لي: المدبر الحقيقي هو الله، فاترك ضمن تدبيرك عين تدبيرك لتدبيره، وليكن لك في كل تدبيرك بما لا يشغلك عنه، ويكون لشغل فيه حال موافق لحال النبي صلى الله عليه وسلم، أما علمت أنه أُثني على رجل بخير، عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالوا يا رسول الله: كنا إذا ركبنا لا يزال يذكر الله حتى ينزل، وإذا نزلنا لا يزال يصلي حتى يركب، قال عليه الصلاة والسلام : فمن كان يكفيه علف بعيره، وإصلاح طعامه؟ قالوا: كلنا . قال : كلكم خير منه.

فمن هذه المنازلة، نزلت عن واردي الأول، وأخذت بفقهي، واخترت:

((( بيع رؤوس الغنم ))) (1)

أفعل ذلك، لكيلا أكون كًلاًّ على أحد، مع التوكل على الله، وانتظم الأمر، وقلت : هذا من قبيل البرهان اللمّي، فإنه عند أصحاب المعقول اشرف من البرهاب الانيّ، لأنه - أعني اللمّي - ينتج العلة المستلزمة للوجود، والانيّ ينتج الوجدود لا غير، وبيع رؤوس الغنم علة لوجود القناعة، التي تُلْزِم همة النفس الدنية القاصرة بالطمأنينة والسكون، فإذا اعتادت الطمأنينة والسكون، سلم القلب من قلقها، واشتغل بربه سبحانه وتعالى، ولا بد للقلب من معالجة صعبة مع النفس، فتارة يَغْلِب، وتارة يُغْلَب، فإذا استقام صار غالباً بإذن الله، وانمحت ثائرة النفس واضمحلت، وانطمس وجودها، وبقي الحكم للقلب، في مدينة الوجود، وإذا لم يستقم وأخذ قلبه بحكم اشتقاقه، فتقلب محارباً للنفس، وتارة مسالماً لها، على رأي القائل:

ربما عالج القوافي رجال = تلتوي تارة لهم وتلين

طاوعتهم عين وعين وعين = وعصاهم نون ونون ونون


فهو فاتر العزم، قاصر الملكة، وسهمه من قصده، بمقدار عزمه وجده:


بقدر الجد تكسب المعالي = ومن طلب العلا سهر الليالي


ومن ضم نفسه وصانها، وأراد الانتظام بسلك القوم فهو كاذب.


القوم وتر حزبهم في الورى = تنزه الوتر عن الشفع

ذي واو نرجو الف بعدها = وقالها الفرد بلا جمع

ولما ظهرت بالقرب من حمص للعين، بعد أن حجبها البعد عن النظر، قلت: سبحان الله ! هذا القرب الذي هو نتيجة الجد، والسير يوصل المرء إلى أمكنة جهلها فيعرفها، وسمع بها فيراها، وانفصل عنها فيتصل بها، وهذه الأمكنة، بعدها بعد مسافة، فيه صعود ونزول، وعلوٌّ وهبوط، ومطلوب أهل الحق بخلاف ذلك كله، بشاهد : ((وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ)). ((وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ)) لا يلزم لسالكهم إلا تمزيق حجاب الوجودات، وهناك يتصل بموجودها، وقد انتدب للدلالة، صاحب الرسالة، السر الأجمع، والبدر الألمع - صلى الله عليه وسلم - وقام بعده بنيابته العلماء بالله، أصحاب معرفة الله، وكلهم يقول هذا الحجاب زائل، وأنت أيها المحجوب به أيضاً زائل، وثبتت للعقل به الحقائق، بما لا يدافع من البراهين القاطعة، بموت الوالدان والأهل والخلاّن، فلا يعتبر المحجوب، وينتهض لتمزيق حجابه، ويمت بعضه، كضرس، وسن، واصبع، وطرف، وغير ذلك، وينفصل عنه فيبقى بعد هذا بوهدة محجوبيته، ويموت عنه بنومه كل يوم وليلة، ولا يأخذ من هذا سهم انتباه يدفع غينه، وينور عينه، وهنالك ضربت نفسي باسواط العِبرة، وتذكرت قول سيد الحكماء، وسند الأنبياء صلى عليه خالق الأشياء، لصاحبه الفاروق الأعظم رضي الله عنه، وعنا به ( كفى بالموت واعظاً يا عمر ) واستفضت منحة الاتعاظ من سحّاح بحر كرم سيد البشر:

وقلت لنفسي فالوجودات كلها = بعينيك فالبرهان محض زوالِ

الا فاقطع البهتان عنك فكلما = توهمت أن يبقى حضيض خيالِ

ولا توهني عزم الفؤاد وسيره = بقيل الخبط الكذوب وقالِ

وتوبي عن الأغيار فالحقُّ بيّنٌ = وموتي بباب الدائم المتعالي

فاحسن ما تُلفيه ان طمك الثرى = من العمل المقبول صالح حالِ


واستغرقني حال الفناء عن الأغيار بالله، وغلبتني والحمد لله همتي، فغبت عني، واعتصمت بحبل الله.

يتبع إن شاء الله تعالى

(1) فمن هذا اشتهر بالرواس رضي الله عنه

الرفاعي
08-28-2015, 09:42 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
ــــــــــــــــ

واستغرقني حال الفناء عن الأغيار بالله، وغلبتني والحمد لله همتي، فغبت عني، واعتصمت بحبل الله، ودخلت حمص، وما أنا بذي حضور، وهناك طرقني من بقعتها طارق نور، وانكشف لي حجابها، وفتحت أبوابها، ولم يبق من قبر فيه عبد مقرب، وصدِّيق محبَّب، إلا وشقَّ لي جداره، وارتفعت لي أستاره، وأُفيض لي من كل واحدٍ منهم، فيض قرَّت به عيني، وانطمس ببحت نوره سبج بيني، ثم اوصلة نسبيَّة، وعلاقة رحميَّة، قصدت باب سيف الله، وسيف رسوله - صلى الله عليه وسلم - سيدنا الأمير الخطير، الصاحب الكبير، ذي البأس الشديد، أبي سليمان خالد بن الوليد - رضي الله عنه - فلما صرت ببابه، استقبلتني قافلة استبشارٍ، تلمع بالنور من رحابه، وانكشف لي قبره الطاهر، عن رجلٍ طويل القامة، بين السمرة والبياض، وسيع الصدر، عظيم الهامة، أسود المقلتين، وسيعهما، كالحصن المشيد، عليه ثوب أبيض، فوقه جبة بيضاء، وسيعة الكمين، وعلى رأسه عمامة حجازية كبيرة، لها عذبة ضربت إلى نصف ظهره، وقد خالط شعر وجهه الشيب، كأنه الأسد المستفز، فتبسم ومد يده، فقبلتها أربعاً أو خمساً، وما كان إلا أن ضمني فقبلني، وقال انتهينا بعد حروب وجيعة، وكرّاتٍ سريعة , وضراب وطعان، وجراحات وكفاحات، وهنّ بيض، وغمزّ سمر، وترقب وظفر، وغوش وسكون، إلى مقعد صدقٍ عند مليكٍ مقتدر، مع حبيبنا محمد وآله وأصحابه، عليهم الصلاة والسلام كل ذلك وأنا بغيبتي، اسمع وأحس وارى وقلت في تلك الحضرة :

عجبت لرقة هذا الحجاب = يشيل الفؤاد النقيّ النقاب

فيظهر معنىً بهذا الخفا = وتبدو ملوك بهذا التراب

ولو دام هذا لشاهدت من = خفاه أخيّ العجيب العجاب

رقائق سرّ باحكامها = ثبوت ومحو وام الكتاب

فخلّ الجميع وطر للعلا = فهذا طريق الصواب الصواب

قد اختار رب العلا خالداً = لشق الحروب وطعن الحراب

وكم فلّ عقدة عتم الوغا = بسيف واين شروق الشهاب

وخاض عجاج المنايا ولم = يخف عجّ تلك المنايا الصعاب

وقد كان لله والمصطفى = بحال الذهاب وحال الإياب

أباد الجموع بصمصامه = وبالزان طعناً اذلَّ الرقاب

وأيّد دين الهدى صائلاً = كما صال في بِيدِه ليث غاب

تمس على الموت اردانه = وكان هناك المخاف المهاب

ردينيّه ردّ يوم الوغا = أسود الكفاح بحمر الثياب

وأصلت سيفاً نضاه القضا = لعز النبي ونصر الصحاب

تحكم من نحر أعدائه = وقد يقرع الأسدُ سخف الكلاب

توسد إذا زرت أعتابه = رحاباً ويا نعم ذاك الرحاب

ولازمه ركناً رفيع الذرى = أقام إلى الأفق بيض القباب

تسح أياديه طول المدى = لراجي المواهب سح السحاب

اتيناه في رحم سلسلت = بعيدة عهد به وانتساب

فقابلها ريّضاً بالرضا = واجزل بالفضل فصل الخطاب

واكرم والجود من طبعه = بفوق المرجّى وراق الشراب

وطاب الفؤاد وصح الوداد = وتم المراد وشيل الحجاب

عليه السلام بلا فاصل = يفيض بنور ليوم الحساب

ولا زال يمنح في غابه = أُهيل الخطاب كريم الجواب

ودام لهم بين أبوابه = دعاء بصدر العلا مستجاب

فانبسط لي الجناب الخالدي بحال جَمَعَ بقلبي سراً عظيماً.

يتبع إن شاء الله تعالى

الرفاعي
08-28-2015, 09:42 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
ــــــــــــــــ

فانبسط لي الجناب الخالدي بحال جَمَعَ بقلبي سراً عظيماً من أسرار صحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم مازج روحي أُخِذْتُ فيه مني، وغبت كما هو شأني بمثل تلك الواقعة عني، ثم شجاني وارد الإتصال فانبَسطْتُ بعد هيبة، وحضرت بعد فقد، وقلت أي سيدي : ما العجلة في أمر مالك؟ قال : الغيرة على النبي صلى الله عليه وسلم، وردّ زمعة النفس المستخفة على وجه صاحبها بالسيف، قلت : وما العجلة في أمر امرأته بعده؟ قال :لكسر نخوة نفسه ميتاً بشرط إكمال الغيرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت لعمرك هو أنت :

غيور على المختار لله خالص = ومجتهد في أمره ومصيب

تحدر كالموت الزؤام على الذي = تعدى وارضى الله وهو غضوب

الا ياابن عم المصطفى أنت سيد = له من شؤونات النبي نصيب

فانجلى عن بِشْرٍ عمني سروره، وغمرني نوره، وقلدني سيفاً طرازياً مضمراً، قمت به اختال زاهياً في تلك الساحة، ولازهو عتبة الغلام، وقلت : عليك الرضوان التام، وعلى مؤدبك ومرشدك أفضل الصلاة والسلام :

سمحت أبا سليمان التدلي = بسيف مثلما هو أنت سيف

فمثلك من يضاف لكل فضل = ومثلي معدم بحماك ضيف

فسيف الله لي سيف ومني = يطارح حزب أهل الحقد حيف

وبقيت أياماً وصِلاته تزيد، ومدده يَرِدُ بواردٍ جديد، وبعد تلك الأيام السعيدة، والاويقات الحميدة، استأذنت روحه الكريمة بالقيام إلى الله، والسير على بركة الله، فانجلت لي إذ ذاك حضرة منه أقبلت عليّ بصنوف برودٍ نوريه مسهّمة بمعانٍ ربانية هي من كل مَنْ توسَّد ثرى حمص من الصحابة والآل، والأولياء والأبطال، فحمدت الله وابتهجت بهمة السيد الجليل، والشهم النادر المثيل، وقلت : أي سيدي ما شأن يوم السم . بواقعة الحصن؟ فقال: طارق اعتصام بالله، وإيمان برسول الله صلى الله عليه وسلم، لو دفعت به الجبل لزال، والسِّماك لحال، طويته بقولي: بسم الله الرحمن الرحيم، بسم الله الذي لا يضر معه شيء . وشربته فلم يضرني، فقلت: فقلت وهل بذلك منك إذن، قال: نعم . على بركة الله تجمع قلبك وتقف منبتاً عن الاكوان، مع روح نبيك، وتنزع من غير الله اعتصامك، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وتفعل، قلت : هي لي وحسب ؟ فقال : لك ولمن اتبعك، وانتظم بسلكك، فانصرفت مغموراً بنعمه، رافلاً ببرود كرمه، أقول:

إن الكرام بريشهم لعبيدهم = يسمو لاكناف السماك جناح

أجسامهم تطوى ولكن لم تزل = تقضي وتمضي بعدها الأرواح

الله أيدها بحكمة أمره = يعطي ويمنع والنقول صحاح

وقلت :

يارُبَّ أجرد مفتول الذراع له = شبّات نار لواه خالد وفتك

ورُبَّ يوم به رد الجموع على = أعقابها ولأملاك الجموع ملك

ذو نخوة في مطاف الشمس قام لها = ضجيج عزم طريق الخارقات سلك

بسيفه وقتام الحرب مختبط = كم قد جلا من ظلام النائبات حلك

يستوقف البرق من فعّال همته = طور له يوم تحليق الصفوف درك

ياخالد العزم ياجداه عينك لي = فانني ياأمير القوم منك ولك

فمن بالتفاتة إليّ، وعطف بنظرة عليّ، وطرقت طريق حماه بين صحو ومحو، وغيبة وحضور، وبروز وطمس، وانسلاخ وامتزاج، أرى مشاهد تلك الديار مودّعة؛ وفجاجها بأنوار القبول متلمعة.

والأرض ترقص والسماء بسمكها = شيء يدل على خفيّ الحال

حتى ظهرت حماة ...........

يتبع إن شاء الله تعالى

الرفاعي
08-29-2015, 09:39 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

حتى ظهرت حماة بواد ما وصلت إليه وكل قدم نقلته، وسهم عين ألقيته، وشبر من الأرض قطعته، فيه لي من تحف الغيب برهان إلهي يظهر لي من الأسرار السماوية خفياً، ويلبسني من شفوف العناية الربانية زيّاً نورانياً.


كأني بهاتيك الشفوف إذا انجلت = لعين بصير كنز انواع انوار

أطوف بها بالله عبداً مؤيداً = عليه من الاحسان انوار آثار


وقد وصلت حماة وطفت بها، ومن حكم التجليين عجبت، فإن غلبة التجلي بحماة لنبي من أنبياء بني اسرائيل عليهم السلام، وفي حمص لسيدنا خالد رضي الله عنه . وآنست بحماة نور الأحمديين، فتبعت شوارق النور من خيوطها حتى وصلت إلى منابعها، ولم أُعلم بي احداً من أهل تلك الأماكن التي نبعت بالنور المحمدي، وعجبت من سلف عظيم، وخلف دون المرتبة، شغلتهم هموم دنياهم إلا من قَلَّ منهم، ومع ذلك ففيهم كلهم من بركة الإنكسار، والحال الأحمدي، والسخاء مع قلة ذات اليد، فزرت مقابر أسلافهم، ولله ما أعظم منازلهم، واكرم أطوارهم، وكم منهم من ذي شأن في الحضرة يقام له ويقعد، مثل السيد محيي الدين الحريري، والسيد عثمان الحوراني، والسيد أبي الوفا الحوراني، والسيد محمد السبسبي الغزالي، والسيد محمد العبيسي السبسبي قدس الله أرواحهم، فشارقة حال السيد محيي الدين شارقة محبة، وشارقة السيد عثمان شارقة اصطلام، وشارقة السيد أبي الوفا شارقة عرفان، وشارقة السيد محمد الغزالي السبسبي شارقة حال، وشارقة السيد محمد العبيسي شارقة جمال، ولكلٍ منهم خلعة صدق في مقام التدلي من طريق القبول في الحضرة عن يد الجناب الأحمدي أيّد الله مقامه، ورفع في الملك والملكوت اعلامه . آمين.

فاخذت بعد زيارتهم شمة القرابة منهم، وانتفعت بكلهم رضي الله عنهم، وزرت بعدهم الشيخ علوان بن عطية الهيتي الحداد، فرأيت شارقته شارقة مجاهدة عظيمة، وليٌّ في مجاهدته حال صادق، وذهبت أطوف بعد في أماكن الزيارات بها، فما من قبر فيه عبد له نفحة قرب إلا وانكشف لي حاله، وواصلني بالعناية على قدر حاله، والحمد لله، ثم طفت باعتاب النبي الاسرائيلي صاحب التجلي الغالب بحماة بعد أن استاذنت من روحه بذلك، فتكرم بالاذن، فالناس هناك يقولون اسمه حاموتا، فلما تمثلت بين يديه رأيت من قبره الكريم سرداباً إلى قبة في القدس، فعجبت لذلك، فقال هذا مقعد - يعني بحماة - وذاك مرقد، ونظرت شمائله المباركة بعين الاعتبار، فرأيته ربعة من القوم، اسمر اللون، على خده الأيمن شامه، بهيج المنظر لطيف الطالع، حسن المحيّا، يكاد يتدفق النور من جبينه، فقلت بعد أن صليت عليه، وقدمت ما يليق من طرائف التمثل بين يديه إليه، سيدي عليك الصلاة والسلام ما اسمك، فقال حمويتاء، من أحفاد نبي الله يعقوب عليهم السلام، فقلت :


قم بحملي مولاي حمويتاء = يا ابن قوم جميعهم انبياء

ياكريماً ابوه فحل كريم = بل جميعاً آباؤه كرماء

أنا عبد قد اثقلتني ذنوبي = ولأنتم بمثلنا رحماء

يا سراجاً من النبوة فيه = نور هدي ضاءت به الارجاء

بك اضحت حماة روضة قدس = لك في رحبها اليد البيضاء

لاذ من في اكنافها بك حقاً = ولهم من إحسانك استجداء

قمتَ في حضرة النبوة تجلى = شمس سرّ دارت بها الاولياء

منك هذا الحمى توشح بُرُداً = نيرات قد فج منها الضياء

جهل الغافلون مجلاك فيهم = وعجيب هذا الضحى والغطاء

أنت من سادة يؤول اليهم = كل خلق ما دامت الاشياء

انتم غرة الحقيقة فينا = واليكم كبَّارنا فقراء

سيدي بالذي حباك مقاماً = قام فيه قبل البروز العماء

داوِ دائي فضلاً برمشة عينٍ = طمَّ دائي وأنت أنت الدواء

هاقفول الاحباب لله سارت = ولحظي مطيتي هزلاء

أوهنتها مني حمول ثقال = قم بحملي مولاي حمويتاء



فشق رداء طارق هيبته وارد جمال منه عليه الصلاة والسلام اقعد الرحب بالبشرى وأقامه، واتحفني عليه سلام الله بخلعة القبول والكرامة وقمت من مشهده الكريم طافحاً ممتلئاً بالسرور بعد أن مسحت وجهي بجداره، وكحلت عيني بأثمد انواره، وانصرفت أمشي بحماة تحت راية حمايته مسترف (1) الرأس بِعَلَمِ رعايته.


واصبحت ضعيفاً في اريكة بابه = وضيف كرام الحي يحمى ويكرمُ

فقابلني بالبشر فضلاً وانني = اصلي عليه خالصاً واسلم



وبعد استئذان روحه السعيدة - طيب الله قلوبنا بنفحة همته السديدة - خرجت من حماة وعليَّ جلابيب العناية، وشفوف الكرامة والحماية، تحفني الواردات الغيبية بالفيوضات المتوالية، وتَمُدُّ إِليَّ من روضة القبول القطوف الدانية، حتى انتهيت إلى قرية :

((( الطيّبة ))

واستظليت بظل مشهد ينسب للأمير الكرار ابن عم المختار عليه صلوات الملك الجبار ............

يتبع إن شاء الله تعالى


( 1 ) وفي النسخة الحلبية: مشرف

الرفاعي
08-29-2015, 09:48 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

((( الطيّبة ))

واستظليت بظل مشهد ينسب للأمير الكرار ابن عم المختار عليه صلوات الملك الجبار . والحق انه من المشاهد الشريفة التي وضع فيها رأس سيدنا الامام السعيد الشهيد الحسين السبط عليه السلام يوم حمل من العراق إلى الشام، وفي ذلك المشهد مرقد رجل جليل من آل النبي صلى الله عليه وسلم حسيني النسب إسمه علي عليه من المهابة ونور الولاية ما يعظم عن الوصف انكشف لي مرقده الفرقدي عن رجل أسمر اللون، رقيق الجسم ، طويل القامة ، يكاد يفتتن به رائيه لحسنه وملاحته، فقلت له في حضرة شهودي : سيدي السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فاجاب بنص ما قلته، فقلت : على ساحتكم يتطفل، ومائدة كرمكم ممدودة، قل لي: ما اسمك ؟ وإلى أين ينتهي نسبك ؟ قال اسمي علي . وينتهي نسبي إلى الامام الحسين الشهيد سلام الله عليه، فقلت : أنبئني عن تاريخ وفاتك ؟ فقال سنة ثلاثمائة . قلت : هذا مشهدك ؟ قال : بل بني قبلُ فانه وضع هنا رأس سيدنا الحسين الشهيد عليه السلام ثم غلبني جمعي فقلت :


يا علياً من الحسين تدلى = حبله الطاهر الشريف السلالة

لك فرع بالطهر أُلْحِقَ اصلاً = ينتهي شأنه لبيت الرسالة

قد ملأت الحمى جمالاً ونوراً = وعليه ضربت خدر الجلالة

منك يا ابن روح تجلت = بحماها قطاعة وصالة

فأغثني بنظرة واكتنفني = بعدها بالانظار في كل حالة


فقام من رحبه الشريف وقعد بالبشر، وكساني خلعة نبوية الطراز فيها من المعاني الملكوتية نسيج جمال استغرق قلبي، وغلب لبي، فطبت بها فوق ما يُتصور، وشممت من نشرها نوافج المسك الاذفر، وقلت :


طيبة دار إمام الحمى = به وحقاً انها الطيبة


فانبسطت لي روحه، وعمني والحمد لله فتوحه، وبِتّ هناك ليلتي أتقلب على موائد كرمه، وتنصب عليَّ سحائب نعمه، وقمتُ صبح تلك الليلة تسبقني عوارفه، وتلمع فيَّ كالنجوم معارفه، قاصداً :

((( متكين )))

يتبع إن شاء الله تعالى

الرفاعي
08-30-2015, 01:18 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
__________

((( متكين )))

وهي قرية خربة، فيها قبر سلطان العارفين، بهجة الأقطاب المتمكنين، صياد أفئدة السالكين، قائدهم إلى حضرة القرب الأمين، مولانا الغوث السـيد الكبير الصياد أحمد عز الدين، رضي الله عنه وأرضاه، وبلغه النظر إلى وجهه الكريم كما يحبه ويرضاه فوصلت ذلك الرحب الانور، والمقام الأزهر، ودخلت من باب تلك الدائرة الباهرة، والساحة الزاهرة، فاختبط ذلك المقام الجليل بمعامع الجلال، واختلط بمطارقتها لوامع الجمال، ولمعت بوارق روح كانت كالسيف انسل من غمده، لا كالميت في لحده، فكدت لدهشة الجلال أن أسقط على الأرض، وكدت لما تبعها من بهجة الجمال أن آتـيه بشطحي وزهوي عن أداء الفرض، ورنت نوبة البشارة، ودنت رموزات الإشارة، وقام من غابة ذلك الليث الفتاكِ وفـدُ البركة مستقبلا، فما عرفت أنا الموفود عليه أم المستقبل إليه! وجذبني جاذب حنان الأبوة من أطواق أفنان البنوة، وسمعت من كل أطراف تلك الحضرة السهلة صوت: أهلا وسهلا . فطرت لهذا عـَجَلاً، وكنت أتخطى للهـيبة مهلا، وزجني نور القبول عند الوصول، فزجيت به، ووقفت بباب الحضرة وقوف الحاذق المنتبه، فارتفع السر الحجابي عن صندوق، انكشف عن سيدين، كعروسين على منصتين، أو ملكين على سريرين، ما أشبههما في وجه ذلك الرحب بالمقلتين الكحلتين، أو الدرتين المتوقدتين! إذا رأيت ثم رأيت شيخين عظيمين، أو غوثين جامعين، بل سيدين شريفين حسـيبين نسيبين، أو قمرين في برجين، أو سيفين أصلتا من غمدين، أو علمين على علمين، قرت بجمالهما العين، وزال البين من البين، ووقف العبد الواحد أمام الاثنين السيدين، ونشط عقال الهمة حضرة القلب حالة حلوله بالحضرتين، فأخذت في ذلك الموقف استكشف غطاء السريرين عن شمائل الإمامين فرأيتهما مثل مانقل عنهما، صحت الرواية وهي هي وثبت الخبر وهوَ هوَ. ومرقد السـيد الصياد، هو المرقد الشـرقي، ومرقد ولده السـيد صدر الدين علي، المرقد الغربي ( زيتونة لا شرقية ولا غربية )، بتولية، فاطمية، سبطية، محمدية، عابـدية، باقرية، جعفرية، كاظمية، مرتضوية، أحمدية، صديقية، أنصارية، أخذت شـرقا وغربا، وفعلت سلبا ووهبا، وطالت ولها أ ن تطاول في العرض والطول، واسترسلت وشأنها الاسترسال، فجدها الرسول صلى الله عليه وسلم، وتحدرت من الفلك الأطلس وهاتيك القباب، فأبرزت سابحة شعاعية فوق هذا التراب، مدها من حال أبي تراب، وضربت بخلخالها سـاق المجد، فتصدرت في طرفي تهامة ونجـد، واستقلت همة الطالعين في المطلعين، بكبكبة سلطان سانحة الإمام أبي العلمين، دوحة فنون الفتوة، المغلغلة بأفنان المروَّة، وصحائف أسرار الكتاب المتلوة، بغرف مدارس النبوة. وسبحان الله! حنا علي السـيد الكبير الصياد ( رضي الله عنه ) حنو فاقد على فقيد، ووالد على وليد، وكدت لما شارفني به من نظر الحنان أن أنطبع بعينه الكريمة، وان تتحد ذاتي - لما جاذبني به من شفاف الرأفة– بذاته العظيمة، فقلت:


تطوف بساحات القلوب عجائب = فلله من أسرار تلك العجائب

يقوم على بسط الخفا مثل حاضر = رفيع التدلي وهو ابعد غائب

ويفعل ما لا يفعل الحاضر الذي = رمته العلا عن قعس تلك المراتب

كأن شؤون الغيب حصرا جسامها = لآل علي من لؤي بن غالب

وفي الغر من آل الحسين فنونها = ومنصبهم فيها أعز المناصب

ومنهم بأبناء الرفاعي أودعت = طرائقها محفوفة بالمواهب

هم النفر الزهر الذين تسلقوا = بهمتهم هامات زهر الكواكب

وفيهم بنو الصياد أقمار بيتهم = ففي الشرق هم أعيانها والمغارب

أما هو هذا جدهم طلسم العبا = وكنز فهوم صينات المضارب

إمام على مضمار آثار جده = بشق الغبار اختار أعلى المذاهب

طوى قلبه آيات علم خفية = كثيرة فضل أعجزت كل حاسب

أعاجم أهل الحال طافت ببابه = وفاضت أيادي بره للأعارب

وسح على الأقوام وابل فيضه = أباعدهم في نهجهم والأقارب

مكين أمين صادق الوعد سيد = جليل عظيم الشأن عذب المشارب

أتيناه نستسقي نوال جنابه = ففاض وعم الفيض كل الجوانب


فلاطفني وتحنن علي ، وأجزل العناية وأحسن , ثم قال:.........

يتبع إن شاء الله تعالى

الرفاعي
08-30-2015, 09:58 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
__________


فلاطفني وتحنن علي، وأجزل العناية وأحسن، ثم قال: لا إله إلا الله، ها أنت الأشعث الأغبر، والمغيب في هذا البيت المنتظر! آن إبان تمهيدك، وجاء وقت بروزك بخلعة تقليدك . سـر للمقام المقدس طوى، اذهب إلى ربك، وكفى بالله وليا، عن أهلك وحزبك وعشيرتك وصحبك، وشهودك ومشهودك، وعينك ووجودك . اجعل التوكل على الله زادك، والالتجاء إليه اعتمادك؛ فإنه إن لم يسيرك لا سير لك ولا عزم، وإن لم يدبرك فلا تدبير لك ولا حزم . يا ضلال من كفره، واعتمد على سواه! لا إله إلا الله . فعجبت من افتتاح كلامه بكلمة التوحيد، واختتامه بها.

وقلت له: أي سيدي ـ سلام الله وتحياته عليك وعلى آبائك الطاهرين أجمعين، ما قصد جدك الإمام الأعظم الرفاعي ـ عطر الله مرقده ـ بقوله في بعض مجالسه : لو تكلمت السنة لفضحت أمة تدعي العمل بها وهي على البدعة؟.

فقال: يعني بلو الامتـناعية، عدم إمكان صيرورة المعاني أجساما تنطق؛ فإن السنة السنية معنى نطق به الحبيب العظيم، البر الكريم، الرؤوف الرحيم، فالحكم ظهر به، ولا جسم هناك ينطق، والحكم بيّـن، لكن تلبس بأهل السنة قوم وليسوا منهم، بل هم من أهل البدعة، فضربوا حجب زورهم على الأعين، وادعوا العمل بالسنة! وهناك لو كانت المعاني أجساما، والأحكام ألسنا ناطقة، لقالت بملء فيها: ما أنا كما يقولون، ولا ما يدعون! وهناك يفتضح أهل البدعة.

فقلت وما قصده من قوله أيضاً: أقل الناس لحوقاً بمرتبة وراثة متبوعيهم اتباع الاقطاب الكمّل المحمديين، والمحققين منهم المتمكنين لإنطوى أسرار البدايات ونشرها شيئاً فشيئاً، ولمزلقة رؤيا البداية مع جهل كامنها في مراتب النهاية.

فقال: يريد أن أتباع أولئك السادة ينتظمون بسـلك خدامهم في بدايتهم، وشأن بداية المحمدين الضعف، المطوية فيه القوة، والفقدان المطوي فيه الوجدان، والذل المطوي فيه العز، والانحطاط المطوي فيه الارتقاء، والمغلوبية المطوية فيها الغالبية، والوحدة المطوية فيها الكثرة، والتجاهل المطوي فيه العلم، والرد المطوي فيه السـعد، والهجرة المطوية فيها النصرة، والقطيعة المطوي فيها الوصل، والخوف المطوي فيه الأمن، والتكذيب المطوي فيه التصديق، مع حقائق تناقض عند منتقدها من المحجوبين، ورقائق تعارض نسبة آراء أولئك المنتـقدين، واختلاف شؤونات، وانحجاب حقائقهم المطويات.

فكلما تقدم المحمدي إلى كشف حقيقة قوة، شهد أهل الحجاب من أتباعه ضعفه البدائي فعجبوا! وكلما برزت بوجدانه، شهدوا فقدانه البدائي فاستغربوا! وكذلك كلما ظهر وصف مطوي من وصف بيـّن بدائي استعظموه! ورأوْا ذلك المحمدي بوصف البدائي المرئي إذ ذاك لهم. وما عرفوا لجهلهم أن هذه الأوصاف التي تبرز كانت مطوية في تلك الحـقائق البدائية، فيصرعهم نظرهم هـذا عن اللحوق بمرتبة الوراثة، وأين هـم منها؟! هم في بعد عنها.

وأما القليل من حزب أتباعهم، الذين امتلأت قلوبهم إيمانا بالله تعالى، وأيقنوا أن له أسرارا طواها بعباده، وامتاز بعنايته وعظائم أسراره المحمديين رضي الله عنهم، فهم إذا رأوا سرا مطويا برز على يد عبد محمدي، ولو بأسلوب رقيق، وطراز أنيق، أعظمته قلوبهم، فهابوا المحمدي، وترقبوا منه بروز أسرار كثيرة، وانجمعوا ظاهرا وباطنا عنده، وشارفوه بقلوبهم، لهـيبتهم إياه، فأولئك منهم وراث المرتبة بلا مين.

وأما من غاب عن حكم المرتبة بعوارض البداية أو السـير وما يطرأ عليه، فهو رفيق الحلس لا يبرح من مكانه، هذا إذا لم يسـقط.

ومثل الفريقين، كقوم نظروا رسول الله صلى الله عليه وسلم يتيم أبي طالب، مستأجر السيدة خديجة، وهلم جراً، وقوم نظروه سيف الله المصلت لإعلاء كلمة الله الذي طوى فيه تعالى قدرة منه، وأقامه برهانا ربانيا نائبا بأمره عنه.

فالفريق الأول منهم المحجوبون، بل والمنافقون، والفريق الثاني منهم الصديق الأكبر، والفاروق الأعظم، وذو النورين الأنور، والكرار الأزهر، ومن بعدهم، والكلمة واحدة، ونوبة النبوة المحمدية من جهة حكم السـر النبوي سارية، ورجال النبوة على ذلك القدم، وأتباعهم على نوعي الفريقين، والمشهد يرى عند أصحاب البصائر بتلك العين.

والمحجوبون لهم أعين، لكن لا يبصرون بها، ولهم، ولهمن ولكن لا يسمعون ولا يفقهون. ولدقة هذا المشهد الشريف، وكون طريقه صعبا ومزلقة قل رجاله، وأين رجاله؟ رجاله الأحرار، الذين ملكت همتهم كل أمل، ولم تصر مملوكة ولا لأمل واحد، سلام الله عليهم، ماضيهم وآتيهم، ورحمة الله وبركاته.

فقلت: وبأيّ علامة نعرف المحمدي الكامل؟

يتبع إن شاء الله تعالى

الرفاعي
08-30-2015, 10:09 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
___________________

فقلت: وبأيّ علامة نعرف المحمدي الكامل؟

قال: بعلامتين، التحقق باثر النبي صلى الله عليه وسلم وحسن اتبّاعه، والتمكن بحال النبي صلى الله عليه وسلم بشأنه وشأن أتْبَاعِهِ، قلت: الاولى ظاهرة، فما المقصود من العلامة الثانية؟ فقال: يتمكن المحمديّ من الحال النبوي بشأنه فلا يؤم منازل الشطح والإدلال والتجاوز انطماساً عن كل ذلك وظهوراً بالحال المبارك المحمدي، فلا يعلو ولا يغلو ولا يقول إلا الحق، ويكون كاتماً للأسرار بائحاً بما يوجب الإعتبار غائباً عن الأغيار حاضراً مع الأذكار كاسياً ببرود الذل والانكسار خائفاً من الله آناء الليل وأطراف النهار بين طريقي الرجاء والخوف منيباً لربه مقبلاً عليه تعالى بلسانه وقلبه أكله ما حضر، ولباسه ما ستر، وهو من مكر ربه على حذر، ان قام ذكرن وان قعد ذكر راضياً عن الله في السفر والحضر، والأمن والخطر، غيوراً لله، ولأوامر الله، ولرسول الله، ولسنة رسول الله، ولكل ما يؤول إلى الله، مع الحق، لا يعرف في الحق أباً ولا أُمّاً، ولا خالاً ولا عمّاً، قصده ربه، وشغله حبه، هذا حال المحمدي بشأن نفسه، وأما بشأن اتباعه فيوقفهم بحاله عن حدّ، لا يمكنهم بسببه الغلوّ بصاحبهم - أعني المحمدي - ولا الإفراط والإطراء به، فيقوم لهم بذلٍّ لله عظيم مع انكسار بحتٍ، وتمسك بالعروة الوثقى نازلاً عن نخوته متواضعاً، بل متضعاً، وهنالك كلما هَمّ القوم أن يجمحوا للغلوّ به والعلوّ بسببه أخجلهم حاله، فوقفوا عنده، ولك أن تعرف هذا من شأن اتباع سيدنا وسيد سادات الوجود محمد صلى الله عليه وسلم، ومن شأن اتباع سيدنا عيسى عليه الصلاة والسلام، فإن كل اتباع سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وقفوا بشأنه الكريم عند مرتبة العبدية مع معرفة ما له عند الله تعالى من خلاصة الخصوصية، والمنزلة العلية، واتباع عيسى عليه الصلاة والسلام جاء بعضهم وتفاقم الأمر فاطبقوا على إعلائه إلى منزلة الربوبية، ومرتبة الألوهية، وقس على هذا الشأن، فكل عبد مقرب، وولي محبّب، أطبق اتباعه على التغالي به، فزحزحوه عن منزلته، وطفوا به على مائدة الله، فما هو بمحمديّ كامل.


وكل عبد أنزله أتباعه منزلته المحدودة، ووقفوا به عندها، فهو المحمديّ الكامل.

هذا إذا نتج كلا النتيجتين عن حالي الرجلين.

فقلت: سلام الله عليك وعلى آبائك الطاهرين:.............

يتبع إن شاء الله تعالى

الرفاعي
08-31-2015, 03:02 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
___________________

فقلت: سلام الله عليك وعلى آبائك الطاهرين: ما هذه القوة التي نراها في أرواح العارفين، والصديقين والأنبياء، والمرسلين بعد موتهم؟ ها أنا معك أأخذ وأعطي، واخاطب وأجَاوَبُ وأقول ويقال لي، وكأن هذا التراب اليسير ما فعل شيئاً من الموانع عن مثل ما ذكرتُ، وكأن الموت ما غير هذه الاوصاف التي كلها من صفات الأحياء، والتي لو ذُكرت للمحجوب لردّها ولم يعتقدها، وكذّب قائلها، وظن أنها وساوس وأوهام، أو اضغاث أحلام، فاكفني عليك الرضوان والتحية همَّ نفسي بهذا الباب، وتداركني بمحض همة روحك الحاضرة بالجواب، المتضمن فصل الخطاب، فقال: هذه القوة في كل أرواح الأموات، ولكن الأحياء في حجاب عن ذلك، ولو أذن للأموات لخاطبوا وأجابوا.

قلت: يؤيد هذا قول كميل بن زياد رضي الله عنه خرجت مع عليّ ابن أبي طالب عليه السلام؛ فلما ان أشرف على المقبرة التفت اليها، فقال: يا أهل القبور، يا أهل البلى، يا أهل الوحشة، ما الخبر عندكم؟ فإن الخبر عندنا، قد قسمت الأموال، وإيتمت الأولاد، واستبدل بالأزواج، فهذا الخبر عندنا، فما الخبر عندكم؟ ثم التفت إليَّ فقال: يا كميل. لو أُذن لهم في الجواب لقالوا: إن خير الزاد التقوى.

ولنعد لما قاله الإمام الصياد وهذا لفظه: والذين تجردوا كل التجرد من الحجاب من الأحياء يخاطبهم الأموات، ويجيبونهم إذا خاطبوهم قلت: ووقع ذلك لعليّ عليه السلام، فإنه وقف على جبانة وقال: السلام عليكم دار قوم مؤمنين أما نساؤكم فنكحت، وأما أموالكم فقسمت، وأما دوركم فقد سُكنت، فهذا خبركم عندنا، فما خبرنا عندكم؟ فردّ عليه بعض الأموات قائلاً: الجلود تمزقت، والاحداق سالت، ما قدمنا لقينا، وما اكلنا ربحنا، وما خلفنا خسرنا.

ولما مات بشر بن البراء رضي الله عنه. وجدت عليه أمه وجداً شديداً، فأتت إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقالت يا رسول الله: لا يزال الهالك يهلك من بني سلمة، فهل يتعارف الموتى فأرسل إلى بشر السلام؟ فقال عليه الصلاة والسلام: نعم يا أم بشر. إنهم ليتعارفون كما يتعارف الطير في رؤوس الشجر، فكان لا يهلك هالك من بني سلمة، إلا جاءته أمّ بشر، فقالت: يا فلان عليك السلام، فيقول: وعليك، فتقول: اقرأ على بشر السلام.

شعر

سلام على أرواحهم إن شأنها = صحيح إشارات وكشف غطاء


ثم قال الصياد رضي الله عنه :...............

يتبع إن شاء الله تعالى

الرفاعي
08-31-2015, 03:47 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
___________________

ثم قال الصياد رضي الله عنه: وارجع بقولي هذا بعد علمك وشهودك إلى سنة نبيك الأمين، وسيرة أصحابه المرضيين، فالموقن يكفيه نص واحد، وألف نص لا يفيد المكابر المعاند، والتوفيق بيد الله تعالى .

أقول: سبحان الله! قلوب المكابرين المعاندين يرثى لها، لما فيها من غلظة الحجاب والقسوة الدافعة عن طريق الصواب، وما هي إلا جماد، أو أسمج من الجماد.

كنت في طريق الحجاز مع القافلة، فنزلت، وضرب أهل الخيام خيامهم، والشمس قد أثرت بي، فاستأذنت صاحب خيمة قريبة مني أن أتظلل بظل خيمته قليلا إلى أن تنكسر حدة الشمس، فأبى لفقري ورثة ثيابي، فدعوت له بالتوفيق ورجعت.

وإذا بشجرة غيلان من ذلك الجانب تقول لي وأنا أسمع: ما أقل حظ صاحب هذه الخيمة!

ما أبعده عن ربه! بالله عليك يا ولي الله. تعال شرفني باستظلالك عندي. فشكرت الله، وذهبت فجلست تحت الشجرة المذكورة وقلت:


يحنو الجماد على الولي وقلب من = طمسته أهوية الخيال جماد


ولا بدع، فالحياة سر إلهي يودعه الله في غير ذي حياة، فيصير إيداع الحياة به حيا، والحياة المستودعة حياة قلب، وحياة قالب.

فحياة القلب ترفع العبد حتى إلى مشـاهد القدس، وحياة القالب مثل مـا هي في الحيوانات، هي في الإنسان، لقيام وقعود وأكل وشرب وغير ذلك مما يتعلق بالقالب، ولحياة القلب شوارق، منها ما لو أفرغ على الجماد والحيوان الغير ناطق لتكلم بإذن الله تعالى.

وإن السعيد من جمع الله له بين الحياتين، والبعيد من أفرد بحياة القالب ولم يكن له من حياة القلب نصيب، وذلك النصيب الذي هو من جملة شوارق حياة القلب: إلقاء السمع، والشهود بعين الاعتبار لآثار الله في ملكه تعالى وملكوته. والواعظ القائم بالقلب إلى مقام التنزيه هو التذكير بالموت، قال تعالى : ((وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أشد منهم بطشا فنقبوا في البلاد هل من محيص. إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب)) أي حياة ترشد قلبه لتدبر الذكرى: ((أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها))، وكذلك من لم تكن له حياة قلبية فهو مقفول القلب، وعكسه حي القلب، فهو من أهل التدبر، ومن تدبر تذكر، ومن لم يكن من أهل المرتبة الأولى، وكان من القسم المنعوت بقوله تعالى: ((أو ألقى السمع وهو شهيد))، فهذا أيضا يتذكر، والذكرى تنفع المؤمنين، ومنها ((إذا ذكر الله وجلت قلوبهم))، ولهذا قال الله تعالى لنبيه: ((وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين)) وهنا يحل سر قول الإمام الصياد رضي الله عنه: الموقن يكفيه نص واحد. أي ليسكن قلبه، وألف نص لا يفيد عند المكابر المعاند. وكذلك قال الله تعالى لحبيبه ـ عليه الصلاة والسلام: ((فذكر إن نفعت الذكرى. سيذكر من يخشى. ويتجنبها الأشقى)). على أن الذكرى طارق من طوارق الحق، يفرغ له القلب الوجل الخائف من الله، الذي أخذته خشية الله من غلطته، فأنزله منازل المتقين المقربين، وإلا فأهل الشقاوة مجانبون لهذه المرتبة، متجنبون عنها، والعارفون كلما نهضت بهم العناية فرفعتهم في منازل المعرفة، وازدادوا قربان ازدادوا تدبرا وتفكرا بأسرار الله وآثاره، وإن الله مع المتقين.

وقلت لسيدي الإمام الصياد: - رضي الله عنه - بعد أن ختم كلامه الذي سبق سيدي عرفني ما أشرف السلوك عندكم معاشر الأحمديين؟ فقال: العلم والعمل فان من لم يكن عالماً بفقه دينه لا يقتدى به، ومن لم يكن عاملاً لا يؤتمن في طريق الله على حال أو مقام. قال تعالى: ((فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا اليهم لعلهم يحذرون)) فقد جعل تعالى علة الانذار التفقه، وبه يحصل الحذر، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( إذا اراد الله بعبد خيراً فقهه في الدين وألهمه رشده ) أي: ألهمه العمل بعلمه، حتى لا يسقط من عين الله، ويعدّ من الذين يقولون مالا يفعلون المرادين بخطاب ((أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم)) فأصل السلوك العلم بفقه الدين في الأحكام، والعمل بكل ذلك، ثم يتدرج السالك إلى الورع ومحاسبة النفس، والتوفيق من الله.

فقلت وهل ينبغي للمسلم طلب السلوك ؟

فقال : ..............

يتبع إن شاء الله تعالى

الرفاعي
08-31-2015, 04:26 PM
بسم الرحمن الرحيم
ـــــــــــــــــــــــ

فقلت: وهل ينبغي للمسلم طلب السلوك؟ فقال: من الأخبار النبوية (اطلبوا العلم ولو كان بالصين) وتعرف أن طلب العلم فريضة على المسلمين، والعلم بالأحكام فوقه العلم بالله. أريد بأسراره وشؤوناته وحِكَمِه وجليل عظمته وعزة قدرته .

فعلى المسلم أن يطلب علم الأحكام، ويشمر عن ساعد الجد لطلب العلم بالله، وهو لباب علم الأحكام، وإن كان منه، وهما واحد، لكن عينك منك وبها ترى، وكذلك عالم الأحكام، إن لم يكن من العلماء، فهو مع الاعتراف بوجوده كالأعمى، والعالم بالله كالمبصر، والعلم بالله من علم الأحكام، وهو عينها التي تضيء به، والناس يبعثون على ما ماتوا عليه، فالسالك إذا مات في طلب الله، جزاؤه اللقاء بلا ريب، وهذا فيه الكفاية عن قول.

قلت: جاء عن أبي الدرداء رضي الله عنه: أن الناس يبعثون على ما ماتوا عليه، يبعث العالم عالما، والجاهل جاهلا. وهذا يؤيد قول الإمام الصياد رضي الله عنه.

ثم قلت له: فإن عاق العبدَ عن طلب السلوك بعد انتظامه بسلك أهله عائقٌ من هم الدنيا مزعج: كفقر، أوغلبة دين، أو طارئ من طوارئ الأقدار ماذا يصنع؟.

فقال: تجب عليه الاستقامة، كسرت زند عليّ عليه السلام يوم أحد، فسقط اللواء من يده، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اجعلوها في يساره؛ فإنه صاحب اللواء في الدنيا والآخرة.

فقال عليّ عليه السلام: ما أصنع بالجبائر يا رسـول الله؟ فقال صلى الله عليه وسلم: امسح عليها .

وهذا كله سلوك، وقد طرأ على السالك المحمدي ـ أعني عليا سلام الله عليه - طارئ القدر بكسر زنده، فأعطيت لواءه ليساره، وبقي مستقيما على سلوكه، وناب المسـح على يمينه فوق الجبائر عن غسل اليمين بذاتها، فالعذر يقابل بما يناسبه، ولا يترك العمل، وبهذا يرجى الوصول إلى المقصود.

فقلت له: رأيت من طوائف الفقراء السالكين أناسا يقبلون الأرض أمام مشـايخهم، ويجلسون، ويفعلون فعل الساجد، وإن لم يكن السجود بعينه، ولكنه مثله، فهل يرد هذا فقه العارفين؟

قال: نعم، قال تعالى: ((لا تسـجدوا للشمس ولا للقمر واسـجدوا لله الذي خلقهن إن كنتم إياه تعبدون)) مُقَارَبَةُ فِعْلِ مُعَظِّمِ ذلك الشيخ كفعل الساجد لله تعالى أوجب رد فعله، وهو في فقه القوم خرقٌ، وعلامة جهل بالله تدل على بُعدِ الشيخ الذي يقبل من أتباعه مثل هذا.

بل وكل فعل وقول يجر إطراء بالشيخ فوق منزلته، فهو في فقهنا رد، وقبوله خرق، وعلى من كان يعبد الله أن لا يوهم بعمل من أعماله للمخلوقين طراز حال من أعمال العبادة التي هي لله تعالى، ومن لم يكن غيورا على سيده، فليس بعبد.

فقلت له رضي الله عنه: أنبئني سيدي عن واجبات السـلوك؟ فقال:..........

يتبع إن شاء الله تعالى

الرفاعي
08-31-2015, 04:44 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
___________________


فقلت له رضي الله عنه: أنبئني سيدي عن واجبات السـلوك؟ فقال: الاهتمام كل الاهتمام بالفرائض، وعدم الاشمئزاز في زوائد الأعمال، والإخلاص لله في العمل، والاستقامة على العمل وإن قل، واتباع هدي محمد صلى الله عليه وسلم في الفعل والقول، وحفظ الأحوال بالصدق، والخشية في كل ذلك، والغيرة لله تعالى، ولرسوله صلى الله عليه وسلم , والمحبة لكل من أحب الله ورسوله، تمسـكا بحبل الله ورسـوله، ومخالفة النفس إلا فيما يؤول إلى الله تعالى.

قلت: ما هذه الحضرة التي أنا معك فيها، وقد صرت بمثلها مع غيرك من أعزاء الباب؟

فقال: حضرة انكشـاف اسـتجلاها كشف، وقابله قبول أيده إطلاق قام به فتوح أورده كرم منت به يده الرحمة، وربك (يختص برحمته من يشاء).

قلت: كيف صلاة العارفين؟.

قال: فعلٌ يُؤدَى كما أُريدَ أن يُؤدَى، شروعه فيه العلم، والقيام به فيه الحياء، وأداؤه فيه التعظيم، والخروج منه فيه الخوف، والمقصود به وجه الله تعالى، والممتثل به أمر الله، والمصدق المكرم بتبليغه النبي المشكور صلى الله عليه وسلم.

قلت: وكيف ذكر العارفين؟.

قال: استغراق يقطع حبال الخواطر، وهواجس الإرادات، إلا عن المذكـور، وللمذكور.

قلت: وكيف يمكن ذلك؟

قال بأداء واجبه، وأنت كما ترى المذكــور، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (اعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك)

قلت: بأي شيء يعظم العبدُ عند الله تعالى؟

قال إذا عَلِمَ وعَمَلَ وَعَلَّمَ.

أقول روي عن عيسى بن مريم ـ عليهما السلام ـ أنه قال: (من علم وعمل وعلم , فذلك الذي يدعى في ملكوت السماوات عظيما).

قلت: بأي شيء يصح الرضا؟.

فقال: بصدق التسليم.

قلت: وكيف التوصل إليه؟

قال: بسلم (إنا لله وإنا إليه راجعون)

أقول: ما أحسـن هذا الجواب! ولا سـبيل للرأي على تفسير كلام الله تعالى، ومفهوم ملخص ما قيل في تفسير هذه الآية: نحن ملك لله وإليه نرجع، وليس لنا من شيء ولا في أنفسنا، وإذا كنا له في الأزل البحت، فإذن نحن له مقدورون ؛ لأنه أقامنا بلا نحن، بل بمجرد قدرته وإرادته، وإذا كان قيامنا في الأزل بإرادته وقدرته، ولا نقوم بعد بروزنا إلى سـاحة هذا الوجود إلا بعون منه وقدرة منه، وهو المقيم لنا والمقعد، والمحرك والمسـكن، وإليه منتهى سفرنا وغاية سيرنا، إذ نتيجة من يسير من عالم الأزل والوصول إلى عالم الأبد، وكلاهما له مخلوق ومملوك، فمن كانت هذه قيوده، ولا يملك وجود أمر يقوم به وجوده، فعليه أن يصـعد بهذه المراقي الاعتبارية إلى حق التسليم، وهو الرضا عن الله، والرضا بكل ما جاء من الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

ثم قلت لسيدي الإمام الصياد ـ رضي الله عنه وعنا به -: وبأي رياضة يرتاح القلب؟

قال:.............

يتبع إن شاء الله تعالى

الرفاعي
08-31-2015, 05:06 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
___________________

ثم قلت لسيدي الإمام الصياد ـ رضي الله عنه وعنا به -: وبأي رياضة يرتاح القلب؟

قال: بالذكر، والشاهد قول الله تعالى: (ألا بذكر الله تطمئن القلوب).

وانطوى هناك بساط الانكشاف، فاشتغلت بعد المفروض بوردي، وجمعت علي حالي، وأنا على هذا وإذا أنا بجماعة من أعراب الديار جاؤوا فزاروا، فأنست بصدقهم وحسن اعتقادهم، وعجـبت من جهلهم! فإنهم ذبحوا ذبيحتهمن ولطخوا حائط المقام المبارك بالدم، يريدون بذلك دوام ذكرهم في تلك الحضرة، فعرفتهم نجاسـة الدم ونهيتهم عن فعلهم، فامتثلوا وانصرفوا.

وحالة انصرافهم جاء رجل أخذتني هيبتهُ مني، حتى كدت أن أغيب عني، فسـلم وزار، وقال: السلام عليكم دار قوم مؤمنين. وَهَمْهَمَ بكلمات بعد قوله هذا ما فهمتها، ثم التفت إلي وقال: صاحب هذا القبر من ذرية النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قلت نعم. فقال أنت من ذريته؟ قلت: لا أشك بذلك.

فقال: كثيرا ما جلست معه في خلوته هذه أيام حياته.

قلت: وفاته كانت سنة سبعين وست مائة!

قال: نعم، ولنا معه أيام كالربيع كلها بهيجة، وهو من عباد الله الصالحين المقربين.

فحرت لذلك؟ ثم قال: كان هناك بالجانب الغربي له دار وغرف، وبيوت وجماعات، ولهذا الرواق خلاوي، وفيه أمة من الصالحين والسالكين، وكانت عادته الهجعة بعد العشاء ساعة أو ساعتين، والقيام إلى الضحى.

وله عبادات ومجاهداتن كان أعظم ورده تلاوة القرآن، هذا مع زهد وصدق، وكان من أحباب الله ومحبوبيه، وكان كثير الغيبة عن حضوره، والانطماس عن وجودهن وربما غاب في سجوده شهوراً ثم حضر، وهذا طور غريب، قل مثله.

وكان من المتمكنين في مقامه، السابحين في بحور العرفان المحمدي، تشرعاً وتحققاً بما ثبت وروده عن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، وكان كثير الشبه بجده سيد الصديقين في زمانه السيد أحمد الرفاعي عليه الرحمة و الرضوان.

وإني كذلك رأيته مراراً، ويا الله كم لي معه من خلوة، اسـتغرقنا فيها الوقت، لم يكن في زمنه من نظير في مقامه مع خشية من الله، وعلم بقدر رسـول الله صلى الله عليه وسلم، ونعم الجَدُّ ذلك الجَدُّ ! وتبسم قليلاً ثم سكت .

فاستوعبته بارقة نور حفت به من جهاته حتى زج بها، ثم سُرّي ذلك، فألقى الله تعالى رحمة بي في قلبي أنه الخضر عليه السلام، فقمت وقبلت يده وركبته، فبارك لي ورحب وقال: أنا هو الذي مر بخاطرك، هات يدك أصافحك كما صافحت جدك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقبض يدي وقبضت يده، ثم شابكني فشابكته وقال: هكذا صافحت وشابكت النبي صلى الله عليه وسلم، وبشرني بعدها بالجنة، وأن من يشابكني ويصافحني معنا في الجنة، وكذا إلى سبع. فحمدت الله، وصليت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكرت السـلام على الخضر صاحب الحضرة، والرضا عن صاحب المرقد السيد الصياد رضي الله عنه، وذكرت الصالحين.

ثم قلت : سيدي بايعني في طريق الله تعالى .

فقال: بايعتك على الزهد بالدنيا، والتأهب للأخرى، والعمل لله تعالى، والتمسـك بسـنة سـيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، والإكثار من ذكر الله تعالى، وهدم صومعة النفس بذكر الموت، ومحبة أهل الحق، وبغض أهل الباطل، والغيرة لله ولرسوله .

وإني آمرك أن تشـرب مشـرب جدك السـيد أحمد الرفاعي وتنشـر طريقته؛ فإنه ـ والله ـ شيخ المتقين، وسيد الصديقين، وإمام المتمكنين، وسلطان العارفين، ونائب جده النبي الأمين في زمانه، وطريقته الطريقة السمحاء الغراء المرضية طواها الزمان، وإن الأمة لفي حاجة لها ؛ فإن القلوب طمتها الغفلة، والنفوس اسـتفزتها الشـهوة، والخواطر أهاجتها النخوة، وطرق الصوفية خالطها أهل القسـوة، وشـيء من البدعة، وإن طريقة هذا السـيد الصديق الصالح بقيت وراء حجاب، وأخذ الميدان عامة، وأهل نفوس، وقوالون، ومتزحزحون من أهل القول بوحدة الوجود، والتجاوز عن الحدود، وهذا السيد نصر السنة، وأيد بطريقته الشريعة، فانشرها ـ بارك الله بك ـ، ولك ثواب المجاهد الصالح، وقد جاء في السنة : (لأن يهدي الله بك رجلا واحداً خير لك من حمر النعم).


فقلت: يظهر لي من بداية شأني أن حظي الخفاء، فهل فراستي وما ظهر لي صحيحة إشاراته؟

فقال:.............

يتبع إن شاء الله تعالى

الرفاعي
08-31-2015, 05:28 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
___________________

فقلت: يظهر لي من بداية شأني أن حظي الخفاء، فهل فراستي وما ظهر لي صحيحة إشاراته ؟ فقال ـ عليه السلام ـ نعم هذا حظك في طريق الله، ولكن أنت منبع يجري منه نهر كنهر النيل، يحي الأمصار والأقطار، فأنت مخفي ونهرك ظاهر.

قلت: دلني ـ سلام الله عليك ـ على هذا النهر الذي مثلته لي بالنيل؛ فإني أريد أن يتكرم الله علي بهذه النعمة، وأن يحسن لي بهذه العناية، وأين مثلي من مثلها؟!.

حظي قصـير ومـالي = سوى الخمول بضاعة

وليس لي من سـلوك = ولا صـلاح وطـاعة

هل يمكن الفيض يأتي = بداهة ابـن سـاعة ؟

_ _ _

فقال ـ سلام الله عليه ـ: سلوكك حسن، وطريقك مبارك، ومنهاجك شرعي، والفيض كما قلت بداهة ابن ساعة، قال الله تعالى: ((إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون)).

وسأدلك على مطلوبك، الوارث هو من بني عمك، بعد أن تنصرف من هنا من هذه القرية ـ وأشار إلى قرية في الطريق ـ هناك تراه، ولكن كن حاذقا، هو الآن صغير، وأنت لم تكمل أمرك في طريقة جدك، فازرع شارقة نور الاتصال بينك وبينه بقلبه طيا، وسينشر ـ إن شاء الله تعالى ـ إذا جاء إبانه، وآن زمانه، اسمه يوافق اسمك وكنيته توافق بمعناها وحسابها لقبك، والجامع بينكما النسـب، والشـأنن والحال، والأدب، والمشرب.

وجفر لي كلمات من الجفر العلوي الفاطمي، وتكرم علي - عليه السلام - بحل أسرارها بأسلوب رقيق فهمت منه المعاني الواضحة، والغوامض البينة التي سـتأتي في محلها إن شـاء الله تعالى . ودعا لي بالفتوح والبركة، وأمرني بحسـن الأدب مع السـيد الصـياد، وولده ضجيعه السيد صدر الدين علي، وابن عمه دفين الجامع السيد شرف الدين، والسيد عبد الرحمن شمس الدين، دفين القبة الشمالية في رواق متكين رضي الله عنهم أجمعين .

وقام وزار، ودخل إلى الجامع، فغاب عني سلام الله عليه، ثم رجعت إلى شـغلي ووردي وعبادة ربي، وجمعت علي حالي، وهناك ومد بسـاط الانكشاف بعد الطي، وانجلت الحضرة بعد الغيبة، وحصل الأنس بإعادة المشاهدة بعد وحشة الانحجاب، فوقفت أتملى بمشهد الأنس الأجمع، وطالع قمر الإرشاد الألمع، أعني سـيدي وسـندي وقرة عيني ووسـيلتي في أمر ربي، السـيد أحمد عز الدين الصياد رضي الله عنه.

وثنيت حكم الشهود بمقام القرب بالتملي بولده القطب الفرد الأعظم، والمرشد الناهج بطريق الله إلى الطريق الأقوم، سيدنا السيد صدر الدين علي رضي الله عنه.

ومن المعلوم أن نسبتنا تنتهي إليه، وعصابتنا تعول في سلسلة مجدنا عليه، فحدق بصره المبارك إلي، وعطف بعين عنايته علي، وقال: أوصيك بثلاث:

صن من لم يصنها، وفرغ قلبك منها، وأعرض عن من لم يعرض عنها، وليكن كل ذلك لله تعالى .

ثم قال: وعرج في طريق سيرك إلى باب المرشد الوسط الدعامة الكبرى في السلسـلة، أبي العلمين رضي الله عنه، وخذ من هذه الروح الطاهرة نفحة الفيض، فإن روحه ـ وأنعم بها! ـ لهي الروح الفعالة بإذن الله تعالى.

وهناك وقد تذكرت روحي قول سيدنا ومولانا السيد سراج الدين الرفاعي المخزومي، قدس الله روحه وأفاض علينا من فتوحه:


ما ازورت الأحــداق للزوراء=إلا وطاحت في ثـرى البطحاءِ

وتمرغـت بحـضيرة قدسـية=ركزت بهام الشمس خير لواءِ

قل للمعـرج نحو منعرج اللوى=يبغي العروج إلى أبي العرجاءِ

هاك احذ أخفاف المطي بمهجتي=فعسـى تمس ترابه أحشـائي

وانزل بقلبي في أريكة بابــه=مأوى العفاة وموطن الضعفاءِ

لله من علــم بحـور علومــه=أهـدت سـحاب الفضل للعلماءِ

وإمـام هدي طــاف في أعتـابه=يبغي الفتـوح أئمـة النجبـاءِ

ناهـيك من حكـم له رقـت وفي=المضمار منها حـيرة الحكـماءِ

سـبحت قلوب العارفـين ببحره=ومضت تخوض به بلا استقصاءِ

يا نعم بحـر لج من نور الهدى=لا كالملـجلـج من أجاج المـاءِ

كشف النقاب عن الغوامض بعدما=أعلا جدار الســنة السـمحاءِ

وحمى طريق المصطفـى بطريقة=محفـوظة من لمـة الأهـواءِ

لا الشـطح يرفع أهلها عن حدهم=يومــا ولا يغـلون بالأسـماءِ

وفَّى أبوالعباس يوم وفا بها=عهد الأئمة من بني الزهراءِ

كالليث عزماً والهلال مكانة=والشمس تمحو آية الظلماءِ

ربَّى بها زمراً من البيض الأولى=كلٌّ كبدرٍ في سماك سماءِ

مثل الملوك على الأسرة أو لدى=الأعداء كالآساد في الهيجاءِ

من كل أشعث أغبر ابتهجت به=روح النبيّ وبنته العذراءِ

قامت دواوين الشؤون بهم على=نسق الوصيّ وآله العظماءِ

أنعم بخير مجدد للدين قد=أحيا نظام الشرعة الغراءِ

بمناقبٍ كالمعجزات عظيمة=موروثة من سيد الشفعاءِ

خبر بأرض الأبرقين مؤكد=نسج الوثيقة باليد البيضاءِ

ومآثر ما الزُهر إلا دونها=كالفجر في الغبراء والخضراءِ

سقيا لعهد أبٍ بأم عبيدةٍ=عبد علا عن وهدة الإطراءِ

أبناؤه الآباء في رتب العلا=والفخر للآباء والأبناءِ

رحب الرحاب مبارك الوجه امرؤ=فذٌّ بلا سكر ولا استعلاءِ

والجوهر الفرد المقدس طوره=عن مشهد الأشباه والنظراءِ

خطبته راغبة العلا فأبى السوى=فأتت له تمشي على استحياءِ

كُفْوٌ لها هو عن أبيه وجده=وإلى عليٍّ هم أولوا العلياءِ

يجلو طلوع الشمس برج جبينه=وعليه دور عمامة سوداءِ

ويقوم كالكرَّار في كرسيّه=ولديه خرسٌ ألْسن الخطباءِ

ويبز دراً من كلام كل حر=ف منه عقد يتيمة عصماءِ

هي روحه الفعالة القطاعة=الوصالة الضعفاء والفقراءِ

هو من رأى الأتباع سحَّ يمينه=ما شأن من سمع الحديث كرائي

وهو الرفاعيُّ الإمام ومن به=نستقبس اللمعات من سيناءِ

لا زال روح القدس ينفث روعها=بعد النبي له بسيل رضاءِ

ويمده بمواهب قدسية=نبوية الأسرار والآلاءِ

وقمت بعد بوارد حالي إلى.................

يتبع إن شاء الله تعالى

الرفاعي
09-01-2015, 01:58 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
___________________

وقمت بعد بوارد حالي إلى حضرة السيد الشريف شرف الدين أبي بكر، وضجيعه السيد عبدالسميع رضي الله عنهما، فرأيت السيد الشريف شرف الدين أسمر اللون ربعة مائلاً إلى السمن حسن المحيا، والسيد عبد السميع طويل القامة أبيض اللون أصلع الرأس فيه شيب قليل، وعليه جلال، فنظر كلاهما إليّ نظر القبول، وعمتني من لدهما العناية، وقمت موقور الرحل من بركاتهما إلى حضرة السيد عبدالرحمن شمس الدين رضي الله عنه، فرأيته بين السمرة والبياض أسود شعر اللحية ضيّىء الجبهة كأنه من قدماء رجال الحجاز، فحنا حنو الأبوة عليّ، ووجّه نظر الكرم إليّ، وتكلم بإحدى وعشرين كلمة جفرية من بدايع كلمات الإمام الوصي أمير المؤمنين عليّ الوفيّ رضي الله عنه وعليه السلام، وتفضل بحلها، ففهمت القصد منها، والحمد لله رب العالمين.

ورأيت في حضرته من نور الوارد الرحموتي شأناً عجيباً، ومن غرائب الأسرار الإلهية ان السيد وولده الصدر من الأغواث، والسيد عبدالسميع، والسيد عبدالرحمن شمس الدين من المحاذين مرتبة، ومن أصحاب خلعة الغوثية وصفاً ومنزلة، ولذلك يرى العارف صاحب البصيرة في ذلك الرواق من الحال المحمدي والبركة الجامعة، والجلال الباهر ما يندهش له لبه.

رواق متكين به هيبة=تلمع في الحضرة والجامع

نرتع ما بين محاذٍ به=مُخّلَّعٍ أو قائم جامع

وفي فجر تلك الليلة، وهي الليلة الثالثة، وأنا في إيوان الحضرة، وإذا بأصحاب الدائرة ورجال الوقت والقطب الغوث صاحب الزمان ـ رضي الله عنهم أجمعين ـ وقد حضروا وعقدوا بعد الزيارة بالأدب والخشوع والخضوع مجلسهم هناك داخل الحضرة الصيادية، وقال صاحبي الغوث الجامع ـ سلام الله عليه ـ وهو الذي رأيته بمصر في الأزهر وقد ذكرت الواقعة: قف يا بهاء الدين ـ يعني هذا العبد الضعيف ـ وراء هذا الباب، اسمع كلام أهل الديوان لتتمرن على عادتهم.

فوقفت، فبدأوا بقراءة الفاتحة، وذكروا الله تعالى، وصلوا على النبي صلى الله عليه وسلم ، وقام منهم قائم ذكر سلسلة الأغواث العظام من عهد النبي ـ عليه الصـلاة والسلام ـ، إلى صاحب الوقت، وقرأوا الفاتحة.

وألقى الخطاب عليهم الغوث من مقامه، فارتعدت فرائصهم هيبة له، ثم سكن حالهم، فخاطبهم من حاله فنشطوا، ثم خاطبهم من مقاماتهم فتمكنوا، ثم خاطبهم من أحوالهم فارتاحوا، ومروا على حوادث الأكوان كليها وجزئيها، وبارك الله بوقتهم، وذكروني هناك خمسة وعشرين مرة، وذكروا هناك أيضا من ينوب عني في مرتبتي من مقام الظهور في مشهد الحكمة من مطارقات الزمان فقالوا: هذا الأشعث الأغبر، الغريب الخفي الظاهر، الواقف وراء الباب: هو صـاحب نوبة التجديد في الشـرع المحمدي والطريق الأحمدي، ولكن نبعة حـاله تتـفجر من قلبه فتظـهر على يد ولسـان نائبه محمد بن حسن بن علي بن خزام، أحد أغصان هذا البيت في خان شيخون أصل وفرع.

فحمت الله تعالى، وبعد إتمام جلستهم الشريفة في مجلسهم الأنور قاموا للصلاة فصلوا، وصليت معهم، وخلعوا علي بعد الصلاة كل واحد منهم على قدر حاله، فأخذت الحصة الكبرى من مددهم .

وقلت للغوث ـ سلام الله عليه ـ: سيدي، هل لكم وقت معين تجيئون به إلى هذه البقعة السعيدة؟ فقال: لنا أربع ليال في السنة، نعقد بها ديوان الحضرة في هذه الحضيرة الجليلة، إعظاما لشأن ساكنها وأولاده المدفونين بهذا الرواق النير، فقبلت يده، وقاموا وانصرفوا .

فتوجهت بكلي للمرقد الزاهر..................

يتبع إن شاء الله تعالى

الرفاعي
09-01-2015, 02:07 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
___________________

فتوجهت بكلي للمرقد الزاهر ، فانكشف لي الغطاء عن صاحب الجناب الصيادي،

فقال لي رضي الله عنه :

أتدري ما السماحة ؟ قلت : لا .

قال : جودك بالشيء عن قلّة .

ثم قال : وما الصدق ؟ قلت : لا أدري .

قال : إطمئنانك له في الشدة أكثر من زمن الرخاء .

ثم قال : وما المريدية ؟ قلت : لا أدري .

قال : التجرد أمام المشيخة من الإرادة .

ثم قال : وما الوفاء ؟ قلت : لا أدري .

قال : انبساط القلب للمبالغة بأداء ما وجب .

ثم قال : وما المحبة ؟ قلت : لا أدري .

قال : عمى العين عن غير المحبوب واسقاط ما سواه من القلب .

ثم قال : وما التصوف ؟ قلت : لا أدري .

قال : التصافي من كل ذميمة ، والتحلي بعدها بكل كريمة .

ثم قال : وما العلم ؟ قلت : لا أدري .

قال : الوقوف عند الحكم وردّ غيره .

ثم قال : وما العرفان ؟ قلت : لا أدري .

قال : التسلق إلى كشف رموزات المعاني بلسان طلق ، وفهم غير ممنوع عن الحقيقة .

ثم قال : وما الرضا ؟ قلت : لا أدري .

قال : استلذاذ كل ما يجيء منه تعالى .

ثم قال ما الانابة ؟ قلت : لا أدري .

قال : نهزة ركب الهمة عن الأكوان إليه تعالى بلا رجوع عنه .

ثم قال : وما البيعة ؟ قلت : لا أدري .

قال : الارتباط بالحبل المتين على شرط عدم الانفكاك عنه إلى يوم اللقا .

ثم قال : وما الذكر ؟ قلت : لا أدري .

قال : شهود المذكور من حيث عظمته، واضمحلالك بذكره .

ثم قال : وما العشق ؟ قلت : لا أدري .

قال : القلق المتواصل .

ثم قال : وما الاشارة ؟ قلت : لا أدري .

قال : سقوط نكنة في القلب تدل على معنىً مقبول .

ثم قال : وما الرمز ؟ قلت : لا أدري .

قال : اضمار سرٍّ في جملة ، أو إبطان حال في عزيمة .

ثم قال : ومن الشيخ ؟ قلت : لا أدري .

قال : ربّ حال مسعف أو قالٍ مشرّف ، أو جمع بين الأمرين العائدين إلى الله .

ثم قال : ومن السالك ؟ قلت : لا أدري .

قال : من انسلك في الزاهدين ، وانقطع عن حظوظاته ، وهرع بكليته إلى الله .

ثم قال : ومن العارف ؟ قلت : لا أدري .

قال من استصغر نفسه فمحاها , وتحقق بطلب ربه .

ثم قال : ومن الزاهد ؟ قلت : لا أدري .

قال : من لم ينس الموت .

ثم قال : وأين السعادة ؟ قلت : لا أدري .

قال : بتوفيق الله تعالى .

ثم قال : وما التوفيق ؟ قلت : لا أدري .

قال : أن يقيّد عبده بما فيه رضاه .

ووقع هناك انحجاب ، وبعد يسير حصل انكشاف ..................

يتبع إن شاء الله تعالى

الرفاعي
09-01-2015, 02:20 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
ــــــــــــــــ

ووقع هناك انحجاب، وبعد يسير حصل انكشاف، فقال سيدنا صدرالدين عليّ رضي الله عنه: مُرّ من هنا بصاحبي وخليفتي السيد محمد بن قضيب البان، ودَلَّني على مشهده بالقرب من متكين بالجانب الغربي الشمالي منها، فبعد أن قضيت وطري من ملازمة العتبة الصيادية استأذنت روحه الشريفة بالذهاب، فنهضني منه وارد رفعني في مرتبتي شهوداً عشرين درجة، وأفاض عليَّ فيضاً استحكمت فيه الاستعداد التام للمقام، وأُلقيت عليَّ الخلع النورانية منه ومن ولده الصدر الجليل ومن بقية سكان الرواق رضي الله عنهم، واستغرقت جمعي فيه رضي الله عنه عند إرادتي الانصراف، حتى غبت عن فرقي في منزلة الإستفاضة الشهودية، وأنا بتلك الحالة، وإذا أنا بالخضر عليه السلام، فقال السلام عليكم أهل البيت، فحضرت من جمعي، وانتهضت من حالي وقلت وعليكم السلام أهل حضرة الحق، فقال: ابشرك ان الله فتح عليك، وفتح لك باب الاستئناس به، وأيدك بروح منه، وسينشر الله تعالى طريقة عبده ووليه السيد أحمد الرفاعي - طيب الله روحه - بك وبأهل نيابتك، ويعلي أمرك، ويرفع في الملأ الأعلى ذكرك، ويشرح بنور القرب صدرك، ويبلغ صيتك في طريق الله الشرق والغرب، ويفتح الله لمتبعيك أقفال القلوب، ويقيم لك منبراً في حضرة الكمال، ولا يخزي من تمسك بك، ويديم عليك وعلى محبيك ووارثيك ومريديك الستر والبركة والعناية، وها أنت ونائبك العين بالعين، والخبز من العجين ؛ إنه مجتمّاً من ماء واحد وطين، كأني بك وقد لبست بردة الغوثية، وترقيت فيها عنها تقوم في خفائك كنزاً مطلسماً ينبجس منك ذلك النور الظاهر بنائبك على منصة الظهور بطريقة الله تعالى، والله وليك، وكفى بالله وليَّاً وحده ((أليس بكاف عبده)) ثم قال: افتح فمك، ففتحت فمي، فنفخ فيه نفخة جاءت من روح الله بروحٍ جمعتني في حضرتي على مقام التجريد خلعة، وانصرف عليه السلام، فطبت بحالي ولزمت وقتي، حتى انقطعت عن غيابي في ذوقي، وبرَزَتْ لي من الحضرة الصيادية بارقة الاذن، فوقفت في باب المشهد وقلت:


من رحب متكين إسرائي على عجل=فيه الدليل على تحقيق آمالي

طابت معارج روحي مذ أخذت يداً=من صاحب الرحب أحيا حالها حالي

فأينما كنت فيضي من حضيرته=وفي أريكته القعساء اثقالي

طريقة الجد والتمكين منصرفاً=عن البرية في حط وترحال

طريق حق أبوالعباس وطَّدَهُ=للسالكين فسيري فيه أولى لي


وختمت بالفاتحة وانصرفتُ متوكلاً على الله تعالى، وقصدت مشهد ابن قضيب البان، فلما دخلت المشهد رأيت نوراً ساطعاً كشف لي فيه عن الشيخ فإذا أبيض كوسج وسيع العينين لامع الوجه، فأخذت منه حظي، وأدركت من بركته حالاً من مقامه فحمدت الله تعالى، فقال: من هنا إلى المقام اليونسي بـ ( جب السقا ) وقبله إنزل بمشهد رأس الإمام الحسين السبط عليه السلام، فمرَّيت بالمشهد الحسينيّ، فرأيت الأنوار القدسية تختبط اختباطاً يكاد يخطف بالأبصار، فحفتني ولربي الشكر تلك الأنوار، وألقيت عليَّ خلعة عرفانية ملحقة بالمقام من روح سيدنا الإمام الشهيد عليه السلام نهضت في تلك الحضرة بي فرفعتني أربعين درجة، وطارقني هناك منازلة في مطوي أسرار (( أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ )) فقال لي هاتف الحق لا خوف عليهم في الآخرة، ولا هم يحزنون لفراق هذه الدنيا طمعاً بالنظر إلى وجه الله الكريم، وفهمت أن وقوع هذه المنازلة كان من بركة روح الشهيد السبط الحسين عليه السلام فقلت:


أسبط رسول الله ما أنت خائف=إذا خاف أقوام وراعهم الفزع

ولا أنت من فقد الوجود بجازعٍ=وأين على الباقي بمولاه من جزع

وسرت من المشهد الأسعد إلى

((( جب السقا )))

يتبع إن شاء الله تعالى

الرفاعي
09-01-2015, 10:37 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
ــــــــــــــــ

((( جب السقا )))


إلى مقام نبي الله يونس عليه الصلاة والسلام، وعجيب! فإن هناك قبر السيد الشيخ يونس الصيادي الكفرطابي رضي الله عنه، فدخلت ونفحتني نوافج القبول، وزجيت بالأنوار، وطفقت أرفل بعجائب الأسرار وقلت:

باليونسين فتحت الباب ملتجئاً = إلى رحاب نبي حل فيه ولي

ولي ببابهما بالإزدلاف إلى = ركنيهما حسن صدق لا يزال ولي

وهناك: وتجلت لي الروح الطاهرة اليونسية، وشملتني نفحاتها الانسية، وبرز لي والفضل لله تعالى، هيكل القالب اليونسي بثياب بيض، وقد سهم تلك الثياب النور، ووجه ذلك الجناب كالبدر المنير، وكأنه في عشر السبعين، وقد نازلت الأنور لمعات جلال معها سبحات الجمال، فوقفت أمام كرسي سلطان نبوته، وقمت مقام العبد المستجدي وبه قلت:


حُوت الهموم قد ابتلع = عبداً أضر به الهلع

وإليك جاء مغاضباً = من همه ولك انقطع

يا يونس الركب الذي = بدر السعود به طلع

لا تنس عبدك واحمه = بشفعة تمحو الجزع

وأعنه بالانس المزيــ = ــل بنوره ظُلَم الفزع


فانبسط لي الجناب الجليل اليونسي، فقلت: الصلاة والسلام والتحية عليك يا نبي الله ما السر في قوله تعالى بشأنك ((فظن أن لن نقدر عليه))؟ فقال: لما شارف قلبي من الإرتياح بمحبوبيتي عند ربي، حتى أخذني ذلك لاستحالة صدمة القدر بشأني، فأراد تعالى ارشاد همتي بالرجوع إليه مع التحقق في المقام الأول، فناديتُ بعد التقام الحوت، وأنا في مهد المحبوبية محواً عن شهود رتبتها ((لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين)) فتفضل بالنجاة، وكذلك يمن عوناً منه وعناية بها على كل مؤمن يقف ببابه مع الإطمئنان به خائفاً منه، فإن شهود الإطمئنان مُطمِع، وشهود الخوف مجزع، والأمر بين الشهودين.

فقلت: وهل هنا محل دفن هذا الوجود الأنور؟

قال: هنا بقعة ينبجس منها ماء شهود هذا الوجود.

قلت: وعلى هذا فمحل الدفن بنينوى، فقال: هناك وهنا دار واحدة من حكم تيارها البرزخي، وهناك محل الدفن، فقلت: وهل لزائر هذا المقام من البركة كما لزائر ذلك المقام؟ فقال: إن صح القصد فالبركة واحدة، والمشهد واحد. ثم عم النور، وغلبني الجلال، وأدهشني منه وارد الحال، حتى انسلخت بالكلية عني، وسرى حال ذلك الشهود مع إلقاء خلعة يونسية مطرزة بالاذن الجامع بقراءة ((لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين)) مائة وتسعاً وثلاثين مرة لتفريج كل كربة، فحمدت الله، وإني أذنت بها لكل مسلم ومسلمة حباً برسول الله صلى الله عليه وسلم ناصا على قراءة الفاتحة مرة للنبي صلى الله عليه وسلم، ومرة لنبي الله يونس عليه الصلاة والسلام قبل التلاوة وبعدها.

ومشيت من هناك تحملني نجائب السعادة، وتخفق أمامي ألوية الرعاية إلى قرية:

((( خان شيخون )))

يتبع إن شاء الله تعالى

الرفاعي
09-01-2015, 01:23 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
ــــــــــــــــ

(( خان شيخون ))

أتطلع شهود الرمز المضمر، والسرّ المكنون، فوصلت ودخلت جامع القرية وقت الضحى، وأنا على استشراف المقصود، وبعد أداء صلاة التحية في المسجد، قمت أمشي في أطراف الجامع، وإذا أنا بصبي يمشي، فدنا مني وسـلم علي وقال: ما تتفضل إلى بيتنا تأكل الطعام وتنام الليلة عندنا؟.

فشخصت إليه، وتعجبت من سر الله المطوي فيه وسرت معه إلى دارهم، وهناك قلت:



يا طينة وحّدت في الغيب نسبتنا=إلى خـزام ومنه ارفع إلى الهـادي

آنست منك بهذا اليوم نور هدى=كنار موسى انجلت من شاطئ الوادي

يممتـه ولـوعـد الله بارقـة=تجـول في كنـه إضـمار وأرصـاد

جاء الزمان الذي كنا نهـيم له=قدمـا علـى إثر آبــاء وأجــداد

وسامح الدهر بالمقصود وانبلجت=شمس الظهور لنا من غير ميعاد



وقعدت هناك أحل الرموزات المطلسمة، وأستخرج مضامين الأسرار المكتمة. سبحان الله! (قال سيدنا ومولانا الغوث الأكبر أبو العلمين رضي الله عنه في مشجرته الرابعة): (سيحجب شمس هذا الظهور الروحي، غيهب من غياهب الزمان، فتقفر القاع، وتتفرق الأتباع، وتنصرم الأشياع، وتغير الرسوم، ويستغرب المفهوم، ولا يبقى من هذا الشأن إلا اسمه، ولا من هذا البنيان إلا رسمه. فيقوم قائمنا، وتبدو به علائمنا، ألا وهو البدوي الطراز، المحمدي الكنز، نائب فتانا الأشعث الأغبر، علينا وعليه السلام والرحمة).

قال كاتبه: وهنا أسرار إلهية طويت بحكم الزمان ورعاية للأذهانن وهنا بقي محلها بياضا إلى زمانها وإبانها. ويا نعم الأويقات التي جمعتنا بعد بُعد، ووجدت لنا بعد فقد!.



محـمـد محـمـد محـمـد=زها به عقد الهوى المنضد

من حسـن إلى الحسين وعلي=سلسلة الوصول فيهم تنجلي

بيت مشيد الركن من عهد الأزل=بفرعه للأصـل تحقيق الأمل

مؤيـد الأمـر بأمـر اللــه=والأمــر جـل ربنـا للـه

هذا الـذي نرقبـه بسـرنـا=موسى طوى المجلا لنشر نشرنا

محـمدي الحــال والعصابة=كذاك قال الخضـر النسـابة


وهنا نكات محمدية , لزم الســكوت عنها ـ أيضا ـ لحكمة اقتضاها المقام والحال .................................................. ..........................................

ومن تحف الغيب: أب له فانٍ؛ فيه من حال العناية حالاً جمع طوراً؛ فيه شأن باهر السرّ؛ ظاهر العناية، وله قلب كبير تؤثر بارقة جمعه ولو بعد حين، ولا تُردّ له في الديوان عزيمة ولو تأخرت، وإنه لمن المحبوبين المقبولبن في باب جده رسول الله صلى الله عليه وسلم وطريقه من المقام التجريد، وحاله الصعود، وشيخه الذي سيأتي ذكره طبع فيه مشهدا منه من طريق غامض لا يدركه إلا من دق نظره، وله سيوف سر بتارة ينفعل له وهو لا يدري، قلبه فوق لسانه، ومقامه فوق حاله، واعتباره فوق تعبيره، وغيرته فوق منزلته، وجلجلته فوق مرتبته، وباب طريقه مفتوح حتى إلى المحاذاة، و ((لله الأمر من قبل ومن بعد)).

وفي تلك القرية رجلٌ مصري من أهل الغريبة - بديار مصر - اسمه الشيخ ( محمد ) تصرفه في الحضرة - بسورة يس - من أهل الشهود الجامع، ومرتبة البدلية وحاله دون مقامه، ومرتبته الخفا في منزلة الظهور، وله إلى دار أهلنا بني خزام آل الصياد تردد ما رأت عيني أزهد منه انسلخ من كليته أحمدي الخرقة، والطور والمشرب، والحال والقدم، وهو من المقبولين في الباب المحمدي، وهناك رجل مجذوب عنه، مأخوذ منه يقال له الشيخ مصطفى هو قطب تلك الناحية مبارك الحال حاله أكبر من مقامه، وله عرفان مطلسم، وهو أيضاً كثير التردد إلى دار أهلنا المذكورين، وبعد استجلاء ما بطن من السرّ، واستبلاج ما طوي من نور الأمر قمت من هناك موافقاً لأمر السما، وتدرجت بالسير إلى (كفر سجنا) وهي قرية بالقرب من خان شيخون شماليها من أعمال المعرّة فيها شيخ ابن عمنا السيد حسن بن خزام الذي مرّ ذكره، وهو أيضاً من تلك العصابة الزاهرة، والسلالة الطاهرة يقال له الشيخ (رجب) المحمدي نسبةً إلى جده - السيد محمد العجاج - ابن القطب العارف بالله السيد حسين برهان الدين ابن خزام البصري الرفاعي جدّ بني خالد بني خزام العئلة الشريفة المعروفة هناك - ببني خالد - وخان شيخون، وتلك الأرض.

( سانحة ) خرجت من خان شيخون خارج القرية وطرقت الطريق إلى قرية الشيخ رجب وأنا بظاهر خان شيخون، وإذا برأس الأبدال السيارة فسلم وأجبته , ثم قال : ..............

يتبع إن شاء الله تعالى

الرفاعي
09-01-2015, 01:40 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
ــــــــــــــــ

( سانحة ) خرجت من خان شيخون خارج القرية وطرقت الطريق إلى قرية الشيخ رجب وأنا بظاهر خان شيخون، وإذا برأس الأبدال السيارة فسلم وأجبته، ثم قال: هذه قرية تشبّ فيها نار العداوة والبغضاء بين أهلها، وكبارها أهل محنة بدنياهم غافلون عن الله تعالى، ويسري داء المحنة لصغارها منهم تعالَ نقرأ الفاتحة على هجرة بني عمك منها قلت: بسم الله الرحمن الرحيم، وتلونا الفاتحة .

ثم قلت: إلى أين هجرتهم؟

قال: إلى ( الشغور ) ثم إلى ( حلب ) وبها الظهور والرتب، فحمدت الله تعالى.

ثم قلت: اذكر لي من أخبار الظهور السماوي في الطراز القصدي ضمن السرّ المطوي.

فقال: سيلازم صاحبك أُمة. واحد يقول: هذا آية من آيات الله في أرضه يعطي الله به كل خير، ويمنع به كل ضير، فإذا ضُغِط صاحبك ثقل المقام قال الآخر من ملازمي رحابه، وآخذي بيعة يده: لو اتسع رحبي، وافيض لي من حضرة الكرم لخدمته، والآخر يقول: لو قام بي في القصد النوعي المخصوص لحللت له عقدته، ويقول الآخر: هو يقدر ولا يفعل، والآخر يقول: لا يقدر ولا يفعل، والآخر يقول: يقدر ويكتم، والآخر يكسب ويكتم، ويقول الآخر: أنا لا أرى هذا من رجال الغيب إلا إذا ظهرت به القوة، وحصل إنجاز الوعد، ويقول الآخر: على بركة الله، كيف صار لا ضرر ولا ضرار.

ويقوم من بطن الغيب من القوم فرسان الحضرة المنتخبون لها، وكانوا أحقّ بها وأهلها، ويتم الله أمره، ولرُبَّ إبرة هناك أفضل من طِلاق رماح. في ذلك الموطن، وصاحبك بعد هذا وبكل هذا على الإستقامة المطلوبة، وكل قومه على هدى، وكل له من الحضرة المحمدية بقدر صدقه نصيب، ثم قال: يُنَازَع، ويضارَب، ويقاتل , ويشاتم، ويُستغاب، ويُخشى، ويُهاب، ويُقصد بسوء، وتُضرب له أكباد الإبل، ويطلب للإرشاد، ويُرجى لكشف الملمات، ويُعتقد حتى لا يفوق الاعتقاد بأحد من رجال عصره على الاعتقاد به، وينتقد بمثل تلك المرتبة، ويكذب عليه، ويُنسب كل مالم يصر منه إليه، وتخاطبه الأحوال، ويبتلى بكل لئيم، وإذا رأيت مظهره عجبت كأني به، وهو لا درهم ولا دينار، وقوم يقسمون بالله لهو أغنى أهل الديار يُطلب منه فلا يُعذر ويستدين فلا يُنظر، وَيَقْعد ويقوم حليف الهموم باطنها وظاهرها. ترميه الأبصار بسهامها، والألسن بكلامها، والأفكار بأوهاومها، يُقاتِل لأجل السنة، ويُحارِب أهل البدعة، ويهجر لله، ويحب لله وينصر كتاب الله على حافة خطر الدنيا، وعلى متن النجاة في أمر الآخرة لا يمسّه سوء كأنه روضة، وهو على بساط شجن، يضج الزمان بإسمه، صوت من أصوات القدر، حركاته وسكناته كلها من العجائب، مؤيد بالله، منظور بعين الرأفة والرحمة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ينشر عَلَم طريقتكم بعد هذا الطي، وينهض بها كأن كل أهل حيّ في (الحيّ) وهو على سجادة حاله، وبساط كماله، لا أكله في وقته، ولا نومه في وقته، مشتت نظام عيشه، مجموع على الله قلبه، وحاله مبارك، مقامه غالب على مظهره، قهارة منزلته، منصورة مرتبته، عليك وعليه وعلينا وعلى عباد الله الصالحين السلام ورحمة الله وبركاته.

وانصرف، فقعدت مهموماً لصاحبي، وأسفت لِمَا يلمّ به من ثقل هذا المقام المنتخب له.

وقلت: لو كان مقامه الخفا لكان أولى فإنه رقيق الجسم، بدويّ الطباع، أخو العشيرة، لا خبرة له بخداع أهل الزمان، ماذا يصنع إذا التفّت عليه هذه المحافل؟ واشتبكت بمظهر حاله هذه السلاسل، وامتدت لمقامه هذه الوسائل، وبقيت أقوم واقعد في مطارحلت أفكاري، ومنازعات أسراري، وكدت أتمزق همّاً لما داخلني من خوفي عليه، وكدري لأجله، وطُرحت بأرضي أكثر من ساعتين، وأنا غائب بهمي عني، وإذا بسيد الرحموتين سلام الله عليهم قد وكزني بكتفي، فانتبهت من نوم همّي، وقمت له، وهؤلاء القوم عرفتهم باشخاص في رواق متكين كما سبق، فقال: يا حبيب - وهو ياماني - وهم يقولون للسيد إذا خاطبوه كذلك فقلت: قل بارك الله بك. قال : سر في أمان الله إذا أظهر أعان، وإذا أبرز علّم، وإذا أسعد دبَّر، وإذا أعطى أيَّد، صاحبك الظاهر المعان، البارز المُعَلَّم، السعيد المدبر، المعطى المؤيد لحضرة من حضرات مقامه بثقل ظهوره ساعةً أفضل عند الله وأحب عند رسول الله صلى الله عليه وسلم من سَنَة تمر في حضرة مقام الخفا ويقف تحت راية من منزلة هذا المقام يغبطه عليها الصدّيقون في هذا العصر، ويندرج رجال الحضرات كلهم بذيل مقامه أتباعاً، ولا تمر آونة إلا وَله نفحة عون، وتأييد، ومدد خاص يُحمل على أكف الحنان، والغوث من قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنه لشمس من شموس الحق لا تأفل أبداً، فاشكر الله على ذلك.

فسري عني همي، وطارقني سرور كدت أطير به إلى الفلك الأطلس لما داخل قلبي من لمعة نور ذلك التعبير، وإلى الله المصير، فقمت بعدها نشط العزم، ومشيت فوصلت بساعتين.

((( كفر سجنا ))

يتبع إن شاء الله تعالى

الرفاعي
09-02-2015, 01:12 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
ــــــــــــــــ

((( كفر سجنا ))


ودخلت دار الشيخ رجب، فرأيته رجلاً قام بخلعة المحبوبية رحب الرحاب، ريّض الجناب، مبارك السريرة، سهل الخليقة، صافي الخاطر، محفوظاً من لمة النفس، مصوناً من نزغ الشيطان أمياً، لا يقرأ، ولا يكتب؛ راق له كأس القرب في حانة الفتح، فشرب من شراب الأُنس، حتى روي يكاد رائيه يرى بمشهده حال الإمام أبي العلمين - رضي الله عنه - لما عنده من الصفا والرضا والسخا والتواضع، وحسن السريرة الطاهرة، والعزم المبارك، وله كشف صريح، وتسلق إلى الخواطر، وعزيمة قوية في طريق الله، وتوكل ولسان عذب، ورحاب وسيع، كثير الخوارق، وإنه لذو مددٍ فياض، ومقام رفيع، وبركة مشهودة، وملاحظات رشيقة، وأسرار دقيقة، وهمة رفيعة، وجلالة قدر، وبصيرة حاذقة، ووجه جميل، ومشهد محبوب، وإستقامة على قدم واحد، ومراتبه كلها مقامات، فسبحان الوهاب الذي يرزق من يشاء بغير حساب!.

وإني لما دخلت نهض لي قائماً، واستقبلني إلى باب بيته وصافحني، واخذني بيده فاجلسني مكانه، وامر لي بطعام، ورحّبَ بي وأكثر، وأحسن القرى، وقال لجماعته: هذا ما هو ضيف. هذا منا هذا أظن رفاعي صلباً من بلاد بغداد اسمه - محمد - البارحة رأيته في نومي بالرؤيا، وهو عالم يعرف أشياء كثيرة ما هو مثلي أنا مسكين: لا أعرف شيئاً. وبقيت كل ذلك اليوم، وأنا استجلي من مشربه كشوفات عجيبة، وخوارق غريبة، وكانت ليلة جمعة، فبعد العشاء دقت النوبة الأحمدية، وقام بعدها الذكر، فرأيت في تلك الحضرة لذلك السيد من صولة الحال، وعزة المقام ما يدهش الألباب، ورأيت حبلاً نوريّاً متصلاً منه بحضرة جده الكبير السيد أحمد الرفاعي - سلام الله عليه ورضوانه - وظهر لي في منازلة مشاهدتي حسن النظر من عين السيد الرفاعي - رضي الله عنه - للسيد المذكور بل ورأيت له منزلة عظيمة في قلوب أهل الديوان، وله جاه عريض في الحضرة، وفي أثناء حاله ومنازلاته جاء إليّ ودفعني إلى وسط الحلقة، وقال: ادخل شرف حلقتنا، أنت عالم هذا البيت شيخ هذا البيت وشيخ الكل، وقال لي في اذني: الطينة واحدة، والشرف للجميع، والذي بشروك به الجماعة يعود لنا جميعاً، فدخلت الحلقة وتبركت بها، ورجعت.

ففي الليل بعد ذهاب جماعته بقينا وحدنا، فقال لي: الحمد لله. ظهرت الشجرة والأيام الأحمدية تجددت أقطابُ الحضرة كلهم قالوا لي: بضيفك هذا تتجدد الأوقات الأحمدية، وإنك أنت الباب لظهور هذا السرّ، فقلت ببركة دعائك، فقال: مرّيت بطريقك على ولدي - الشيخ حسن - قلت: نعم. قال: هذا الغالي العزيز السرّهناك، والمدد في ذلك البيت اقتسمنا التجارة الأب لي، والولد لك، والصحيح الكل لنا، ونحن للكل، فطربت لكلامه وقلت: هكذا والله، وبقينا في محاضرة روحانية، ومنازلات نورانية إلى الصباح، وصلينا صلاة الصبح، واكلنا الطعام، وودعته، وعندي من حاله شمة سرور لا تكيف، وسرت إلى:

((( معرة النعمان )))

يتبع إن شاء الله تعالى

الرفاعي
09-02-2015, 01:26 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
ــــــــــــــــ

((( معرة النعمان )))

ورأيت فيها شيخ الخرقة - الشيخ أحمد الجندي - وهو صياديّ النسب لأم، عبَّاسيّه لأب، وله حال وعرفان وعبادة وجد واجتهاد، وطور مبارك، وسمت حسن، ومنظر جميل، وصدق بحاله، وتعريفات من الطريق جيّدة، وعليه حسن نظر من جانب الإمام الصياد رضي الله عنه - وفي المعرة زرت مقام نبي الله يوشع عليه السلام - فرأيت في الحضرة اليوشعية من الجلال والهيبة، وعظمة التجلي ما يريع الأسُود، وانكشف لي هناك الحجاب عنه عليه الصلاة والسلام وإذا هو أسمر يتهلل بالنور طويل القامة ضخم الوجود في نهاية من الحسن والجمال عليه جبة حمراء، وعلى رأسه عمامة بيضاء عظيم الرأس واللحية يتوقد نوراً لو رآه الغضنفر لهابه، فأخذتني هناك غشية نور طمت عليّ من الفرق إلى القدم، ونظرني بنظر الكرم، والحنان والرحمة، فقلت:


هذه شمس يوشع قد تجلت=في سماء النبوّة العلياءِ

وتراءت لعبده ببروزٍ=نبويٍّ ملألأ الأضواءِ

قام منها طراز شأنٍ منيعٍ=منبىءٍ عن مظاهر الأنبياءِ

لي بإحسانه العميم رجاء=حقق الله بالنبي رجائي

أنا عبدٌ أتيته بانكسار=فارغ في السلوك تقوائي

ولآثاره نرى سبحات=قائمات بجلوة بيضاءِ

تزدهي هذه المعرّة فيه=بنقاب من حلة خضراءِ

كلما جاء إلى الباب مثلي=ذو افتقار يعود بالنعماءِ

أيّد الله روحه بسلامٍ=وصلاة مشمولة بثناءِ

كل آنٍ تترى وكل زمان=تتدلى من فوق كل سماءِ

وعلى الأنبياء والرسل طرّاً=صلوات من خالق الأشياء


وقلت له سيدي عليك الصلاة والسلام: هل من خلافٍ بيننا في الشرائع؟

فقال: بين أهل التوحيد لا خلاف، وشرائع الأنبياء واحدة، وسيد الأنبياء محمد عليه من الله أفضل الصلاة والسلام.

فقلت: وهل في أممكم السعيدة صوفية؟ وفيهم اقطاب، وانجاب، واطراز، واغواث، وأبدال، وغير ذلك؟

فقال: نعم. الغوث. نبيّ العصر، والرجال أصحابه، وكلهم نواب نبيكم صلى الله عليه وسلم، وإنه لنبيّ الأنبياء في مقام مرتبته، ونبيكم في مقام ظهوره، فَمَنْ قَبْله إلى آدم عليه وعليهم السلام اصحابه في مقامه، ونوابه في منزلته، والمتواترة التي تقع بين الأنبياء فالحكم فيها لروح صاحب المقام والمنزلة محمد صلى الله عليه وسلم، وكل من جاء بعده، فهو نائب عنه بحكم أمره ووراثه بحكم سره وشريعته.

فقلت: بلغني من أهل ( المعرة ) انهم يُحلِّفون المتَّهم بك، فإذا كان كاذباً بُطش به، فما هذا السرّ؟ وكيف فقهه؟

فقال: وهل الحلف إلا بالله؟ يحلف المحلَّف، وكذلك من حلف على سر الله الذي طواه في عبده النبيّ أو الولي، وذلك من إشراقات أنوار صفات الربوبية، فإذا كان الحالف كاذباً فقد استخف بتلك الإشراقات، فتأخذه غارة الله، ولله الأمر من قبل ومن بعد، وإلا فهل للمخلوق من فعل ؟

فحمدت الله على موافقته فقه الاحمديين لفقه النبيين، فإن سيدنا السيد أحمد الرفاعي رضي الله عنه يقول: شأن الربوبية القدرة في الشؤون كلها، وشأن العبدية العجز في الشؤون كلها، فالخالق قادر، والمخلوق عاجز، فإن ظهر على يد العبد شأن من شؤون القدرة، فهو بتقدير الله له، وإلا فهو دون أن يقدر على عينه الضعيفة فيمنعها أن تنام، وهي أضعف أجزاء انسانيته، فقس بعدها على غيرها من الانسان، وقف عند حدّك لا تتعداه، لا حول ولا قوة إلا بالله . إنتهى .

ثم نشر عليّ في الحضرة اليوشعية من جانب ذلك النبي العظيم رداء قبول ارتفعت به خمسين درجة عن الدرجة التي كنت عليها، فحمدت الله، وانصرفت وانا اصلي عليه وعلى اخوانه النبيين والمرسلين وعلى نبينا السيد الأعظم وعليهم أجمعين افضل صلوات رب العالمين .


صفف الأنبياء فيها صفوف=من صنوف الأئمة الأولياء

إنا الأولياء جنساً ونوعاً=خدم في مشاهد الأنبياء


وهنالك زرت مقام سيدنا .

( أويس القرني رضي الله عنه )

فرأيت فيه من نور الحق بوارقاً عجيبة ............

يتبع إن شاء الله تعالى

الرفاعي
09-02-2015, 01:44 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
ــــــــــــــــ

وهنالك زرت مقام سيدنا .

( أويس القرني رضي الله عنه )

فرأيت فيه من نور الحق بوارقاً عجيبة، وانكشف لي الحجاب عنه، فرأيته اسمر اللون، رقيق حاشية الوجود، زين المنظر، يتلمَّع نوراً.

فقلت: اهنا المرقد؟

قال: لا، ولكن هذه التيارات متصلة ببعضها، والكل واحد.

فقلت: دلني على طريق الحق.


قال: الحق لا يتعدد، وان طريق الرسول عليه الصلاة والسلام هو الحق وطريق السيد أحمد الرفاعي - هو طريق الرسول - عليه الصلاة والسلام - فعليك به، وخذ بصحة التوحيد، ناجِ ربك به، وحقق نفسك باتّباع إمامك القرآن كلام الله القديم وتدلى إلى إعزاز منزلة نبيك سيد العوالم صلى الله عليه وسلم، وتجرد لإعلاء منار طريق السيد أحمد الرفاعي، واحفظ له حقه، فإنه من أعظم أبواب رسول الله صلى الله عليه وسلمن واعلم أن كل ما حصل لك في اضرحة الأنبياء عليهم السلام، ومشاهد الأولياء الكرام من الخلع النورانية، والعنايات المخصوصة السماوية من بقايا بركة روحه فإنه مكرم في حضرات الأنبياء مُعَظَّم في محافل الأولياء، وقد أُخذ له العهد على أرواح الأولياء، والصدّيقين كلهم أن يمد كلهم كل من صحح الرابطة به. ونشر عليّ هناك خلعةً من خِلَع الفتوح مزرّرة بأزرّة الزهد، وقال: هذه لك مني لأجل بركة روحه، فطبت وغبت وقلت:


سيد التابعين اكرمت عبداً=قطع الحبل عن هوى الكائنات

وتدلى من طور قلب أُويس=لاِكتشاف الحقائق الثابتات

عرف الله والرسول على ما=جاءنا بالنصوص والآيات

وتخلى عن غير نهج الرفاعي=وهو نهج مبارك الدرجات

راجعاً بالرضى إليك منيباً=ورجوع العبيد للسادات


فبشّ لي بشأنٍ اخذني مني، ووقع انحجاب، فطبت بحالي، وأخذت سر قوله، فناجيت متدرجاً لإيضاح كلماته الجوهرية - رضي الله عنه - قائلاً:


هذا الوجود على مجلاك إِيماءُ=وفي العما من سنا معناك أَضواءُ

قامت بسرِّك من آيات أَمرك في=عوالم الكون أَسرارٌ وآلاءُ

ما مس قابسة الأنوار بارقة=إلا ومنك لها نشأ(1) وإبداءُ

ولا تلجلجت الأجساد في نَفَسٍ =إلا وأفرغ فيه منك إحياءُ

مظاهر الحضرات انجاب حندسها= بشمس قدسك عنها فهي بلجاءُ

سِرَّان ما أعجب التفريق بينهما=هما دليلان إحياء وإفناءُ

كشف وطمس بمعراج التدبر من= كونيهما قام إبراز وإمحاءُ

والقبض والبسط من تصريف طورهما=في عالم الخلق منع ثم إعطاءُ

والخلق والأمر قاما والمدار على= ما دار بينهما وضع وإعلاءُ

سرادق في فجاج العلم قد نصبت = وسار في كلهن السين والراءُ

حتى إذا شمخت بالأفق قبته= وكفكف الأرض تكوير وإدحاءُ

وصيغ آدم بالصنع القديم كما=أقيم وازداج منه الطين والماءُ

تعلق النور فيه من طوى جبل = ما مس موسى به في الطور إغشاءُ

مقدس صين في كنزية سبحت=ببحر نور إذ الآثار ظلماءُ

ومذ جرى ضمن ذاك الهيكل انبجست=له علوم وأفهام وأسماءُ

فكان مضمون كنز من تشعبه=قامت شؤون وقال الناس ما شاؤوا

جهل وعلم وكل الناس طائفة=بالجهل والعلم أموات وأحياءُ

تنوعت من نكات الكون اقضية=والحكم فيها أفانين وآراءُ

هذا إلى الحق يمشي لا على مَهَل=وذاك بالزور والبهتان مشاءُ

ياحيرة غلبت قوما وغيل بهم=وفي العقول دواء الداء والداءُ

نعم عقول الورى في الوضع عاجزة= ففي نقابيه إضلال واهداءُ

وفي رقيق نسيج الإختيار على=نول المواهب حكم العدل قضَاءُ

لذا إليك صدور الرسل أجمعهم=بما عرفناك يارب العلى باؤوا

موج تدفق من نشأ البروز الى=ألباب قوم فإلهام وإيحاءُ

فشق صخر قلوب حتى فاض لها=وما خلاها ببحت الوضع صماءُ

فدقها وارد الإنذار فانكشفت=بالقبضتين فخلان وأعداءُ

حنت لواردها من حيث موردها=قلوب سُفّارِ قوم بعد ما جاؤوا

طريقتان انجلى مضمار حالهما=فتلك سوداءُ والأخرى فبيضاءُ

هذا الكتاب الذي جاء البشير به=محجة في طريق الله سمحاءُ

أبدى رموزا من الأسرار غامضة=ما فك مغلاقها إلا الألباءُ

طوت خوارقه آيات معرفة=من نشرها لقباب الغيب إسراءُ

جلت فنونا فأدلت من تنزلها=ضوءا به مقلة المبعود عمياءُ

ما بين أحرفه في نظم سبكتها=ووصلها الأشطب الصمصام فراءُ

تضمن العلم تفصيلا وأجمله=كما تضمن عين النقطة الباءُ

وغاص طمطامه علما وفسره=محمد ﷺ واتانا منه إنباءُ

كأن دنيا الورى أعوامها سنة=وكلها بعد ما قد جاء شهباءُ

أفنى جموعا بسيف العدل وهو إذا=إفناء ظلم به للعدل إبقاءُ

أدار من كأس حم الغيوب على=أهل الرضا ما حماه الميم والحاءُ

معتق من زوايا القدس تعصره=يد الرسالة ما شابته صهباءُ

بورده والتنحي عند طالعة=فيها من الأمر إسعاد وإشقاءُ

إذا روى نقلها المنصوص راوية=أعانه من شروق الفتح إلقاءُ

يطوف من حاله في قلب عارفه=روح ووجه الجحود الخبل حرباءُ

في الدهر من شأنه شأن يحوله=وعن ضياء الضحى للعمش إغضاءُ

معنى نهار وليل بين دورهما=من قابض الحكم أطراف وآناءُ

توالجا فأقام السر بينهما=فواصلاً هي إظلام وإيضاءُ

ما جاء في نشأة الإثبات آدمها=إلا لها ولهذا السر حواءُ

بيان غمض بممتد الرقائق من=علم الرسول وهل للسطر قراءُ

يا أمة جحدت برهان حجته=كأنها أمة بكماء صماءُ

هذا هو الحق لا ندٌّ يعدده=وفي التعدد عدوان وإجفاءُ

يعدد الحقَّ بُهتاناً أخو سفه=وعينه بانحراف المسّ حولاءُ

لو ناصفت سمة الانصاف أفئدة=منهم لما غالها جحد وبغضاءُ

إن البراهين لا تخفى على درب=إن لم يخطّئه في مسراه أقذاءُ

سمط المعاني على منظوم جوهره=تخالفت باختلاف الفهم أهواءُ

وقائل الحق لم تقلب حقيقته=وإن ترنم بالتبديل ورقاءُ

سر تكاتمه أهل القلوب فخذ=منه الرموز وما للسر إفشاءُ

الفرق بين نماط الجمع متسق=والجمع يشهده لطف وإنطاءُ

يسفه الحق سفا ثم يرجعه=فرقا وفي الامر تجريد وإكساءُ

وأين تجتمع الأحداث في قدم=من ذاته فيه تنزيل وإعلاءُ

قامت على صور الآثار حاكمة=من قدسه غارة للفرق شعواءُ

تبارك الله لا عهد يغيره=ولا يماثله في الوصف أشياءُ

فرد قديم عظيم واحد أحد=له صفات قديمات وأسماءُ

منزه عن سمات الحادثات ففي=طور الحدوث انتقالات وإبلاءُ

وفي الجهات انحياز وهو جلَّ فلا=ينحاز والحيث للمنحاز أرجاءُ

تدبر الأمر والتكييف مزلقة=ملساء فيها من الشيطان إغواءُ

فدن بدين تهامي شريعته=نور وليس لنور الله إطفاءُ

وازو الهوى عنك مغموسا بسنته=فللهوى من بني الدنيا أرقاءُ

وذِلَّ لله إن تسلك طريقته=ففي الحضور الأذلاء الأعزاءُ

وجِد واجهد ولا تنظر لماشية=في الدرب حذف كراعيها المطيطاءُ

فأمهات الفعال السيئات لها=من عبء أبنائها الأخلاط آباءُ

وخذ إذا ما توسدت الثرى عملاً=يكون خِلاً إذا انحاز الأخلاءُ

وقف على الباب مخفوض الجناح وكن=عبداً ومنك لقلب الوهم إدماءُ

قد حاول الجمع أقوام فأرجعهم=موتى وهم بطنين الظن أحياءُ

فالعارفون بباب الفرق موقفهم=والأنبياء العرانين الأجلاءُ

قال اتحاداً أُناس والحلول حكوا=والكل صدمتهم في الدين دهماءُ

لو حل فيهم على فرض المحال لما=منهم تحلل بالتحويل أجزاءُ

رواشق الجهل من شيطان أنفسهم=للصد منهم تلقتها السويداءُ

قالوا سلكنا طريقا لا اعوجاج به=وفيه قنطرة بالشرك حدباءُ

دع عنك ما انتحلوه من زخارفهم=وافطن فسانحة التوفيق خلصاءُ

يلب منها بعنق العبد جوهرة=يتيمة من عقود الفتح عصماءُ

واسلك طريق الرفاعي الإمام فقد=وافى به حضرة القرب الأحباءُ

مهذب مذهب الحق استقر به=وكاد يهدمه القوم الأشراءُ

دعا الى الله عن علم فجاوبه=بقسمة الغيب آباء وأبناءُ

وسد كل طريق لا دخول له=على الرسول فأم الغي خنساءُ

وكم قلوب طمت فيها الكدورة مذ=أمته أم بها لله إصفاءُ

قد قوم الله اعوجاج الطريق به=وليس في طرق السادات عوجاءُ

أجل تدلس بطلاناً بموكبهم=قوم وأهل الحمى زهر أحقاءُ

وأحمد الأولياء الغر أحمدهم=وفحلهم إن ثنى الأبطال هيجاءُ

شق القلوب بموسى الشرع فانبجست=درا وهاهي قبل الشق حصباءُ

طاش العقنقل في ميدان حكمته=على أولي الزور حتى رهبةً فاؤوا

وجاءهم ببراهين خوارقها=كالمعجزات لها في الكون إمضاءُ

لكل شأن من التحقيق عن جسد=تقليد نمط وللتحقيق ضوضاءُ

قد أمطر الخبّ للرائين سابحةً=وهل لها من رقيق الأفق أنواءُ

شأن الرفاعي في معراج مظهره=له سمو وللأتباع أسماءُ

تحت العجاج مكينا قام إذ كثرت=للطارقينَ بقفر الحي غوغاءُ

كالطود ما هزه الإدلال في زمنٍ=وللفحول مع الإدلال إرغاءُ

ضاهى نسيم الصبا لطفا ومهجته=في الله من طارق الأحوال حراءُ

كأنه أعجز الركبان حين يرى=وكم به سبق السباق عرجاءُ

أبوه من مشرق الرزوراء شمس هدى=جرت لمغربها والسير إسراءُ

حتى استقرت بكنّ الكاظمية في=مضمار نور جلته قبل أبواءُ

قد قوما قوس بغداد أجل فهما=لولاهما مقلة الزوراء زوراءُ

وعنهما من أبي العباس قام فتى=هو الضمير الذي يعنى له الهاءُ

فاضت عوارفه في الملك فابتهجت=بفيضه الجمّ أقطار وأنحاءُ

روح البتول طوت في نشر هيكله=حالا علامته في الآل زهراءُ

وعاهدته يد الهادي على سنن=زمامه ما به للكون إرخاءُ

فكم به سترت في الكون فادحة=وكم به كشفت بالله جلاءُ

جحاجح السادة الأقطاب غايتهم=لها لدى بدئِهِ في السير إبداءُ

خل الدعاوى على حرفٍ تجد بهم=شمسا كواكبها هم أينما ضاؤوا

برهانه حجة في السلك قاطعة=فيها من القطع والابعاد إبقاءُ

طريق من حاد عنها كلها غصص=بها العويصاء تتلوها العويصاء

رموز علم جلاها بعد أن كسيت=طمسا ودلت بمجلاها الأدلاءُ

أقلام حكمته في جفرها نقشت=كشفا له من مداد القدس إجراءُ

تغلغلت في كنوز السر فانكشفت=بها فنون لها الأهلُ الأقلاءُ

سرى بها واحدا فردا ورايته=في أول الموكب القدسي خضراءُ

وجاب ظلمة أوهام الشكوك وما=لحزب أتباعه في القوم أكفاءُ

وبيضت جبهة الدنيا مناقبه=وما لها إن يرام العد إحصاءُ

رقائق السر من آيات همته=لها ببطن ضمير الكون إدلاءُ

كأنما داره في كل بادية=ومن جلالته في الحي فيفاءُ

تجلي لأهل المعاني من حقائقه=عروس حال من العرفان عذراءُ

عليه رضوان رب العرش ما لمعت=شمس وما عاقب الإصباح إمساءُ


وفي تلك الحضرة اخذتني مشاهدات ذاتي عني، فغبت، وانقطعت لمشهدي، واتصلت بمشهودي، ورجعت عن كلي، وفنيت في مراقبتي، وتسلقت من حكم الوارد ما تلقته روحي من عالم الشهود حكماً واستئناساً حتى اتصل بي ذلك المعنى المستفاض حقيقة فوقفت على بساط حضوري وقد غلبني سروري.

وقلت : ................

يتبع إن شاء الله تعالى


( 1 )هكذا في الأصل وفي الديوان: شأن.

الرفاعي
09-02-2015, 04:03 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
ــــــــــــــــ

وفي تلك الحضرة أخذتني مشاهدات ذاتي عني فغبت، وانقطعت لمشهدي، واتصلت بمشهودي ورجعت عن كلي، وفنيت في مراقبتي، وتسلقت من حكم الوارد ما تلقته روحي من عالم الشهود حكماً واستئناساً حتى اتصل بي ذلك المعنى المستفاض حقيقة فوقفت على بساط حضوري وقد غلبني سروري.

وقلت:

زمـزم بركـبك أيهـا السـاري=وانـزل بدار سـادها الباري

دار بهـا الآيـات قـد نــزلت=فيـا رعـاها الله مـن دار

مثــوى النبي مقام حضــرته=مضمار معنى سره الساري

أعني الحبيب المصطفى أمل الـ=ـراجي وحصن الأمن للجار

مجـلى الحضور بحضرة كبـرت=عن درك غيـاب وحضـار

ينبـوع علم فـي بطـون دنـا=ضمن التدلي بحـره الجاري

بحـبوحة المجـد التـي بذخـت=فـي برج فرقـان وأذكـار

فيــاض فتــح مـن مواهبه=يسـيل ماء الغوث في النار

روح الهـدى مصـباح طـالعه=فـي عـتم إعصـار وأدوار

طـارت لـه الألبـاب خاشـعة=لكشــف أثــقال وأوزار

فأدركت للكسـر مـن يده الــ=ـعظيمة الفضل خيـر جبـار

وعفـرت خـدها الفحـول على=أعتــابه فانجـلت بأنـوار

والمرسـلون بشـأنه ابتـهجت=وبشــرت قومهـا بإظهـار

وجــاء نص الكتـاب يمدحـه=عطـر بالنشـر لهجة القاري

وصـبغة الرحمــن معضــدة=لــه بأحــوال وأطـوار

في الملــكوت انجـلى لعارفه=قابس برهـان زنده الواري

وفي زوايا الغـيوب قد طلـعت=منه المعاني طلوع أقـماري

من جفر ( يـس ) في خلائقه=أقبـل أهـل العبـا بأخبـار

وباســمه العارفـون صائـلة=بســيف قدس بالله بتــار

أكــرم هــادٍ لديـن خـالقه=أشــرف داع أعز مختـار

أقـــامه الله فـي نيـابتــه=للعـدل عضبا والأخـذ بالثار

كــأنه فـي وشــاح هيبتـه=بعســكر للصـدام جـرار

أعتـابه ملجـأ الوجـود ولـن=ترى سـواه للمزعج الطاري

صـلى عليه الكـريم ما قرعت=أبواب إحســانه بإشــعار

وآلـه والصــحاب ســادتنا=أعيــان أطـهار وأخيــار



ولما انجلى مجلاي، وصح تحققي في معناي، قلت:

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام من السلام، والرحمة المخصوصة من ربك عليك يا سيد الأنام، يا علم العالمين، يا قمر الخافقين، يا مولى سادات الدارين، يا عين كل عين، اعن، اغث، إلتفت، تعطف، تكرم، تحنن، تفضل عليَّ يا إمام المرسلين، يا من قال لك مولاك ((وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين)) يا غوثاه، يا مصطفاه، يا نبيّاه، يا سراج الحرمين - صلى الله عليك - وعلى آلك واصحابك الطاهرين أجمعين. فسرّ بذلك صاحب المشهد، وانبلج لي نوره، وظهر لي سروره، وقال: ومبرزك من عالم عدمك إنك لمن آيات الله. فذكرته بخير، وحمدت الله.

وقال: بأيّ مذهب تتمذهب ؟

قلت: بمذهب الشافعيّ رضي الله عنه وعنك.

فقال ونعم المذهب، فإن بناء الأعمال عنده على النية.

قلت: نعم. قول الشافعي فيها مبني على أساسٍ متين احكمه قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( إنما الأعمال بالنيات ) ولهذا قال الشافعي عطر الله مضجعه يُتمسك في افتراض النية بالنقل والعقل هذا مضمون كلامه في الأمر؛ وافتراض النية قال به أحمد، وداود، بل ومالك، والزهري وغير واحد وهو مذهب الامام زين العابدين، والأئمة من آبائه، وابنائه عليهم السلام والرضوان، وقد اشترطها العلماء - أعني النية في العبادات - والخلاف بين الشافعية معلوم، وكلا المذهبين مستنده ظاهر، والقصد واحد، والسرّ اطمئنان القلب بعد صحة النظر، والاستدلال للحكم، وعلى هذا فإني امرؤ شافعي، ووليّ القبول هو الله تعالى، ولا شك عندي بصحة مأخذي، وأحقيّة مذهبي، وكل رجل في مذهبه، وما آل إليه نظره واستدلاله وبلغه علمه هو ذلك الرجل.

فقال: كل إهل دوائر الحضرات الربانية اخوانك في النية معك بما قلت فيها، وقد تَوّحَّدَتْ في هذه الجملة - للإمام الشافعي - مذاهب القوم، فهو وافقهم وهم وافقوه.

وهناك قامت نفحة انسٍ أخذت مشهدي عني، وصرفتني في مقام طيّبَ حالي مني، فاستأذنت روحه الطاهرة للخروج، ورفعتُ عليّ لواء حمايته، وخرجت. وأنا ثمل بحالي، طيب بمحاضرتي.

فمررت هنالك بمقبرة، وانا في الطريق نوديت من تحت رجلي مع اني لم أرَ قبراً، بل ولا علامة قبر، فانتبهت للصوت، فسمعت المنادي يقول: سلم على رجل من بني عمك مضري من بني تميم من أهل القرن الثالث اسمه (حمدان) له في حضرة القرب مشهد حسن، فسلمت عليه ورأيته على كرسيّ من نور فقال: تخافينا احياءً وامواتاً ووقع انحجاب فعجبت لهذا. أقول: بنو تميم يجتمع نسبهم مع المصطفى - عليه الصلاة والسلام - في الياس بن مضر؛ حدث عبيدالله بن عكراش. عن أبيه أنه قال: بعثني بنو مرة بن عبيد بصدقات أموالهم إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقدمت عليه المدينة، فوجدته جالساً بين المهاجرين والأنصار فاتيته بإبل، فقال: من الرجل؟ فقلت: عكراش . فتبسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم قال: هذه إبل قومي هذه صدقات قومي، فأمر عليه الصلاة والسلام أن توسم بميسم الصدقة، وتضم إلى إبل الصدقة، ثم أخذ بيدي فانطلق إلى منزل ام سلمة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: هل من طعام ؟ فأُتينا بجفنة كبيرة من الثريد، فاقبلنا فأكل منها النبي - صلى الله عليه وسلم - من بين يديه، وجعلت اخبط من نواحيها، فقبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيده اليسرى على يدي اليمين، ثم قال : يا عكراش كُلْ من موضع واحد، فانه طعام واحد، ثم أُتينا بطبق فيه ألوان من رطب، أو تمر - شك عبيد بن عكراش - فجعلت آكل من بين يدي، وجالت يد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال: يا عكراش كُلْ من حيث شئت، فإنه من غير لون واحد، ثم أُتينا بماء، فغسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يديه ثم مسح ببلّ كفيه يديه، ووجهه وذراعيه ورأسه، ثم قال يا عكراش هذا الوضوء مما غيرّت النار.


وانطلقت من هناك وأنا أقول قول القائل:

لله تحت بساط الغيب طائفة=اخفاهموا عن عيون الناس إجلالا

هم السلاطين في أطمار مسكنة=جرّوا على فلك الخضراء اذيالا


هم أهل المشاهد الدقيقة، والعبارات الرشيقة، والمجالس الأنيقة، والتجرد إلى الخالق عن الخليقة، والسلوك إليه بأقوم الطريقة. عصابة، وايّ عصابة! احسنوا في الله طريق الإنابة:


هينون لينون ايسار بنو يسر=سُوّاس مكرمة ابناء يسار

لا ينطقون عن الفحشاء إن نطقوا=ولا يمارون إن ماروا باكثار

من تلقَ منهم تقل لاقيت سيدهم=مثل النجوم التي يسري بها الساري


هجروا الآثار، وهاجروا إلى المؤثر بلا إستقرار:


اسائلكم عنهم فهل من مخبر=فما لي بهم من بعد أن رحلوا علم

فلو كنت أدري اين خيمّ ركبهم=وايّ بلاد الله إذ رحلوا امُّوا

إذاً لسلكنا مسلك الريح خلفهم=ولو ان ذاك الركب من دونه النجم

وزرت في المعرة رجالها، ولم يبق منهم رجل عارف، أو عبد محبب إلا وكشف لي الحجاب عنه، واخذت خلعة القبول منه، وكل أصحاب النوبة في تلك الديار احمديّون، وانصرفت منها إلى:

((( سرمين )))

يتبع إن شاء الله تعالى

الرفاعي
09-02-2015, 04:38 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
ــــــــــــــــ

وانصرفت منها إلى

((( سرمين )))

بليدة بعدها بمرحلة في طريق حلب، فدخلتها وقد شارفتني لوامع الأحمديين، فعجبت لذلك! فسألت من بعض الرفقاء؟ فقيل لي: إن فيها من مراقد قدماء بني الكيال، وهم بيت ينتهي إلى السـيد إسماعيل الكيال، من بني السـيد الجليل القطب الأعظم مهذب الدولة علي بن عثمان الرفاعي الحسيني رضي الله عنه.

فتتبعت لوامع المشارقة، فانتهت إلى قبر الشهاب أحمد بن الكيال، ظاهر البلدة، وله مرقد حسن، وفيه بركة ظاهرة، وهو من رجال التجريد، وفيه عزيمة من عزائم الحال.

وفي البلدة مرقد السيد عبد الكريم الكيالي، وهناك له زاوية، وعليه جلالة، وهو من أعيان الأفراد، وفي مشهده نور أحمدي غير خفي، يكاد يدركه بصر المحجوب.

وهناك من مشاهد الأنصار عليهم الرضوان، وفي ضواحي البلدة أنوار الأولياء تلمع من كل جهة، فزرت الجميع، ونلت حلل العناية منهم، رضي الله عنهم .

وقمت من القافلة إلى ( حلب ) ومازال كل شبر من الأرض قطعته، وذراع منها ذرعته يبرز لي من أسرار الله أسراراً، ويظهر لي من آثار الحكمة الربانية آثاراً، حتى تدرجت أقدامي، والمدد الرباني تسبح آشعته خلفي وقدامي، حتى دخلت باب

((( حلب )))

وسبحات أنوار العناية السماوية تنسل من كل حدب. فذهبت لا أدري أين أسير، وصرت لا أعرف إلى أين أصير، (( وإلى الله المصير ))، ووقفت داخل المقام، وإذا أنا بقطب البلدة، وقد أخذ بيدي فقال: السلام عليكم يا سيدي. فقلت: وعليكم السـلام يا سيدي ومولاي.

فقال: أنا جئت لاسـتقبالك، أنا خادمك، صاحب البلد. فقلت: عرفتك، وهو أسـمر اللون، نحيف الوجه، اسمه محمد، فقدم لي طعاما في صحن ربط عليه منديله، فأكلت منه، فعظمت اختطافات البوارق من كل جهة، ولاحت مشاهد رجال الحمى بالأنوار الطافحة.

واجتذبتني بارقة خاصة من مشهد رأس سيدنا نبي الله زكريا السلام، فسـرت موافقا لحكم المرتبة، والشيخ محمد صاحب البلد معي، حتى انتهينا إلى الجامع الأموي، ويعرف بالجامع الكبيرن وفيه مشهد نبي الله زكريا عليه السلام .

فوقفت أمام المشهد الأسعد، فارتفع الحجاب إلى القبة، وانكشـف رداء تلك الهيبة، ورأيت من المرقد إلى قلعة حلب دَرَجاً من النور، عليه ثوب أخضر، وقد تسلق ذلك الدرج، مكاناً مرتفعاً في القلعة، وهناك وانعقد النور بعمود من نور نبوي آخر، وتلألأ في ملكوت الله بنمط سماوي، وتدلى منه ذوائب أشعة إشراقية تشب وتصب.

وفي تلك الحضرة، نصب سرير على قوائم لماعة في فضاء الوجود، ظهر منه رأس السيد الغيور أبي السيد الحصور، وقد برز بكسوة الحياة كبير الهامة، وسيع الوجه، أكثر شعر لحيته الأبيض، وله شعر كسا رأسه إلى الأذنين، وعليه عمامة حمراء مسهمة بشيء أصفر، ثم ارتفع في مقامه، فأسفر عن وجود بين السـمن والنحافة، بديع المحيا، حسن التركيب، طفحت أمامه الأنوار فقلت:



هـذه من مطارفـات التجلــي=حضرة أبرزت سـنا نوريـا

حضرة في مضمارها شـارقات=بارقات سـلطانها زكـريــا

يا أبا السـيد الحصـور ويا من=أشبع الظامئين بالفضل ريــا

إن هـذا الجمـال لما تبــدى=منك أبدى لنا شـذا عطريــا

وحمى حــوزة التدلي بحــال=قد جلا موكـب البها بدريــا

مضـمرات شـؤونه ظـاهرات=ما رأينا من ظـاهر ضمريـا

برقـت منك للقــلوب بـروق=أطلعت رونق الهدى فجـريـا

لك يوم المحــراب يوم التجلي=بالتدلي معنـى نراه جليـــا

في مقــام النـبوة المتدنــي=للمعالي أحرزت قدرا عليــا

وبمجلى الشــهادة العيـن لما=قمت تُجلى عُوينت صعباً قويـا

ومع السـر حين ناديت طـورا=في غموض الخفا نداءً خفيـا

لم يكـن ســهمك الرجوع برد=لا ولا بالدعــاء كنت شقيـا

أنت من قـام في سـرير الترقي=والتلقي مبــاركا ونبيـــا

أيــد الله باللقــا لك وجهـا=يطلـب العون منك يا زكـريا


فسلم عليّ ـ عليه الصلاة والسلام ـ وقال:

أنت عارف نُفح بمسة من روح القدس. وألقى عليّ ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ رداءً من نور أسود مسهم بحبال شعاعية، مكتوب فيها على الزيق الأعلى: (( فاستقم كما أمرت )). وقال لي: هذا من طريق الحال كساء البدلية.

فشكرت الله تعالى، وتسلقت همتي إلى القلعة، فاستقرت الحبل النوري الثاني، فطلع لي منه بدر إبراهيمي، انجلت منه خيمة الخلة بحال شهدت فيه الخليل عليه السلام، فعرفت أن هناك أثراً من آثاره، فاستفضت منه، ووقفت بباب ذلك الجناب، وأفيض لي من ساحل ذلك البحر الخليلي موجة قبول أترعت لحضرة روحي كأس عرفان، أخذت منه مدركاً يدق معناه، ويعلو مبناه، والحمد لله.

ثم رجعت إلى مشهدي الأول في مقام الحضور الزكريائي ..........

يتبع إن شاء الله تعالى

الرفاعي
09-02-2015, 05:21 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
ــــــــــــــــ

ثم رجعت إلى مشهدي الأول في مقام الحضور الزكريائي، فرأيت عمود تلك الروح الطاهرة المعظمة قد انتصب، واجتذب بعزم عزيمة قوته النبوية حبال أرواح أهل الحمى خيطا خيطاً، فكأن الجامع حينئذ من قبب العرش لكثرة الأنوار، وأخذني في مقام شهودي آخذ عزمه النبوي الأقدس، فألحقني بكل خيط من خيوط أنوار تلك الأرواح السعيدة، فإذا انتهيت إلى برج شهود صاحبها ـ أعني الروح ـ أفاض علي مما أعطاه الله تعالى، وكان ذلك على حساب مقامتهم وطبقاتهم.

ثم بعد أن أخذت نصاب عزمي من النصيب المقسوم لي من فيوضات القوم وبركات أرواحهم وبرود مواهبهم ـ وبها قويت على الانسلاك مقاما بسلك أهل الحضرة ـ : طبت وغبت، فأقامني طور عزم النبي الجليل، الوسيع الرحب، سيدنا زكريا - عليه الصلاة والسلام -، فحضرت وأذن لي بالطواف في البلدة، فمرغت حر وجهي على أعتابه الرفيعة.

وخرجت وأنا بصحن سماوي الجامع، وإذا أنا بالغوث الفرد صاحب الوقت عليه الرضوان والتحية، فعرفته فدنا مني فقبلت يده، فقال لي: مبارك عليك! أنت الوارث! بارك الله بك! ((حم حم حم))، والذي أحياك بكونيتك، وأقامك من فقديتك، إنه لحق ما وعد الرحمن وصدق المرسلون، تلك آيات الله، خذ بك، وسر معك، اجمع عليك حالك، لا تلتفت إلى غيريتك، أنت المطلوب، المحبوب، المخطوب، حقق حال جمعك في حقيقة طرازك في مشربك، في ساحة استقامتك حتى تصل إلى مقامك، وهناك فاستقم ((واعبد ربك حتى يأتيك اليقين))، آخذا سنن الحبيب العزيز الكريم، سيد الأولين والآخرين، ديناً، وديدناً، وطريقة.

ثم قال: افتح فمك. ففتحت فمـي، فنفخ في فمي، فقام عندي من التحمل والسـعة والقوة وصدق العزيمة وقوة العزم ما تم به حالي، واجتمع به أمري .

وهناك، وبطلت نوبة أهل النوبة في البلدة، وصارت تدور على محور الغوث ـ سلام الله عليه ـ واردات السماء، وهو يدير بطرفه الكريم حكم الواردات إلى أهل النوبة بنسبهم، وهم تحت طوارق الهيبة.

ثم قال بعد أن سكت قليلا: أخذت الحصة من رجال بطن الأرض؟

قلت: نعم

قال: اجمع حالك لترى في الحي أهل ظهرها، وسر في البلدة أيِّد الجناب إلى أين شئت؛ فإنك بعين الحفظ، وانصرف. سلام ربي عليه.

فخرجت من باب الجامع الشمالي، فاستقبلني منه رجل غائب في طراز حاضر، بل حاضر في طراز غائب، وقفت أستطلع مقامه وحاله ونسبه ومن هو؟ فقيل: هو السيد عبد القادر بن الكيال، فشارفت منزله ومقامه، فرأيته إذ ذاك في مقام الولاية الثابتة، ومنزله في الصف الخامس من رجال الباب، ومقامه الوله.

وسبب انجذابه في مطارقات أحواله عند جمع حاله اللُّبابي عليه، من وارد خوف رباني، طرقه من حكم قوله تعالى: ((يوم نقول لجهنم هل امتلأت وتقول هل من مزيد))، وانسلك له حال من قول ((لا إله إلا الله))، وانفتح له من قبة زاويتهم روزنة إلى السماء استرشق منها راشقة طور، فيه نغمة قامت له بشاهد: ((وتوكل على الحي الذي لا يموت)).

فرف عليه من ذلك الشاهد عَلَم الطراز المدهش، فغاب، فألبس خلعة الولاية في حضرته عن يد الشيخ حسن الخابوري، رجل من أقطاب الكمال المكتومين، عربي بنواحي دير الخابور، أحمدي النسب والخرقة، ثم نهض بها مستوفزا يكرّ ويمر، ويغيب ولا يحضر، تخطفه مواردات أحواله مع أنفاسه.

وله أخ مسه ذلك الطارق من طريق الهيبة فأفناه بالكلية عنه، وهما على قدم المزاحمة، حتى توفى الله تعالى الأخ المذكور، والشارقة واحدة، وله من يد التوفيق وصلة ناهضة، وحاله من في مدار طوره أخذ مأخذ الترقي، وعليه مع وارده الجلالي طالع انكسار، ومع وارده الانكساري طالع جمال، ويجمع الله به الأشتات.

وهناك فلما رآني وقف لي وشخص شخوص متذكر لما شارف غيبته من شمة الإحضار فقال: والله العظيم شيخنا، والله يا جماعة! نعم. فما فهم قومه مقصوده، وضحك لي سروراً، فأخذت بيده ـ في حاله ـ لما عندي من قوة الحال تمكينا، وظاهرته في منزلته.

وخرجت فآنست نار أنس نوري من مشهد أحمدي، فصرت إليها، فإذا هي من زاوية آل الكيال، فطفت بها، فرأيت قبر جدهم السيد عبد الجواد، وابنه السيد إسماعيل، وابنه السيد محمد، المتوفى سنة قدومي إلى حلب قبل أيام.

وفيهم كلهم طوارق حال غالب، ووجد سالب، قام طارق السيد عبد الجواد من شاهد: (( كل شيء هالك إلا وجهه)) وقام طارق حال السيد إسماعيل من شاهد: ((لمن الملك اليوم لله الواحد القهار)) وقام طارق حال السيد محمد من شاهد ((انا لله وانا اليه راجعون)) .

ووارد السيد السيد عبدالجواد اخذه من طراز الهيبة، ووارد السيد اسماعيل، واخذه من طراز الغلبة، ووارد السيد محمد، واخذه من طراز العبرة فحكم وارد السيد عبدالجواد الخروج عن الناس إلى الله تعالى. وحكم وارد السيد اسماعيل الدخول في العوالم إلى الله تعالى. وحكم وارد السيد محمد طرح الكل مع صحة تعميق الفكرة في مصنوعات الله تعالى ((ولكل وجهة هو موليها)) وطارفت أرواحهم مطارفة انس، فشارقتني منهم لوامع السرور والبهجة - اوّاه قد ذهب القوم وأين مثلهم اليوم - عليهم الرضوان والرحمة - وانصرفت فصرت أمام قبر الشيخ الجليل وليّ الله محمد، ويعرف بقاضي الحاجات، وهو من الأشراف الاسحاقية حسينيّ النسب، احمدي الخرقة من أصحاب السيد صدر الدين عليّ بن الصياد - عليهم التحية والرضوان.

فلما وقفت أمامه نشر بالقبول أعلامه فرأيته ...........

يتبع إن شاء الله تعالى

الرفاعي
03-13-2018, 03:41 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
ــــــــــــــــ

فلما وقفت أمامه نشر بالقبول أعلامه فرأيته ...........

وانصرفت فصرت أمام قبر الشيخ الجليل وليّ الله محمد، ويعرف بقاضي الحاجات، وهو من الأشراف الاسحاقية حسينيّ النسب، احمدي الخرقة من أصحاب السيد صدر الدين عليّ بن الصياد - عليهم التحية والرضوان - فلما وقفت أمامه نشر بالقبول أعلامه فرأيته من أصحاب واردات الجمال مقامه التحقق في مرتبة الصدق، وحاله القوة السيارة في منازل الأكوان، وله سلطان في النفوس، ومنزلة جليلة جداً يكاد نور روحه يسبح للزائر، ثم إنه ابتهج لي ورحّب وقال: قرأت في هذه الخلوة أربعين الف ختمة؛ واخذت منه حصة المدد والغوث، وسرت , فقابلني شيخ الوله - يس - وهو من أهل مشهد الغيبوبة الحضورية، وله منزلة صحيحة، فقال: كلّ هذا اليوم ادورعليك، والقى من يده تفاحتين، فأخذت هديته بالقبول، وسرت إلى جامع في السوق هناك . يقولون له: جامع الحاج موسى، فدخلت الجامع وصليت تحية المسجد، وذكرت الله، وأنا أمشي جاء رجل قصاب حتى كافحني، فقال: والله ياسيد عرفناك خبي نفسك، ونحن نعرفك، فبشيت له، وهو من أصحاب النوبة بحلب، وله صدق، وخرجت، وهناك جذبني حال أرجعني إلى مشهد سيدنا زكريا في الجامع الكبير فوقفت بعد وصولي إلى أمام مشهده - عليه الصلاة والسلام - فطافت روحه الطاهرة القدسية بروحي في ملك الله وملكوته، حتى شَفَتْها من عِلَّة القطع وفي كل هفّة من هفات ممازجة الروحين اسمع من ذرات وجودي قوله: كل هذا إكراماً وتعظيماً لجدك سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - فأخذني مني وارد انكسار كدت أفنى به، فوقفت بطارقته في الباب المحمدي الرفيع قائلاً:

يامن وطينة آدم في مائهـا = مخمورة لك بالنبوة مظهـر

استر عظيم كبير ذنبي رحمةً = فذاك أعظمُ والعنايـة أكبـر

وهناك نهزتني همة الروح العظيمة الزكريائية فالقتني على بساط الحضور في مقام الشهود الأسعد الأمجد الأوحد المحمدي، وقيل لي: هنَّاك الله - هذا ببركة صدقك بعبادتك لربك فذقت هناك طعم الغيبوبة عن ذاتي في مشهدي . فقلت:

لما حضرت على بساط شهـودي = أدركت ذوقاً كيف غاب وجودي

وفهمت من طور الحضور تحققي = فـي مشهـدي بعبـادة المعبـود

فهجـرت ذرّات الوجـود لأنهـا = تفنى وطبت بحضـرة الموجـود


وضُربت إذ ذاك خيام احكام الفرقان ..............

يتبع إن شاء الله تعالى

الرفاعي
03-13-2018, 03:57 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
ــــــــــــــــ

وضُربت إذ ذاك خيام احكام الفرقان، وقباب حكم القرآن، فانجلا المقام عن مراتب الشهود العينية في محاضرات ما كان يرد من ذلك المشهد على روح السرّ الأعظم - صلى الله عليه وسلم - فصارت أولاً تمر عساكر الشؤونات البدائية المحمدية في مطالع أحوالها من حيث نظام شوارقها من ( إقرأ ) إلى ( إذا جاء نصر الله ) ترقيا في مرتبة الحكم والحكمة يظهر ذلك لأهل الحقائق المتسلقة هممهم رتب العرفان من طريق المنزلة لا المنازلة . ليعرف كلهم قدر المصطفى - عليه من الله أفضل الصلاة والسلام - لا بحكمه الإحاطي، ولكن بقياس ما مر عليه من ثقل مطارق التجليات، والتدليات التي لا يثبت إلاّ كل صديق معزز محبب عند بروز مثالها، في مقام الشهود . للمشاهدة . فكيف بآخذها من معدن ورودها، بطارقة إنحدارها تلقيّاً.

ومثال ذلك . مثل: لو رأى الرائي سيلاً من السماء يتحدر برعد وبرق وصواعق . وفيه من قطع الغمام متدليات سحاحة . من بردٍ صعب، وثلج شفف، ووابل هطال يصب على جبل يراه من بعيد، فيخشع ويذهل، فإذا انكشف كل ذلك، وظهر أن تحت هذه السيالات السماوية وما انضمّ إليها من مواردها التي ذكرناها قد وقف رجل على ذلك الجبل فتلقاها جميعها فهم مع جهله بعينية قدرة ذلك الرجل؛ لا يجهل بشاهد ما شاهده قوة ذلك الرجل، ومكنة قلبه، وكمال قدرة عزمه، وعزة منزلته فافهم.

ولنعد فنقول : وفي مراتب الترقي حالة مرور عساكر الشؤونات المحمدية . انجلت اطوار من سلطان تمكنه - عليه الصلاة والسلام - يخشع لبروز مثالها قلوب النبيين فمن دونهم , ولما استكملت بنسبة حالي الشؤونات الشريفة المرور , وإلا فهي لا غاية لها . قام جحفل المثال الذاتي في خلعة البروز على حكمه النوعي من طالعة الشكل:

يقوم بارز شكل نور وجود النبي - صلى الله عليه وسلم.

ثم يتبعه نور علم النبي - صلى الله عليه وسلم.

ثم يليه نور عقل النبي - صلى الله عليه وسلم.

ثم يليه نور عزم النبي - صلى الله عليه وسلم.

ثم يليه نور حلم النبي - صلى الله عليه وسلم.

ثم يليه نور سلطان النبي - صلى الله عليه وسلم.

ثم يليه نور جود النبي - صلى الله عليه وسلم.

ثم يليه نور عدل النبي - صلى الله عليه وسلم.

ثم يليه نور فهم النبي - صلى الله عليه وسلم.

ثم يليه نور برهان النبي - صلى الله عليه وسلم.

ثم يليه نور جمال النبي - صلى الله عليه وسلم.

ثم يليه نور جلال النبي - صلى الله عليه وسلم.

ثم يليه نور تحمّل النبي - صلى الله عليه وسلم.

ثم يليه نور انتقام النبي - صلى الله عليه وسلم.

ثم يليه نور إرشاد النبي - صلى الله عليه وسلم.

ثم يليه نور حكم النبي - صلى الله عليه وسلم.

ثم يليه نور لسان النبي - صلى الله عليه وسلم.

ثم يليه نور قلب النبي - صلى الله عليه وسلم.

وهكذا حتى استكمل جحفل المثال الذاتي خلع بروزه في حكمها النوعي من قِبَلِه - عليه الصلاة والسلام - كان ذلك أيضاً بنسبة حالي، ولا غاية لعسكر مثاله في مقامه وحاله - صلى الله عليه وسلم.

ثم برز مَلِك قدسه في سرير سلطانه ............

يتبع إن شاء الله تعالى

الرفاعي
03-13-2018, 04:12 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
ــــــــــــــــ

ثم برز مَلِك قدسه في سرير سلطانه . على النمط الأشرف الأبهج الذي قام به في خلعة الظهور الدنيوي، فأخذني طارق الجمال فدهشني عني دهشة سرور غبت بها غيبة بحتة ما دريت إلا ويهزّني رجل هزاً شديداً مزعجاً فلقوة تلك الهزات المتواليات رجعت إليّ، فرأيت رجلاً وسيماً، حسن الهيئة، فسألني عني، فأجبته بما يمكن، فأخذني بيده وانطلق إلى داره، فسألته عن اسمه، فقال: راغب، وسألته عن شهرته، فقال ابن كجوك علي، وكجوك كلمة تركية معناها: الصغير، وفيه دين وحسن اعتقاد، فكان مقيداً بخدمتي، حانياً عليّ أسأل الله أن يمن عليه وعلينا بالستر الدائم في الدنيا، وبحسن الخاتمة عند الموت، وبالنظر إلى وجهه الله الكريم في الآخرة، وما ذلك على الله بعسير، إن الله على كل شيء قدير .

وإني كنت أخطف النهار في المشاهد والمعابد , واستجلي الشؤون والموارد في الليل إلى بعد العشاء بساعة , وألبس الليل في دار راغب أغا الذي ذكرناه .

وفي اليوم الثاني من مسافرتي في داره، قمت إلى صلاة الصبح في مشهد سيدنا زكريا عليه الصلاة والسلام، وبعد أداء ما وجب ولزم، خرجت على أكف عناية سيدنا النبي العظيم القدر، المنوه بشريف ذكره إلى حجازية الجامع، فرأيت رجلا طويل القامة، عليه كساء مغربي، فعرفت أنه الخضر - عليه السلام - فتقدم إلي وقال: أعجبني حذقك ! أنا هو . ونفخ في فمي , وبارك لي، وأفرغ في من بركته حالا تمكن مني بمنزلة من منازل المقام وقال: أنت سعيد ! وأتباعك ومحبوك ـ إن شاء الله ـ أيضا من السعداء . فحمت الله تعالى ثم ذهبت، فوقفت أدبا له حتى خرج من الباب الشرقي، ورأيت بعده الشيخ أحمد، وهو من علماء الشافعية، ورع، زاهد، نهجه الجفلة من الناس، وله من حال أهل الحق نصيب عظيم، وبركة وصدق.

وخرجت إلى سوق العطارين أعدو إلى زيارة ولي الله الغازي السيد معروف بن جمر، من بني السيد إسماعيل بن جعفر الصادق عليهم الرضوان، وأنا أمشي وإذا أنا برجل أسمر اللون، ربعة، يلبس لباس التجار، وله سمت حسن، أخذتني منه شمة أحمدية، فوقفت، فدنا مني، فعرفت أنه من بني الصياد رضي الله عنه.

فقلت: ما اسمك؟ قال: علي . قلت: من ذرية من؟ فقال: من ذرية الصياد. قلت: وما اسم أبيك؟ قال: خير الله . فعرفتـه، وقد كنت أنبئت عنه من جماعتنا آل السـيد خزام بـ ( خان شيخون )، ومع ذلك فإني كنت أترقب أن ألاقيه.

فوجدته من رجال الصف الخامس، لكن من طريق الصحو، ومنزلته الصدق، وشهوده الخروج من أعين الناس تحكما في منزلته، وخلعة الولاية له في مقام الصفية عن يد السيد عمر بن أحمد البازي المنصوري، من ذرية الباز منصور البطائحي الرباني الأنصاري، خال سيدنا الإمام الرفاعي - رضي الله عنه - والسيد عمر هذا من رجال الخفاء , ومرتبته العشق , وهو بصعيد مصر، وللسيد علي هذا قلب مع صدقه، فيه بارقة حال، وله طارقة من طارقات الذوق، تعرب عن عزم متين، وطريقه مفتوح، فنهضته في حاله أوعته فيما يناسبه من مشهده بإضافة تمكين، ورأيت فيه لاجتذاب الإفاضة قابلية عظيمة، فسبحان الله!.

ينقض كالبازي في طلب العلا = بطريق باريـه وإثـر الهـادي

يصطاد شاردة الفهوم وكيف لا = وهو المسلسل من بني الصياد؟!

ثم بعد هذا قلت له: دلني على مرقد السيد معروف .............

يتبع إن شاء الله تعالى

الرفاعي
03-13-2018, 04:38 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
ــــــــــــــــ

ثم بعد هذا قلت له: دلني على مرقد السيد معروف، فدلني ووقف معي، فقلت: اتركني وسر راشدا مهديا، فتركني .

وهناك وقد نازلت روحي حالة من نفحات الرحمن، جعلتني أطير في فضاء القبول على أكف العناية، حفتني منها نعمة حكم المجاز، فيها مصدري من قبل السيد معروف، ومظهري من قبل يد الخالق (( يد الله فوق أيديهم )).

وطفح الكيل، حتى خفت أن تكون الطارقة تخيلية، فانجلى مشهدها، فبرزت تحقيقية، فتمكنت أمامها من جهة موردها وطريق مصدرها، وأخذت منها الحصة الكافية، وحمت الله تعالى حمدا كثيرا، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

وعند ذلك، وبرز شيخ المشهد، وصاحب المرقد، من حضرته، وانجلى على منصته، آدم اللون، لطيف المشهد، كريم النقيبة، مهاب المنظر، تنقط الشجاعة من هيكله، كأنه في مقام فرديته جيش من جيوش الله تعالى، فقلت:

أنت أهل المعروف يا معـروف = وأبو الفتك يوم تزهو الصفـوف

لك عزم في حضرة الصدق أبدى = سرّ قـدسٍ برهانـه موصـوف

وأنا العاجـز الضعيـف وإنـي = لـي قلـب بحبكـم مشـغـوف

ولأنت المقصود في هذه الحضـ = ـرة جهراً وهـا أنـا الملهـوف

دهمتني علائـق النفـس منـي = ولَعَمْرُ العرفـان هـذا الحتـوف

فاجتذبني مـن وحلتـي بأكـف = كـل هـم بعزمهـا مكـفـوف

وانظرن نظرة الحنـان لحالـي = حيـث أنـي بحالكـم محفـوف

وعلى جـدك الصـلاة دوامـاً = وعليـك الرضـوان يامعـروف

فنشر عليّ رداءً كان عليه، وقام لي حتى وقفت مواجهاً له بين يديه وقال: نعم الضيف أنت يا ابن عم، أبشرك بأنك صاحب الحضرة في الوقت، ونعم الشيخ شيخك، بل ونعم الجد ذلك الجد عليك داغه، وطابع روحه، والله إن السيد أحمد الرفاعي صدر محافل أهل الحق، سر مشرقاً ومغرباً تحت رايته في أمان الله، وضمني، فأخذت منه بركة قرب اوصلتني إلى حضرة الإيمان الشهوديّ، فحمدت الله، وخرجت وأنا أرفل بثياب العناية زاهياً بالسيد الكبير - رضي الله عنه - وقلت:

كتبت غيباً على مـا قـام فـي الأزل = عبدَ الرفاعـيّ شيـخ الأمـة البطـلِ

فحل الشيوخ صـدور الديـن سيدهـم = كنز الحقائـق بحـر العلـم والعمـلِ

فتىً أقـام شرلـع المجـد فانتظمـت = لمجـده دولـة الإرشـاد فـي المِلـلِ

كأنـه فـوق كرسـيّ الخطابـة فـي = صدر المحافلِ مولانـا الإمـام علـي

حـذا بسيـرتـه العلـيـا ومذهـبـه = حذو الرسـول وحـذو السـادة الأولِ

من أهل بيت لهـم فـي كـل زاويـة = سرٌّ خفـيّ وشـأن كالصبـاح جَلـى

محجّـب كـم أسـود الله ذو مــدد = سارٍ تصرّفه فـي الكـون لـم يـزلِ

وشيـخ نهـج كريـم فـي تنقـلـه = عن مذهب الهاشمي الطهر لـم يحـلِ

فخر العصائب من بيت الرسول ابو الـ = ـعباس شمس المعالي منتهـى الأمـلِ

باب الشهود مفيض الجود فجـر سمـا = ءِ الفخر رحب الحمى سلطان كل ولي

ركن الشريعة ممدوح الطريقـة كـشـ = ـاف الحقيقة غـوث الخائـف الوجـلِ

تنمـى المعالـي لبيـت كـان سيـده = حقاً وينحط عـن عليـاه كـلُّ عَلـي

طود من السنـة السمحـاء قـام لـه = شأن عـلا ذيلُـهُ عـن قبـة الحمـلِ

آثـاره فـي جبـاه الفخـر لامـعـة = وطوره صين عن شطحٍ وعـن زلـلِ

مبارك الوجه محمود الجناب وفـي الـ = ـهيجاء قطب الرحى السامي عن المثلِ

محمـديُّ سـلـوكٍ لا يـحـد لــه = حد وكفٌّ له فـي الشـأوِ لـم يصـلِ

ذو رتبـة اخـذت بالعـز وارتفعـت = إلى مقـامٍ بعـزم الفكـر لـم يُطـلِ

مقبّل الراحـة البيضـاء فـي زمـر = بهمـة لـم تـزل حـلاَّلـة العُـقـلِ

قم ياأخا الصدق وانزل رحب دولتـه = والجأ له خالصاً وابهج وقـل وطُـلِ

وخذه سيفـاً علـى الأعـداء تصلتـه = مهنداً من سيوف المصطفـى وَصُـلِ

واجعله باباً لمـا ترجـوه مـن أمـل = وشافعـاً دافعـاً للمدهـش الجـلـلِ

مولى تحكم في طـور القلـوب بمـا = ألقاه مـن حِكَـم فيهـا ومـن زجـلِ

ردت هوى النفس بالبرهان إذ قطعـت = ماسوّل الخاسر الشيطـان مـن حيـلِ

حبل غـدا مـن حبـال الله عروتـه = تقـي المحـب مـن الآثـام والخلـلِ

ووارث جامـع طـابـت مغـارسـه = طاب مسراه فـي حـطٍّ وفـي نُقـلِ

يأوي إليه الضعيـف القلـب مستنـداً = لـه فينهـج فيـه أوضـح السـبـلِ

انعـم بـه جبـلاً مـن آل فاطـمـة = مقدسـاً طـوره ناهيـك مـن جبـلِ

اخف مـن نسمـات الريـح نجدتـه = وفي التمكـن فـوق الطـود بالثقـلِ

نظـام بيـت رفيـع كـلـه عـمـل = بـرٌّ تنـزه إجمـالاً عـن الكـسـلِ

عليه رضوان رب العرش ماجمعـت = آياتـه سـور التفصيـل والجـمـلِ



وفي طريقي وأنا أمشي تستقبلني نفحات الأنس..........

يتبع إن شاء الله تعالى

الرفاعي
03-13-2018, 01:44 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
ــــــــــــــــ

وفي طريقي وأنا أمشي تستقبلني نفحات الأنس من أرواح ساداتنا الصديقين من الصحابة والتابعين، والأولياء سكان حلب، وقد زرتهم والحمد لله جميعاً كما ذكرته بنهضة عزم الروح الطاهرة الزكريائية في الجامع بتتبع خيوط أنوار أرواحهم إلى مشاهدهم الشريفة فمن هزتني وسيلة من الوسائل، أو داعية من الدواعي لزيارته، حضوراً مشهدياً، فان تلك من مقام الغنيمة، وإلا فالوصل وصل، والحاصل حصل؛ وفي خال مشيي خرجت من السوق إلى خارج العقد أمام القلعة، فانفتح لي سرداب رأيت من غرائب أسرار الله العجائب، ورجال الله تجيء إليه من كل فج؛ قوم على خيل، وقوم على بغال، وقوم على حمير، وقوم مشاة، والرجال تتهادى ركبانهم من كل جانب؛ هذا مغلوب، وهذا غالب، وهذا مسلوب، وهذا سالب، والامم وراء الامم من أهل المشارق والمغارب، وبدت هناك دقائق أسرار، ورقائق آثار يتلو لسان حال كلها (( لمن الملك اليوم لله الواحد القهار)) فقلت:


إذا أنت مثلـت الانـام جميعهـم = وفكرتهـم مابيـن آت وذاهـب

رأيـت إذاً أحياءهـم بانطلاقهـم = يساقون للآجال من كـل جانـب

وأمواتهم آجالهـم أخـذت بهـم = إلى من تعالى عن وزير وصاحب

هنالك أسـرار طلاسـم رمزهـا = قفلن بارصاد المعانـي العجائـب

فلا القفل مفتوح ولا السر ظاهر = وحسبك بالتسليم خيـر المذاهـب


وفي تلك المنازلة الطارقة، وال وفي تلك المنازلة الطارقة، والداعية البارقة، غبت عني، فمرّ بي رجل، فوقف أمامي زماناً، وهنالك وحضرت، فسمعته يقول: هذا رجل أكل حشيشة.

فغلبت عليّ غيرتي لربي، ثم أخذني الرضا من الله تعالى، فصبرت وتفكرت فقه هذا الأمر، فرأيت: أن عباد الله المحببين إليه، مذهبهم حق، وأضدادهم مذهبهم باطل، فإذا برز عبد من المحببين، برز بثوب مذهبه، فرأته عين ضده، انفصلت الوصلة الجامعة بينهما، فنفرت منه نفسه، وقام من نفسه الخبيثة لنفسه صفات مذمومة، أصلها منه، رآها بالعبد المحبب فذكرها، ويزعم أنها صفات المحبب.

وربما أخذه حقده وبغضه لضده في صفته المحبب، فافترى عليه، وكذب، وخاض به، فألبسه من أثواب أباطيله أكسية البهتان، وتجرأ عليه بمحض العناد والظلم والعدوان، وهو في مشهده المزعوم كاذب، وفيما افتراه فاجر، وليس بضاره بشـيء إلا بإذن الله، والمحبب محفوظ الجناب؛ فإن الذي سبه المبطل صفات نفسه المذمومة، والذي لغط به وافتراه صفته أيضا.

وقد أفرغ هذا السر للعبد المحبب من حال النبي - صلى الله عليه وسلم - فإن قريشاً كانوا يسبونه، وإذا سبوا سبوا مذمّماً، فلا يغتم لذلك؛ لأنهم يسبون مذمماً وهو محمد، وبهذا جاء الخبر عنه - صلى الله عليه وسلم -؛ فإنه قال: ـ عليه الصلاة والسلام ـ : ( ألا تعجبون كيف يصـرف الله عني شتم قريش ولعنهم , يشتمون مذمماً وأنا محمد ). رواه أمة من ثقات المحدثين، كالبخاري ومسلم، وغيرهما.

وصرف قلوبهم وألسنتهم ـ أعني الطاعنين الشاتمين للنبي - صلى الله عليه وسلم - ـ صرف إلهيّ يشـمل أعداء وراثه ـ عليه الصلاة والسلام ـ في كل زمن ؛ فإنهم كانوا إذا سـئلوا يقولون: إنما نشتمه لأنه كذاب أشر، ومجنون وازدجر، ونطعن في إفك افتراه. حالة كونه عند ربه وعند أحبابه والخاصة من خلقه: هو الصادق الأمين المبارك، السـيد العظيم، العلة الغائية، الرحمة الجامعة الشاملة العامة.

فمشتومهم الكذاب ، وكلهم ذلك، ومطعونهم المجنون، وكلهم ذلك، ومسبوبهم المعلَّم، وكلهم ذلك، والحبيب العزيز القدر بريء عند الله وأهل الحق من خلقه.

وإن خوض أهل الباطل وبغضهم لأهل الحق، هو من انتصار الله تعالى لأهل الحق، قال نبينا العظيم، عليه أفضل الصلاة والتسليم: ( كفى بالرجل نصرا أن يرى عدوه في معاصي الله تعالى ). جاء هذا الحديث برواية علي عليه السلام.

وقد ترى حال أهل كل عصر وحظهم مع الله تعالى بمرآة الحال المحمدي، وهي عصابة أهل الحق، فكيف أقوال أهل الزمان فيهم، وحبهم لهم، وانتظامهم بسلكهم، وقيامهم بحوائجهم، وغارتهم لهم، وقدرهم عندهم وفي قلوبهم؟ فهم عند الله بهذه النسبة، وعكس ذلك كذلك .

وأخشى ما يخشى العارف، زهد أصحابه وأقاربه فيه، ولذلك يرى في كل عصر أقل الوارث ورَّاثهم، ويشهد لذلك ما رواه أبو الدرداء - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( أزهد الناس في العالم أهله وجيرانه ) . وفي التوراة: ( ما كان حكيم قط في قوم إلا بغوا عليه وحسدوه ).

وقد كان أئمة الأمة، الشعث الغبر، وراث حال المصطفى عليه الصلاة والسلام وعليهم، ـ أعني الاثني عشر ـ من خاصة أهل بيته، مع ما هم عليه من العلم والفضل والزهد والحكمة والشرف الوضاح وجلالة القدر وعلو الجانب وعزة الجناب، حتى كأنهم من أنبياء بني إسرائيل عليهم السلام، ولا زالوا محسودين مبغوضين.

بغى عليهم أهل زمنهم، وأساءوهم وأهانوهم، وهم بين شهيد بالسيف، وشهيد بالسم، ومكمود بالغم.

وقد كانت طوائف العمال من جماعة ملوك أمية وبني العباس.............


يتبع إن شاء الله تعالى

الرفاعي
03-13-2018, 11:04 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
ــــــــــــــــ

وقد كانت طوائف العمال من جماعة ملوك أمية وبني العباس إذا قصدوا الحجاز تبعتهم الجنائب، وحدت لهم حداة الركائب، وضربت لهم الأخبية على الطرق بأطراف خيوط الذهب وصحاف الفضة وخيام الحرير، ومدت لهم الأسمطة بأواني الصين، ونصبت لهم كراسي الذهب وأسرة الجمان.

هذا ومنهم العبد الخصي، والعبد الأسود الأجوف، والفاجر، والمخمور، والكذاب، والمتجاوز الحدود، والمتخوض في مال الله بغير حق!!.

وآل محمد ـ وعليه وعليهم من الله أفضل الصلاة والسلام ـ على أقتاب الأبل، ويتظللون بأشجار الغيلان، وأثوابهم مرقعة، وأوانيهم الأرض وملاعقهم أكفهم، وطعامهم خبز الشعير، وإذا كانوا في مجلس تقدمهم أولئك الطغام، وبقي لهم أطراف المجلس وأواخر الخطاب.

وقد انتهكت حرمتهم، وسلبت حقوقهم، وفعل بهم ما يفعل بالحربيين، سبحان الله رب العالمين.

وفي هذه الأدلة من أسرار الله للعارف، ما يلزمه بالرضا المحض من الله تعالى.

وقد رأيت قوما يقولون: هذه الخصوصيات للعارفين الذين هم من أهل الاطلاع، وقد عرفوا بوعد حق ما أ عد الله لهم من قرة أعين، ولو بلغنا مثل هذا لصبرنا كصبرهم، ورضينا كرضاهم، اطمئنانا بوعد الله تعالى.

والجواب:

هذا من مغالطات الشـيطان، ومصـارعات النفوس، إذ الوعد الإلهي ثابت لكل مؤمن مسلم صبر ورضي بنص (( إن الله مع الصابرين ))، (( إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون )).

فالصابرون المبشرون بالمعية، والمتقون المؤمنون الموعودون بها، والمراد بالمؤمن هنا: المطمئنـون بوعد الله تعالى، أهل الإيمان به، والله تعالـى قال:

(( إنا لننصـر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد )).

وعلى ما ذكر، فهذه الدنيا المؤقتة الكاذبة، لا الغلبة فيها غلبة، ولا المغلوبية مغلوبية، وإنما كلاهما يظهر في الآخرة الباقية، بين يدي من يعلم السر والعلانية.

ومن انتصار الله تعالى لأهل الحق، أن التأييد معهم في فقرهم وذلهم وانكسارهم وعجزهم، وأهل الباطل الخزي معهم في غناهم وعزهم وشوكتهم وقدرتهم.

وفقه ذلك: أن كل القلوب ـ نيرها ومظلمها ـ منفك من استحسان باطل أهل الباطل، مرتبط باستحسان حق أهل الحق، وإن انفكت القوالب أو ارتبطت بكلا الطائفتين.

وبلغني من رجل من أصحاب النوبة بمصر، اسمه السيد عبدالرحيم: أنه خطب امرأة ثيبة من أهل المحلة لنفسه، فامتنع أخوها عن إعطاءها له، فقيل له في ذلك؟ فقال هو يأكل الحشيشة. قيل له: أرأيته؟ قال: ظاهر هذا بعينه. قيل له هذا رجل صالح. قال لو كان صالحا ما كان هذا الاحمرار بعينه.

وهذا من العجائب! على أن بعض القوم ذكر أن احمرار العين من علامات الصلاح وصدق الحال، وما ذلك إلا (( ليميز الله الخبيث من الطيب )).

وقد رأيت في سياحتي هذه إلى الحجاز والديار المصرية والشامية: أن الأحمدية مع كثرتهم وشـهرتهم، وكثرة أولياءهم وحسـن اعتقاد الناس بهم وبمتقدميهم، وتسـلسـل الأولياء في طائفتهم، دون غيرهم من رجال الطوائف بالمال والأماكن على الغالب، إلا من نذر. فكوشفت في منازلتي: أن استفت من الخضر في هذا إذا رأيته .

وهناك وأنا أمام باب القلعة بحلب............

يتبع إن شاء الله تعالى

الرفاعي
03-13-2018, 11:14 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
ــــــــــــــــ

وهناك وأنا أمام باب القلعة بحلب، وإذا به عليه السلام، فقلت له: عليك السلام. أفتني؟ وذكرت القصة.

فتبسم وقال: الله تعالى يقول: (( ومن نعمره ننكسه في الخلق )).

يريد أن التفسير في هذه الآية: من نعمره عندنا، ونعليه في حضرة قربنا، نجعله عند الخلق منكسا. ثم قال: أنت ذكرت أنهم أكثر القوم أولياء، وأشهرهم رجالا، وأعمهم فتحا، ومنزلتهم في الديوان معلومة كما رأيت. قلت: نعم.

قال: وهذا غاية التعمير عند الله. فحمدت الله تعالى وقلت:


إن البراهيـن وأطوارهـا = تحدث للعارف أخبارهـا

تكشف من طي إشارتهـا = لصاحب الإذعان أسرارها

يجعل ربي عز من فاعل = صغارها في الباب كبارها

أكرم بالباقي كبار الحمـى = وصد بالمعـدوم فجارهـا

يقطع بالتقـوى أساتيذهـا = والصبر والعرفان أعمارها

ومن به زاغ طريق الهوى = يعشق من دنيـاه آثارهـا

يترك أخراه ومن حمقـه = ينفخ في دنياه مزمارهـا

وما درى أن البلا موثـق = بأسره بالموت أحرارهـا

ويتجلى الأمر بكشف الغطا = ويحمل اللاهون أوزارهـا


فسمع كل قولي وقال عليه السلام: أنت موفق بارك الله بك؛

وقال:


لا بـارك الله بهـا إنـهـا = تصرع دون الناس أنصارها


فقبلت يده، ودعا بخير.

وانصرفت أطلب مراقد بني الصياد في دائرة السيد العرابي، فوصلت وبتلك الروضة دخلت، فكأني ـ ولربي الحمد والمنة ـ أختال في روضة من رياض الجنة.

وانكشف لي هناك الحجاب عن سكان ذلك الرحاب................

يتبع إن شاء الله تعالى

الرفاعي
03-13-2018, 11:30 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
ــــــــــــــــ

وانصرفت أطلب مراقد بني الصياد في دائرة السيد العرابي، فوصلت وبتلك الروضة دخلت، فكأني ـ ولربي الحمد والمنة ـ أختال في روضة من رياض الجنة.

وانكشف لي هناك الحجاب عن سكان ذلك الرحاب، فهم ما بين قطب عارف، وإمام محفوف بصنوف العوارف، ومحاذ كامل، وصاحب خلعة فاضل.

أما السيد العرابي، فهو - رضي الله عنه - طويل القامة، أسمر اللون، صاحبة هيبة غالبة ومدد فياض، وله اليد البيضاء في المنازلات الجليلة، وكشف غياهب الواردات الثقيلة، وعليه من طوارق المقام جلالة عظيمة، وهو قطب المحبوبية في زمنه، وله رتبة المحاذاة مع الغوث إذ ذاك.

وهناك أمة من أهل المقامات والأحوال، كلهم من الأكابر الأبطال، منهم السيد أبو بكر الصيادي، وهو أيضا محاذ، ومقامه الوجد المتواصل، وحاله العشق، ورتبته الإرشاد، والسيد خير الله الكبير، وهو من المحاذين، وعليه خلعة قطبية الإرشاد تحكماً، وله من مشهد القرب قوة تصرف مؤثر، وحاله أغلب في طرازه من مقامه، ونهضته من طريق الذل والانكسار لله.

والسيد محمد بن السيد خير الله، وهو الإمام الثاني في زمانه، وحكـم مشـهده حكم الصدق، وله منازلات من الحال النبوي، فيها قوة من العناية الربانية لا تُكيَّف.

وولده السيد خير الله الثاني. رجل انصبت عليه سحب الواردات الرحمانية من مقام التجريد، وله فيها خلعة إرشاد مع قوة تصرف في حاله، وبوارق مشـاهد جميعهـم المحبة للنبي صلى الله عليه وسلم.

ولما وقفت في مقام الحضرة مع السيد عرابي ـ قدس الله روحه ـ قلت: أوجز لي من تحف اقتطافاتك من عناية النبي - صلى الله عليه وسلم - كلمات أنتفع بهن؟.

فقال: لكل بارز من بوارز الحق مقابل تجاهه من بوارز الباطل، وكل من طلب علو همة القوم فيه مع انحطاط همته فيهم . فهو خبل جاهل، وكل من ادعى منزلة الصدق والانقياد للقوم، فهو يرى أغلبية انقياده لنفسه على الانقياد لهم فهو مكابر، وكل من رفع مسوح البطالة في هذه الأعمال بدعوى اعتقاد حكم الفعل الإلهي فهو خاسر، وكل من أبطن رد كلمات أهل الحق قياما مع زفرة نفسه، واتباعا لثورة غرضه وحظه، واستخف بوعد نبيهم لهم، وكذب علمهم بربهم عنه تعالى فهو باطن الحقيقة كافر، وكل مراتب الوصول يقطعها صاحب الإذعان بصدق جازم وعزم حازم، ومن لم يتجرد عن كله فما هو مع الحق من أهله، وحسبك.

قلت: سبحان الله! ما أبدع وأحلى وأغلى هذه الكلمات الجوهرية! وإنها لأم الحقائق وأبوها!.

قال سيدنا الغوث الأكبر الرفاعي ـ رضي الله عنه ونفعنا بعلومه ـ في بعض مجالسه: فتش أيها السالك بينك وبين ربك، فإذا رأيت لها حظا فوق حظ شيخك، فابك عليها فإنها مقطوعة، وإن رأيت عندك شيئا أغلى منه من حقائق ومعاني، فاندب صدقك، فإنك كذاب، وإن رأيت عندك مطلوبا فوق نبيك - صلى الله عليه وسلم - فنُحْ على إيمانك فإنك منافق، وإن رأيت فعلا فوق فعل ربك، فانْعِ توحيدك فإنك مشرك، وإن رأيت اعتقادك تقيمه وتقعده تأويلاتك، فجرد عنك عزمك فإنك بطَّال.

وإن رأيت همتك تنصـرف إلى غير العزائـم وتندفع إلى ما يطيب لها من الرخص في خدمة شيخك، فاتهم نفسك فأنت مبطل مقصر، وإن رأيت أن علمك يسبق اعتقادك إلى انتقاد مرشدك قالا أو حالا، فأنت سفيه، وإن رأيت شهودك يغلب وعده لك، فأنت من الإيمان بالغيب محروم، وبسلطان أمر الله جاهل. وإن رأيت لك في خدمتك له بعرض أو حال حقا عليه، فأنت مغبون، وإن طلبت مع عدم غسل عذرة عيوبك أن يلحقك بالركب، فأنت مأفون؛ فإن الله يغار أن يجلس على مائدة الخصوصية مثلك، وأنت على نجاسة نفسك.

هذا كتابه الكريم وضع بين دفتين فغار عليه: (( لا يمسه إلا المطهرون )).

فأين كتاب التخصيص الذي هو القرآن العظيم، المقروء الغير مكتوب، المفهوم بالقلب، المذاق معناه بذائقة السـر السـاري، نوره في الفؤاد، الذي تحاط به الدوائر، وتكتنف المظاهر، ويحير به الأوائل والأواخر، الملقى خلقا في خلق النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى خواص أمته عليه الصلاة والسلام.

فإن كنت مع ما أنت عليه تطلب هذا، فنزه نفسك عن وهدة طلبك، ولك أن تتمسك حينئذ بأذيال القوم وتحبهم ـ ولو كنت بطالاً ـ لحفظ إيمانك ووقاية دينك، ( هم القوم لا يشقى بهم جليسهم )، عليهم سلام الله وبركاته. انتهى كلامه الشريف.


لعمري أبو العبَّاسِ أعلمُ من طوَى = على العلمِ بعدَ التَّابعينَ رِداءهُ

وأَعرفُ حِزْبِ العارِفينَ بربِّهِ = ومن ثمَّ أعلى الله فيهم لِواءهُ

وعلَّمهُ العلمَ اللَّدُنِّيَّ واصْطَفى = له خَدَماً في نهجِهِ أَولِياءهُ

وحقَّقَهُ في رُتبةِ الصِّدقِ والهُدى = وعرَّفَ فيه أَرضَهُ وسَماءهُ

وصيَّرَهُ عن سيِّدِ الرُّسْلِ نائِباً = وورَّثَهُ في حالِهِ أَنبِياءهُ


وقد حفتني لوامع الحنان والعنايات من مراقد السادة بني الصياد ...........

يتبع إن شاء الله تعالى

الرفاعي
03-14-2018, 11:17 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
ــــــــــــــــ

وقد حفتني لوامـع الحنـان والعنايات من مـراقد السـادة بني الصـياد، وقمت أميس بِخِلَع القبول، وخرجت ولي نفحة خاصة من نفحات الصدق، بتحققي في مرتبة الحب للجناب الرفاعي وورّاثه ـ رضي الله عنه وعنهم ـ كادت تعطّر الأرجاء التي أمر عليها بعطر همته الفعالة، ونشر مسك روحه الجوالة. وحمدت ربي أن وفقني للحب في الله، وللزيارة في الله.

قال معاذ بن جبل ـ رضي الله عنه ـ: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: قال الله تبـارك وتعـالى: (( وجبت محبتـي للمتحـابين فيّ، وللمتجالسـين فيّ، وللمتزاورين فيّ، وللمتباذلين فيّ )). والحديث صحيح، رواه مالك وابن حبان.

وقد غلبتني نفحة الحب للسيد الكبير ـ رضي الله عنه ـ حتى كنت ـ والحمد لله تعالى ـ أخشع لذكره إعظاماً لله تعالى الذي مَنَّ عليه.

والخشوع لكلام الله حين يتلى، ولاسم النبي - صلى الله عليه وسلم -، وللنبيين والمرسلين، والأولياء والصديقين والصالحين حين تذكر أسماؤهم، أو يحضر في محاضرهم، إنما هو لله تعالى، الذي انتقاهم واصطفاهم، واتخذهم معادن الحكم ومخازن الأسرار.

قال أبو الدرداء: كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فشخص بصره إلى السماء ثم قال: هذا أوان يختلس العلم من الناس، حتى لا يقدروا منه على شيء.

فقال زياد بن لبيد الأنصاري: كيف يختلس منا وقد قرأنا القرآن؟! فوَ الله لنقرأنَّه ولنُقرأَنَّه نساءنا وأبناءنا.

فقال: ثكلتك أمك يا زياد إن كنتُ لأعدك من فقهاء أهل المدينة! هذه التوراة والإنجيل عند اليهود والنصارى، فماذا يغني عنهم؟

قال جبير: فلقيت عبادة بن الصامت فقلت: ألا تسمع ما يقول أخوك أبو الدرداء؟! فأخبرته بالذي قال أبو الدرداء، قال : صدق أبو الدرداء، إن شئت لأحدثنك بأول علم يرفع من الناس: الخشوع، يوشك أن تدخل مسجد الجامع فلا ترى فيه رجلا خاشعاً.

وقد علم من كلام الشارع العظيم سر سرارة الأزل - صلى الله عليه وسلم -: أن قراءة القرآن لم تكن بنافعة ما لم تكن مع الخشوع لله تعالى. والجنيد إمام مذهب التصوف ـ رضي الله عنه ـ يقول: من لم يخشع بحضرات القوم، فهو كذاب، ومن لم يطمئن لهم فهو منافق، ومن لم يعرف حرمة الحق بأهله فهو مردود، ومن لم يسمع من صرير الباب، فهو والحمار واحد.

وقال شيخنا بركة الوجود، ثالث عشر الأئمة، الإمام الرفاعي رضي الله عنه: أيها الولد الصالح، إن سلكت الطريق فالزم آدابه، وعظم أصحابه، ولتعلم أن لهم طريقا ولك طريقا، فإما أن تلزم طريقهم وتترك طريقك لتحسب منهم، وإما أن تعرف أنك في وهدة غفلتك، فيقظ نفسك ولا تقطع عنهم.

آيات الله في أرضه الأولياء، وشموس هذه الآيات التي تضيء بها الأنبياء، وشمسهم التي تطلع لهم في حضرات محاضرتهم نبينا المصطفى العظيم، صلى الله عليـه وعليهم وسلم، وكلهم طريقهم واحد، ومنهاجهم واحد، وقصدهم واحد، وقد جمع سيرهم وخيرهم وفوائدهم ومقصدهم طريق النبي عليه الصلاة والسلام.

وهو ـ عليه من الله أكمل الصلوات وأزكى التسليمات ـ طريقه الخشوع والخضوع، والأدب والذل لله تعالى والانكسار له، وعلمه بربه وقربه منه سبحانه وتعالى أورث له خوفا منه جلت عظمته، وتعالت قدرته، حالة كونه الأمين المأمون؛ باب عوالم الوجودات إلى الله تعالى ؛ وقد كان أصحابه ـ عليهم من الله الرضوان والتحية ـ إذا جلسوا معه يجلسون وكأن على رؤوسـهم الطير، لما يشـارف قلوبهم من الخشـوع والخشية لله تعالى بشأنه - صلى الله عليه وسلم -.

وتلك سنة الله في عباده أهل النيابة المحمدية، وأصحابهم الخالصين الموفقين، ومن لم يلازم آدابهم ويشرب مشاربهم، فهو فيهم دخيل، ونصيبه منهم على قدر أدبه معهم، والعلم بعرفانهم يقضي بالأدب معهم لمن وفقه الله.

فإن عرفان العارف وفقهه في كلمة من منازلات السر وحاضرة من محاضرات الفتوح السماوي، أعظم من ألف كرامة، وأجل من ألف خارقة تحدث لغيره من غير أهل العرفان.

وسر الله المستودع في العارفين، من عين سر الله المستودع في النبيين والمرسلين، عليهم أجمعين صلوات رب العالمين. انتهى كلامه بنصه.

قلت:


علم الولـي بربـه يقضـي لـه = بالخـوف منـه لعـزه وجلالـه

والعلم من قبـل المريـد بناطـق = من شيخه يقضي بصون كمالـه

ومن ارتقى سدد السلوك مواظبـا = قلباً عن التقـوى يفـوز بحالـه

والجاهل المبعـود يسقـط نفسـه = بثقيـل حملتـه وقبـح خصالـه

وطريق كل الأنبياء ومـن أتـى = من بعدهم فسرى علـى منوالـه

لا شك يجمعـه طريـق محمـد = صلى عليـه ذو الجـلال وآلـه

فـإذا أردت الله فاتبـع نهـجـه = واجعـل فعالـك كلهـا كفعالـه

والزم خشوع الصالحيـن فإنهـم = حملوا النصوص البيض من أقواله

وتمسكوا بجنابـه سيـرا علـى = آدابـه فيضـا عـلـى أذيـالـه

هذا شعاع طريقهـم فانهـج بـه = أو خذ وقيت القطع ! طور رجاله

إن لم تكن منهم فصر شبها لهـم = فالشيء محمـول علـى أمثالـه


وفي مشاهدي هذه رأيت عبداً من عبيد الله الأحياء............

يتبع إن شاء الله تعالى

الرفاعي
03-14-2018, 11:41 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
ــــــــــــــــ

وفي مشاهدي هذه رأيت عبداً من عبيد الله الأحياء ولهاناً بالنبي - صلى الله عليه وسلم -، فانيا فيه عليه الصلاة والسلام، يقول وهو يمشي بصوت مخفوت رفيع: محمد محمد وهكذا، وهو أعرابي من بادية دير الخابور، اسمه علي، ولقبه عردوك، عليه خلعة من خلع البدلية، وله حال عظيم، وبركة ونور.

فوقفت أتفكر في ولهه، أستعذب حاله، فضحك وجاء إليّ وقال: الكل محمد، ومن غير محمد؟ اللهم صلِّ على محمد. وغاب عن نفسه.

فطربت له وأخذت حصة من حكم وارده، ومشيت فاستقبلني رجل مجذوب اسمه علي أيضا، حلبي الدار والمولد، وهو من أصحاب النوبة، فصاح: هذا حرامي، هذا حرامي. يعني بأني لص أريد سرقة أحوالهم، وضرب نفسه، فتخافيت عنه لغلبة حاله وعدم اقتداره على دفع منازلاته، وعذرته.

وأنا في بانقوسا، محل بحلب، فمرت بي امرأة وزحمتني وقالت: يا سيد، والله في النساء وليّات، وهن يعرفن الأولياء المختفين مثلك. فتركتها ومضيت إلى سبيلي.

ولم أزل هكذا أطوف كل يوم في المشاهدة السعيدة والأماكن الطاهرة، وارجع بعد العشاء على الغالب إلى دار الراغب، عشرة أيام؛ وفي اليوم الحادي عشـر، فرشت خدي بباب منبع الفيض الأول في الشهباء، ومن له بها عليّ حتى القيامة اليد البيضاء، سيدنا زكريا عليه الصلاة والسلام، واستأذنت من روحه الشريفة، وطلبت المسـير على بركات الله.

فانكشـف الحجاب عن ذلك الجناب، وبرز بعروس جماله على منصة جلال حاله، واجتذب بمغناطيسية روحه القدسية كل أرواح رجال الحمى، من صحابي وصديق وولي عارف وعبد محبب، فاجتُذبتُ، وأفرغ حكم الإفاضة إليّ، فأفاض كلهم فيوض العناية عليّ، وهناك أقول:


ذي جـمـلـة تـفـصـيـلـهـا فـيـه مـن = سـر الـمـعـانـي نـصّ حـال طـويــل

فـالـحـمـد لـلــه عـلــى فـضـلــه = وحـسـبـنــاالله ونـعــم الـوكــيــل


وفي أثناء إقامتي بحلب، رأيت فيها من الأحياء كل من لله فيه عناية من رجال البلدة، أعانهم الله تعالى.

منهم رجال الخرقة البدوية الأحمدية، الشيخ محمود أبو جدائل، هو رجل لزم الخلوة، وعليه سكينة، وله حال، وفيه صدق وعرفان، وحاله غلب عليه، وله من طوره كشف صحيح.

ومنهم رجل يقال له الفتياني. له شمة من طالعة الذكر، ورجل يقال له: الفاني. له نهضة من طريق الإخلاص، ورجل اسمه الشيخ طه، ويعرف: بابن البطيخ. فيه نفحة من وارد الصدق تامة، ورجل اشتهر: بابن القرلقي. فيه غلبة وجد.

ورجل يقال له: علي. وشهرته الحداد، فيه طارقة هيبة أخذته عن كله، ورجل يقال له : الشيخ محمد الطيار. من آل الكيال، فيه طارقة توكل، معها فرح بالله تعالى، ورجل رأيته بحلب، وهو من قراها ونواحيها الشمالية، اسمه الشيخ حسون، من آل البطائحي، وهم ذرية القطب الأعظم الشـيخ السـيد منصور البطائحي الرباني، خال سيدنا ومولانا الإمام الرفاعي رضي الله عنهما، فيه جذبة من جذبات الرحمن.

ورجل يقال له: الشيخ علي. من أهل التجريد، نسيج وحده، ورجل يقال له: عبد الحنان. غائب عن شـهود وجوده، من أهل النوبة، ورجل يقال له الشـيخ بكران. قطب جهة، وله تصرف بمقامه، ورجل اسمه الشيخ محمد، يعرف بالبابلي، ولهان، اطلع على حضرة فغابت عنه، إذا تذكرتها روحه هاج وماج حتى ينكشـف له منها طرف فيسكن.

ورجل بدوي من أعراب بادية حلب، رأيته بها، اسمه الشيخ عيسى، من أهل النوبة الخالصين، ورجل من العلماء اسمه الشيخ أحمد، فيه صدق، أحكم له من أسرار الأسماء نصيبا عظيما، ورجل من الشرطة بباب الحكومة اسمه علي، من أهل النوبة، له قوة إيمان وحال، ورجل من العلماء والمشايخ اسمه الشيخ وفا، له جزم صالح واعتقاد مليـح، وفيه بركـة حال. ورجل من قرى حلب، من بني الشـيخ نعسـان الحسيني الأحمدي الخرقة، اسمه الشيخ حمام، فيه زهد، وله إخلاص، رأيته بحلب، ورجل علاف اسمه الشيخ محمد، أحمدي الخرقة، له طور حسن وجاذبة حال.

ورجل من آل الحلوى، اسمه الشيخ محمد، أحمدي الخرقة، له حال غالب وصدق، ورجل من كتاب ديوان حلب، اسمه شريف، جذبته محبة رجل من عرفاء الأحمدية له، فأوقفته بإزاء الباب، وكأنه دخل بعداد القوم.

ومنهم رجل من التجار اسمه وفا، له يد من الصدق، وعليه طراز الشـرف، ورجل اسمه أبو بكر، سعدي الخرقة، له حال صادق، ورجل من بقايا الجنيد رضي الله عنه، من قرى حلب، اسمه الشيخ سليمان، رأيته بها، بدوي الطراز، فيه قوة حال، وبركة ظاهرة وغيرهم، نفع الله بهم .


الأوليـاء العـارفـون بربـهـم = أخفاهـم للسـر تحـت قبابه

هاموا به وتنزهوا عـن غيره = فأعزهـم سبحـانـه بجنـابـه

هجروا جميع الكائنـات لأجله = وتململـوا ذلاً علـى أعتابه

قعدوا عن الأغراض لا عن حِطّة = لكنهم صدقـوا الوقـوف بابه

طاروا لساحـة قدسـه بعزائم = قامت بقـول رسولـه وكتابه

وهم الذيـن إذا الأنـام تعرفـوا = يوم الحساب يقال مـن أحبابـه

ما خاب من سلك الطريق بإثرهم = والله لا يخزيـه حيـن حسابـه

والاتصـال بربـه مـن حظـه = إن كان أهـل الله مـن أسبابـه

أرضاهـم مـولاهـم بجميـلـه = وجماله وحسـوا لذيـذ شرابـه

فهم من الطهر الرسول عصابـة = من وارثيه أجـل ومـن نوابـه

محرابهم لم ينحرف عـن ربهـم = وقلوبهـم مطروحـة برحـابـه

أخذوا الطريق إليه هدي محمـد = وهل الوصول إلى ربنا إلا به؟!

صلـى عليـه الله جـل جلالـه = وعلى بنيـه وحزبـه وصحابـه


وقمت في اليوم الحادي عشر من حلب إلى الطريق الشمالي منها...............

يتبع إن شاء الله تعالى

الرفاعي
03-15-2018, 05:07 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
ــــــــــــــــ

وقمت في اليوم الحادي عشر من حلب إلى الطريق الشمالي منها بدرب قرية ( تل رفاد)، أسير الهويناء على بركة الله تعالى، والعناية معي ولديّ وفيّ وعليّ، وبعد خروجي من حلب، حنت روحي لها كحنيني إلى بلدي الأصلي، وشارفني لها وجد وجزع.

فقلت: لابد لهذا من سـر! وتفكرت قول من قال، وهو شـيخ الأولياء السـيد أحمد الصياد العظيم المقام والحال:


مـا حـن قـلـب فـتـىً لـحـيٍّ عـارض = إلا وتـثـبـت فـيـه مـنــه ثـوابــت

لـلـه سـر فــي الـقـلــوب مـؤيــد = مـنـه بـرحـب الـكـون عـرق نـابـت


وهنالك، وانكشف لي طراز غيبي، عن سطر سماوي، خط في صحيفة الأمر، تسلقت لقراءته همتي من طريق الدنو المحمدي، يتضمن علو أمر بيتنا المعمور، وركن شرفنا المشهور المذكور بحلب الشهباء، وديارها الفيحاء، وفيه من حكم الوهب الإلهي والمنح الرباني ما رفع همتي في مدارها، وأضاء عينها في منارها (( إن الله لا يخلف الميعاد )) وأخذتني نفحة الوهب من طوري فرفعتني إلى طُوري، فقلت من حال حكمةِ حكم المقام:


ظهر السبع من بطيـن الغـاب = وانجـلا بدرنـا بغيـر نقـابِ

وتجلى الهلال في بهرجان اللـ = ـيـل يبـدي الضيـاء للأحبـابِ

هـذه آيـة سمـاويـة الــسـ = ــر علَت نشـأة بطـيّ الحجـابِ

فلـك الغيـب دار فيهـا فلمـا = تمـم الـدور مـال للانحجـابِ

مظـر بـارق بمعنـىً خـفـيٍّ = ومـقـام مجـمـل بالـثـوابِ

نصبت لـي بسدتيـه الكراسـي = وكؤوسـي تنـورت بالشـرابِ

ومقـام افتخـار دولـة عـزي = عزّ معنىً وفاق فخـر جنابـي

دهشـة أحمـديـة ذات مهـيـا = ومحيـا يحيـي أولـي الألبـابِ

فأنا القطب في دكيكين طبخـي = وأنا الغوث فـي رثيـث ثيابـي

وأنا الشيـخ والرجـال تلامـي = ذي وعلمي بـدا إلـى الطـلابِ

وأنا الفرد في الزمـان بشأنـي = وأنا المرشد الشريـف انتسابـي

وأنـا السيـد المعلـى جلالـي = سار جيش الشيوخ حول ركابـي

وقفول العـراق تمشـي بظلـي = وأستظل الزمان تحـت قبابـي

قلمـي آمـر وحكمـي جــارٍ = أذعـن الدهـر طائعـاً لكتابـي

دولتي في الجنوب والغرب دارت = وبأقصى الشرقين طول رحابـي

وبمبنى السدين صولـة بأسـي = وبمعلا الدورين سمـر حرابـي

درات الطالبـون حولـي لأنـي = كعبـة للـرجـال والأقـطـابِ

حـرم طيـب بـه يأمـن الـدا = خل جهراً من شوبـة الأتعـابِ

وطريقي باب الوصول إلـى الله = وفيضي يجري إلـى الأنجـابِ

دولـة لا تـزال تنفـث سـراً = بعد موتي والسر تحـت ترابـي

وخفائي لاشك عيـن ظهـوري = وبعيـد التستيـر يفتـح بابـي

سترى لي في دورة الشام والشهـ = ــباء نوراً يعلـو بنـور شهابـي

وترى لـي مظاهـراً تتسامـى = وتسامي الشيوخ في كـل بابـي

وترى نوبتـي تضـج وإسمـي = يتبـاهـى بـذكـره نـوابــي

وترى الحال في زوايات ذكـري = وترى المرتجيـن فـي أعتابـي

إن ترم نفحتـي عليـك بسلكـي = فسلوكـي المفتـاح لـلأبـوابِ

وطريقي نور التجلـي وسيـري = عقدة الوصل من يـد الوهـابِ

طف ببابي ولاتمل عن مـداري = وانح نحوي واسمع لذيذ خطابـي

لاتمـل نحـو جاهـل أشغلتـه = عن علانـا دنيـاه بالإكتسـابِ

ذمك الكاذبون جهـلاً فخاضـوا = فرأيناهمـوا بـسـوء الـمـآبِ

سُلبوا الدين بعـد ذاك وراحـوا = ومـآل الــروح بالأعـطـابِ

كـم يقولـون ما لهـذا ضميـر = إنمـا فخـره بلـيـن الثـيـابِ

فسمعنـا منهـم وعنـك أجبنـا = لايضر السحاب نبـح الكـلابِ

إن تكن عامراً مـع الله فاطـرح = شخص دنياك تحت طيّ الترابِ


وبعد أن ذهب الوارد، وحضر الفاقد، وبقي القول، وانتبه القائل، سرت على البركة فوصلت إلى مدينة:



((( كلس )))


يتبع إن شاء الله تعالى

الرفاعي
03-15-2018, 01:29 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
ــــــــــــــــ


((( كلس )))

بلدة من بلاد الترك، فيها نسمات من نسيم الحضرة، وفيها مراقد أمة من الصالحين، وعلى ظاهرها مرقد الصحابي الجليل سيدنا شرحبيل، فزرته، وانتظمت بسلك اللائذين برحابه والواقفين ببابه. فمن عليَّ بالقبول، وانفتح لي إلى حضرة قبره الأنور سرداب برزخي وسيع، رأيت فيه من غرائب مواهب الله تعالى لصاحب الحضرة العجائب، وبرز بخلعة مقامه بظهوره فيه، فتمثلت بين يديه فقال رضي الله عنه:

جرد قلبك عن قالبك، والتحق بعالم روحك، تلحق بالرفيق الكريم، ورُح إلى الحضـرة بسلوك شيخك السـيد أحمد الرفاع؛ فهو من براهين الله في أولياءه، وسيظهر لطريقه بك وبأتباعك شأن عظيم، فقل: (( الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات )) فقلت. وترجم هناك لسان الأدب من مضمر حال القلب بما يليق للمقام، فبش بوجهي، وألقى عليّ رداء أخضر مسهما بالبياض يلمع بالنور، وقال: هذا رداء السعادة المحمدية التي لا تحول. ثم تبسم وقال: والله إن السيد أحمد الرفاعي من حكماء حضرة القرب! اقرأ أول مجلس له في كتاب (( غنيمة الفريقين ))، جمع السيد هاشم الأحمدي، وتسلك به، تجمع بين إتقان السلوكين: الدنيوي والديني، وبذلك كفاية. وتغير المحضر، فقلت:


يا شرحبيل حضرة الأنس إني = يا شرحبيل عبدك المحتـاج

بك من فيض سيد الخلق بحر = للعطايا هاجت بـه الأمـواج

فاجتذبتنـي بهمـة يتجـلـى = من هداهـا لهمتـي معـراج


وانصرفت أرفل برداء همته قرير العين، أميناً بإذن الله من طارق البين، وصرفت العزم للوقوف على مزايا أول مجلس في كتاب (( غنيمة الفريقين ))، فرأيت فيه بعد ملاحظة حكمة الغاية، وفيها ـ والله ـ لطالب الأمرين الكفاية.

ولحصول بركة السر، وكشف هذا الطي بالنشر، أقول: نقل القطب الثبت الحجة الصفيّ السيد هاشم العبدلي، ويعرف بالأحمدي، في كتابه (( غنيمة الفريقين ))، الذي جمعه من حكم الإمام غوث الثقلين، أبي العلمين رضي الله عنه أول مجلس صدر به الكتاب، فقال ناقلاً عن مفزع الطوائف سيدنا الإمام الرفاعي ما لفظه:

قال رضي الله عنه: وحد الله تجمع خاطرك، وتصلح سرك، وأطع الرسول صلى الله عليه وسلم تحفظ شأنك، وتحكم أمرك، وارفع نفسك عن سفاسف الأمور، وانتخب معاليها، تعز نفسـك وترفع قدرك.

ما صدقك من كذبك فعله، ولا آمنك من خانك أصله. اشتر الرجل الصـعب الأمين، الطلق اللسان، الكريم الأصل، الغزير العلم بكل ما في يدك، ولا تضن عليه.

وبع الرجل الهيّن الخائن المتلصص، الوضيع الأصل، القصير المبلغ بغير ثمن، ولا تُمل قلبك إليه؛ فإن المُشْتَري الأول ربح لا يعقبه خسران، والمُبَاع الثاني غائلة لا تأتي بأمان.

وإذا اتخذت بطانة فقف مع كريمها، وأعرض عن ذميمها، وشـرف صيتك بمصـاحبة من شرف صيته، واحكم أمرك بمن يرجح دينه على دنياه وشد عراك بمن يعرف شأن الدنيا والآخرة ويملك هواه، ولا تأمن الجريء على ربه، المهمل لأحكام دينه، ولو أعجبك لسانه؛ فإن من أهمل أمر دينه تكذيبا لله واستخفافا برسوله، فتكذيبك واستخفافك عنده أهون؛ وإن فعل ذلك عجزا عن القيام بحق ربه ونبيه، فهو عن حقك أعجز.

من أصر على ترك الفرائض من الإسلام جحداً أو عناداً، فهو أضر على الأمة من الكفار، وأسرق لهمم الجاهلين من أولئك الطغام الأشرار، ومن عبد الدرهم ما عبد الله، ومن طمحت همته لجمع المال من حرام وحلال، فهو أسـير الزيادة، لا يقف إلا معها؛ ومن كان كذلك فلا نخوة له ولا وفاء له؛ بينة المدعي الأعمال، ودفتر حال الحكام العمال، وخلوة العبد بربه عند جمع قلبه، تظهر له إذا اعتبر نقصانه وكماله، وتبرز لعيانه إذا تفكر عمله وحاله (( فاعتبروا يا أولي الأبصار )) من أطـاف إنصافه على طرق أعماله، أمن من عواقب فعاله، ومن لم يحاسب نفسه على كل نفس لم يكتب عندنا في ديوان الرجال. ما كل عالِمٍ إذا قلت: إعمل بما عَلِمت. أجابك فعله، ولا كل منطيق إذا قلت له: صرّف أقوالك. وافقه عقله، والجامع بين هذه المزايا، هو الرجل تعقد عليه الخناصر، وتبتهج به المحاضر. وترجمة الحياة صيت، إما حسن، وإما مذموم، وعلمك إن لم يكن دالاًّ لك على نجاح في دينك وطمأنينة في قلبك، فهو جهل؛ وقدرتك إذا أنتجها محض الغلبة ولم يوطدها لك انقياد خالص تقول به القلوب فهي ضعف.

وكل عمل لك لم تجعل فيه الحكمة المحمديـة أصلا فهو فاسـد، والكافر مسـتدرج، والمؤمن بعد أن فطر على الإسلام لا يفلح إذا كفر أو استخف؛ والزمان إناء الأفكار , تتلون بلونه، والناس بقادتها، والعبيد بسادتها، والسائس يعرف إتقانه بخيل اصطبله، سمنت أو هزلت؛ والخِلّ يعطيك الصفاء، ويأخذ منك الوفاء، فإن وافيته صافاك، واللئيم غدار، والكذاب بعيد عن الأمانة.

ومن انقطع إليك فاحمل عِبْأه وثقله، فإن لم تفعل أمرته بالاتصـال بغيرك، والأمير بالأعوان الصالحين لسياسة الدنيا والدين، والعاقل يحمل غصة الكريم الحاذق سنين لينتفع بفضله يوما؛ والحازم يسكت أعواما لحكمة، وينطق ساعة فيحيي أمة.

ومن وقف مع الأخسـاء انفصل عنه الأجلاء، ومن أعظم الجهلاء، سـقط من أعين العلماء، ومن ذمه العاقل العالِم، فقد ذمة كل العَالَم، والأحمق من أراد كتم عيب أظهرته الأيام.

وأحسن المزايا وعد يشده وفاء، وخبر يصحبه صدق , وعزم تعضده عزيمة، وقوة تلازمها رأفة، وعلم ينيره عقل، ولسان يشرفه قلب، وهمة يصوغها ترفع، وطبع يمازجه، أدب وحسب يعظمه كرم، وعقيدة يطهرها إيمان، وخاطر يوطده اتكال على الله تعالى.

والناس للناس من حيث التعاضد محتاجون، ولكل بارزة من الحوادث بعين الحاجة متشوفون، وإذا عرف العاقل ـ عظم أو حقر ـ كل احتياجه لكل شيء، عرف بذوقه شدة احتياجه لموجد الأشياء؛ فعامله بقدر احتياجه إليه.

أيها الغبيّ! تنام محتاجاً للحادثات التي ستنعدم، وتستيقظ محتاجاً لها، وترى أنك بعد ذلك فوق الأشياء. الفوقية تقوم بالاستغناء الحق عن الشيء، باحتياج الشيء للمتفوق؛ وذلك الوصف مفقود في كل موجود.

احتجت لحائك الثوب، ولغازل القطن، ولحلاجه، وجامعه، وزارعه، فما بالك بموجده؟! احتجت للفران في خبزك، وللطحان، ولحاصد القمح، ودارسـه، ومصلحه، فما بالك بمنشئه!.

ثوبك سترك، وفيه رأيت حاجتك، ولقمتك قوامك، وفيها رأيت حـاجتك. قس عليها باقي حاجاتك للأشياء، وترفع بقياسك تجد احتياجك للموجد فوق احتياجك للموجودات؛ فافزع إليه وتكفى وصمة الاحتياج. يرزقك من حيث لا تحتسب، يسخر لك الأشياء بمحض القدرة.

أيها اللبيب، لا تدفع عقلك لمضايق المطالع...........

يتبع إن شاء الله تعالى

الرفاعي
03-15-2018, 01:38 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
ــــــــــــــــ

أيها اللبيب، لا تدفع عقلك لمضايق المطالع وتقف مع المقاصد، وتنصرف عن مسالك أهل العلم بالله تعالى، الذي انتظمت لهم بيد الوهب قلائد عقود الحقائق. كل مطامعك ومقاصدك ومسالك همتك قاصرة عن حد النتيجة، ما لم تكن مندفعة إليك بسلطان الأمر الأزلي؛ وهناك قليل من سعيك ينتج لك ثمرة القصد؛ وعلى هذا الطريق المحكم فسعيك موافقة حكم لا معارضة قِسَم. (( نحن قسمنا )). آية من قاهر الإرادة المحتمة فعلت فوق فعلك، قبل كونك، أخذت زمامك منك، فنم بسعيك على عتبة باب التسليم.

قدر قمر الإبراز منازل في سماوات الأحكام بحكمة سلطانه (( ذلك تقدير العزيز العليم ))، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

قل بلسان قلبك، اكتب بقلم سرك، طر بجناحي روحك ويقينك، انصرف عن قالبك، عن علمك، عن عملك، دع شقشقة الألفاظ، خذ بلباب الحكم، مت عن هواك، طالب عزمك بالقيام بعزائم الأمور، سـر عن الوجودات سـيرة ذي يأس من غير الموجد جلت عظمته.

وقف القوم بقلوبهم مع مشايخهم الأحياء منهم والأموات، واستفاضوا سر الإخلاص بتوسط أرواحهم؛ لا لكونهم مفيضين، بل لكونهم محل الفيض الإلهي، والتماس توسط أرواحهم هو التعرض لنفحات الرحمن، والتشوف لبركة تجلياته، وقد أمرنا بالتعرض للنفحات الرحمانية، والاتباع لسبل أهل الإنابة للحضرة القدوسية.

فعليك أيها السالك بهذين السرين، ففيهما لك قرة عين تنفي الغين، وتسقط حكم البين من البين.

وإذا شارفتك من أطوارك أحوال فنقها من سابحات خيالك؛ فإن حضرة الخيال ترسم لأهل الأحوال صـحف شـؤونات يصعب عليهم تفريقها عن الحقيقة؛ ومنها: الشـطح والدعوى. وكل ذلك لرعونة تمكنت آثارها من القلب، فإذا شارفت الرجل أحواله من أطواره، هاجت عليه لعدم تمكنه رعونته، فصال وجال، وعربد وقال، والكل خيال. (( إنا لله وإنا إليه راجعون )).

كن أيها اللبيب في إبان سلوكك محجة الطريق، سائساً لنفسك، عالماً بأحكام سياسة سرك، ممارساً لأسرار النفوس وما انطوت عليه من المحاضرات والمضامرات والخفايا المكتومات، وحقق عزمك بالتمكن في عزائم الصدق، وانسلخ عن كل مشارفة يشرف منها طور نخوة نفسك، حتى لا تبقي لك من آثار كل مشارفاتك غبار نخوة، وهناك تحسـب في الركب، وتصلح لمجالسة الأحبة ومجانستهم، وإلا فأنت دخيل.

وتشبه بهم بقصد التحقق بأحوالهم والتمكن بمقاماتهم، لا بمجرد التقليد الوهمي للتقدم والغرض، واهدم صوامع زعمك بذكر الموت، فهو هادم اللذات، وصر حيّاً بالله، (( وكفى بالله وليّاً ))، والسلام.

انتهى المجلس الأول، وهو المجلس الذي أمرني بقراءته والتسلك به سيدي شرحبيل، الصحابي الجليل رضي الله عنه.

وإن كان ذو بصيرة ونظر من أولي الألباب، إذا أعمـق فكرة في أسـاليب هذا المجلس الشريف، يعتقد جزماً أن التسلك بمضامينه سلم يرفع بالسـالك إلى مراتب القرب من الله تعالى.

وصباح يومنا ـ وكان يوم الأربعاء ـ قمت مع قافلة قليلة الأعداد أطير بهمة الوجد، وأتدلى إلى رفارف حظائر الأنس بجاذب الشوق، وقد جعلت قدمي في السـلوك على طريق المجلس الأحمدي الذي تشرفت بذكره، والحال يزمع بي في سيري، ويرفعني عن محطة الطور إلى مراح الفكر والاعتبار في مجال هذا التنزيل النوعي حتى قال قائل: هذه ((( عنتاب ))).

يتبع إن شاء الله تعالى

الرفاعي
03-15-2018, 07:17 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
ــــــــــــــــ

((( عنتاب )))

وهي بلدة أخرى من بلاد الترك، فانتبهت لما ظهر لي من شهود طارق الأرواح الطالعة في معاريج حضرة البلدة، وسبحان الله ! فيها حجب وراء حجب، ومطارقات في منازلات النفوس والقلوب، وأهلها ينجذبون إلى أهل الزِّيِّ بخرقـة، وينجذبون عنهم بكلمة، وفيهم بركة الميل إلى خدام باب الله، وبهذا يرجى لهم الخير.

وقد حاضرتني في تلك البلدة روح سيدنا سعد بن عبادة الأنصاري - رضي الله عنه -، فما كدت أتزحزح طرفة عين إلا وأنا في مقام محاضرتها، وأقمت فيها يومين وليلتين.

وصباح اليوم الثالث، قمت على البركة من طـريق المزار إلى ((( نزيب ))) ومنها إلى ((( البيرة )))، وأنا بسكرة محاضرة الروح الطاهرة السعدية.

ففي ((( البيرة ))) شارفتني بارقة من بوارق القدس، صعدت معها روحي إلى فج من فجاج الملأ الأعلى، واغترفتني طالعة من طوالع الإفاضة الإدريسية أترعت كأس قلبي ذوقاً، فانجمعت بعد فرقي، وانسلخت عني بالكلية، وتجردت لي روحي تجردا لطيفاً، فانطلقت كالفارس المسـرع تخب في فضاء الملكوت؛ ثم ترقت في نهضة عزمها فطارت، ثم تحكمت في مطارها فكرّت نوراً فعّالاً مستوعباً صفحات الوجودات؛ ثم انقلبت بواردات علوم سماوية والله يعلم متقلبها ومثواها (( بسم الله مجريها ومرساها )) وانتظم بعد عقدها بخيط الجسم , فرجع المجرد إلى غمده بعد تجرده اللطيف الغير منفصل.

وهناك زرت المقابر في ((( البيرة ))) فنوديت من أطراف المقبرة: هات ما عندك يا ولي الله. فقلت بعد السلام الشرعي: عندي حجاب وجود، صد عن مطالعات سطور الطي بعد النشر، وبردة ملك منعت مستحكم النظر عن كل ما صرتم إليه، لولا أن تداركني الله بلطفه وكرمه، فشهدت بإشـهاده سـبحانه نص: (( كل شيء هالك إلا وجهه )).

فأنا وأنتم الآن على بساط واحد من طراز حكم: (( إنك ميت وإنهم ميتون )). سـبق ولحوق، وغاية واحدة من طريق الإمامة، وبعدها حالان بارزان في ساحة الحكم؛ كل حال يأخذ بسـلطانه ما أبرز له و (( إلى الله تصير الأمور )) فقيل من الجبانة: هذا عبد الله الموفق، العـارف الذي سـيميط حجب هذه الفانيات عن بصـائر القلوب، ويأخذ بالهمم إلى الله تعالى من طريق رسوله - صلى الله عليه وسلم.

فرجعت مستبشراً بما أجراه الله تعالى على ألسن طائفة هم في ساحة الحضور البحت، (( والحمد لله رب العالمين )).

وفي صبح ذلك اليوم، مشيت مسروراً بما أنعم الله به عليّ، وطرقت الطريق إلى مدينة الرُّهَا فلما واجهت ((( الرُّهَا )))، وظاهرت البيرة انفتح لي سرداب ملكوتي، وفرش لي فيه سجاجيد، وصف لي على حافتي الطريق أواني موائد القبول، وزج بي في نور إبراهيمي خطفني من كلـي، فبهت ناظـر حسـي، وانقطعت عن اتصالات نفسي، رأيت كل قدم نقلته مني آخذا بي إلى فسيح ساحة من ساحات الرسالة الخليلية المحضة، مستقبلاً من ذلك الجناب المهاب بالبشـر الدال على ظهور السـر. ولازال ثوب علم القبول الخليلي يخفق على رأسي وأنا تحت ظلال نفحته النبوية حتى طلعنا إلى ((( الرُّهَا ))) وجاء بي السرداب إلى باب حضرة دار الميلاد الإبراهيمي، واتصل السرداب بالحضرة، فتزاحمت مواكب الأنوار، وصار ليل الكون كالنهار.

ووقفت هناك شاخصاً ببصري إلى سماء ذلك المحضر الأنور، (( ولذكر الله أكبر ))، فتجلى جمال عروس المحضر الإبراهيمي على سرير من خشب الزيتون؛ ولله أسرار في كل ما أبرز من الآثار.

فانجلى بهيكل الشأن الذي ولد عليه، ثم ألقيت عليه بردة من أكسية الجمال وانكشفت، فانجلى بهيكل الشأن الذي شب عليه، ولازال يطوي باهر جمال هيكله ببردة، ثم ينشر بكشفها عن هيكل آخر، ذاته تلك الذات، وصفاته من حيث النمو، ونظام حال الوجود غير تلك الصفـات، إلى أن انتهـى إلى مرتبة هيكـل الجمـع الأخـص في حضـرة الشـروق الأتم.

فقام على منبر الكمال المطلسم بناطقة الرسالة المعظمة الجامعة، ومنَّ بالالتفات إليَّ، فنظرت طالعة وجهه السعيد ـ عليه بعد ولده سيد الكل نبينا العظيم القدر أفضل الصلاة وأعم السـلام ـ فرأيت من جميع مشارق أنوارها لوامع الحنان والرأفة، فزدت جمعاً بعد فرق، وحضوراً بعد غياب، واجتماعاً بعد شتات، وتمكيناً بعد تلوين، وتعيُّناً بعد طمس، وصرت مترقباً بكل ذراتي سماع ما يلقيه إليَّ، ويفيضه عليَّ، فقال صلوات الله تعالى وتسليماته:

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي جعل لسان العرب خزانة الحكم، وفضل آل إبراهيم بمحمدهم على العرب والعجم، واختاره من أكرم الشعوب والقبائل، وجعل أمته خير الأمم، وبيته أشرف البيوت، وفصيلته أعظم الفصائل (( وسلام على المرسلين )).

أما بعد، فهذه حظيرة من حظائر التقديس، فيها باب حطة، من دخله كان آمناً (( رب اجعل هذا البلد آمنا واجنبني وبني أن نعبد الأصنام )).

دعوة لحقتها إجابة، أنت من بني أيها المخاطب، المنظور بالعين المحمدية نظر الرأفة والرفق , المنظور بالعين الإبراهيمية نظر الإسعاف والحب، صانك الله أن تعبد صنماً من أصنام الحادثات، فحققك بمقام المعرفة، ونصبك نائباً عن النبوة، هادياً في طرق الأكوان لمن ضل عن صراط الشريعة. أنت هو المعني المقصـود بالذات في هذه الأيام (( ختامه مسك ))، كأس يفوح، شرابه الطهور بطيب: لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله، والسلام علينا وعلى عباد الله الصالحين.

ثم رفع لي صحيفة بيضاء بيده الكريمة المباركة، فيها ما صورته:


http://soufies.net/attachment.php?attachmentid=5&stc=1&d=1521141376


وقال: اقرأ الخط الذي خط في مصحف العلم (( وكن من الشاكرين )) فجمعني تمكين من سباح إفاضة الروح الطاهرة الإبراهيمية، فانطبع فيَّ فهم ما كتب في الصحيفة، فقرأتها وفهمت مضمون سرها (( والحمد لله رب العالمين )).

((( فائدة )))

ومما جربه أهل الحضرة: أن من أثقلته همومه، وحارت به فكرته، فكتب بيده، أو كُتِبَ له في رقعة السطرين الآتيين، ومحاهما بالماء وشربه، يشرح الله صدره، ويكشف بقدرته همه وهما:

http://soufies.net/attachment.php?attachmentid=6&stc=1&d=1521140982

((( تحفة )))

قال شيخ مشائخ الإسلام: حجة الله على اوليائه الاعلام.............

يتبع إن شاء الله تعالى

الرفاعي
03-15-2018, 07:42 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
ــــــــــــــــ

قال شيخ مشائخ الاسلام، حجة الله على اوليائه الاعلام، بركتنا ومفزعنا ووسيلتنا بطريق الله إلى ربنا سيدنا الغوث الأعظم المقدم سلطان الدوائر ابو العلمين السيد الامام الرفاعي رضي الله عنه وعنا به:

سطر الاسم المحمدي ممدود على صحائف الاكوان من أم زيق الأزل إلى حاشية ذيل الأبد، ولسلطانه الحجة الدائمة القائمة على كل سلطان كونيّ، والحجة هي ما صرفت الشبهة فاسكتت قلب الخصم إلزاماً، وان نطق لسانه عناداً؛ وانّ حجته التي عرفها أهل الجحود واستيقنتها أنفسهم لم تزل معروفة، وإن أنكرت حسداً.

وميم المَدّة المنعقدة بمبدأ سطر إسمه معقود على رمح الملكوت منسدل ثوبه على شجرة الملك، محيط بحر مدده باطراف العوالم من جميع أركانها، شامل لكل أعيانها في بروزها وثبوتها، ورفعه مشير إلى منازلاته المترفعّة في منازل النبوة العظمى، والرسالة الجامعة الكبرى والمترقية في منبر القدس على درج الشرف الأتم الذي لا تدرك غايته بطوف همم الصديقين والمقربين، ودونها غايات أولي العزم من النبيين والمرسلين.

وحاؤه حد النهايات في مراتب الغايات الحائل بحبل حاله من حيث رفعة قدره، وجلال سلطان أمره بين كل مرتبة طيارة في درج التسلّق للعلى، وبين حضرة المحبة الغائية المزيّنة بنور مشهد الرأفة المتدلي من رفرف السيّديّة البحتة إلى هام محراب العبدية، وفتحه مشير لحملة الأزل والأبد من طور سينا النكات المطلسمة عن قوافل ركبان حضرة القرب إلاّ من طريقه، قبله وبعده، من هناك إلى هناك، والعجز عن درك الادراك ادراك.

وميمه الوسط مشير إلى ماوراء مدارك الوجودات من معاني المنح المختص به في مصطفويته من حيث مظهرية مبطن الحكم المنقلب إلى مظهر الأمر المجتمع في مشهد المنار العلمي من طريق الأميّة، وشدته تعنون حالي الأمية والأمية فالأولى أُميّة الخط والقراءة، والثانية أُمية النسبة التي تطرح بنسبة الأمة إليه - صلوات ربه بعلمه وحكمه وتسليماته بعزه وفضله عليه.

وداله النهائيّ مشير إلى دولته الأبدية في دور الكون مع كل دائرة غائية إلى يرث الله الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين، وسكونه وقبوله التحريك إشارة إلى إستقراره في مقام سلطانه، وتقلبه في أبراج مطالع السعد السرمدي ترفعاً من دولة إلى دولة، ومن دار برهان إلى دار برهان، وله بكلها الحكم والحكمة، وعلى جميع جملها له المحمدية الدائمة، فهو - صلى الله عليه وسلم - محمد دوائر الجبروت، ومحمد أدوار الملكوت ومحمد الأمر والنهي إلى يوم الدين، والحمد لله رب العالمين.

انتهى كلامه الشريف رضي الله عنه.

وقد رأيت في حضرة الاشارة خط الرسم المحمدي على هذه الصورة:


http://soufies.net/attachment.php?attachmentid=7&stc=1&d=1521142735


وقد صرح أولياء الله من آل فاطمة عليها السلام أن من حمل هذا السطر على هذه الصورة الشريفة أو كتبه في صحيفة ووضعها في بيته أو كتبها في رقعة وشرب ماءها لا يعبث به السوء، ولا يلم به الكدر ببركة سيد البشر، وان كتب إحدى وأربعين مرة وعُلِقّ بصدق حال على مريض عوفي أو على مصروع أفاق بإذن الله تعالى، وان ربطته من تعسّرت عليها الولادة على زندها الأيمن وضعت أمينة في الحال بقوة الله تعالى، وهو لكل ملم مانع، ولكل مهم دافع، ولقضاء الحاجات بقدرة الله كالسيف القاطع.

وإذا كتب بهذه الصورة:


http://soufies.net/attachment.php?attachmentid=8&stc=1&d=1521142735


وعلِقّ على القلب أمِنَ حامله من الوسواس القبيح ومن شر الجن والانس، وكُشِفَ لي عن لوح الاسم المحمدي في الطراز الرابع من مقام الفردانية في خيمة السُّبحات المطنبة في حرم الأحدية وهو لوح يقرؤه أتم أهل الخصوصية من أعيان حضرة المحبوبية، فرأيت الاسم المعظم المحمدي مكتوب على هذا المثال:


http://soufies.net/attachment.php?attachmentid=9&stc=1&d=1521142735


وفي هذا المثال تسعماية سرٍّ من أسرار الجفر النبوي الفاطمي يعرفها أهلها، وَيَسْتَبْعِدُ حُكْمَ كونِها مَنْ نصيبه جهلها.


محمد مثالها الفرداني = بميمها الأول مجلى الآن

من منتقى إرادة عنوانها = يفيض ما حكم في الزمان

على مطاف كل روح نزهت = بطورها من خدع الشيطان

وفيه من مجلى اشارة الوحا = مناط ما جلجل من برهان

وفيه من مثالها ماهية = مخصوصة بذلك العنوان

وفيه من مدار مبدأ الورى = مدارك الإيمان والأمان

وفيه من معنى مقامات النهى = منبر علم صين المعاني

وفيه مضمار شوؤن سبرها = مد شراع الفضل والعرفان

وفيه محضر الشهود بارز = في مشهد الواحد دون ثاني

وفيه ما لو نطقت آياته = بنوعه لصحت المباني

وفيه ما كر بمدة الخفا = على محيط مشرق الفرقان

من حبل حاء الحكم عند طية = حافلة بنورها الرباني

من حيطة بكل باب حطة = مطلسم بحكم القرآن

من حيرة بارزة بحسنها = من فوق عرش حضرة الإحسان

من حملة كونية ملكية = مدت حبال دولة الكيان

من حوزة شرقية غربية = فلا مماثل ولا مدان

من حفلة فتاكة فعالة = صوالة بعسكر روحاني

من حيدري نيطة نظامها = اتى بواضح من البيان

الى نسيق ميم مجراها الذي = طاف بمرساها على الأكوان

الى محياه المفيض مددا = لكل قاص في الورى وداني

إلى منيع مجده وجده = وما طوى بنشره المصان

إلى مكانة له باذخة = جليلة شامخة الأركان

إلى مقام قوس قربه = لدى التدلي ولدى التداني

إلى مطاف روحه بحضرة = معصومة عن عالم الإنسان

إلى مراح ما وراء المنتهى = من مطلع الغيوب للعياني

بنوع عقد حبلها بدالها = لدورة الآباد والألوان

وعنه دارها ودرب دارها = فحاؤها والدال والميمان

محمد محمد محمد = صلى عليه منزل المثاني


وفي الحضور الإبراهيمي، لما قرأت الصحيفة التي مرَّ رسمها................

يتبع إن شاء الله

الرفاعي
03-18-2018, 05:40 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
ــــــــــــــــ

وفي الحضور الإبراهيمي، لما قرأت الصحيفة التي مرَّ رسمها، وذكر علمها، وأفاض عليَّ الخليل ـ عليه الصلاة والسلام ـ من سماء قلبه من حكم معراجية النمط الثاني من الطريقة المحمدية حالاً، طوى فيه مقاماً أسـرى بي في معالم كونيتي، حتى حققت في كلها حالي، وهيأت مقامي، واستغرقتني فيوضات معراجية ذلك القلب الأشرف، فمحت مني كوني، فبقيت روحاً مجردةً، مميطة حجب الحوادث، فجلت بسَّيارها وفيَّ نوع من حال سيدنا الخليل ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ ينهض بي في مطاف علمي من طبع الحال، يطبع في لوح روحي علم ما انكشف لها حالة المسير. ولم أزل أتمطى متون طرق المراتب الرفيعـة، إلى أن طرقـت باب الوصلة من منزلة القربى في ساحة السلطان الأعظم المحمدي، من طريق الالتحاق بالرفيق الأعلى.

فحاولت روحي الدخول، فقال لي بواب ذلك الباب الأقدس: قف، لابد لك من دليل مُحبّب عند الجناب الأكرم المحمدي، يأخذ بزمام روحك لترتفع في طريق الوصلة من هذه المنزلة بهذا الباب.

فقلت: والدليل هل هو من الأحياء أم من الأموات؟

فقال: إن كان حيّاً ومن أهل هذا المقام فحسب، ولكن أين هو؟! وإن كان ميتاً وطافت بك روحه فحسب، ولك بذلك الكفاية.

فقلت: وهل لك من دلالة لي على روح عبد مقرب، له هذه المنزلة أرتبط بها؟

فقال: عليك بالخلفاء الأربعة الراشـدين من الصحابة - رضي الله عنهم - , فلأرواحهم كلهم هذه القدرة، ولك منهم جدك الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - رضي الله عنه وكرم الله وجهه.

والأئمة من أهل بيته، فكذلك لهم هذه القدرة، والستة المبشرة، وأصحاب بيعة الرضوان، وأهل بدر، كذلك كلهم لأرواحهم هذه القدرة.

ومن التابعين فروح أويس، وروح الحسن البصري، وعدد من التابعين جماعة أخر. وقال : فهؤلاء لأرواحهم ـ أيضا ـ القـدرة على هذه المكافحات، وبعدهم فليس في عصائب الأولياء من رجال الدوائر من لروحـه القدرة في هذا المقام، إلا روح السـيد أحمد الرفاعي، صاحب أم عبيدة.

فقلت له: قف من هناك ندخل.

فقال: (( ادخلوها بسلام آمنين )).

فثقل عليَّ هناك وراد النمط الإبراهيمي، فرجعت إلى الوقوف مع كونيتي، فقال الخليل عليه السلام: ارتبط بالسـيد أحمد، فهو أعظم الأولياء المحمدين بعد أئمة الآل الاثني عشـر نيابة عني من مقام الحال، وعن جده محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم من منزلة الحال والمقام.

وهو شيخك وشيخ كل مسلم يؤمن بالله وبرسوله صلى الله عليه وسلم، وهو أوسع أقطاب الأمة المحمدية دائرة، وعروس الحضرة، وهو ذو روح تجول بنقطة الدائرة على ألف المدار مع شكلة دورة الكون إماطة، وإحاطة، وإفاضة، وإرشاداً، وإعانة، وإغاثة إلى يوم القيامة.

فغُلبت من طريق حالي في ذلك المقام وقلت:


رفعتم منار ابن الرفاعـي فانجلـت = لنا بضياء الـروح منـه الحضائـر

وطفنا به بباب قربـى ولـم نـزل = صدوراً بنا في الكون تزهو المحاضر

لـه منكـم العلـم البديـع ودولــة = إلهيـة دلـت عليـهـا المظـاهـر

وجـود ووجـدان بفقـدان بــارز = ومعنى به الإيجـاد والجـد ظاهـر

فنـاء بـه انـشـق البـقـاء رداؤه = فصح وهذا السـر والبيـت عامـر

خذوا يا رجال الكون عنـا طريقنـا = فنحـن بسـادات الرجـال الأكابـر

لنا مِيط مِن بُـرْد الرفاعـي مسـدل = به مزقـت عمَّـا طوتـه الستائـر

فهـذا خلـيـل الله أيــد حالـنـا = وجاءت لنا بالنـص منـه البشائـر

سيبدو لنا في الشرق والغرب رونـق = لـه فـي فجـاج العالميـن دوائـر

وتنشـر رايـات وتجلـى كواكـب = وتخفـى وتبـدو للعيـان أشـائـر

ويقدم هذا وهو فـي الطـي غائـب = ويذهب هذا وهو في النشر حاضـر

وتعمر في الحـي الديـار وتنجلـي = شموس جـلال مالهـا قـط ساتـر

أكابـرنـا آل الرفـاعـي أحـمـد = بهم يرتقي شـأو الكبـار الأصاغـر

لهـم نظـرة مـن جدهـم هاشميـة = تفل سيـوف الهنـد وهـي بواتـر

تقوم بهـم حتـى تقـوم صنوفهـم = كذا من له المختار باللطـف ناظـر

وتجذبهم روح الخليـل إلـى العـلا = وجاذب تلك الروح للخصـم قاهـر

فلا ظلمة الأكـوان تغشـى قلوبهـم = ولا منهم تدنـو الوجـود الخواطـر

لهم وبهم عـزم وصـدق وعندهـم = وقار رجال الشـأن بالخيـر واقـر

شآبيـب أولاد البـتـول لحزبـهـم = على صفحات المجد تجلى المفاخـر

فـلا سيـد إلا لـه بـعـد سـيـد = من أبنائـه ترضـى ذويـه المآثـر

فكلهم فـي باطـن الفضـل باطـن = وكلهم فـي ظاهـر المجـد ظاهـر

أولئـك أبنـاء الخليـل إذا انتـمـوا = بنو هاشم فالفرع والأصـل طاهـر

سلالة تاج المرسليـن محمـد ﷺ = نبـي لأعـلام الرسـالـة نـاشـر

طوى فيهمُ من هديـة روح حكمـة = بواطنـهـا سـيـارة والظـواهـر

سيحيي بهـا الله النواحـي وأهلهـا = كـذلـك إنَّ الله إنْ شــاء قــادر


فشارفني هناك بارز موكب إبراهيمي سبق لي قبل بروزه..............

يتبع إن شاء الله

الرفاعي
03-18-2018, 11:55 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
ــــــــــــــــ

فشارفني هناك بارز موكب إبراهيمي سبق لي قبل بروزه من قبل جنابه السعيد، ونظر بي نظر الكرم، فسح عليًّ سحاح فضله من سماوات رسالته بجاذبة أنواء إحسـاناته، وكشف لي بردة الطمس المنسدلة على شـأني، فرأيت مستقبل الأمر وكيف هو وإلى أين يصير وانتدب سيف عزمي من غمد عزيمتي , وجردني مني بإسعاف فياض الهمة المعظمة الإبراهيمية حال استوعب كوني، فانمحت منه ـ بحمد الله تعالى ـ بقايا الآثار.

وهنالك ألبسني سـيدي الخليل ـ عليه الصلاة والسلام ـ مرط المحبوبية الكبرى من طريق الحال إفاضة، ودلني على التمسك كل التمسك بحبل ولاية السـيد أحمد الكبير الرفاعي - رضي الله عنه - وقال لي عليه الصلاة والسلام:

طريق السيد أحمد طريق جده المصطفى - صلى الله عليه وسلم - وفيه حال من حاله، وطور من طوره، وسر من سره، ونور من نوره، وبركة من بركته، وذوق من ذوقه، وشوق من شوقه، وهو النائب عني وعنه في محاضرات الإرشاد للأمة. من مشهد العينية، وهو العين الناظرة، والطالعة الزاهرة.

وهو صاحب الباب الذي لا يغلق إلى يوم الدين، وهو شيخ كل مسلم سلمه الله من وصمة البعد والرد، وله على الأمة المحمدية كلها وثيقة العهد، وهو شيخ من لا شيخ له، بمحض موهبة الله تعالى، وعلى ذلك سبق من الأزل.

وله منا الفيض الذي لا ينقطع مادامت الأرض والسماء، وكل يد سماوية هو في الأولياء حبل الاتصال بها، وكل بارقة عينية هو في الأغواث الطالعة بسمكها، وكل شيخ يجيء بعده إلى أن ينفخ في الصور، فحاله دون حاله من مرتبة الصدق، ومقامه دون مقامه من منزلة التمكين.

وكل من عاصره فهو تحت لواء بيعته ظهر أو بطن، انطوى أو اشتهر، كبر أو صغر، من العرب والعجم، و(( ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء - والله ذو الفضل العظيم )).

وله نوبة إرشاد سيجددها الله بك وبمتبعيك، وبكم يجدد الله لأمة جدكم المصطفى - صلى الله عليه وسلم - أمر دينها، فمن التحق بركبكم التحق بأهل السلامة، ومن وقف عنكم غير منكر ولا قادح ولا محب ولا مبغض، فحظه ـ من تلك النوبة النبوية المحمدية الأحمدية ـ شمة التوقف عن سوء الأدب، ومن تجاوز فيكم حده، فأنكر وقدح، وأبغض وانتحل، وبهت وخاض، فهو مضروب بسهم القدر بشنشنة انطلاق جارح المقت، مردود عن الباب ممكور به.

وأنتم ومن انضم لطائفتكم وانسلك بكم في ساحة الأمن، وحضرة الوقاية تحت راية: (( ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ))، في مطارف حظيرة: (( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون )).

فانطلق بسابحة هذا النور الإبراهيمي المحمدي إلى ((( الموصل ))) زجّاً بمندلع فياضه، ولا تعد عيناك عن باب السيد أحمد الرفاعي، فهو أمير الحضرات، وسلطان دوائر القبول، وشيخ الختمية المحمدية، وإن ادعاها المشارقة والمغاربة، فمن رشحة سره، ومن طنين طبل أمره، و(( لله الامر من قبل ومن بعد ))، (( وهو على كل شيء قدير ))، وبعد أن تصل إلى ((( الموصل ))) فخذ بركة المدد من أرواح الانبياء المنورة مراقدهم بانوارهم في الموصل ورح تحت راية النبوة منجدلاً بنور بركتها إلى أن تصل إن شاء الله إلى ((( أم عبيدة ))) وهناك فقر عيناً هي دار قبولك ووصولك جامعة فروعك وأصولك، ولك بها عين حظ لا تنام، وجانب جناب لا يضام، وحسام لا يغمد، وسرٌّ امره لا يرد، والسلام من السلام على جميع النبيين والمرسلين، اللهم صل على محمد كما صليت على ابراهيم وصل على آل محمد كما صليت على آل ابرهيم إنك حميد مجيد.


( وانطوى المحضر )

فرجعتُ اليّ ودرت في بلدة الرها اغترف من فياض النور الابراهيمي كل خير وبركة , وقد نما عليّ فيض ذلك النور فما فتحت عيني إلا وعليّ منه خيمة عزّ أراها مطنبة إلى قباب السماء آخذة بي من كل جوانبي , والحمد لله الذي بنعمه تتم الصالحات من الأعمال .


عبد الكرام بريش نفحة فضلهم = شرفاً إلى هام السمـاك يطيـرُ

يعلو بجاذب عزهم وإذا مضى = فإليهـم بيـن الأنـام يسيـرُ

وإذا انتحى شرق البلاد وغربها = فعليه من تلك المحاضر نـورُ


وصباح اليوم الخامس سرت على قدم التوكل إلى ((( سويرك ))) بلدة من بلاد الاكراد طرقت طريقها مع القافلة، وأنا مطوي القلب والقالب بسابح نور المدد الابراهيمي في غيبة عني، وحضور مع ربي، وكان مشهدي هناك الجمال البحت، حتى وصلت القافلة إلى:

((( سويرك )))

فطاف من حاضرة قلبي في بوادي تلك البلدة طائف حال استوعب اكنافها، وشمل أطرافها، ومرّ بها بيتاً بيتاً ومكاناً مكاناً، وكشف قناعها ومن فيها حيّاً حيّاً وميتاً ميتاً، وكل من لله فيه سرّ من الأحياء والأموات شارفته ووقفت همتي معه، فانتفعتُ بالجميع، والحمد لله رب العالمين.

وكانت طائرة مشارفتي منجذبة إلى طُرق سيرها، بجاذب روح سيدي الخضر - عليه السلام -، وأخذني بعد تلك المشارفة وارد جلال فقمت وقعدت وثقل عليّ الوارد فخرجت إلى جامع هناك وركعت فيه ركعات فسري عني.

وصباح ذلك اليوم سرت على قدم التجريد وحدي، ويحدوني وجدي إلى آمد السوداء وهي ديار بكر.

((( آمد )))

بلدة من قواعد بلاد الاكراد مختلطة الأجناس............

يتبع إن شاء الله

الرفاعي
03-19-2018, 12:09 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
ــــــــــــــــ

((( آمد )))

بلدة من قواعد بلاد الاكراد مختلطة الأجناس، فلما وصلتها استقبلتني كل روح لذي حال مع الله تعالى فيها، ودخلتها بموكب من مواكب الحق، وهناك انجلت دولة السلطان المحمدي، فانبلج في سماء قلبي من شروق طالعها السعيد حال سلخ مني جميع مشاهد الآثار، وارتاحت روحي بسانح بشرى ذلك الاشراق، فتجرَّدْتُ بي عني وقلت:

وجهي على تراب اعتابك يا رسول الله. ثلاث مرات ولبثت قليلاً وقلت:


بسم الله الرحمن الرحيم

الصلاة والسلام من حضيرة القدس الاقدس، عليك يا مهبط سرّ نَفَسِ الجناب الإلهي المقدس، يا باب الرحمة الرحمانية الخاصة العامة، القائمة بكل شيء ومع كل شيء، وهي السبب في كل شيء، يا باب الله الأعظم، الذي هو عين الدخول على حضرة الله الاكرم، يا سر الله القديم المنزه بلسان التعظيم، المخاطب برقائق حكم التكريم، (( وانك لعلى خلق عظيم )) يا روح كل حقيقة، وروح الاشياء في كل دقيقة، يا ينبوع مدد الله، ويا أصل فيض فضل الله الجاري في ملك الله وملكوت الله والممدود على كل شيء لله باذن الله، يا كتاب الله الذي لا يرفض، يا رقيم سر القيوم الذي لا ينفض، يا آية القصد من كل مقصود، يا حركة الوجود في كل موجود، يا روح روح الحق الموجودة مع كل كائن، يا علم سر القهر والجبر في كل غائب وباين، يا لوح محفوظ سرّ حقائق علوم غيب الله في سموات الله وأرض الله، يا دولة قلم أمر الله الخاط بقدرة الله في صحائف ملك جناب الله، يا بدل الحقيقة الإلهية في المعاني المعنوية، وعين الذات المظهرية في باطن الرموزات العينية، يا آلة المنح والمنع وكل رمز غيبي في العرش والفرش وسطح القدرة وأرض المقادير وجدران التقديرات، ودور الكائنات والمكونات، الكليات والجزئيات، العلويات والسفليات، الباطنيات والظاهريات في كل ماض وآت، باختلاف الحالات والدرجات، ومع الماضيات والحاضرات، والذاهبات والآتيات، يا محمد الحقائق الذاتية، يا أحمد الدقائق الصفاتية، يا آدم آدم، يا أبا العالم، يا عين الكل ولولاك لما كان، يا روح الكل ولاجلك خلق وكان، وكذا الظرف والمظروف والكون والمكان، أنا عبد اعتابك، الوذ بجنابك، التجئ والتجئت داخلاً على باب إحسانك، يا سيد ملوك الدنيا والدين، يا تاج هامات أماجد سلاطين النبيين والمرسلين، التفت لي بعين عناية عطفك وكرمك وجودك الذي إن وقعت نقطة منه عن غير قصد مقصود على جبال الأرض وقطع شطحات مواقع الآخرة صيرتها جوهراً جُمانيّاً، وإن لمعت بوارق دهشة عواطف مِنَنِها بلا مراد على عصاة بدويٍّ قلبتها مهنداً يمانياً، بحق عينك الطاهرة الشريفة المطّلعة علي وعلى كل شيء في الفوق الأعلى والتحت الادنى الاقصى، وبفضلك عند ربك وبجاهك عليك لاحظني بعين إحسانك ومددك العالي، وانظرني بنظر حنانك ورحمتك ورأفتك، واصنع بشأن نبوتك ومحبوبيتك عند حضرة رب العالمين ما أنت له أهل من الشيم المحمدية، والغارة الاحمدية، والغيرة المصطفوية، وامر بفضلك صاحب الزمان وأهل حاشيته الكرام الأعيان أن يساعدوني في قضاء كل حاجة تحدث أو حدثت لي من حوائج ديني ودنياي، فإنك قادر بإذن ربك على ما تشاء، والصلاة والسلام عليك وعلى آلك وأصحابك واتباعك يا سلطان الانبياء، يا ساكن البطحاء، يا سيد أهل الارض والسماء، والحمد لله رب العالمين، وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

وهناك شارفتني طارقة من طوارق الحق اطلعتني على سرادق الحضرة فقلت بعد ان جردت كوني مني :


طف بوادي القدس من وادي تهامة=وافرش الخدين في أطلال رامة
وانزل الفيحاء فيحا المنحنى=حيثما أعلى الندى الطامي خيامه
ولك الله إذا وافيتها=وأنخت الركب فيها بالسلامة
خذ سلاماً لأصيحاب الحمى=من كئيبٍ حرّك الركب غرامه
واذكر السقم الذي أودى به=علّهم أن يرحموا يوماً سقامه
غلَبته يوم بانوا شدةٌ=أوقعت فيه فما شدّ حزامه
وهو لا زال كما هم علموا=ثابت الأقدام زين الاستقامة
هجرت أخلاقه حال امرءٍ=جملٌ يوماً وفي الثاني نعامة
باعهم نفساً نأت عن غيرهم=وعليهم حملت عبء الملامة
وإذا قالوا لها موتي جَوَىً=أنشدت للموت حباً وكرامة
يا أخا الركبان بالله التفت=أن تعي من موثق الوجد كلامه
مسّ عني تُرب ذيّاك الحمى=وأجل في بابه وجهاً وهامه
باب رحبٍ نزل الروح به=وبه القرآن قد سلّ حسامه
موطن الإيمان والعلم الذي=لمعت منه على الكون العلامة
حضرة الرحمن مضمار الهدى=مهبط الوحي وميزاب الكرامة
مشهدٌ كم شوهدت من ركنه=دولة الغيب وأعلام الإمامة
كيف لا والمصطفى من هاشم ٍ= فيه ثاوٍ شرّف الله مقامه
خير من مسّ بنعليه الثرى=وأجلّ الخلق قدراً وشهامة
والنبي العربي المجتبى=والذي ظهراً أظلته الغمامة
سل تراب الغار عمّا نسجت=عنكبوت الغار ليلاً مذ أقامه
وسل الباب الذي شرّفه=كيف حامت حول ركنيه الحمامة
وسل الماء الذي من كفه=فاض والجيش به نال مرامه
لا تسل عن معجزاتٍ ظهرت=منه جلّت وهي تبدو للقيامة
كان في الدين ربيعاً عمره=صامه لله بالله وقامه
وهو نورٌ أزليٌ طرزه=صار في وجه وجوه الكون شامة
جحفل الرسل الذي قِدماً أتى=زيّن الله بمجلاه ختامه
بابه للأنبيا باب الرجا=وترى كل الورى يبغي استلامه
وهو ركن المجد مرفوع الذرى=حصن علم الغيب مكنون الدعامة
لو دعا البحر لوافى سائغاً=أو دعا المنقضّ من ميت أقامه
شَرّفت جبريل منه خدمةٌ=حوّلت فيه عن الدين لثامه
وبه الرحمن أعلى صولة ال=حق جهراً وبه شاد نظامه
مُضمَرٌ من حضرة القرب بدا=ما استطاع الطمس في الغيب اكتتامه
علّة الخلق ومِن هذا نرى=أوجب الله على الخلق احترامه
وعلى يافوخ إنسان العلا=شيّد الجبّار بالعز مقامه
وله في مقعد الصدق ابتنى=منزلاً صيّره دار الإقامة
وهو قلبٌ غُرس الذكر به*=ما رأى حرّاسه آناً منامه
سجد الأقمار عزّاً لاسمه=علّ أن تُحسب منه في القلامة
أين هي من ذلك النور الذي=عدّل المولى من الوجه قوامه
فعليه الله صلى سرمداً=وعلى آلٍ حسوا منه مدامه
وعلى الأصحاب ما حادٍ حدى=طف بوادي القدس من نادي تهامه

وعندما أتممت روح الوارد بنسج هذه القصيدة...............

يتبع إن شاء الله

الرفاعي
04-06-2018, 10:15 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
ــــــــــــــــ

وعندما أتممت روح الوارد بنسج هذه القصيدة في حضرة الشهود الإشراقي، نوديت من جانب الطور الأيمن من الواد المقدس، بشاهد العلم في منازلة الانبلاج، على لسان الآمر الأعظم: أفض لأهل محاضر الحضور في البراري والبحور علم ما سيظهره الله من طي قالبك هذا، ويطويه وينشره بك وعنك من دولة الولاية الثابتة الباقية الظهور، المجردة بالكلية عن صنوف دول الدنيا وأهلها، التي تحول وتدول .

فقلت بلسان الامتثال، لا بطارق الخيال والإدلال:


يستسد الفضاء ضوء رجالـي = ويسامي السماء طور iiجلالـي
سيعم الأعجام والعرب iiاسمي = ويطوف الأقطار شعث رجالي


وفتح لي باب الشهود، عن مخبآت الوجود، فقلت لرجال الحضور:


قدمونـي فـي زمـرة العـشـاق = واقصدونـي واستكملـوا إشراقـي
واستمـدوا منـي فـإنـي مُـمِـدٌّ = بضيـاء الهـدى أولـي الآمـاق
أنـا فـرد يقـوم والفـرد يـدري = أنـنـي للمـقـام آن انطـلاقـي
دولتي في السماء والأرض قامـت = ورُقُـوِّي سمـا جميـع المراقـي
تنطوي دولـة الشيـوخ وحكمـي = بنفـوذ إلــى القيـامـة بـاقـي
ومقـام الإطـلاق يشهـد أنــي = كـل آن فـي حضـرة الإطـلاق
وجلالـي عـلا بموكـب حــالٍ = أحمـديٍّ وصـرت فيـه الساقـي
وأنا في الرجـال قطـب رحاهـم = غـوث كبّارهـم بغيـر شِـقـاق
ضمن طي الصدور غالي الخبايـا = لا بـطـي الأزيـــاق والأدلاق
مظهري ينجلـي بسـرّ ظهـوري = وهـلالـي يـلـوح باستـشـراق
أنـا سـر الخليـل طـوراً وإنـي = لم تخف عصبتي مـن الإحـراق
أنا في الأوليـاء موسـى زمانـي = وشبـيـه المسـيـح بالاتـفـاق
أنا بين الرجـال شيـخٌ طـرازي = أحمـديّ والمجـد طـوق نطاقـي
يتجلـى نـوري بهيبـة طـوري = فترانـي فـي الأيمـن الـبـراق
جُلّ أهل السلـوك سـاروا وكلُّـوا = وسِباقـي إلـى القـيـام سِـبـاق
طاف أهل الحمـى بكعبـة عـزي = واستظل الزمـان تحـت رواقـي
أنا شيخ الطريق فـي كـل قطـر = ودلـيـل الطـريـق للـطـراق
أنا تاج الهامات فـي مشهـد الأنـ = ـس وعين الأعيـان فـي السبـاق
دولة الغيب فـي براقـع مرطـي = هبـه لـي مـن القديـم البـاقـي
صولتي لاح كوكب الفتـح منهـا = وعلت أخمصـي علـى الأعنـاق
قبل السعد شاخصاً بطـن رجلـي = واقتـدى بـي مقلـداً أخـلاقـي
سار ركب العراق يمشـي بظلـي = وَسَرَتْ بالأقطـاب شُهْـبُ نياقـي
ومريدي في حضرة الأمن مـن كـ = ــل الدواعـي، والله نعـم لواقـي
من أتاني وطاف حـول رحابـي = شملـتـه عـنـايـة الـخــلاق
قل لأهل الأقطار: خلـوا هواكـم = صاحب الوقت في صحارى العراق


وأرادت عزيمتي قبل طي محضر الوارد الشهودي التخلي عن هذا المعنى، فقال قائل العناية: بحياتي عليك، قل بشأن بروز هذا السر الإلهي ما يفاض إليك.

فأنطقني الله تعالى، فقلت متحدثً بنعمته، شاكراً مزيد منته:




في الكون يظهر كالضحى سلطاني = ويلوح مظهره لأهل زماني
ويفوح عنبره لكل مقرب = ويضيء كوكبه لكل مداني
وكأنني والطالبون طوافهم = بمنازلي والقوم في ميداني
وكأنني والعاشقون بساحتي = بمشاغل ا لاوراد والقرآن
وكأنني والتابعون لتابعي = في قبة نبوية الاركان
يعلون رغم الخصم سبق عناية = يسمون بي دهراً على الاقران
وكأنني والعين يكشف غينها = ويماط عنها حاجب الاكوان
وكأنني والباء يبرز برقها = ببصيرة تزدان بالعرفان
وكأنني ويد العناية تنجلي = فتفيض أسرار المقام الثاني
وكأنني وطريقتي تطوي المدى = ببواهر الاحسان والاتقان
وكأنني اجلى واسمي رسمه = يملى على الالواح يظهر شاني
وكأنني من الهدى يبدو الهدى = ويزيل ظلمة أمة البهتان
وكأنني والذكر ينصب باسمه = في شاسع الاقطار والبلدان
بمحافل بابن الرفاعي ازدهت = وأماكن ممدوحة السكان
وكأنني والورد رونقه به *** يجلى نظام دقائق الفرقان
وكأنني والخير من طرق العلى = يجري لمن واليت كالسحبان
وكأنني والسعد يخدم بابهم = نشراً بمجلى الحور والولدان
وكأنني والضد ينفر هارباً = منهم كعصفور من العقبان
وكأنني ويد النبوة قدست = تجري مآربهم بحد يماني
وكأنني وديارهم مرفوعة = بمظاهر من اجمل البنيان
وكأنني واماكن الاذكار يمـــ = ـلأها البهاء الساطع الصمداني
وكأنني والعيس تزحم بعضها = سعياً لنوابي ذوي ديواني
وكأنني والقوم منهم ناطق = بالسيد المهدي كل لسان
وكأنني وبكاف كن جلي العما = فالآن قف مستظهراً لأواني
وكأنني بل كاف تشبيهي انطوى = وأقيم سوق المشهد الرباني
سر من الغيب القديم طرازه = ضربت عليه سرادق الرحمن
هي نوبةٌ علويةٌ نبويةٌ = أعلى منابر شأنها العدناني
صلى عليه الله ما انبلج الخفا = عن شاهد من سره الروحاني
والآل والصحب الاماجد كلهم = وابن الرفاعي الجليل الشان


وهناك وحضرت، فسمعت من جانب المحاضرة صوت حبيبي، وقائله يقول: .............

يتبع إن شاء الله

الرفاعي
04-06-2018, 10:31 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
ــــــــــــــــ

وهناك، وحضرت، فسمعت من جانب المحاضرة صوت حبيبين وقائله يقول: أكثر من قراءة:

يا قادراً قدرته اقدر من قدرة كل قدير، عجل فرجي، يا من تيسير العسير عليك يسير، يا قدير.

فجعلت بعد ذلك هذا الحزب الأنور وردي، في جزري ومدي.


شؤون غيب وحِكـم = أفاضها لِـيَ الحَكَـم
جليـلـة شؤونـهـا = على طريق منتظـم
قد بُدأ الأمـر بهـا = وربنا إن شـاء تـم
وابتدأ الوهـب بمـا = نراه والأمـر ختـم
فصار معنىً دائمـاً = بمحض إسعاف الكرم


وعلى أثر ذلك الشاهد، وأنا في أزقة ( آمد ) مررت بجامع، فقيل لي: هنا مرقد البطل المغوار سيدنا سليمان بن الفحل الفتاك سيف الله، سيدنا الأمير خالد بن الوليد رضي الله عنهما.

فدخلت الجامع، وركعت ركعتي التحية، وزرت الأمير سليمان، فرأيت مشهداً جمع من حال أبيه، وطرازاً من ذلك الطراز.

فتذكرت ما انبلج لي من أضـواء الشـهود بـ ( حمص )، وغاب بي محضري حتى تدليت إلى تلك الحضيرة الخالدية الزكية، وطفت بالمشـهد الأنور الخالدي هناك، ورجعت إلي، وحفني من البركة والنور الجمعي ما أوضح لي طارق فرقي في محاضرتي من معنى مشـاهدة جمع شأني الأول، في مرتبة انجدال النور الفرعي بالأصلي، والحمد لله رب العالمين.

وخرجت من مشهد سليمان الإقبال أسمع نغمة داود الإحسان، وفي الباب، والخضر ـ عليه السـلام ـ أخذ بزيقي وقال لي:

أيها السيد (( كهيعص )). وتبسم. ودهشني من طارق منازلته حال أسكتني، فانصرف وأنا أراه ولم أتكلم.

ثم تفكرت في معنى هذا الرمز الإغلاقي، فرأيت فيه من معاني الجمع في مقام النظر من حيث إضافة الفروع إلى الأصول العجائب، وغلبني حكم الإناطة في تفرقة الفروع، فاستعظمت أحكامها وما يترتب عليها، فنوديت: (( كذلك قال ربك هو عليّ هين )). فقلت: آمنت بالله، إن ربي على كل شيء قدير.

وفي صباح اليوم الثاني، نهض جواد العزيمة إلى المسير من طريق ((ماردين ))، مع قافلة فيها رجل من أحباب الله المقربين، فكان إذا وقع نظره عليّ يخشع ويقول ـ وهو عربي بالكردية ـ: [ بسر سيد أحمد الرفاعي هيوهايا ]. يعني القمر. فكنت أتوارى من القافلة وكأن المقصود غيري.

حتى إذا أشرفنا على قبر العارف بالله تعالى الشيخ موسى الزولي، أحد أصحاب الشـيخ عقيل المنبجي، صاحب سـيدنا ومولانا الإمام الرفاعي رضي الله عنهم أجمعين. فقصدت قبره للزيارة، فأقبل من حضرته المباركة عليّ بالبشـر التام، وشارفت منزلته، فقرأت صحيفة بارزها، فإذا هو من ملوك الأولياء، وله حال جليل وشان، شريف الهمة والمقام.

فقلت له ـ وقد انجلى على منصة ولايته ـ: بأي طـريق وصـلت؟ وبأي نهضة لحقت؟ وعلى أي يد سلكت؟.

فقال: بطريق الذل والانكسار إلى الله وصـلنا، وبنهضة قلب الإمام السـيد أحمد الرفاعي لحقنا، وعلى يد المربي الجليل الشيخ عقيل المنبجي سلكنا، وبسر السـر تحققنا، وبلباب الشـرع تخلقنا، وعن الحوادث أعرضنا، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

فأخذت من لسانه حصة من شـرف حال اللسـان الأحمدي، فقلت: أنتم الآن في حضرة لا يشوبها عارض من عوارض الحادثات، أي طريق في طرقكم معاشر الأولياء أنهض بالعبد إلى حضرة القرب؟ وأي مسـلك منكم أعلم بعلل القطع والوصل وأتم حكمة؟.

فقال: عنيت بالمسؤول عنهم رجال الخرقة وأشياخ الطريقة؟

فقلت: نعم.

فقال: أنهض طرق القوم بالعبد إلى الحضرة، طريق شـيخ الوجودات سيدي السـيد أحمد الرفاعي، وهو المسلك العالم بعلل القطع والوصل أكثر من غيره من رجال هذه الخرقة، وأتمهم حكمة على الإطلاق، وهو الآن (( في مقعد صدق عند مليك مقتدر )).

فقلت: أنا اليوم ممن تشبث بأذيال روحه الطاهرة بعزم وصدق وأمر، فما رأيك بي؟

فقال: ها هو يلمع على جبهتك طابعه، وحوله دائرة القطبية الكبرى، والغوثية العظمى، والختمية التي لا تلحق بأخرى، فاشكر الله؛ فإن الله الوهاب، بيده الأمر، له الآخرة والأولى؛ وهبن وأعطى ، وأمات وأحيا، وأفقر وأغنى، ووضع وأعلى؛ فتحقق بتوحيده تعالى على ما شرع نبيّ الهدى الحبيب المجتبى، الصفي المصطفى صلى الله عليه وسلمن وحسبنا الله وكفى.

فأعلنت بالحمد والشكر، وصقلت العزيمة بصيقل الفكر، وخرجت بخير الزاد، وهو التقوى.

ومددت باع العزم بالمسير إلى(( ماردين ))، فوصلتها بعد العشـاء ودخلت جامعها الكبير، وجلست في رواقه أذكر الله وأحمده وأشكره.

فانكشفت حجب العلى، ولمعت زواهر القبول من السماء، وطافت بي أرواح سكانها من كل فج، وهم من كل حدب ينسلون، وعلي يباركون، وبي يحفون، ولي بالعناية والإسعاف ينظرون ويقولون: (( ن والقلم وما يسـطرون ))، إن هذا لهو السر المكنون، والدر المخزون، والوعد المأمون.

جاء بأمان الله فرسانه، وانفسح بتمهيد اليد الربانية ميدانه، وسيبث الله به كلمة الهدى والإرشاد في جميع الأقطار والبلاد، (( إن الله لا يخلف الميعاد )).

ومن تحف ألطاف الله وبدائع كرمه وإحسانه، أن كل روح حنت بالعطف علي، والتفتت بنظر اللطف إلي: أعلمني شارق نورها، بطارق ظهورها، أن هذا اللطف والعطف حرمة خاصة لروح السيد أحمد الكبير الرفاعي، رضي الله عنه وعنا به، آمين.

فأنا قاصر اليد واللسان عن أداء حقه، وعن القيام بواجب حرمته، ومبتهجاً به أقول، وعلى قواطع الحوادث أصول :.............

يتبع إن شاء الله

الرفاعي
04-06-2018, 10:43 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
ــــــــــــــــ

فأنا قاصر اليد واللسان عن أداء حقه، وعن القيام بواجب حرمته، ومبتهجاً به أقول، وعلى قواطع الحوادث أصول:


لي في سماء الحمى الشرقي أقمار = لهم بدائرة الأكوان أنوار
سرّ النبوة في أبراج طالعهم = عليه من سانحات القدس أستار
قومٌ إذا سكنوا فالفضل صاحبهم = وحيث ساروا فكل المجد سيّار
لهم جوامع إرشادٍ منابرها = لها عصامٌ لطور القرب جرّار
في كلّ فجٍ عميقٍ من معارفهم = نشرٌ بيُمن المعاني البيض معطار
فرسان غيبٍ أبو العباس قائدهم = إلى العلا وأبو العباس كرّار
شيخ الوجود الرفاعيّ الذي برزت = له على صفحات الفخر أخبار
مهذبٌ أريَحِيّ الطبع ذو مددٍ = تهزّه لاصطناع البرّ أطوار
ملثمٌ حيثما التيجان ساقطةٌ = ورابضٌ إذ خميس الشوس فرّار
وخاشعٌ إذ حثالى الحيّ راقصةٌ = وثابتٌ إذ نظام الدهر دوّار
من آل بيتٍ عظيم الشأن عترته = معظّمون رجاح القدر أخيار
قطبٌ عليه رحى البرهان دائرةٌ = وباعه لبحور السرّ سبّار
محمّدي جنابٍ ضمن خرقته = حلمٌ وعلمٌ وإيمانٌ وإيثار
طودٌ من السنة الغرّاء جلبته = عزمٌ له من شؤون الله أسرار
زوى الوجود فلم يعلق عزيمته = من حيطة الكلّ إقلال ٌ وإكثار
وطاب بالله فانحطت لهمته = مراتبٌ بينها والقوم أخطار
وسار يقطع فيفاء العلا وله = طورٌ إلى العالم العلويّ طيّار
مسلسلٌ من صميم الآل أنجبه = من عترة الهاشميّ الطُهر أطهار
وسيّدٌ كلما آثاره تُليت = أمّ العبودية البحتاء أحرار
لسانه من رقيق العلم نيط به = حالٌ له طار ألبابٌ وأفكار
رمى بنبل معانٍ قوسُ حكمتها = ماضِ النبال وما للقوس أوتار
دارت مع الليل بدراً والنهار ضحىً = منه الخوارق والإنكار إقرار
هي البداهة لا تقضي العقول لها = إلا بها وعلى حسّادها العار
كفاه أن رسول الله مدّ له = يد القبول وزهرُ العصرِ حضّار
ونال من جدّه خير الورى خلقاً = له انطوى فيه إعزازٌ وإظهار
قد جانب الشطح والدعوى لمعرفةٍ = بالله والله للمكسور جبّار
وناب عن حضرة المختار منفرداً = وإنما نائب المختار مختار
وطبل إرشاده في الأرض دُقّ وقد = حازت به الرشد أنحاءٌ وأقطار
علم العقائد طبعٌ في طريقته = فسالكوها بعهد الله أبرار
مدحته مستفيضاً من مكارمه = فبحره العذب بالإحسان زخّار
وقلت حقاً وقولي قاصرٌ أبداً = عن حقه ولقول الحق آثار


وأنا في حضرة البهجة من مشهد الأنس، طائراً بجناحي همة الإمام السيد أحمد أبي العباس الرفاعي الكبير رضي الله عنه وعنا به، وإذا البساط على تلك الساحة، ورجل من رجال الغيب سقط علي في رواق الجامع كالعقاب، فسلم، فرددت عليه السلام.

فقال: قل لي، ما معنى التوجه إلى الله؟ قلت: الانقطاع عن غير الله، وصدق الثقة بالله. قال: وما معنى البروز في خلعة الخفاء تحت طي الظهور؟.

قلت: وقوف المرء مع الحكم في ساحة الإشارة تحت راية ترقب الأمر، ليكون مع الأمر لا مع الهوى، وليقوم ويقعد، ويطوى وينشر متبعاً لا مجتهداً، ممتثلاً لا مبتدعاً.

قال: وما معنى الانسلاخ من النفس مع الانجدال بالأكوان؟ قلت: قمعها بقامع الشرع، ومحق ثائرة الطبع. والانصراف بالاعتبار في الأكوان إلى الله تعالى هو الانسلاخ منها، ولا يضر لمن هو كذلك الانجدال بالأكوان، إذ تلك وحدة في كثرة.

فقال: حسب. ودعا لي، وانصرف وهو يقول: نعم البيت بيت الرفاعي! كوكب في آفاق الولاية يقفوه كوكب!.

فنَشطَتْ لقوله همتي، فقلت تلذذاً بشأن الإمام الرفاعي رضي الله عنه وعنا به:


تسلق بيت ابن الرفاعـي رفعـةً = لها في سماء المجد عز مطنـب
وأبنـاؤه الغـر المياميـن كلهـم = لهم فوق برج الشمس فخر محدب
منـازل آفـاق الولايـة دربهـم = فهم كوكب يقفوه بالشأن كوكـب

وفي الصباح قمت أصلي ركعات في المسجد، فجاء رجل من طلاب العلم، فنطر إليّ مليّاً وقال لي: ............

يتبع إن شاء الله

الرفاعي
04-06-2018, 10:58 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
ــــــــــــــــ

وفي الصباح قمت أصلي ركعات في المسجد، فجاء رجل من طلاب العلم، فنطر إلي ملياً وقال لي: كثيراً تمكن جبينك حالة السجود من الأرض!.

فلاطفته وقلت: بل أمكن جبهتي؛ لأن عندي جبينان، ولا أقدر على تمكينهما حالة السجود من الأرض، فتعجب وانصرف، وما عرف أن الجبهة موضع السـجود، وأن الجبينين يكتنفانها من الجانبين، والكثير لا يفرق بين الجبهة والجبين.

ثم بعد أن أتممت صلواتي وأورادي وأضحى النهار جاءني ذلك الرجل بعالم من علماء الأكراد، ينتمي إلى الطريقة النقشبندية، عليه سيما الصلاح، فأقعده عندي، وذكر ما قلت له، فأفهمته القصة، فطرب طرباً عظيماً، وتذاكرنا بكلمات من بعض العلوم.

وهناك والرجل عندي وإذا برجل سـوقي فجاء فسأله سؤالاً بشـأن حائض كتمه السائل عني، تم انصرف، فقال لي العالم الكردي: سألني هذا ـ وهو أصله من فصيلة الأكراد ـ عن حائض هي من أقاربي أعرف اسمها.

فأردت أن ألاطف الشيخ الكردي فقلت: أنا أعرف لها اثني عشر اسماً. فتعجب، فسألني عن أسمائها ـ يظن أني أعرف للمرأة اسما، غير الاسم الذي يعرفه لها ـ ؟ فقلت: طامث , وطامت بالتاء المثناة، وطامي، وطامس، ودارس، ونافس، وعارك، وفارك، وضاحك، وكابر، ومعصر، وقلت: هذه أحد عشر.

فظن أن الاسم الذي يعرفه الثاني عشر فقال: سبحان الله ! لا أعرف لها إلا الاسم الذي يعرفه زوجها.

قلت: وحائض . ففطن وعرف أن هذه الأسماء للحائض، فقبل يدي وازداد تعجباً، تم قلت له: أي مولاي، الأكراد شعب ما هم فصيلة، وان شئت قلت: قبيلة. وأنشـدته قول القائل:


قبيلة بعدها شعب وبعدهمـا = عمارة ثم بطن تلوها فخـذ
وليس يأوي الفتى إلا فصيلته = ولا سداد لسهم مالـه قُـذذ


فهام طرباً وقال: إن الله لذو فضل عظيم على الناس.

فقلت في سري: سبحان الله! هذا الشيخ أراد معنى، وفي الإشارة معانٍ أخر؛ فإن بعض مشايخنا السادة الأحمدية قال: المقصود ـ والله أعلم بمراده ـ من قوله تعالى: (( إن الله لذو فضل على الناس )): إظهار ما لله تعالى على محمد سيد الوجودات صلى الله عليه وسلم وعلى آله الأطهار، وأصحابه الأبرار، من عظيم فضل الله عليهم، لكونهم في حجاب عن الوصول إلى مقام الاطلاع على شرف الفضل الذي اختصهم الله به، وهم الناس المرادون من جميع الناس، المختارون لذلك الفضل، ويدخل في الآل، ذراريهم الطاهرة إلى يوم القيامة.

ثم إني قمت بعد الذي حصل، وبي نشـطة من نشطات السرور فارتبطت بي أشعة أرواح عباد الله المقربين والعارفين سكان البلدة، فكدت أمشي على جسر من خيوط أنوار الأرواح، وحفتني البركة ومُدت لي ـ ولله الحمد ـ موائد القبول.

وقمت في صباح ذلك اليوم من طريق قرية [ دارا ] إلى [ نصيبين ]، وبظاهرها تنورت بزيارة سيدي السيد الجليل علي الصيادي الحسيني رضي الله عنه، فخلع عليَّ مرطاً من نور أبيض مسهماً بسواد، فقال لي: الزم باب السيد احمد الرفاعي، فهو من أعيان صدور المجلس المحمدي. فقلت: سبحان ربي!.


كل يشيـر إلـى نعمـى ويذكرهـا = بما يليـق بهـا مـن عـزة الرتـب
والناس في غفلة عن نـور طالعهـا = كالشمس لكن توارت في دجى الحجب


وانطلقت بنور الهدي المحمدي والإرشاد الأحمدي إلى الجزيرة على نجب العناية، فتجلى لي هناك حبيبي صلى الله عليه وسلم، فنفخ في فمي سبع مرات فقال: جدد، جدد، جدد، وضمني ـ صلوات الله عليه ـ إلى صدره الشريف، وقال لي في إذني: ولدي أحمد الرفاعي ينتظرك، فإذا وصلت إليه سلم عليه. فرحت سكران حال أزج في نور الرأفة المصطفوية، تحت العَلَم الطويل النبوي، أسمع ذكر الله من كل صامت وناطق، وأنا على هيامي أقوم وأقعد. إذا أطعمني الناس أكلت، وما فهمت من ذوق الطعام شيئاً، وإذا سقاني الناس شربت، وما فهمت من ذوق الماء شيئاً:

(( والذي هو يطعمني ويسقين )).

وسرت أقوم هائماً وأقعد هائماً من الجزيرة في الصحراء إلى:

[ الموصل الحدباء ]

...........................


يتبع إن شاء الله

الرفاعي
04-06-2018, 11:15 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
ــــــــــــــــ

[ الموصل الحدباء ]

فلما لاحت أنوار القبـاب، وفتحت من تلك الحضـرات الأبواب، حضر جمعي بعد طمس من مشهد فرق، وقام فرقي بعد ذهول من مشاهد جمع، وبَسَطَتْ لي أيادي السادة الأنبياء، أصحاب المشاهد المطهرة، والحضرات المنورة، في [ الموصل ] موائد الكرم.

فزرتهم جميعاً، وقد حنـوا عليّ عليهم الصلاة والسـلام، ونظروني بنظر الرفق والرحمة، وشاهدت من شريف عناياتهم النبوية، وملاحظة أنظارهم الرسولية مدداً جعل سري مستغرقاً في حضرة الفتوح والإقبال، جوالاً في ميادين الإسعاف والجمال، كل ذلك ببركة الهمة المعظمة الإبراهيمية، التي سـبقت الإشارة بشأنها، وتلك ـ أيضا ـ من نفحات عناية قلب المصطفى الأعظم صلى الله عليه وسلم.

وكل نبي منهم ـ عليهم الصلاة والسلام ـ ألبسني خلعة من مشهد مقامه ونوع حاله. وكان أكثرهم التفاتاً إلي ورأفة بي، بل وأزيدهم عناية إلي وحناناً علي: سيدنا ومولانا نبي الله يونس عليه الصلاة والسلام.

وكلهم ـ صلوات الله عليهم ـ أوصوني بالتمسك كل التمسك بطريقة الإمام السيد أحمد الرفاعي رضي الله عنه.

وقال سيدنا يونس عليه الصلاة والسلام: طر بجناحي السيد أحمد إلى حظيرة القدس، فهو من أهل الهمم الفعالة، والأرواح الجوالة، ومن أبواب النبي العزيز القدر محمد صلى الله عليه وسلم.

وأخذني إليه ـ صلوات الله عليه ـ وقال: افتح فمك. ففتحت فمي » فتفل فيه وقال:

بسم الله الرحمن الرحيم

(( هاموتا سورائيل , روحيائيل , ناجوتاء ))، (( الله على كل شيء قدير )).

فعم سري وشمل كوني نور يونسي أغرقني عن النظر إلي، وقال: سر اليوم في البلدة، وزر من شئت، واركب النهر صباحا، ورُحْ إلى محلك.

فقمت أتبختر زاهياً بمنن الله تعالى التي تكرم علي بها، بواسطة عبده ونبيه سيدنا يونس بن متى عليه الصلاة والسلام.

وقصدت زيارة الرجال، منهم الشـيخ فتحي الموصلي، والشـيخ محمد الغزالي المعروف بالغزلاني، صاحب الإمام الرفاعي، والسيد خزام الموصلي الرفاعي، الذي ينتهي نسبنا إليه، رضوان الله عليه وعليهم أجمعين.

فحصل لي جمع حال من هممهم، ومدد من مددهم، وكلهم مدوني بعنايتهم، وشملوني بكريم أنظارهم.

فالشيخ فتحي قطبٌ مقامه الصدق، والشيخ محمد الغزلاني قطبٌ مقامه الزهد، والسيد خزام قطبٌ مقامه الشهود، (( ولكل وجهة هو موليها )).

ورأيت رجلاً من الأحمدية اسمه خَضِر، من الأولياء المجردين، ورجلاً آخر اسمه موسى، من الأولياء المولهين، وصاحب النوبة إذ ذاك بالموصل رجل خياط، وقطبها أحمدي من عرب حرب، صاحب عزم وحال، وبها أكثر من ستين رجلاً من الأولياء الأحياء، مشهدهم طارق الحب، سبحان الله العظيم! وكل روح بها لله عناية أطلعني الله عليها، وحصل لي منها البركة، والحمد لله رب العالمين.

وفي تلك الليلة رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي: يا ولدى، سنة أربع وتسـعين يرى الهلال، وبعد سـت سـنين يضيء القمر، وبعد عشر ينجلي البدر، وأنت أبو الدائرة الأحمدية، جدد، جدد، جدد.

فأصبحت وقمت إلى النهر لأركب الكلك إلى [ بغداد ]، فرأيت الخضر عليه السلام على شاطئ النهر، فقلت: بالله أسألك، عبر لي قوله ـ عليه الصلاة والسلام ـ: جدد، جدد، جدد.

فقال: الأولى، جدد للأمة أمر دينها بحكمك المحمدية، وعلومك الشرعية، وفقهك في معاني الحقائق القدسية.

والثانية: جدد طريقة الإمام السيد أحمد الرفاعي، فهي طريقة النبي صلى الله عليه وسلم، وطريقة السلف الصالح من أهل بيته وأصحابه وتابعيهم.

والثالثة: جدد طرق الصوفية، فقد طمتها البدع القولية، والاعتقادات الردية، وقبائح الأمور الفعلية.

فطرت فرحاً، وشـببت إلى هام العلى طرباً بإحسـان رسـول الله صلى الله عليه وسلم، وركبت الكلك، فسمعت دواب الماء، تقول: لا إله إلا الله، محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، قَرُبَ وقت ظهور السر المحمدي، وبروز الهلال الأحمدي و صاحب الوقت في الكلك. وبعد برهة يسـيرة سمعت صاحب نوبة الماء يقول:


يا ذاهباً مـع الكلـك =أبشر فإن الكـل لـك
أعطاك ربك المنـى = وللمـقـام أهـلــك
هذي زليخـاء العـلا = تقول جهرا: هيت لك
فزد هـدى وبعدهـا = صل على من أوصلك


فحمدت الله تعالى.

وسرنا كل ذلك اليوم، ففي الليل ونحن على شاطئ النهر، رأيت ـ أيضاً ـ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي: يا ولدي، أنت بهاء الدين، مهدي نبي الطاهرين، جدد، جدد، جدد. فقلت روحي الفداء لعتبة بابك الطاهر، عبر لي الخضر أمرك هذا، أكما عبر هو؟ قال: نعم، وفي ذلك أسرار إلهية أخر.

قلت: دلني على الحق. قال: القرآن فيه مطلوبك. قلت: دلني على الطريق إلى الله. قال : تمسك بولدي أحمد الرفاعي، وتصل إلى الله، فهو سيد أولياء أمتي بعد أولياء القرون الثلاثة، وأعظمهم منزلة، ولا يجئ مثله إلى يوم القيامة غير سميك المهدي بن العسكري. وكيف لا وأحمد الرفاعي قطب أهل بيتي، وخزانة فقهي وحكمي، وصندوق أذواق أحوالي، وتحف علمي؟!.

وأنت قطب أهل بيته، ولك مني عطية: أن لا يخزي الله من أحبك واتبعك في طريقك، ولا يفضح، ولا يغلب، ولا تسوء له خاتمة، وإن عيني عليك وعلى من اتبعك وأحبك، (( لا تخف إنك من الآمنين )).

ونفخ في وجهي، فسرى سر نفسه الشـريف في، فغبت عني، وما تداركت حضوري إلا وأنا بـ [ بغداد ]، وكل غيبتي وأنا بمحضره السعيد المنور صلى الله عليه وسلم.

وقد وصل الكلك إلى:

[ بغداد ]

......................

يتبع إن شاء الله

الرفاعي
04-06-2018, 11:24 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
ــــــــــــــــ

[ بغداد ]

صباح يوم جمعة، فانكشف لي مع حضوري حجاب الإسدال عن عوالم الأرواح، فأحدقت بي من كل جانب أرواح الأئمة الطاهرين، والآل المرضيين، والمشايخ العارفين، والمحبين، والمقربين، وعباد الله الصالحين.

وأعظم روح قام موكب سلطانها في بغداد بكبكة النبوة من طريق الإفاضة المعنية، هي روح سـيدنا ومولانا، باب الحوائج إلى حضرة الصدق في مقام التوكل المحض بمشهد التسليم، الإمام موسى الكاظم، سلام الله ورضوانه عليه.

فحبى مظهر مطافي من حنان روحه الطاهرة الإمامية بمدد الإسعاف في المقام والحال والشـأن والوقت والاسـتقبال، وطوى في طالع تلك الروح النورانية من رقائق العلم المحمدي، مـا أقـام لي قاعـدي، وقوم لي اعوجـاجي، وطـاف بي في حضـرات الشـهود حضرة حضرة، وأخذني نجاب أمره إلى حضرة العز من مطارقات التدليات السماوية في رفرف: ( لي مع الله وقت لا يسعني إلا ربي ).

فازدوجت الحجب في الحضرة، فجذب طنبها كل روح مقربة لعبد محبب في بغداد، وكلهم انتفعت بهم، وأطلعني الله تعالى ـ ببركة نفحة الروح الكاظمية ـ على مقاماتهم وغاياتهم ومشاربهم ومراتبهم وعلومهم وفهومهم، نفع الله بهم أجمعين.

وفي تلك الليلة رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمرني بزيارة الأمير السيد إبراهيم المرتضى بن الكاظم، وبزيارة السيد علي أبي الحسـن الرفاعي، والد سيدنا الإمام أحمد الرفاعي، وبزيارة الكرخي والجنيد، وأمرني بالسلام عليهم. ففعلت وزرتهم `كلهم رضي الله عنهم، وسلمت عليهم كما أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وظهر ذلك اليوم، رأيت وقت القيلولة السيدة البتول الزهراء، رضي الله عنها وعليها السلام، فأمرتني بزيارة السيد سراج الدين، وبزيارة السيد محمد الوتري، وبعدهما أطلقت لي العنان فقالت: وَزُرْ بعد هذين من شئت حياً أو ميتاً ففعلت وزرت مراقد الأوليـاء المدفونين ببغداد كلهم، وحكّمني الله في منازلاتي، فعرفت حقائق مراتبهم، وانتفعت بزيارتهم، وأكثرت من زيارة مراقد العلماء والفقهاء ومشايخ الخرقة وأئمة المذاهب، واجتمعت مراراً على قطب البلدة، وكان لحّاماً.

ورأيت أصحاب النوبة بها كلهم، وفيهم رجلان من أهل البادية، ورجلان من الأعاجم ـ أعني من غير العرب ـ ورئيسهم أحمديّ، اسمه وليّ.

ورأيت جماعة من العلماء لهم معرفة تامة بعض العلوم، ولكن فيهم ثائرة دعوى فوق ما عندهم من العلم، ورأيت أن الغوغاء على الدنيا إلا من عصم ربي.

وفي ليلة الجمعة رأيت ـ أيضا ـ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لي: طب قلباً! سيظهر الله لك ولذويك وللطريقة الرفاعية بهذه البلدة شأناً عظيماً.

فقلت: يا رسول الله، عليك الصلاة والسلام! إني أرى عنايتك بالطريقة الرفاعية أكثر من عنايتك بغيرها!.

فقال صلى الله عليه وسلم: هي طريقتي الخاصة من الطريق الخاص في السلوك الأخص على الوجه المخصوص، وأنا أحب السيد أحمد الرفاعي ومن أحبه.

ثم ألبسني مرطاً أخضر وقال لي ـ عليه الصلاة والسلام ـ: سر إلى [ أم عبيدة ]، إلى ديار الأحبَّة. وتمايل شوقاً، عليه الصلاة والسلام والتحية. فأخذني من ذلك حال غالب، فغبت عني، وقمت مغلوباً بوجدي وحالي.

وبعد صلاة الجمعة سرت ممتثلاً الأمر النبوي في غلبة وجدي وسالب حالي، لا أشعر ولا أصحو إلا وقت أداء المفروضات، ونور الطالع المحمدي محيط بي من كل جهاتي، ورفارف الأكوان تطوى لي، ويد العون والإغاثة الربانية تمدني بصنوف المدد وعجائب المنن والمواهب، حتى وصلت:

[ كربلاء ]

...................

يتبع إن شاء الله

الرفاعي
08-29-2018, 02:12 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
ــــــــــــــــ

[ كربلاء ]

دار شهادة سيدنا ومولانا وولي نعمتنا الإمام الشهيد السبط السعيد، أمير المؤمنين، الحسين عليه السلام.

فانكشف رداء الإغماض عن حضرة الجلال المنصوب بها سرير الشهيد، فتجلى سلطان مشهده بلامة حربه وعدته، فوقفت باكياً مضطرباً أنظر إليه وقد غاب قلبي مني، وانسلخ كلي عني، وقلت ـ وغالب حزني يعاركني ـ :

يا ليتني كنت مقتـولاً بخدمتـه = أو قاتلاً وبهـذا ينجـح الأمـل
إن الكـرام إذا قامـوا بمعركـة = ما ظاهروا ولَوَوْا وجهاً ولو قتلوا
هذي فعال ابن بنت الطهر فاطمة = وفَّى وما رد حتـى ردَّه الأجـل
الشمس تكسف لكن لا انمحاق لها = لابد تجلى وأيـام الـورى دول
مضوا أعادي حسين في مثالبهم = سوداً وشمس حسين مالها أفـل

وسقطت غائباً، فرفعني رجل من المشـاهدة إلى بيت له، فبقيت يومين مفقود الحضور حزناً لما جدد لي طارق المشاهدة من ألم مصيبته، عليه السلام والرضوان.

ثم حضرت وقمت فدخلت المشهد الأنور الحسيني، فحفت بي شهداء الحضرة من كل جانب، ورأيت لامعة نور النبي صلى الله عليه وسلم تنجلي في ذلك المشـهد، ورأيت الخضر عليه السلام يطوف بالمرقد، ورأيت القطب الغوث صاحب الوقت بيده مكنسة ويكنس حائط القبة، ومع كل هذا فغلبة طارق الحزن صائلة، (( إنما أشكو بثي وحزني إلى الله )).

فبرز بحلة الجمال، على كرسيّ الجلال، بطالع البشر، عليه رونق البضعية المحمدية، وسلم علي، ثم قال: أنت ولدي وريحانتي، سيكون لك في الله دولة من دول الأولياء المحمديين، هي مذكورة مجفورة، مشكورة مبرورة.

وقلدني وأبرزني في الحضرة، وأمر أرواح القوم بتقليدي والإفاضة إلي، وقال: سِر مباركاً راشداً مهدياً إلى [ أم عبيدة ]، إلى دار الحبيب، وقل بقوله، واعمل بعمله، وطر بروحه، فهو النائب في المحضر والمغيب، والمظهر والمشهد عن النبي الأطهر، وبنيه الأئمة الهادين.

وطرقني طارق حضور، وانطوى بساط الشـهود الشريف الحسـيني، على صاحبه السلام.

فقمت من يومي، وضربت الصحراء، إلى البصرة ...........

يتبع إن شاء الله تعالى

الرفاعي
08-29-2018, 12:57 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
ــــــــــــــــ

فقمت من يومي، وضربت الصحراء، إلى [ البصرة ]، فلما تنحيت عن [ كربلاء ]، لاح لي نور حبيبي صلى الله عليه وسلم فملأ الأكوان، فانطويت عني بمشاهدة قدس طالعه، ولم أزل في مكافحة تلك المحاضرة لا أرى سواها، ولا أشهد إلا إياها، في أنموذج غيبة مع حضـرة، في رداء حضـرة مع غيبة، حتـى جئت من الطـريق الشمـالي إلى (( السبيليّات )) : بليدة صغيرة بجانب البصرة، فيها قبر السيد الجليل يحيى الرفاعي، جد الإمام السيد أحمد الكبير الرفاعي رضي الله عنهما، وفيها قبر القطب السيد رجب بن القطب السيد شمس الدين محمد الرفاعي، وجماعة من أعيان البيت الطاهر الرفاعي.

فزرتهم، وتجلت لي في مظاهر المحاضر أرواحهم، يقدمهم النقيب السيد يحيى رضي الله عنه، بهيكله النوعي، أسمر اللون، رفيع القامة، ربعة من القوم، فأفاض علي من وارد المحبوبية، وأفاض عليّ السيد رجب من وارد الإرشاد.

وقمت في محضرهم أتلقى تحف الواردات، مشمولاً بالعنايات.

فقال السيد يحيى :

سـر لـلـحـبـيـب عـلـى عـجـل = فـهـنــاك قـصــدك والأمـــل
وخــذ الـطـريــق وقــم بـــه = كـأبـيـك واهـجـر مـن بـطــل
فـالـوقـت وقـتــك فـانـتــدب = لـلــه يــا هـــذا الـبــطــل

وضمني إليه وقال : ادخل [ البصرة ] معموراً بالله تعالى . فقلت :

سبحان الله ! ما أعظم شأن الأرواح ! يا خسارة المحجوبين ! .

فانطلقت إلى [ البصرة ]، فرأيت على الطريق رجلاً حسن الهيئة، فسـلمت عليه، فأخذني إلى بيته واحتفل بشأني كل الاحتفال، فعرفت أنه السيد إبراهيم الرفاعي مفتي [ البصرة ]، وعالمها، وشيخها، وهو من ذرية الإمام السيد شمس الدين محمد الرفاعي رضي الله عنه.

فلما خلونا أمرني بالوضوء، ففعلت، وبايعته في الطريق، وأوضح لي كل ما يحتاج إليه السالك، وقال : أنت شيخنا في المعنى، أنت الرفاعي الثاني، أنت شيخ أشياخك حُكماً، ولكن لربط اليد أسرار معلومة عندك، فحمدت الله.

وفي الصباح سـرت على البركة لزيارة الجنـاب الأحمـدي، وبقيت يومين، فتراءت :

[ أم عبيدة ]

يتبع إن شاء الله تعالى

الرفاعي
08-29-2018, 01:45 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
ــــــــــــــــ

[ أم عبيدة ]

بعد طي شقق المسافات البعيدة، فتمثلت مولهاً بقول العلامة رشيد الدين الشافعي رحمه الله تعالى :


مر النسيم على الروض البسيم فما = شككت أن سليمى حلـت السَّلَمَـا

ولاح برق على أعلى الثنية لـي = فخلت برق الثنايـا لاح وابتسمـا


قال الفيروز آبادي ـ رحمه الله ـ في القاموس: أم عَبِيدة: كسـفينةٍ، قرية قرب واسط، بها قبر السيد أحمد الرفاعي .

قلت: هي دار البرهان والعرفان، ومحل نفحات الرحمن، ومضمار علوم انبجست من قلب سيد الأكوان، وخزانة أسرار لمعت أشعة شموسها في الأكوان، وغمد سيف أصلته سياف المدد لاعلاء شريعة الرسول، وديباجة بارق سلطانه في كل ليّة من خبطات صولته سيف بالقدرة مسلول، فلما تراءت عن قرب تذكرت ما طوته في حالة البعد، ووقفت أستجلي من مرآة تلك المطالعة نسيج اعلام القبول الخفّاقة بالمدد المؤبد، وخيام الاختصاص، واطنبة الاخصاص المنعقدة على أصابع الاخلاص؛ حولها خيل الدولة الغيبية محيطة بالحمى، وأنوار الترقيات مع وفود هوابط الرحمات صاعدة نازلة؛ من الأرض ومن السماء، ووراء صفوف تلك الآلآء، وصنوف هاتيك العناية البيضاء بارق لمّاح تنطلق من طرق طرائقه أنوارُ السماح، فذكّرت نفسي ولها أن تذكر قول من قال: فقلت قوله من حيث لا أشعر:

والوفدون إليك من أوطانهم = شاموا لبشرك بارقاً لماحـا
لما رأوك من السماح غمامة = ركبوا إليك من المطيّ رياحا

وعجَّ في العجاج الطيب فعبقنا من مكان قريب ورحم الله من قال:

وطيب لا يقاس بكل طيب = يحيينـا بأنفـاس الحبيـب
متى يشممه أنفٌ حنَّ قلبٌ = كأن الأنف جاسوس القلوب

وهناك قلت في وقفتي حالة مشاهدتي في مطالعتي عند بروز نار القِرى من أم عبيدة التي هي محضر التدلي نائبة أم القُرى :

أَأُم عبيـدةٍ أقلـقـت ركـبـي = وقلقلت العِـواج إلـى حمـاكِ
فافناها المسير فقمـتُ أسعـى = على القدمين مُنبـتّ الشـراك
وأعملت العزيمة جهد طوقـي = عسى عسيني بناظرها تـراك
وقلت لهمتي جـدي وسيـري = لأم عباد بـورك فـي سـراك
فطفت الأرض شبراً بعد شبـر = فما التفت العيان إلـى سـواك
ولا قيّدت ذاتـي فـي نطـاقٍ = يميل بها شهودي عـن ربـاك
ضحكتُ مسرةً مُذ ضئت صبحاً = لعيني لا عـدا عينـي هـواك
مقام القرب أضحكنـي كبعـد = أسال سحاب أجفاني البواكـي
أطير إلى حمـاك بـلا جنـاح = لأغنم فيض همة مـن حمـاك
فأنت منـار قبلـة كـل قلـب = تسلق بالهـدى درج السِمـاك
عرفتكِ في مناط الروح حتـى = غـدوتُ بكـل بــارزة أراك
رعاكِ الله لي من طور روحي = يـد علقـت بهمتهـا عـراك
جذبتِ الروح من دركات كوني = وها أنا جئت مجذوبـاً فهـاك
فانت أقامك الرحمـن طُـوراً = وقدَّسـك المهيمـن وانتـقـاك
وشادك في مطاف الغيـب داراً = وللغوث الرفاعـيّ اصطفـاك
ومـد عليـك أسجفـة التدلـي = وقد طبع القلوب علـى هـواك
فلا برحت ترقُّ بـك المعانـي = وتنفتـق الفهـوم لمـن أتـاك


وتقدمت على رؤوس الأصابع أتخطى إلى أم عبيدة البقعة المقدسة، طور سينا قلوب العارفين، كعبة همم المحققين، حرم الأمان للطالبين، مدينة أفئدة المتمكنين، البيت المقدس الأمين، إشارة (( والتين والزيتون ))، سرارة تدليات الإفاضة من شوارق أمر كن فيكون، مهبط الرحمات، منبع الفتوحات، عنوان المنشور النبوي، نمط الجفر العلوي.

وأبرح ما يكون الوجد يوماً = إذا دنت الخيامُ من الخيـام

ورأيتني هناك كما قيل :

واحسم ذكر سعدى عن لساني = وأُخفي عن صبابتي هواهـا
وأحسد ناظري عند التلاقـي =على بعد المـزار إذا رآهـا

نعم ونعمَّا هي من زورة قطعت حبل الفراق، ووصلت أطنبة التلاقي، ولكن أخذ شاهدي من سلطان الجلال وغلبة تجلي العظمة ماهز ثابت قلبي وأطاش غُصين لبيّ حفقت أعلام مشتبكة ببعضها واردة من الجهات الأربع، ومشارق أنوار متصادمة صاعدة نازلة من الجهتين، وخيام منصوبة، ودواوين محبوكة، ووفود رجال الغيب والحضور أفواجاً أفواجاً، (( وفتحت السماء فكانت أبواباً ))، وانبسط من عياني إلى الحضرة السعيدة الأحمدية سرداباً، فلما قرعت باب السرداب، ووقفت بالأعتاب أخذت أُحدّق النظر بأدبٍ جامعٍ، وحالٍ صادقٍ، وقلبٍ خاشعٍ. وربط صحيح، وعزم ثابت، وهمة مكينة، وأُسَير الطرف لأتملى بمشاهدة ذلك الوجه الوجيه عند الله تعالى ورسوله العزيز الكريم صلى الله عليه وسلم، وطوراق دهشة المحضر الشريف الأحمدي تأخذ قلبي، وتهز عزمي، وأنا على منوال قول من قال:

أسعى لأسعد بالوصال وحق لـي = إن السعادة فـي وصـال سعـادِ
قالت وقد فتَّشت عنها كـل مـن = لاقيتـه مـن حاضـر أو بـادِ
أنا في فؤادك فارم نعلك كي ترى = وجهي هناك فقلت أيـن فـؤادي

[ جملة جميلة ]

قال الإمام الهمام السجّاد وارث هدي سيد العباد سيدنا علي زين العابدين

يتبع إن شاء الله تعالى

الرفاعي
08-30-2018, 02:02 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
ــــــــــــــــ

[ جملة جميلة ]

قال الإمام الهمام السجّاد وارث هدي سيد العباد سيدنا علي زين العابدين ابن الامام الشهيد المظلوم الحسين أبي عبد الله رضي الله عنهما: من خرج من بيته لزيارة وليٍّ لله لم يزل يخوض في الرحمة حتى يرجع إلى مكانه ويغفر له ذنوب ألف عام ويكون غداً في جوار الرحمن.

وقال ولده الباقر، وفرعه الطاهر - سلام الله ورضوانه عليهما - لو علم الزائر لمن يزور وما له من الأجر لمشى ولو على أجفان عينيه عوضاً عن قدميه.

ورأى العارف البجلي رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام فقال: يا رسول الله علمني شيئاً، فقال عليه الصلاة والسلام: وقوفك بين يديّ وليّ لله كحلب شاة أو كشيّ بيضة خير لك من أن تعبد الله حتى تتقطع إرباً إرباً، قال حيّاً كان أو ميتاً؟ قال حيّاً كان أو ميتاً.

وقال صلى الله عليه وسلم: ( زُرْ في الله فإن من زار في الله شيعه سبعة وسبعون ألف ملك. يقولون: اللهم صله كما وصله فيك، وناداه منادٍ طبت وطاب ممشاك وتبوأت من الجنة مقعداً ).

وقال عليه الصلاة والسلام. حاكياً عن ربه تعالى: ( حقت محبتي للمتحابين فيّ والمتزاورين فيّ ).

ومن هذه الآثار والأخبار تعلم أن زيارة الأولياء لأجل الله تعالى فيها من الأجر ما لا يحصر، وفضل الله أعظم وأكبر، وان السلف من مشايخ الطريق نوهوا بذكر [ أم عبيدة ] وأعظموا شأنها وذكروا فضل زيارتها وما يحصل من البركة والخير لزائرها.

مرّ سلطان الرجال تاج العارفين أبو الوفا رضي الله عنه بأم عبيدة والسيد أحمد رضي الله عنه يومئذ لم يكن وُلد فقال: أم عبيدة بقعة مباركة سيقتتل عليها العارفون بالسلاح، ثم قال: سيظهر عن قريب بهذه القرية السعيدة رجل إسمه أحمد ويشتهر بالرفاعي يتواضع له كل صاحب سجادة على وجه الأرض يضرب داغه على جبهات الذراري في أصلاب الآباء، ودولة هذه الطريقة المحمدية له ولذريته إلى يوم القيامة.

وقال العارف بالله سيدي محمد بن عبد البصري شيخ العارف الشهاب السهروردي رضي الله عنهما: الزائر إلى أم عبيدة يروح ويأتي تحت ظلال أجنحة الملائكة.

وقال ايضاً: الزائر لأم عبيدة يمشي على أجنحة الملائكة، وله بكل نَفَسٍ ألف ألف حسنة.

قلت: وهذا معنى قوله عليه الصلاة والسلام: من زار في الله. الحديث وقد سبق ذكره؛ ومثل سيدي محمد بن عبد من يصح له الكشف الصحيح رضي الله عنه.

وقال شيخ الأمة سيدنا أحمد الرفاعي رضي الله عنه: وعدني العزيز سبحانه وتعالى أن يدخل في هذه البقعة يعني أم عبيدة في كل يوم رجلاً من القوم إلى قيام الساعة، ويخرج وفي قلبه حسرات مما يرى من نعم الله، ومواهبه وعطاياه، وإحسانه وبره المتواتر.

وقال رضي الله عنه: يواصل هذه البقعة الواوي فيصير أسداً، ويقاطعها الأسد فيصير واوياً.

وقال رضي الله عنه: الناس يقولون [ أم عبيدة ] والحق يقول: ( أم عبيدي ) وقد جعلها مباركة ومن حولها بها [ أم عبيدة ] أم العباد المعتقدين بها أحسن الاعتقاد، وكل النوال ينزل من جناب العزيز سبحانه وتعالى على مكة حرسها الله ثم يفرق باليد المحمدية على المملكة ومن اليد المحمدية يُفرغ إلى [ أم عبيدة ] ومنها بيد أهلها يفرَّق على القُرى والنواحي [ أم عبيدة ] فيها قصَّار وصبّاغ فإذا دخلها الفقير وعليه ما شاء الله من وسخ الذنوب، فيغسل من ذنوبه بالتوبة حتى يخرج كالثوب النقي؛ ثم يصبغه الله تعالى بالخيرات والثواب والبركة والعرفان، فيرجع وهو مغفور له من أهل الاقبال على الله تعالى، وإن الله تعالى، اختار لهذه البقعة زبدة الوقت، فما يقصدها إلا من لله فيه عناية أزلية؛ لأنها مقصد الأحباب، ومحل الأبدال والأقطاب، وفيها يوجد الندى للطلاب، ومنها يحصل فتح الباب، وكل خطوة إلى [ أم عبيدة ] يُمْن ودرجة إلى العزيز سبحانه وتعالى.

يتبع إن شاء الله تعالى

الرفاعي
08-30-2018, 02:10 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
ــــــــــــــــ

وقال شيخ مشايخنا الإمام الكبير الباز الأشهب منصور البطايحي الرباني خال سيدنا الإمام الرفاعي رضي الله عنهما: [ أم عبيدة ] محط رحال العُبَّاد والزهاد، ومنها ينثر الخير إلى سائر البلاد.

وقال قطب الوجود سيدي أبو محمد الشنبكي رضي الله عنه يوماً: هاهنا بقعة يقال لها [ أم عبيدة ] يختصم عليها الرجال بالسلاح حتى يتقوا بأيديهم ولم تحصل إلا لرجل يأتي آخر القوم وهو خاتمهم، فلما بلغ ذلك سيدي منصور قال: هذه البقعة لأحمد ابن أختي لا لأحد غيره رضي الله عنه، وتخاصم جماعات من المشايخ في موكب الشيخ عزاز على التقدم فَقَدَّمَ أهل [ أم عبيدة ] وقال: هم المقدمون في السماء فلا أنا أغير ذلك ولا يقدر أحد غيري يغيره.

وقال سيدي محمد بن عبد البصري رضي الله عنه: مزابل أهل [ أم عبيدة ] من حدائق روضات الفتوح.

وقال القطب السيد عليّ مهذب الدولة ابن عثمان الرفاعي رضي الله عنه لأصحابه: إذا طلبتم الحق فاطلبوه بين سواري روارق [ أم عبيدة ] وإذا كانت لكم إلى الله حاجة فاضرعوا إلى الله بساكنها تقضى حوائجكم بإذن الله تعالى.

وحكى الشريف عليّ الطبري الحسيني رضي الله عنه: أنه أدخل على شيخه إمام القوم مولانا السيد أحمد الرفاعي رضي الله عنه سمكة، وبعد أن أراه إياها أمر الطبري لتطبخ فأخذها الخادم ليصلحها لهما فلم تنضج، وأكثر تحتها من النار وقتاً طويلاً وهي على حالها، فرجع الخادم وأخبر الشريف الطبري فذهب ورآها ومكث عندها زماناً ينظر إليها وهي كشأنها الأول، فرجع وأخبر شيخه السيد الإمام أحمد الرفاعي رضي الله عنه، فقال له: أي ولدي الحمد لله الذي صدقنا وعده وسجد شكراً لله ثم رفع رأسه وقال أيْ عليّ وعدني العزيز سبحانه أن النار لا تحرق من دخل هذه البقعة أو من لمسته يد هذا العبد العاجز أحميد، وأمر بالسمكة فدفنت في مكان خلف الرواق.

ولما زار السيد أحمد البدويّ رضي الله عنه هو وأخوه السيد حسن قدس سره المرقد الأحمدي [ بأم عبيدة ] انكشف للسيد البدوي الغطاء فرأى خياماً ملأت الصحاري وخيولاً عظيمةً وأعلاماً منشورة، فقال لأخيه يا حسن: كأن هنا بعض الملوك بخيله ورجاله وخيامه وحشمه، فقال له: لا يا أحمد بل هذه مواكب رجال السيد أحمد الرفاعي رضي الله عنه، ولا يطَّلع على هذا السر إلا المقبولون من أهل العناية، فتواجد السيد أحمد البدوي رضي الله عنه وأنشد:


سكرنا حين شاهدنا الخياما = وشاهدنا الرجال بها قيامـا

قياماً فـي خيـام نيـرات = وقد ملأ السنا تلك الخيامـا

فغبنا عن وجود كان منـا = سُكارى حين ما ذقنا المداما


وقال سيدنا القطب السيد عز الدين أحمد الصياد رضي الله عنه: أخبرني الولي الصالح العارف السيد أحمد البدوي ابن عليّ الحسيني المغربي بدمشق أنه زار [ أم عبيدة ] فلما أشرف على قباب الرواق الطاهر الأحمدي أُلهم فقال:


هذي الخيام فليت شعري ما الذي = يجري علينا من عطاء كرامهـا


ولا زال يكرر هذا البيت إلى الليل قال: فلما نمت رأيت سيدنا شيخ الجماعة السيد أحمد الرفاعي رضي الله عنه فقال لي: أنشِدْني البيت الذي أُلهمته فأنشدته البيت فقال:


ته بالقبول وجرَّ ذيلك زاهياً = ولك المراد بأرضنا وخيامها


قلت وقد جرَّب أهل القلوب زيارة [ أم عبيدة ] فانتهضوا ببركتها إلى مراتب الفتح، وجربوا الهمة لصاحبها رضي الله عنه لحل مشكلات الطريق فكان وحصل المطلوب، وانهل سحاب الفتوح فوق المرغوب:

يتبع إن شاء الله تعالى

الرفاعي
08-30-2018, 02:25 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
ــــــــــــــــ

قلت وقد جرَّب أهل القلوب زيارة [ أم عبيدة ] فانتهضوا ببركتها إلى مراتب الفتح، وجربوا الهمة لصاحبها رضي الله عنه لحل مشكلات الطريق فكان وحصل المطلوب، وانهل سحاب الفتوح فوق المرغوب:


خليلـيّ عوجـا بـي لأم عبيـدة = فلي بسماوات السمـوّ بهـا بـدر

أنال بـه سؤلـي وأبلـغ مأربـي = وأحفظ أحوالي ويكنفنـي النصـر

وينزاح فيه الشك عن عين شاهدي = ويتضح المعنى وينشرح الصـدر


وأنشد العلامة الشيخ عبد الرحمن الدُّعَيبيني الواسطي عند قبر السيد أحمد الرفاعي رضي الله عنه في قبته المباركة وكان جماعة يقال لهم آل غريب تعدوا عليه كل التعدي:


ايظلمني الزمان وأنت فيـه = وتأكلني الذئاب وأنت ليـث

ويروى من بنانك كل ظـامٍ = واظمأ في حماك وأنت غيث


فرأى تلك الليلة في منامه سيدنا السيد أحمد الرفاعي رضي الله عنه وعنا به فقال: يا عبد الرحمن غارت الربوبية لنا، فما مضى شهر إلا وأخذ الله آل غريب، فلم يبق منهم في الديار الواسطية ديار والله على كل شيءٍ قدير.

وقد اتفق القوم رجال الله أقطاب الدوائر على أن خلعة الغوثية تخرج من قبر النبي صلى الله عليه وسلم مطوية وتُنشر على غوث الزمان [ بأم عبيدة ].

وقال شيخنا الإمام السيد سراج الدين الرفاعي المخزومي رضي الله عنه هذا معنى قول الإمام رضي الله عنه: كل وليّ محمديٍ إذا مات يؤخذ سيفه ويعلَّق في هذا الباب إلى ما شاء الله على أن باب رواق أم عبيدة محل إفراغ الأمانة ومحل استيداعها .

هذا سطر يعرب عند أهل ديوان الغيب عن ما طواه المدد الإلهي والوهب الرباني في [ أم عبيدة ] من الأسرار الإلهية لله خواص في الأزمنة والأمكنة والأشخاص:


http://soufies.net/attachment.php?attachmentid=26&stc=1&d=1535638930


ميمان في التنويـع منعقـدان = بهما بحكـم الإنطـوى دالان

دالان قاما في مطارقة العـلا = لهما بطور الإنجـلا ميمـان

سران في سِرَّين قامت جملـة = وبطيهـا الميمـان منعقـدان

ظنَّ الجهول الخِبّ طية حكمها = والله ينشرهـا بكـل زمـان

يتبع إن شاء الله تعالى

الرفاعي
08-30-2018, 03:43 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
ــــــــــــــــ

[ عود حسن ]

العود أحمد وأحمد العود ما كان ( لأحمد ) طوارق الأنوار من منازل أبراج المقام أخذت حاضرة قلبي إلى بادية الدهشة فطرقني من هيبة تلك الصحراء النورانية شارق جلال حيَّرني حيرة صرفت بكلي إلى منازلة من منازلات عالم الإبداع، فرأيت ان حكم الابداعي الإنقسامي عند إنصرافه من لُجَّة بحر النشأ الأول أقام في ساحة مشهد النبوة مع دولة النبوة العظمى في محضر علميّ، وشأن سلطان إلهيّ أمراً مستمر الحكم والحِكْمَة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين لإمام دولة الرسالة وسلطان محافل الحكمة والدلالة، ناطق الأزل المتكلم في منبر الأبد رسول الهدى سيدنا وسيد عوالم الأكوان محمد صلى الله عليه وسلم وشق بيد القسمة القاهرة والحِكْمة الباهرة فجّاً من دحية ساحة تلك الحضرة أقامت في فيفاء محضر الولاية مع نوبة الولاية النائبة في طريق العلم، والبلاغ الإفاضي والإرث السابق منبراً صاعداً في جامع الإتِّباع المحض إلى ذروة التمكين الأتم للإمام الكامل شيخ كبكبة الأولياء الصديقين والمقربين وقائد أزِمَّة المتمكنين إلى طور سينا البلد الأمين سيدنا السيد أحمد الرفاعي رضي الله عنه، فالنبي العظيم خاتم دولة النبوة، وأولها سبقاً وخلقاً، وإن تأخر برزاً وبعثاً، والإمام الرفاعي بانبلاج نور النيابة المحمدية خاتم دولة الولاية الجامعة المحمدية وإن تأخر في نمط رجال الخرقة ظهوراً واستشراقاً، ونوبته هي النوبة الكاملة التي استودع الله بها تحف الحِكَمِ المحمدية، والمعاني الجليلة الإلهامية من تدليات طوراق البوارق النبوية الإيحائية، ولم تكمل هذه النوبة بعده ولا قبله من بعد الصحابة وأئمة آل المصطفى صلى الله عليه وعليهم لأحد البتة. هذا ما خط في صحف الاغلاق؛ وشهد به شاهد الأطوار والأخلاق، ولله وضع الفضل حيث يشاء.


هذا بـروزٌ سابـقٌ = به عطـاء سابـقُ

حار الرجال سابـقٌ = بشأنـه ولاحــقُ

أخلاق حـقٍّ لألأتْ = بنمطهـا الحقائـقُ

خالقهـا أكملـهـا = فلتجهـل الخلائـق

وانـهـا ظـاهـرة = أنوارهـا شـوارق

حقـائـقٌ ثابـتـةٌ = يجلي لهـا بـوارق

لم ينتظـم بسلكهـا = إلا المراد الصـادق

ومن زوى عن نفسه = ما أوهـم العلائـق

ومـن إذا ذكرتُـهُ = قلتُ الحكيمُ الحاذقُ


وهناك قلت: سبحان الله! ما رأيت هذه العلائم ولا الاعلام في غير هذا المقام، على هذا النسق والنظام؛ وقد تشرفت بزيارة آباء سيدي صاحب الحضرة أعني الأئمة هداة الأمة، فجائني فقه الجواب من جانب طور الفتح الأيمن ان الدولة الختمية المنجلية بكل تلك الحلل دولة صاحب الحضرة، وهي دولة الإرشاد المحض المحمدي المستمر الشأن إلى آخر الدوران، وصاحبها النائب عنهم وهو منهم فلذلك ماس بحللهم وحليهم وقام بنشر مطويهم، ومثاله مثال ملك من ملوك الدنيا ورث دولاً كثيرة من آبائه وكلها انحصر به مع عدم نقص مقام من مقامات آبائه بل لعل لهم الفضل إذ هم المورِّثون والمستخلفون وكذلك سيدي السيد أحمد الرفاعي رضي الله عنه فإنه ورث علوم الأئمة الاثني عشر آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، وحفته نظرة من الجناب الأعظم عليه الصلاة والسلام، وأقام للشريعة الغراء مناراً، وللطريقة السمحاء فخاراً، وشاد للسنة السنية حصوناً، ونور للعارفين بالطريق النبوي قلوباً وعيوناً، فهو ولا شبه محبوب حبيب الله وسيد الأقطاب من أولياء الله بعد الأئمة الاثني عشر من آل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وهو شيخ هذا البساط الذي لا يطوى إلى يوم الدين.

انصت ايها اللبيب وتدبر الله في مصنوعاته .............

يتبع إن شاء الله تعالى

الرفاعي
08-30-2018, 03:49 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
ــــــــــــــــ

انصت ايها اللبيب وتدبر أسرار الله في مصنوعاته. تقدمت من السرداب إلى الباب حتى كافحت بالمواجهة ذلك الجناب، فرأيته عليه رضوان الله وسلامه وتحياته. على سرير أبيض مسهم بخطوط خضر، وتحته وطاء أبيض، وعليه كسوة بيضاء، وعمامة سوداء. وحوله عساكر الأرواح الطاهرة من أولياء أهل بيته، وأعيان أصحابه.

فقال: يد مباركة، وقدوم مبارك، ووارث مبارك، ووقت مبارك. الحمد آن الأوان، وجاء الإبّان تقدم إليّ، فتقدمت إليه، فنفخ في فمي وأخذ بيدي، وقال: على عهد الله أنت نائبي ووارثي وشيخ طريقتي وصاحب بيتي ومجدد سنتي والقائم اليوم على سجادتي، ورفع عمامته الشريفة بيده المباركة فوضعها على رأسي، وجاؤوا له بعمامةٍ مثلها فتعمم، فانفسح الوارد المحمدي لي بعد أن لبست العمامة الأحمدية عن شهود محمدي خالص فعظم عليّ الشهود حتى سقطت على الأرض، فأخذني سيدي صاحب الحضرة السيد أحمد الرفاعي رضي الله عنه وعنا به بيده ورفعني فقمت ثم سقطت فأقامني ثلاثاً، وأفاض علىّ من سانحة قلبه تمكيناً، وقال لي مُدَّ يد الرجاء لفياض فضل نبيك سيد العوالم صلى الله عليه وسلم، وخاطب جنابه الرفيع بما يفاض إليك من إلهام الله تعالى لك على بركة الله تعالى.

فقلت :

يا صاحب قاب قوسين، يا جامع سر العين، ياكاشف وهم الغين، يا حامل عَلمَ العِلْمين، يا واحد دار الدارين، يا أوحد من في الكونين، يا أول ثاني إثنين، يا مظهر سر الرمزين، يا نور كل قلب، ويا قرة كل عين، بحق عين قدسك الطاهرة، يا ملك ملوك الدنيا والآخرة. توجه بقلبك الرحيم، ولطفك العميم، وجودك المستديم، وتحنن عليّ بقضاء حاجتي، وتعطف بفضلك عليّ بنيل آرابي، وأكرمني بفضلك المخصوص الخاص، لكي أتوجه إلى خدمة أعتاب فضلك وفيضك بالإخلاص صلى الله عليك مادار الدوران، واختلف الملوان، وكر الجديدان، ولمع الفرقدان، في كل وقت وزمنٍ وآن، وعلى آلك وأصحابك أجمعين، والحمد لله رب العالمين.

فنوديت

من ذلك المشهد الأمجد: حصل مطلوبك، وقضيت حاجتك، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم لسيدي أحمد الرفاعي الكبير رضي الله عنه أن يبايعني في الحضرة وأن يلقني الذكر، وأن يقوم بروحه بتربيتي فلقنني الذكر، وبايعني وقامت روحه الطاهرة بأمر تربيتي:

1 ( وقد بويعت ) .............

يتبع إن شاء الله تعالى

الرفاعي
08-30-2018, 11:04 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
ــــــــــــــــ

1 ( وقد بويعت )

والحمد لله بحضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم: على التمسك بطريقة شيخنا ووسيلتنا إلى الله تعالى السيد أحمد الكبير الرفاعي الحسيني رضي الله عنه والتخلق بأخلاقه، فإن طريقته طريقة المصطفى، وأخلاقه أخلاق المصطفى صلى الله عليه وسلم، وان من طريقته عدم القول بتأثير المخلوقين، ورد الأمر في كل الإمورلله رب العالمين ومنها. اعظام شأن النبي صلى الله عليه وسلم اعظاماً تصح به القربى إلى الله تعالى إذ هو الواسطة العظمى، والمرشد الحق، والدليل الحق، والحجة القائمة، وسر الوجود، وباب الأبواب إلى الملك الوهاب، وهو روح عالمي الدنيا والآخرة، وشرف النوع الإنساني، والوسيلة الكبرى التي تبتغى، وسيد كل مَن لله عليه سيادة، واعظامه عليه الصلاة والسلام هو العمل بما كان عليه، ورد كل شيء يتنازع فيه إليه، والتسليم لما قضاه لحكم شريعته، وتحكيمه عليه صلوات الله وأفضل تسليماته، وذلك لتحكيم الإيمان، وتشييد مباني الإسلام.

ومنها. إجلال مقادير أهل بيته صلى الله عليه وسلم، وأصحابه الهداة الطاهرين واتباع مناهجهم، وإنارة بقعة السر بأنوار اقتفائهم (( أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده )).

ومنها. تعظيم أولياء الله، والتقرب إلى الله بمحبتهم وموالاتهم والتباعد عن أذيتهم، والجزم الخالص بأن الله يتفضل على من أحبهم، وتوسل بهم وبمحبة الله لهم بالعون والعناية والبركة في النفس والذرية، والله على كل شيء قدير.

ومنها. احترام مشاهد الأولياء والصالحين والعلماء العاملين احتراماً لايدفع صاحبه إلى مصادمة الشرع.

ومنها. عدم المداهنة في أمر الدين، وايضاح كلمة الحق من دون فظاظة ولا عدوان.

ومنها. محبة الفقراء وتوقير العلماء ومجانبة أهل الأهواء، وصحة التسليم في كل الأشياء لخالق الأرض والسماء، والتجرد من دعوى الفعل والقطع والوصل، ولاحول ولاقوة إلا بالله العلي العظيم.


2 ( وبويعت في الحضرة )

على التوحيد الخالص، وتمزيق حجب الأغيار، والتجرد لخدمة الحق، وتأييد سنة النبي صلى الله عليه وسلم بالقول والفعل.

3 ( وبويعت في الحضرة )

على الخفا والصفا، والتمسك بسنة سيدنا المصطفى صلى الله عليه وسلم، وعلى هجر الديار، وطرح الآثار، وإطارة القلب إلى الملك الجبار، وربط السر بجناب الحبيب المختار صلى الله عليه وسلم.

4 ( وبويعت في الحضرة )

على السمع والطاعة لولاة أمور المسلمين، وعلى جمع القلوب عليهم، وصدم من يروم شقّ العصا، وعلى قول الحق، والحب في الله والبغض في الله لا لغرض من أغراض الأكوان وقوفاً مع كلمة الحق وعملاً بأمر الله، ورجوعاً إليه، وإنا لله وإنا إليه راجعون.

5 ( وبويعت في الحضرة ) على رد الأمور إلى الله، والرجوع عن غير الله، والإطراق تحت بوارق الأقدار، والإعتصاب إلى الحق وأهله، واللين والرفق والتواضع للمخلوقين، والشفقة عليهم لأجل الله تعالى، وكف الأذى عن البَرِّ والفاجر إلا فيما يؤل إلى أمر الله تعالى، والنصح لكل أحد بسلامة الخاطر، وصفاء السر، والغيرة لله ورسوله صلى الله عليه وسلم، والترفع عن سفاسف هذه الدنيا الدنية، والفرح بالمكرم لا بالكرامة، والتوكل على الله، وكفى بالله وكيلاً.

6 ( وبويعت في الحضرة )

على إعلاء كلمة الطريقة الرفاعية لله تعالى لا لعلوّ ولا لغلو خدمة للشريعة المحمدية، وإحياءً للسيرة الأحمدية، وردّ لما أحدثه أهل البطلان، وأدخلوه على عقائد الأمة، فأضروا بهمم المسلمين ونياتهم، وقطعوهم عن الطريقة المرضية التي هي طريقة السلف الذين هم خير البرية، ويتبع هذا صدّ من تجرأ على أهل الله؛ فأذلّ عزيزهم وبخسهم حقوقهم وأفسد أقوالهم، فأولها برأيه ضد ما قصدوه، وقطع عنهم طلاب الحق حسداً بدعوى حراسة جانب التوحيد، وفرّط وأفرط، ولا بدع فالقول الفصل أن الطريقة إلى الله شريعة رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا يهان المسلم أو يساء لعمل مباح، ولا يكفَّر للذنب، ولا يقاطع للعثرة، ولا يخذل للهفوة، ولا يؤاخذ بالشبهة، ولسان الشرع الرفق واللين قال تعالى: (( ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة )) وأهل الحق يغارون للحق، ويهجرون النفس، ويقطعون بالعقل المنصف حبل حيل الشيطان، ولا يكتمون الحق، وينتصرون لله على أنفسهم، ويقولون في كل أحوالهم : حسبنا الله ونعم الوكيل.

7 ( وبويعت في الحضرة )

على دوام الحضور بالإنفراد الطوري من حيث مشهد القلب إلى الله تعالى منقلباً عن مشاهدة الأكوان، ومنسلخاً عنها انسلاخ مقيم مع مراقبته محترزاً من انتقاد مراقبته، فإن الناقد بصير. والأمر المقصود خطير، وإلى الله تصير الأمور.

8 ( وبويعت في الحضرة )

على قطع عناصر الخيال من حظائر المحاضرات حيث انصرفت إلى أي عمل كان يعود سره إلى الله تعالى وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم، فإن الخيال شنشنة كذب يصرفها إلى الزعم جمع النفس على أمل انطوت عليه الضلوع، دقّ محلُّه، وخفي مشهده، وهو عن الحقيقة بمعزل.

9 ( وبويعت في الحضرة )

على نصرة النبي العظيم صلى الله عليه وسلم، وقمع البدع الهادمة لمنار العقائد الإسلامية التي قال بها جهلة المتصوفة. كالشطحات التي تتجاوز حد التحدث بالنعمة، والقول بالوحدة المطلقة، والإشتغال بالكلمات السائقة إلى هذا الباب، وكف اللسان عن الخوض بأمر الذات والصفات، والوقوف مع ظاهر الشرع، وتأويل مالا يصادم ظواهر الأحكام من عمل وقول وحال انتجته العادات على شرط إدخاله بحكم العبادات، وإنزاله منزلة الإراضات (1) من قبيل ترويح القلوب، ويتبع كل هذا حسن الظن بالمسلمين، وحملهم على الصلاح، فإن القلوب لا يطلع عليها إلا علام الغيوب، وهنا إشارة من وارد فتح، فإن إشارات الفتح لاتفات أما أهل التمكن المحمدي فإنهم أخوف ما يخافونه على متبعيهم الإنخراط بسلك الشطاحين، وأهل قبول الشطحات لما في ذلك والعياذ بالله تعالى من أهوال القطيعة والرد وصوادم الإبعاد عن الله تعالى من أهوال القطيعة والرد وصوادم الإبعاد عن الله تعالى.

قال العارف الإمام السيد سراج الدين الرفاعي المخزومي رضي الله عنه :................

يتبع إن شاء الله تعالى

الرفاعي
08-30-2018, 11:21 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
ــــــــــــــــ


قال العارف الإمام السيد سراج الدين الرفاعي المخزومي رضي الله عنه:


إن رمت إتحافـك بالفتـح = فزحزح الطبع عن الشطح

فالشطح سيف مصلت قاطع = للعبد عـن حافلـة المنـح

رعونـة دافعـة أهلـهـا = عن ساحة التعديل والجرح

ومتنها في طـي الفاظـه = معائب تعـرف بالشـرح

قلت: في الشطح ثائرة جموح تهزها بقية نخوة من آثار غلبة النفس تغلب حكم المقام، وترد من موج الحال فتنتنج سكرة تنشأ عنها عربدة صولة، ودعوى قطع ووصل، وكل حالات الشطح من عوارض بدايات المريدين، والمتمكنون عنها في معزل، ومن علامات كلمة الشطح ثقلها في النفوس، واستعظامها في الخواطر، وندامة قائلها عليها ولو عند موته.

كما وقع مع الشيخ العارف عبدالقادر الجيلي نفع الله به فإنه لما حضرته الوفاة وضع خده على عتبة الباب، وقال: هذا هو الحق الذي كنا عنه في حجاب. هذا ما نص عليه العارف محيي الدين ابن عربي في فتوحاته، والشيخ صالح الشعراني في مننه وغير واحد، وسبب الندامة التي تلحق الشطاحين بروز سلطان الحق المخالف لدعاوى الشطاحين، والمصادم لزعوماتهم، وهناك وتقابلهم صدمات سلطان الحق بقمع تلك الثوائر، فيرى الشطاح حينئذ أنه في قبضة الحجة وقامت عليه فيطرقه الندم من كل جهاته، وتقوم قيامة حاله، وخلاصه ما أجمع عليه العارفون أن الشطح هضمة جموح، وضجة دعوى، ونهزة تجاوز، ومفارقة حق، وإنصراف مع هوى، ولا يكون الوليّ وليّاً حالة الشطح بل ينسلخ من ولايته، وينتقل إلى ساحة دعواه كما ينتقل النائم بالنوم من يقظته إلى ساحة نومه، وهو أعني الشطح نقص لا يجتمع كمال، وإدلال لا يفارقه الإذلال، وبينه وبين التحدث بالنعمة أهوال، وكم من كلمة شطح سرت وكتبها أهل النقص في كتبهم ظنّاً بأنها من مقام التحدث بالنعمة، وهي عند الله من سوالب النعمة والعياذ بالله.

ومقياس التحدث بالنعمة مطابقة نص القائل على نصوص أقوال النبي العظيم صلى الله عليه وسلم، ونصوص أقوال الصحابة الكرام، وأهل بيته الأعلام ـ رضي الله عنهم أجمعين - مطابقة لا تأخذ بالنص لتعسفات التأويلات والتقديرات وتحويل ظواهر العبارات بإشارات بعيدات هكذا قال صاحب الحضرة، والنهي والأمر، وهذا ملخص كلام السلف الصالح وغاية ما ذهبوا إليه وأجمعوا عليه.

واما الشطاحون، فهم دون غيرهم من إخوانهم الذين لا يشطحون كيف كانوا، وإلى أيّ جهة انصرفوا، وفي دعاويهم عن مقامات المتمكنين محجوبون، وعن الترقيات في مراتب التحقيق قاعدون، ونشطة من همم القوم الذين راضوا أنفسهم بالذل والإنكسار ترفعهم فوق الشطاحين ولو اجتهدوا الأعمار، فإن العمل المقرون بالدعوى والترفع ساقط عن الصعود إلى حضرة العليِّ (( إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه )) وقد زلَّ عن طريق الصواب أُناس فصرعهم ميل نفوسهم إلى القول بالشطحات من ثلاثة وجوه.

الوجه الأول: ظنوا بها تحقق صاحبها في منزلة دعواه وانه أعظم من غيره مقاماً ومنزلة.

الوجه الثاني: فَرِحَتْ بكلمة التزحزح والتجاوز نفوسهم لممازجتها تلك الكلمة المشوبة بثائرة النفس، وظلمة الطبع التي تمنع أنوار المشاهدة فانبسطوا لها، وطابت بها خواطرهم وذهبت لمجانستها جمحات نفوسهم حين وافق أغراضها طبع تلك الكلمة فقالوا بها، وانصرفوا للاحتجاج بها لمشاركة فيهم لها بسائق عزم النفوس من دون علم منهم.

الوجه الثالث: اعتقادهم القوة الفعالة بذلك الشطّاح، وانه يقدر أن يفعل لهم بدلالة أقواله الشطاحة ما تؤمله نفوسهم، وتتهافت عليه هممهم:


همـم تطرّقهـا الزلـل = وطوى عزائمها الخلـل

سبحت بموجات الهـوى = غيّاً على شـوط الأمـل

واستقبلـت لضلالـهـا = وجه السوى بئس العمل

هـذا يقـول وقـولـه = عين السراب بـلا بلـل

وهناك ذاك يصولُ عـن = طيـش افادتـه العلـل

وهنـا يقـول ذا علـى = تقديـر زعـم محتمـل

الـكــل بـعــد الله = بهتـان وقائلهـا هـزل

فالزم طريق المصطفـى = واطرح اباطيـل الحيـل

واسأل كريماً عـز شـأ = ناً لا يخيب مـن سـأل

واجعـل لربـك دائمـاً = أبداً هروعك لـم يـزل

واسلك طريق من عليـه = كتابـه الأهـدى نـزل

واعمـل بسنـة تابعيـه = فكلهـم مثـل الجـبـل

واهجر صنوف الشطـح = إنَّ الشطح داعية الزلـل

واقطع صنيع علائق الشـ = ـطَّاح واهجر مـا فعـل

هو واهـم ان لـم يـز = لّ فكل مـن يتبعـه زل


وطريق العرفان من حيث المقام يمنع عن سماع كلمات الشطاحين قضلاً عن القول بها، والاعتقاد بما انطوت عليه من الطّامات، وان طريقة الذوق في مشارفة الشهود الأتم الفرقاني حجة دامغة ترد كل هذه المنافسات مع تحقيق القول بالتحدث بالنعمة من طريقة المطابقة لقول النبي صلى الله عليه وسلم، والموافقة لحاله، وان طريقه الاستسلام لقضاء الله وقدره، والايمان بأن القدر خيره وشره من الله تعالى تدفع الأقدام عن هذه المزلقات. إذ الحكم صائل، والأمر حاصل، وذراع القدر طائل، والعبد محكوم مقدور محجور مقصور، وعلى تزحزحه وتجاوزه غير معذور، وما ثم إلا إماطة هذه الحجب بيد الشرع، وصفع ابّهة الطبع بنعل الأدب انغماساً في بحر المتابعة المحضة لصاحب الشريعة صلى الله عليه وسلم، وهذا والحمد لله رب العالمين هو المقام الأجمع الكامل الأتم الذي تحقق به وتخلق شيخنا وشيخ مشايخ الاسلام سيدنا أحمد الرفاعي رضي الله عنه وعنا به، وهو طريق الصحابة والصدر الأول من اعاظم الآل الكرام ضي الله عنه وعنهم أجمعين، ونفع بهم إنه المجيب للسائلين.

( ومن تحف الموانسة )

يتبع إن شاء الله تعالى

الرفاعي
08-31-2018, 11:39 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
ــــــــــــــــ

( ومن تحف الموانسة )

انفتاق سرّ طالع من سماء الشهود كوكبهُ، مربوط بيافوخ المراقبة من سدرة الإتصال الأجمع طنبُه يقول قائله:

الوقت مائدة من موائد الرحمن تُمد على غير ميعاد، فمن فاته لذيذ تلك المائدة، وانصرف عنها بغش نفسه إلى الكسل فهو من البطالين، وكلما تجدد الزمن، وانبسط بساط الوقت يجتمع عليه العاقل بالهمة الفعّالة، فلا يفوته شأن من شؤنات الوقت. أعني الشؤنات التي تعود إلى الله، وتعول في كلها على الله، وفي الشؤنات من المجانسات بالشكل. والمخالفات بالنوع قسمان. قسم يُعول عليه، وقسم لا يلتفت إليه.

أ ( فمما لا يلتفت إليه )

طارق خاطر يقود إلى عزيمة لم تكن شرعية يجمع الهمة عليها بمعنى أنها مقربة إلى الله تعالى.

ب ( ومما لا يلتفت إليه )

مشارفة طور إطلاقي شكله. مقيَّد نوعه على مادة من مواد الغيب لا يستند شارف ذلك الطور إلى علم النبي صلى الله عليه وسلم أو إلى هدي من الله تعالى يرجع تحقيقه لشريعة النبي صلى الله عليه وسلم أو إلى الكتاب المنير المنزل على النبي صلى الله عليه وسلم.

ج ( ومما لا يلتفت إليه )

انفتاق روزنة خيالية تقيم لعيان الوهم منابر صعود، فيها درجات ارتقاء إلى حدّ تقصر عنه همة السالك، فإن روازن الخيال تنفتق من طريق الوهمة الكثيرة التفكّر بما لا يسوق إليه الشرع إذ رُبَّ ذاكر يذكر الله تعالى وفكرة واهمة حالة ذكره تسوق إلى كثرة الذكر ليصير بذلك مكاشفاً، ويطلع على الأسرار الغيبية، والمحاضرات السماوية.

وفي تلك الحالة تنفتق روزنة خيالية فيرى بعين الوهم أسراراً وآثاراً وكلها رد لا حقيقة لها، وإلى الله تصير الأمور.

د ( ومما لا يلتفت إليه )

محادثات ترنُّ في الخاطر ألقى بها إليه مجرد بقايا الآثار التي في زوايا النفس أو طوارق السمع المنصرفة إليه من ألْسُنِ أرباب الأغراض الخسيسة، فيظنها الواهم من الإلهام الحق ويسبح معها، وهي في صقع لا يدني من آثار حقيقة، والأخذ بها جهل، في موارد الإلهام، وردها والاعراض عنها من أحكام الفقه الإلهي، وكذلك حال من وفقه الله تعالى.

هـ ( ومما لا يلتفت إليه )

الرؤيا التي لا يؤيدها عمل صالح، وحال موافق لحكم الشرع عَظُمت أو حَقُرت فإن الرؤيا الصادقة الصالحة وحي المؤمن، والمؤمن من أحكمت منار إيمانه التقوى كما أن المسلم من سلم المسلمون من يده ولسانه، فإن أيد الرؤيا عمل صالح، وحال موافق لحكم الشرع هناك تعبِّر بحكمها، وبما سيق فيها من تنزلات أسرار الغيب، ويجب الإيمان بها. عملاً بمضمون قوله تعالى: (( لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق )) وقوله سبحانه: (( ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون )) فقد لحق الإيمان بالغيب إقامة الصلاة والإنفاق مما رزق الله سبحانه للعبد في سبيله تعالت قدرته وجلت عظمته، وفي ذلك سر يفيد حسن التوكل على الله، وصدق الثقة به عزَّ شأنه، وجلَّ سلطانه، وإلا فالرؤيا التي لا يؤيدها العمل الصالح، والحال الموافق لحكم الشرع تكون من نتائج أعمال الوالدين إن كانا من الصالحين أو نتاج من أحوال المشايخ إن كانوا من الواصلين أو من بركة صدقة وقعت موقعاً مقبولاً، أو من رفع القدم إلى زيارة وليّ من الأموات أو الأحياء نشأ عن إخلاص، أو من انتصار لعبد من عباد الله المقربين بظهر الغيب، أو من رأفة قلب بشأن فقير من فقراء المسلمين، أو من تعظيم يطرق القلب لحضرة النبي صلى الله عليه وسلم وآله وصحبه، وظهور آثارها في الرائي تحصل بنسبة سببها، وكلما ازداد حال طوره او طور حاله ارتقاءً في معراج الصلاح وطرق الفلاح تقدم لظهور آثار رؤياه فيه، وتقدمت الآثار بظهورها فيه إليه، وكذلك الأمر، ولله الأمر من قبل ومن بعد، وإلا فإذا لم يزداد حال طور الرائي أو طور حاله ترقياً في معاريج التقوى، والتقرب بالعمل الصالح إلى الله تعالى، فرؤياه عبارة عن إِرائة أسرار الملكوت ليعتبر بحكمها في مقامه، فإن الطالح قد يرى مرائي الصالحين، والمحجوب قد يرى مرائي الصديقين، ولكن يبقى منتظراً بروز الآثار من دون اهتمام بالعمل الصالح، والإنسلاك بالطريق الرابح الناجح، فلا تبرز تلك الآثار التي ظن بروزها، فتبقى مرائيه حسرات في نفسه.

و ( ولا يلتفت )

أيضاً إلى الرؤيا التي تنشأ عن عمل صالح، وفيها إشارة تفتر الهمة عن السعي والقيام بخدمة الله تعالى، ومن علامات الفلاح عدم الاغترار بالمنامات، ونهضة العزم بها للإكثار من الأعمال الصالحة، والأخذ بالتجارة الرابحة قال ربي وهو أصدق القائلين (( وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْر الزَّاد التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَاب )).

ز ( ومما لا يلتفت إليه )..................

يتبع إن شاء الله تعالى

الرفاعي
09-01-2018, 12:30 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
ــــــــــــــــ

ز ( ومما لا يلتفت إليه )

أخبار سر بحصول غاية تدفع العبد عن الأعمال للإهمال كأن يقول له حالهُ وصلت إلى مقام سقطت فيه عنك التكاليف، فإن ذلك من نزغ الشيطان، واعتقاده محض ضلالة، ومصادمة للكتاب الكريم، والسنة السنية المحمدية، والحال القائل بذلك ظلمة من بقايا سريرة استوعب مجموعها خِداع الشيطان، وانطلق معه الهوى، وسكنت لموافقته النفس (( إن النفس لأمارة بالسوء )) ولا حول ولا قوة إلا بالله.

ح ( ومما لا يلتفت إليه )

كثرة ظهور الكرامات، فإن الكرامة إكرام من الله للعبد فإن بقيت النسبة الإضافية للمكرم سبحانه وتعالى فقد ثبت التجريد من الكرامة، ولزم عدم الإلتفات إليها لكيلا يشتغل العبد بالكرامة عن المكرم، وان تحولت النسبة فقيل كرامة فلان، وقبلها الرجل التي تنسب إليه فقد اطعم نفسه السم القاتل، ونادى عليه بالحرمان، وعلى هذا فعدم الالتفات للكرامة أولى هذا مع إعظام شأن الكرامة، والشكر لله تعالى عليها شكراً عظيماً على أنها من عظائم النعم، ومن أجّل الإختصاص، والله سبحانه وتعالى (( يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم )).

ط ( ومما لا يلتفت إليه )

البروز بخلعة الظهور في حفلة المَظْهَر إعظاماً لجلال المُظْهِر جلّت قدرته، فإنه سبحانه يتصرف بملكه كيفما يشاء، وكذلك يلزم بالبروز في الخلعة الظهورية شكراً لمُظهر النعم , فإن الإبراز بمظاهر الإعزاز شأن من شؤونات الحق يعرفه أهل الخصوصية، والظاهر بها ما له سوى سهم الإظهار، والله يفعل ما يشاء ويختار.

ي ( ومما لا يلتفت إليه )

الإنطواء بخلعة الخفا عن المظاهر البارزة، والإشتغال بالمقيم عنها، فإن خلعة الخفا. صيانة في مقام حماية، ووقاية في خدر عناية، ويلزم الشكر عليها لما فيها من حقيقة الإقامة في ساحة الإستخلاص إليه سبحانه مع صرف نظر العبد عن الأكوان، وصرف الأنظار عنه ليبقى مشغولاً به جلت قدرته مأنوساً بنفحته ريِّض القلب بطافحة نور قربه ماحقاً كليته بمقام شهوده سر الله في كل حقيقة. إنا لله وإنا إليه راجعون.

أ ي ( ومما لا يلتفت إليه )

الرجوع في فقه الحال فإن الحال غير المقام، حكمه موطد على متن الشرع الشريف. لا ينازعه فيه معنى، ولا في صورة من صور السير كيف برزت، ولذلك عبَّر عنه بالمقام لتحكمه في منزلته من جهة نوعه المؤيد بحكم الثبوت من حضرت الأزل إذ الشرع كلمات الله ولا تبديل لكلمات الله، فالرجوع إلى فقه المقام استقرار مع ظاهر الحكم الشرعيّ، وهذا أمر لا يحتاج إلى للتأويل، وأما الرجوع إلى فقه الحال فهو انبساط بغريب ما يبرزه الحال من التأويلات التي أُمُّها تحولات الطور إلى ما يلايم صلافة الوقت كيف كانت، وفي هذا جمع على ما لا يصح، وفرق عما يلزم فيه الجمع، والحال يحول، والرجوع لا ينبغي إلا إلى الفقه المحمدي المدوَّن المعروف الشأن البيِّن الظاهر الحكم والحِكمة في الآخرة والأولى، والأمر يومئذٍ لله.

ب ي ( ومما لا يلتفت إليه )...................

يتبع إن شاء الله تعالى

الرفاعي
09-01-2018, 12:46 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
ــــــــــــــــ

ب ي ( ومما لا يلتفت إليه )

التشدُّق بما أبهمه وأوهمه المبتدعة أهل الوحدة المطلقة من الأباطيل الملفقة، والأناسيج الممزقة، والتراكيب الفاسدة، والتأيلات الباردة، في كل طريق ذاتي أو صفاتي، وعلى نوع ملكي أو ملكوتي، وفي كل انطلاق إبداعيّ أو اختراعي، ومع كل مشهد فنائي أو بقائي. الحادثات حادث، والقديم قديم تعالى الله عما يصفون، وتنزه عما يقولون، وإن الميل ولو على وهلة تردّد اقوالهم من مزالق الأقدام الدافعة والعياذ بالله إلى النار، وكلما لفقوه وانتحلوه باطل محض مردود في كل كتاب لله أنزل على كل نبيّ لله، فكل فلتة من فلتات ألْسُنِ القائلين بالوحدة المطلقة فيها قطيعة وسقوط من عين الله عز وجل، وسبب هذه المزالق، وارتكاب هذه البوائق الانكباب على كلمات القوم أصحاب الاستغراق الذين انقطعوا عنهم، وعن الأكوان إلى الله تعالى، فاوهموا بما أبهموا من الكلمات عقول أهل النقص وأوقعوا بخواطرهم هجس الوحدة، وإن المنكبين على كلا مهم قبل الوصول إلى مقامهم لا بد أن تزل بهم أقدامهم لما يشارفهم من طوارق الكلام من نسق عبارة بديعة قائلة بالوحدة لا يقدر على دفعها الذهن الفاتر، ولا يتمكن من صرفها عن الخاطر الحائر. من كان قليل البضاعة قاصر التصرف، ولهذا حرّم القوم مطالعة كتب الشيخ محيي الدين واضرابه قبل التمكين، وردوا أقوال ابن سبعين وسدوا الباب على العفيف وكلماته وعلى ابن الفارض واحدوثاته، وإن يكن لكل وجهة، ولكل جُمَلِهِمْ معانٍ مفصلة، وكلمة الله هي العليا:


دع وهم أهل الوحدة المطلقة = وافهم رموز الجمع والتفرقة

كل اتحـادٍ حكمـه باطـل = وشاهد الظاهر قـد مزقـة

من غيـرَّ الأيـامُ أحوالـه = وشيّبت رغماً لـه مفرقـة

ثم حنته ثـم طاحـت بـه = تحت الثرى في حفرة مغلقة

ومن يرى الفقر ويلقى العنا = وتعتريـه النُّـوب المقلقـة

وكل وقـتٍ كلـه حاجـةٌ = لثوبـه والخبـز والملعقـة

وتكتنفه في الخـلا وحشـة = ويتَّزره الأنـس بالطقطقـة

يبول مقهورا وتلـوي بـه = لنومـه جثتـه المعـرَّقـة

يكون عين الله عزّ إِسمـه = حشا وذا من دنس الزندقـة

فنزه الخالق عن قول مـن = أشرك واطرح هذه الشقشقة

ما وحد الله تعالـى امـرؤ = معتقـد بالوحـدةِ المطلقـة


وان من أوهم قولُه جمع ذات أو جمع صفات ولم يرفع بالقول عَلَمَ التنزيه عن المجانسة، والتقديس عن سمات المحدثات، فهو ضال مبتدع بل يكفر والعياذ بالله تعالى (( فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً ))، وأما ما تشابه على أهل الانحطاط عن مرتبة الفقه الإلهي من أرباب الانكباب على كلام القوم من كلام المتقدمين من أعيان السلف رجال الخرقة مثل الإمام الجنيد البغدادي رضي الله عنه حيث ينقل عنه قوله:


رقَّ الزجاج وراقت الخمر = فتشابها وتشاكـل الأمـر

فكأنما خمـر ولا قـدح = وكأنما قـدح ولا خمـر


فهو من امتزاج طبع السالك بالذكر امتزاجاً استغراقياً يفنيه عن رؤيته حتى يرى انمحاقه في محبة مذكوره، وانطماس الشيء بالشيء لا يفيد اتحاد العينية، فإنك لو أخذت بالماء ورششته على جبتك ينطمس بها ولا يكون عينها، والأمر كذلك ولله المثل الأعلى، وكقول الشبلي رضي الله عنه:


عجبت منك ومني = افنيتني بك عنـي

ادنيتني منك حتى = ظننت أنك أنـي


كلام يقطر منه التوحيد، فإنه يقول: عجبت منك حائراً بك قاصراً عن كنه معرفتك، فانك افنيتني بك من حيث ذكرك، واعتباري بمصنوعاتك، فانمحى بذلك مني شهود نفسي، وصغُرت بل انطمست وبقيت ساقطة كأن لم تكن لما شاهدته من عظمتك وجلالة سلطانك، ولذلك أعني بعد انسلاخي عن شهودي نفسي ادنيتني منك فقربتني بالنوافل فظننت لانطماسي عني ان أني الذي يحيط الظن به، وتكتنف الخواطر والأبصار والمدارك كل كنهه، وماهيته وما قام به هو انك، وأنت منزه عن الأنّ والأين مقدس عن الإحاطة بخاطر أوعين، وأنت هو الإله العظيم القدير الذي (( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير )) .


ج ي ( ومما لا يلتفت إليه ).................

يتبع إن شاء الله تعالى

الرفاعي
09-05-2018, 04:05 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
ــــــــــــــــ

ج ي ( ومما لا يلتفت إليه )

لمعان أنوار تشرق للسالك من حضرة خياله، فتتمثل لعيانه ، فإن طوارق الوهم فوق هذا بالتأثير، ولها معاريج تُنْصَب وميازيب تَنْصَبّ، وليست بشيء، ولا على شيء، وبعض ضِعاف المريدين يظنها من أعمال الشيطان، والحال أن شيطانه وهمه، ومن غلبه خياله أوقعته بوهدة الشطوحات أحواله، فأن أم الشطح الحال، وآفته الخيال:


اطمس مشاهدك التـي = تبـدو وأنـت المنبـع

يعلو خيالـك طافحـا = يعطي هنـاك ويمنـع

ويطيـر للمـلأ العـلـ = ـيّ وعشـه لا يقطـع

هجس الخيال طرائقـاً = وجميعهـا لا تنـفـع

أوهام مصروع الحضيـ = ـض إلى العلى يتطلـع

وأخو الكمـال بطبعـه = عن طورهـا يترفـع

وبغير قول المصطفى = وكتـابـه لا iيقـنـع


دي ( ومما لا يلتفت إليه)

انبساط النفس حالة الاشتغال بالأعمال الصالحة انبساطا تتعلق أِشعته اللاهبة باطراف الرياء الذي هو الشرك الخفي، وإن من الحكمة إذا انبسطت النفس حالة العمل الصالح أن يأخذ بزمامها السالك إلى ذكر هاذم اللذات، فإذا ذكر الموت ارتاح القلب للعمل، ومحق انبساط النفس، وبقي العمل خالصا لما يصادم ذلك الانبساط من صادم محاضرة ذكر الموت:


أواه مـن بسـط النفـوس فـإنـه = داء يحقـق حكمـه طـور الهـدى

يرمي الرفيع بسهمـه فتـراه فـي = وحل الحضيض وكان في برج العلا

فإذا أقـام البسـط عنـدك منبـراً = للنفس ذكرّهـا بجيـل قـد مضـى

واصرع بذكر الموت فارس عزمها = واقطع حبال الغير حكمـاً بالسـوى

وأعمل بفقه الهاشمـيّ فكـل مـن = لم ينتفع بطريقـة الأهـدى هـوى

هذا طريق أُولي الوصـول لربهـم = نعم الطريق طريق طه المصطفـى


وفي منازلات التدليات المنقلبة من طور النفس ما يشابه المنازلات المتدلية من طور الفضل تنكشف بذكر الموت، ولذلك أمرنا الكريم العظيم الرؤوف الرحيم (صلى الله عليه وسلم) بقوله ( أكثروا من ذكر هاذم اللذات ) وقال للفاروق الجليل ( رضي الله عنه ) ( كفى بالموت واعظا يا عمر ).

ولهذا الشأن سر يعرفه أهل التحقيق المنقطعون عن دوائر الانبساطات النفسية والخيالية ( وكفى بربك هاديا ونصيرا).


هـ ي ( ومما لا يلتفت إليه)

علاقة كشف تطرق عن فكرة، وجمع خيال من طريق الخاطر لا من محضر القلب والروح.

و ي ( ومما لا يلتفت إليه)

طارق قبض يدفع الهمة عن الارتياح بالعمل للاشمئزاز، وهناك يلزم أن يروح السالك قلبه بمضمون ما جاء في الخبر(روحوا القلوب تارة فتارة) وترويح القلب لا يفيد ترك العمل، بل لو قيل روحوا النفوس لأفاد ذلك ترك العمل، وإنما ترويح القلوب بسكونة أعمال الجسد، وإشغال القلب بذكر الله تعالى (إلا بذكر الله تطمئن القلوب).

ومن الأسرار الكامنة في النفس اشمئزازها من كل عمل يقمعها، وعلى هذا فالعارف إذا رآها – أعني النفس - اشمأزت يطيب قلبه لعلمه أن قمعها قرب، ويرتاح سره لذلك، فيغلب بسلطان القلب ثائرة النفس، ويعمل على إخماد نار الوسواس الناشئ عن ثورة نفسه بترك الزوائد من أعمال الجسد، ولكن مع إشغال القلب كل الإشغال بذكر الله تعالى، وهذا حال العارفين بربهم العالمين بأحكام قمع النفس، ومتى ارتاح القلب وانطمس الوسواس وقلّ قالها وقيلها – أعني النفس – جرد عزم العزيمة للعمل الصالح، وتقرب لله تعالى بالنوافل (وحسبنا الله ونعم الوكيل).

ز ي ( ومما لا يلتفت إليه)

يتبع إن شاء الله تعالى

الرفاعي
09-05-2018, 04:13 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
ــــــــــــــــ

ز ي ( ومما لا يلتفت إليه)

كشف أو إلهام أو رؤيا رأى بها السالك نبيه أو شيخه فأمره بأمر يخالف ظاهر شريعة النبي (صلى الله عليه وسلم) فإنه إن كان المرئي رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فهي إشارة صريحة إلى أن السالك مرتكب يلزمه الجد والجهد والتوبة، وتصحيح العزم والعزيمة بإتباع الشرع الشريف وإن كان من الكشف فهو طارق هوى، وإن كان من الإلهام فهو فجور، وإن كان رؤيا الشيخ أو غيره فهو مثال شيطاني لا يعبأ به، ويلزم العمل بعكسه من الاهتمام بمتابعة ظاهر الشرع الشريف على مشيّد أركانه ومحكم بنيانه أفضل الصلاة والسلام.

ح ي ( ومما لا يلتفت إليه)

تمكن المريد من الطيران في الهواء، والمشي على الماء، فإن ذلك من خدعة إدلاليّة، من لباب معالم الإدلال، فإن انقطع برؤيتها المريد عن الترقي في منهاجه، والترفع بأعماله الصالحة، واشتغل بما يفعله الطير والحوت فقد نادى على نفسه بالغرور والبعد، والعياذ بالله تعالى.

ط ي ( ومما لا يلتفت إليه)

إنكاشف العوالم إدلالاً وإراءة للسالك، فإن اشتغلت همته باستكشاف طوائف العوالم شاطحا بمطالعات صحفها فهو مشغول قد يسبقه الركب فليبك على نفسه، وإن طرحها واشتغل بمنشئها ومصورها اتباعا بمحل مدحه (ما زاغ البصر وما طغى) فقد اهتدى واتبع الهدى، واتصل بالمقام الأعلى.

ك ( ومما لا يلتفت إليه)

شدة انجذاب القلوب إلى الفقير كأن يرى منه تسخيراً في الأفئدة يجذبها لمحبته والميل إليه وصحة الاعتقاد، فتكثر حوله حلق المعتقدين فالالتفات إلى مثل ذلك قاتل حمانا الله.

قال شيخ مشايخ الإسلام سيدنا ومولانا السيد أحمد الرفاعي رضي الله عنه وعنا به، كم طيّرت طقطقة النعال حول الرجال من رأس، وكم أذهبت من دين، والرجل من جمع الناس على الله لا على نفسه، وجذبهم لله لا لنفسه، وبقي قلبه عنهم بمعزل، وهو ذاك الفارس البطل.

أ ك ( ومما لا يلتفت إليه )

نفرة القلوب من الفقير وإعراضهم عنه، وعدم اعتقادهم به وميلهم إليه فإن هذا أهدى للسر، وأجمع للعبد الكامل العاقل على الله تعالى لبقائه في ساحة الانفراد به، وهذا دأب العقلاء من الموفقين.

ب ك ( ومما لا يلتفت إليه )

ميل النفس لتطلب مقام أو حال أو طور أو شأن، ولو زيّن ذلك الميل لأن النتيجة فيه تؤول على الله تعالى لأن أهل الكمال لا يختارون.

نودي سيدنا الإمام الرفاعي في الحضرة من مقام العلّي: ما تريد يا أحمد؟

فقال: يا رب أنت المراد، أريد أن لا أريد، واختار أن لا أختار. فمن كان من القوم أهل الذوق السليم والطبع الخالص يعمل بما قاله هذا السيد الجليل القدوة - رضي الله عنه - وهو طريق أهل السلامة نفع الله بهم أجمعين.

ج ك ( ومما لا يلتفت إليه )

قدرة في المقام نافذة وحال مُؤَثِّر، فإن طرح النظر إلى هذا من شأن المصطفى صلى الله عليه وسلم، بإرشاد ربه تعالى له: (قل أني لا أملك لنفسي ضراً ولا نفعاً) وهذه الانفعالات التي تجري على يد أهل الحال من النفوذ والتأثير دون مراتب أهل التمكن الذين يعرضون عنها لفاعلها، وما هي إلا شؤونات إلهية يحولها إلى ما يشاء ويُقلِبّها سبحانه كيف شاء، فليترك اللبيب الفعل لفاعله، وليقعد على ساحل السلامة والسلام.

د ك ( ومما لا يلتفت إليه )

يتبع إن شاء الله تعالى

الرفاعي
09-06-2018, 08:34 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
ــــــــــــــــ

د ك ( ومما لا يلتفت إليه )

بروز سلطان من طارقة الحال يزعم به المبتدئ أنه يقدر على منازعة الأقدار بالأقدار، تلك واهمة البارز ما هي إلا عُقَدٌ عقدها تعالى وحلها فمن المنازع، وما الذي نازع به إلا أغلاط سقيمة؟ لا يقول بها ذو فقه في منازلات الحقيقة (آمنا بالله وبالقدر خيره وشره من الله تعالى) ومن ذا الذي يأخذ بأزمة القدر فيلفتها عن حكمها، وينازع واضعها بقدرته؟ تعالى الله علوا كبيرا.

نسب أناس للشيخ عبد القادر الجيلي عليه الرحمة أنه قال الرجل من ينازع القدر لا من يسلم للقدر. أنا نازعت الأقدار بالأقدار" أو ما أشبه ذلك.

قلنا إن كان هذا من صادرات كلمات الشيخ، فهي من أحوال مباديه وشطحاته، وإلا فإذا القدر نازع القدر خرج من البين البشر، وانمحت الصور وبقي الصدام والنزاع للقدر، وهذا أيضا ليس بمعقول، فإن القدر ينحدر في طارق الإبراز إلى محله. حتى إذا جاء إِبَّان رحوله رحل وتحول، وإن الله إذا أراد بقوم ضرا فلا كاشف له إلا هو، وكل نازلة ليس لها من دون الله كاشفة (ولا حول ولا قوة إلا بالله) وإن قال قوم: أراد بالنزاع الشفاعة وأن شفاعته مؤثرة. قلنا: قال الله تعالى: ((من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه)) ومتى كانت الشفاعة عن إذن فهناك سقطت كلمة المنازعة. وبقيت كلمة الضراعة من العبد، والرحمة من الرب، والحول والقوة والقدرة لله سبحانه وتعالى.

هـ ك ( ومما لا يلتفت إليه )

شروق فقه ولو في مسألة يخالف حكمه ظاهر الشرع في تلك المسألة بمعنى أن الفقه الذي انجلى لقلب السالك كان من النبي صلى الله عليه وسلم فإن النبي صلى الله عليه وسلم بلغ وأدّى الأمانة، ولم يبقى شيء لم يكشف للأمة قناعه، وقد كمل الدين والحمد لله رب العالمين.

وعلى هذا فالرجوع إلى الشرع الطريق الأحق، والقول الحق والسلام. وقد ذهب أناس إلى القول بأن الولي الكامل لا يقلد مذهبا، بل يأخذ من جملة الأحكام من السنة والكتاب ويعمل، وإذا أشكل عليه أمر استفتى في عالم البصيرة النافذة من النبي صلى الله عليه وسلم وعمل بفتواه عليه أفضل صلوات الله.

وهذا القول خطأ، والعمل به نقص عظيم، فإن الوليّ الكامل لا يهتك حرمة التقيد بالمذهب، ولا يخرج من السواد الأعظم، ولو أحاط بأسرار الحديث النبوي، والنص القرآني، على أن الأئمة المجتهدين الذين دونوا لنا المذاهب المباركة وقرروها، هم أعلم من ذلك الوليّ بمدارك السنة خبرا، وإن حصل لذلك الوليّ الوقوف على مدارك السنة فهما و إلهاما، فإن فهمه وإلهامه لا يعتبر عنده ولا عند غيره إذا عارضه الخبر.

نعم تعتبر هذه الأفهام والإلهامات في زوائد الأعمال من النوافل بشرط عدم معارضته الخبر، وأما قولهم أنهم يستفتون من رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو استفتاء زائد لأنه عليه الصلاة والسلام ما قضى حتى بلّغ، وترك الأمة عل محجة بيضاء لا ضلال بعدها أبداً، فكيف يُستفتى عن شيء بلّغه وأوضحه، وأستودعه علماء الأمة، وهم الذين يسألون عنه في كل عصر. بشاهد قوله تعالى:(فأسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون). وهذا أمر شمل كل مسلم.

نعم اجتهد الأئمة بعد توفر الأدلة والشواهد لديهم بترجيح الأحكام المتسنبطة من الأحاديث النبوية على بعضها، وانقطعت بعد ذلك رتبة الاجتهاد لعدم توفر شروطها في أحد بعد السلف من المجتهدين رضوان الله عليهم أجمعين. وإن كمّل الأولياء قدّست أسرارهم العلية وإن بلغت مقاديرهم رتبة مقادير الأئمة المجتهدين فضلا وعملا وإرشادا لكن لم تصل إليهم أخبار السنة والكتاب كما وصلت إلى الأئمة المجتهدين تلقياً وإسناداً، فإذاً هم مكلفون بالأخذ عن الأئمة المجتهدين، ولا يلتفت إلى قول من أسقط التقليد في الأحكام اكتفاءً بالكتاب والسنة ، فإن ذلك الرجل جهل أنه قلد بتلقي السنة والكتاب ، وأراد بعد كل هذا أن ينزع طوق التقليد الشريف من عنقه طيشا ، على أنه لو أنكر المنكر للحديث الذي يرويه ويستدل به لاحتاج إلى إسناد الحديث، ومتى أسنده فقد قلد راويه – أعنى بأخذ الحديث، على أنه لم يكن يعلم ذلك الحديث قبل أخذه عن من أسنده إليه.

والتقليد الذي كثر فيه القال والقيل ينتهي عند علماء الكلام إلى وجهين:

الوجه الأول: قولهم بعدم صحة التقليد في العقائد الدينية، فإن كان المقلد قادراً على النظر والاستدلال وقلد فهو مؤمن عاص، وإن لم يكن قادراً على النظر والاستدلال فلا يكون عاصيا:

ومنهم من حرم النظر، ومنهم من أوجبه، وقال إنَّ تركه معصية، وأطال الجماعة في طرق هذا الوجه.

الوجه الثاني: تكفير المقلِّد عند قوم، وجعله عاصيا عند آخرين، والقول بإيمانه عند طائفة أخرى البتة:

وملخص الصواب: أن التكفير مردود لشموله العوام الذين هم غالب الأمة:

والقول بالمعصية فيه ما فيه لأن من تلقى علم العقائد من شيخ لا يلزم من تلقيه عنه أن يكون مقلدا له، حتى يجري الخلاف في صحة إيمانه، أو جعله عاصيا، وإنما هو بمنزلة من سأل رجلا عن الهلال فدلّه عليه بتعريفات وإشارات وإراءة منزلته، ثم اهتدى إليه فأمعن النظر وتحققه و صار يخبر برؤياه عن يقين: وعلى هذا طبقات الأمة بلا شبهة فإنهم يؤمنون بما أنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم إيماناً بتّاً محضاً لا تمسه شوائب الشبهات إيقانا وإذعانا بعصمته، وأخذاً عنه صلى الله عليه وسلم وانقياداً لأوامر الله تعالى وإيماناً به سبحانه، وإلا فلا يقلدون غير المعصوم اعتماداً على قوله، ولا يعملون بالهوى، بل يتبعون النص القرآني والحكم الرباني الذي أنزله على عبده المصطفى الذي لا ينطق عن الهوى:

هذا ولا ريب في أن الأولياء لهم شرف الملاقاة المعنوية مع الحضرة الجليلة النبوية إلا أنّها تشتغل أبصارهم وبصائرهم باقتباس نور جماله عن السؤال عما أوضحه لأمته بالأسانيد الصحيحة من جليل أقواله وأفعاله، وهذا القول الصحيح الصريح المبَّرأ من شوائب الاعوجاج وشُبَه التلميح والتلويح.

و ك ( ومما لا يلتفت إليه )

يتبع إن شاء الله تعالى

الرفاعي
09-07-2018, 10:12 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
ــــــــــــــــ


و ك ( ومما لا يلتفت إليه )

كرامة تحدث في حالة غفلة عن الله تعالى فإن تلك معونة، وهي من النعم التي يجب شكر الله تعالى عليها، والتنبه بها وعدم الانحجاب ببارزها، وأن لا يستعين بها بعد بروزها على معصية الغفلة والأمن من الله تعالى، وإهمال ما أمر به، فإنها لربما تُعقِب ندامه:

وهذا نص سيدنا ومولانا صاحب الطريقة القويمة، والمحجة المستقيمة أبا العلمين السيد أحمد الرفاعي رضي الله عنه وعنا به، فإنه يقول: رب كرامة يعقبها ندامة، ورب نعمة يتبعها غمة. يريد أن الكرامة إذا أنحجب بها المرء أعقبته ندامة كطيران برصيصا في الهواء، وإن النعمة إذا قطعت المنْعَم عن المنْعِم أعقبته غمة كنعمة قارون، ثم قال رضي الله عنه: وأشرف الكرامات ما زادك انسلاخاً من أنانيتك وحجبك عن رؤية نفسك، وأجل النعم ما قطعك عنك ودلك على ربك.

فانظر أيها اللبيب بعين اعتبارك هذه الحِكَم الأحمدية التي تتفجر من ينابيع الخزانة المحمدية، وأعمل بها وأنت إن شاء الله من الآمنين.

ز ك ( ومما لا يلتفت إليه )

سقوط دنانير من الهواء للفقير حالة اضطراره ليدفع بها ما ألمَّ به من الضرورة، فإن قبوله حال النبي صلى الله عليه وسلم أولى له في منازلات فقهه إن كان من الصابرين ((إنما يوفّى الصابرون أجرهم بغير حساب)) على أن الهمة تستريح لهذه العناية، فربما انبسطت وأعقبها الانبساط انحطاطاً عن العزيمة، وقد عُرضت على النبي الكريم جبال مكة أن تصير له ذهبا فأباها إيماناً بالله ورضاءً بما رضي له:

والإمام السعيد الشهيد السبط الحسين عليه السلام يقول: من أعتمد على حسن اختيار الله له لم يتمنَّ غير ما اختاره الله له، فإن قلت إن سقطت الدنانير بغير طلب ولا تمنٍّ قلنا: لزم الشكر والاعتبار وطرح الدنيا عن الأفكار، والاشتغال بالمؤثر عن الآثار، إذ ما في الدار غيره ديَّار.

ح ك ( ومما لا يلتفت إليه )

حال ينبسط له الخاطر، فينتج دعوى يلفظ بها اللسان ارتياحاً للحال قال سيدنا المربي الكامل حكيم عساكر الأولياء وسلطان أَئِمة الحكماء السيد أحمد الرفاعي رضي الله عنه وعنا به: الدعوى رعونة نفس لا يحتملها القلب، فليقيها إلى اللسان فينطق بها الرجل الأحمق.

وقال أيضا: آفة الحال الارتياح إلى الدعوى، ومن لم يرب بحاله لم يرب بمقاله.

ط ك ( ومما لا يلتفت إليه )

علم وسيع في فنون مقروءة معلومة، يسوق صاحبه لرؤيا تفوق على غيره ممن هو دونه في تلك الفنون والعلوم، فكم من لسان عالم بفم رجل ذي قلب جاهل، وكم من لسان جاهل بفم رجل ذي قلب عالم، فإذا كنت في محافل العلماء قيّد لسانك، وإذا كنت في محافل طلاب الحق قيد قلبك، واطرح عنك رؤيا علمك، فالعلم سر يقود العبد إلى مفارقة الطرق التي تبرز الأمراض لطارقها، ويأخذ بصاحبه إلى سلوك الطرق التي تنتج الإسعاف في أمر القلب والروح والعقل، وتنهض بهم إلى الله تعالى.

قال إمامنا الشافعي رضي الله عنه :


شكوت إلى وكيع سوء فهمي = فارشدني إلى ترك المعاصي

واخبرني بأن العلـم نـور = ونور الله لا يهدى لعاصـي


ورحم الله صاحب الزبد حيث قال :


وعالم بعلمه لـم يعملـن = معذب من قبل عابد الوثن

وكل من بغير علم يعمل = أعماله مردودة لا تقبـل


ل ( ومما لا يلتفت إليه )

يتبع إن شاء الله تعالى

الرفاعي
09-07-2018, 10:23 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
ــــــــــــــــ

ل ( ومما لا يلتفت إليه )

استغراق بعبادة قام أساسها على جهل بحكم العبادة، فإن العبادة لا تقبل برأي، وإنما هي مشروعة معرَّفة غير منكرة، فمن عمل برأيه، فعمله مضروب به وجهه.

جاء في الخبر ( لا يكون أحدكم مؤمنا حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به ) ونقنع من العامل بمعرفة حكم العمل على الوجه الشرعي المرضيّ، ولا نكلفه تعلم علم النحو والعروض والبديع والبيان والفلسفة والهندسة وأشباه ذلك من العلوم الزائدة، ونكلفه تعلم العلم النافع الشرعي، وهو أن يعلم ما له وما عليه وكفى بالله وليا.

أ ل ( ومما لا يلتفت إليه )

حب خلوة فإن فيها آفات، يقال كم من راكع في الحرم المكي وهو يرائي أهل خراسان، وأدب الخلوة صحة الانسلاخ عن رؤية الخلوة، مع حسن الارتياح لذكر الله بعزم خالص، ونية صحيحة وهمة عالية منقبضة عن الانقباض والانبساط راجعة في كل شؤونها إلى الله تعالى.

ب ل ( ومما لا يلتفت إليه )

حب السياحة فإن فيها آفات كتأخير بعض أوقات الصلاة، وانشراح النفس برؤيا البلدان الشاسعة والأقطار الفسيحة والاشتغال بها عن صانعها، وأدب السياحة حفظ النفس من الانقباض، والعين من النظر والخاطر من الطلب، واليد من السؤال، ومع كل هذا فالأهم قطع ثائر الشهوة، وهدم صومعة الهوى، والقيام بإفساح الخاطر لكل مسلم، والرضا عن الله، والاعتبار بمصنوعاته اعتباراً يرفع بالعزم للأخذ بالعزائم من دون رؤيا العمل في كل حال من هذه الأحوال وإلى الله تصير الأمور.

ج ل ( ومما لا يلتفت إليه )

سماع هاتف يشير إلى أمر غيبي من حوادث الكون مسرٍّ أو مضرّ تهفت النفس لظهوره، فيشتغل سامع ذلك الهاتف عن خدمة ربه بانتظار ظهور ما في بطن الغيب، وقد يكون ذلك الهاتف لا من هواتف الحق، بل من هواتف الشياطين، أو طارق من طوارق النفس، والعارف لا يشتغل عن خدمته، ولا بكشف الغطاء فضلاً عن الأخبار بما وراءه، وما أحسن قول الإمام الأكبر الرفاعي رضي الله عنه:


توشح بهذا الباب بردة خائـف = وسِرْ بإشارات الرسول اللطائف

ولا تنقطع طيشا بحال مَظَاهِرٍ = ولا بكشوفات وأخبـار هاتـف

فإن دثار الخوف عُدَّةُ عـارف = تدلى دنوّاً للعلـى بالرفـارف


د ل ( ومما لا يلتفت إليه )

انقياد عوالم الجن والأنس لخدمة الفقير تجرداً من الاستخدام بالخدمة، فإن من كان همه خدمة ربه لا يرتاح باستخدام غيره له، على أن لذة خدمته لمولاه فوق لذة خدمة غيره له بدرجات كثيرة، وهذا مقام التحقق العبودية، والتخلق بالعبدية، ويقول القائل:


لا تدعني إلا بياعبدها = فإنه من أشرف أسمائيا


وكل مراتب أهل الترقي في معاريج القرب من حضرة القدس، كيف كانت وإلى أين انتهت دون هذا المقام، أعني مقام العبودية، وبعد هذه الرتبة أعني رتبة العبدية، وصلى الله على عبده سيد العوالم وآله وصبحه وسلم.

- عود حسن -

10 ( وبويعت في الحضرة )

يتبع إن شاء الله تعالى

الرفاعي
09-07-2018, 10:30 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
ــــــــــــــــ

10 ( وبويعت في الحضرة )

على محافظة شرف لسان التحدث بالنعمة من عيب الشطح بنظم ما يُفرغ إليَّ من حظيرة العناية لأدخل تحت قوله تعالى: ((وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ)) وهذا هو الوقوف عند الحدود، وهو الركن الأعظم من الأركان التي بني عليها هذا الطريق المحمدي على موطده من الله أفضل الصلاة والسلام.

11 ( وبويعت في الحضرة )

على طرح هياكل الأكوان طرحا لا يمس مقاماً معلوماً بتنقيص بل رجوعاً عن الكل إلى الله تعالى، ولا يدخل بهذا الطرح كل ما يؤول إلى الله تعالى، فإن كل ما آل إلى الله تعالى من لوازم الرجوع إليه سبحانه، ومثال ذلك أن المصلي لا بد له من ماء للتوضأ، والحاج لا بد له من زاد وراحلة، والسائر لا بد له من دليل، وكل هذه الآلات من لوازم القصد، وطرح هياكل الأكوان هو عبارة عن التحقق بالتوحيد الخالص، والعلم بأن الخلق والأمر لله تعالى سبحانه ((أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ)) هو حسبنا ونعم الوكيل.

12 ( وبويعت في الحضرة )

عل عدم النظر إلى الآباء والأجداد فإن المفاخرة بهم من طباع أهل الشرك، والغلوّ من بقايا نخوة الجاهلية، وأقل طلاب الحق همة في السير أبناء المشايخ تشيخاً بآبائهم بلا علم ولا عمل، ومن طلب الحق علت همته عن التقيّد بأب أو أم أو خال وعم، والمؤمن المنّور يطلب الحق أين كان، ويأخذ الحكمة أين وجدها، ومن زعم حصر الحكم الموهوبة، والعنايات المفاضة بأبٍ وجدٍّ، فقد نشر على رأسه علم الرد والقطيعة والبعد - والعياذ بالله - وعدم النظر إلى الآباء والأجداد لا يفيد عدم برِّهم وحبهم وإعظام شأنهم كما أراد الله لهم، بل نحن بمعرفة حقوقهم مأمورون وعلى أدائها مأجورون، وبترك التفاخر بهم مكلفون، وإلى الله ترجع الأمور.

13 ( وبويعت في الحضرة )

على الزهد بهذه الدنيا الفانية، والانخلاع عنها بالكلية، والانقطاع بكل حال إلى الله تعالى، فإن مباعدة الدنيا مقاربة من الحق، وعلى قدر التباعد عنها يكون التقرب إلى الله تعالى.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (حب الدنيا رأس كل خطيئة)، وحار أقوام بالتوفيق بين هذا الحديث الشريف وبين ما ورد في الخبر (الدنيا مزرعة الآخرة) فظنوا أن الحديث ينص على اقتناءها ومحبتها، والحال أنه ينادي بكله على مقاطعتها، على أن كل عمل فيها يزرعه المرء ولا تظهر نتيجته إلا في الآخرة، فعليه إلا يراها إلا دار مرور، وطريق عبور، تحسب فيها الأعمال، وتخبأ فيها الأفعال والأحوال، وهناك تظهر كما هي، فإذا ما انكب على اقتناءها وتكالب عليها ومال بكله إليها انقطع بطبعه عما يزرع فينتج النتيجة التي لا تستحسن في الآخرة ولا يُسرُّ قلبه إذا رأتها عينه، وإذا تخلى عنها فزرع بها الذكر والفكر والاعتبار والذل لله والانكسار والمكنة والاضطرار والصدق والافتقار وأعرض عن هذه الآثار، ورأى على الكل سطر (( لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ )) فهناك حالة القدوم على الحيّ القيّوم تحسن حاله، ويلذ مآله وتسره أعماله، وعلى هذا فالحديثان الشريفان يحثان على معنى واحد، وكلاهما على ذلك المعنى المقصود شاهد، وإن اختلفت من أرباب التأويل المشاهد.

14 ( وبويعت في الحضرة )

على خفاء في ظهور، وظهور في خفاء، وطلسمية في مجلى، ومجلى في طلسمية، وانقباض في انبساط، وانبساط في انقباض، وتَعيُّن في استتار، واستتار في تعيُّن نشأت في حكم من حيث المقام والحال والطور والوقت والتجلي والمظهر والطيّ والنشر بسابق الفضل القديم، لا بعلم ولا بعمل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

15 ( وبويعت في الحضرة )

يتبع إن شاء الله تعالى

الرفاعي
09-07-2018, 10:42 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
ــــــــــــــــ

15 ( وبويعت في الحضرة )

على الفرار من الناس إلى الله انجماعاً عن الكون إلى باب الكرم بشرط التخلي عني، والتحلي بحلة الانفراد إليه سبحانه وتعالى، والاستئناس به واغتنام أوقات التجرد له، وهو الهادي إلى سواء السبيل.

16 ( وبويعت في الحضرة )

على الوقوف على قدم الاهتمام، مع حكم الطي في الزمان، بإعلاء أحكام شريعة سيد الأكوان - عليه صلوات الرحمن - وها أنا والحمد لله على العهد تجردت لإعلاء أحكامها برقائق يفهمها من فهمّه الله بنوره المبين وفقهه في الدين، مع طي في منشور الزمان على منوال قول القائل:


تسترت من دهري بظل جناحه(1) = فصرت أرى دهري وليس يراني

فإن تسأل الأيام عنـي مـا درت = وأين مكاني؟ ما عرفـن مكانـي


17 ( وبويعت في الحضرة )

على كثرة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بالصلوات المأثورة وبالصيغ التي يفتح بها الله علي، وهناك فشملني فتح اكتنفني فغبت وحضرت وقلت:

اللهم صل على السيد الذي دفعت به الكدر، ومنعت به عن أمته الشرك والضرر، وانتخبته من خلاصة ربيعة وعدنان ومضر، وأسألك اللهم به صلى الله عليه وسلم وبأهله وأحبابه وإخوانه وأولاده وبورّاثه في السر والعلم والعمل، وبالقطب الغوث الفرد الجامع وبنوّابه وأهل حاشيته، وبصاحب الخلافة النبوية من بعده، وبأصحاب دائرته الواقفين في باب الخفا تحت برقع الستر المنتظرين فتح باب فضلك بأمرك، وبحرمة العمال والرجال، وأهل النوبة والأبدال، والقائمين بمصالح العباد، وبأقطاب الهداية والارشاد، وبصاحب القاف والواو والإشارة المتممة المقام برموز المعرفة بين أهل الديوان الأعلام. ادفع اللهم ما كتبته في غيبك لي من كل ما يؤذيني، واصرف عني الأذى وامح بفضلك سطر الشين والشين من صحيفة قلبي، وارفع جزاء ذلك من علم جبهتي، وبعِّد عني ما رُسم في مركز الحضرة الغيبية من كل غم وهم وكرب وقطع وبلية، واجعل مركز ذاتي غير المركز الذي أنا عليه الآن من الحال والأفعال، وحول الحال إلى أحسن حال يا محول الأحوال، بحرمة من مال وقال وقال وما مال، وبمدد أهل الحال، وبسر من طاف على ظهر الكعبة وجال، وبمدد التجلي الذي دُكت له الجبال، وافتح لي باب الخير والهداية والعناية والتوفيق، واكفني الحزن، ووفقني للقول الصالح الحسن، وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

18 ( وبويعت في الحضرة )

على عدم تصديق أصحاب بضاعة السحر والرمل، وأرباب حرفة الكهانة وأمثالهم، وعلى الجزم بتكذيب مواعيدهم، وهدم صوامع استكشافاتهم وطمس ثوائر بطلانهم وبهتانهم، والقطع بأن الله وله القدرة يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، وإن ما منَّى أولئك شيطانهم لهو الضلال البعيد، ومن عكف عليهم وانقاد بإذعانه إليهم فقد ضل ضلالاً بعيداً، وصار من حضرة القرب طريداً ((وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ)) وأن عامة الحِرَف وجملة ما فصل فيها من أقوال الخلف والسلف يجمعه قول الله ((وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ)) فإذا رجع الأمر لمبديه، واتصل السر بمنشيه فهدِّم بذلك صوامع الأغيار، واقطع بسيف صدق اعتقادك حبال الآثار ((وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا)) .

19 ( وبويعت في الحضرة )

يتبع إن شاء الله تعالى

(1) هكذا في الأصل وفي ترجمته التي بديوانه المشكاة: جنابه

الرفاعي
09-07-2018, 10:53 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
ــــــــــــــــ

19 ( وبويعت في الحضرة )

على انتهاج منهاج الأصحاب، والآل الأنجاب، والأتباع أولي الألباب، وأمرت بانتقاء مذهب أهل الخصوصية منهم رضي الله تعالى عنهم، فمن الحزم انتقاء أشرف المذاهب التي ترفع العبد لساحة التقريب وتدنيه من حظيرة المواهب، والله سبحانه يحب معالي الهمم ويكره سفسافها، وكذلك جاء في الخبر (إن الله يحب معالي الأمور) وفي الأثر (علو الهمة من الإيمان) والدناءة اشتقاقها من الدنيا، وهما حرامان على أهل الله ولا حول ولا قوة إلا بالله.

20 ( وبويعت في الحضرة )

على رد كل ما ينسب للأولياء من الكلمات التي يردّها ظاهر الشرع ولا يستقيم تأويلها، فإن حفظ نظام الشريعة الغراء أهم من حفظ أقاويل زيد وعمرو وخالد وبكر، وهذا مذهب شيخنا وسيدنا السيد أحمد الرفاعي رضي الله عنه، وإن تعصب أقوام للكمات المنقولة عن بعض المشايخ التي تصادم أحكام الشرع من صدمات القدر، والدافعة إلى سقر- والعياذ بالله - وأسبابها نزغ الشيطان وانقياد النفس لما يلقيه عليها من النزغ فترتاح له وتهم بمنازعة مخالفها ولو كان مستنده الشرع الشريف. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وأن رَدّ ما ينسب للأولياء من الكلمات المردودة شرعاً لا يقضي بردّهم وهضم حقوقهم ومنازلهم، بل هو من الشأن المؤيد لولايتهم، والمشيّد لأركان طريقهم، فإن الولاية الموالاة لله – أعني لأوامره سبحانه - والطريق ما شرع من الدين للمسلمين لا غير: ورضي الله عن شيخ الطوائف سيدنا أحمد الكبير الرفاعي نفعنا الله والمسلمين بعلومه فإنه قال: كل طريقة خالفت الشريعة فهي زندقة.

21 ( وبويعت في الحضرة )

على التواضع للمتواضعين، وعلى التكبر على المتكبرين ومستنده خبر ( الكبر على المتكبر صدقة ) ومعنى الكبر على المتكبر الاستغناء بالله تعالى عنه وإعلام نفسه الوقحة الجاهلة أنها ليست بشيء ولا على شيء، وان الفعل لله، هو أعني المتكبر بأيّ سبب زلق فتكبَّر مع السبب زائل، والله الأبديّ الذي لا يزول ((كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)) والخلق يؤول أمرهم للخالق ولا إله إلا الله.

22 ( وبويعت في الحضرة )

على الانقباض عند المنقبضين، وعلى العبوسة عند أولي العبوسة هدماً لصوامع نفوسهم، فإن كان انقباضهم عن حاجة فحقهم رفعها لله تعالى وهو قاضي الحاجات، وبه تدرك المأمولات، وطور الانقباض فيه شؤم الاشمئزاز من تصرف الله تعالى، والمعارضة له سبحانه فيما وضع، وهو سبحانه الذي يضر وينفع، ويصل ويقطع، ويعطي ويمنع، وهو على كل شيءٍ قدير.

فلو غُرست حقيقة الثقة بالله، وشجرة التوكل عليه، والاطمئنان بوعده تعالى بنص قوله عز شأنه: (( نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ )) في قلب المنقبض لِرِزْقِهِ لَمَا انقبض للرزق، ولصح يقينه، وكمل اطمئنانه بربه، وانبسط باستفقاد الله تعالى له بأمر دنياه كيف كان سعة أو ضيقاً، فإن هذه الدنيا له جلت قدرته، وقد أودع في كل قلب ما شغله، وجعل لكل مخلوق مشغله، فإن شغل العبد بدنيا كثيرة، وأمور كبيرة، وظهور وبروز، وخزائن وكنوز، فله الكل والفعل والأمر، ونهاية ذلك الاشتغال قطع عن المشاغل وإرجاع إليه سبحانه، وإن شغله بشيء من هذه الدنيا يسير وأمر حقير فكذلك نهاية ذلك القطع البتّ عنه، والإرجاع لساحته الربانية. إنا لله وإنا إليه راجعون.

فما بقي للعاقل إلا أن يتفكر في المشغلتين هل له منهما شيء يقوم به ملكه ولا يفوته؟ فلا بد أن يعرف أن الكل فائت، فهناك ينطبع به الرضا إن كان عاقلاً، ويكون ممن رضي الله عنهم ورضوا عنه. ذلك هو الفوز العظيم.

وإلا فرُدّ وصُدّ وهُجر وبُعّد، وإلى الله تصير الأمور.

وإن كان انقباض ذلك المنقبض ترفعاً على جلسائه، فالبعد عنه مأمور به، وإن كان عن طبعٍ خَلْقيٍّ فيه، ففيه نظر إن توجه انقباضه لأمر دينيٍّ أو لحاجة أُخروية، فهو انقباض حزن لا يورث علوّاً ولا استكباراً بل يورث ذلاً لله وانكساراً ومثل هذا المنقبض يُشَارَك بانقباضه، وان كان لأمر دنيويّ أو لحاجة أنتجتها شهوة، فاعتزاله من أهم الأمور، إذ النظر إليه يحجب القلب عن مطالعات الغيوب، وأما عبوسة الوجه فإنها من علامات القسوة وقبح الطوية، وقد فرَّق أهل العرفان الجامع بين العباسة والعبوسة، وبين العباس والعبوس، فقالوا: العباسة رزانة في الطبع تنتج وقاراً ينشر على الوجه يرفع صاحبه عن الطيش والخفة والبشر الدافع إلى الانحطاط عن مراتب أهل الأدب والاحتشام، فأحسنها يوم حرب وعند ملاقات خصم وممارسة أمر مهمٍّ، ويقال لصاحب هذا الوصف عباس، وهذا معنى((عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى)) الآية أي ارتفع عن البشر للأعمى وقاراً لا عبوسة، مع أنه محل الرحمة، وهذا سبب العتاب، وإلا فالحبيب الكريم الرؤوف الرحيم محفوظ العبوسة في عالم خلقه صلى الله عليه وسلم.

وأما العبوسة فهي ثائرة حقد في النفس تجمع بخلاً وشدة حزم (1) فيما لا يرضي الله، وعدم محبة للخلق تنشر رداء مقت في الوجه، ويقال لصاحب هذا الوصف عبوس، ولا يخلو العباس من نخوة كرم وحسن سريرة كما لا يخلو العبوس من دناءة وبخل وسوء سريرة، وجَمَعَ هذه الإشارات قول سيد الوجودات عليه أكمل الصلوات والتحيات (من أسرّ سريرة البسه الله رداءها إن خيراً فخير وإن شراً فشر) صدق عليه الصلاة والسلام.

23 ( وبويعت في الحضرة )

يتبع إن شاء الله تعالى

(1) وفي النسخة الحلبية: جزم

الرفاعي
09-07-2018, 11:04 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
ــــــــــــــــ

23 ( وبويعت في الحضرة )

على مجالسة أهل الاهتمام بإعلاء كلمة الحق فهم أعيان الخلق، ومنهم صدور ديوان الحضور، ولهم وراثة النبي الكريم وأصحابه الأعلام من شارقة قوله تعالى: ((مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا)) إلى آخر السورة وان تلك الطائفة المباركة للمجالسة معهم بركات تؤثر في السرّ وتدفع قبح الكسل عن الهمة، وترفع بالعزم إلى أطول رفارف الدنوّ من حظيرة القبول بإذن الله تعالى.

24 ( وبويعت في الحضرة )

على الانقطاع عن مجالس من بهضتهم هموم دنياهم فاشتغلوا بها عن همهم بربهم لأن العارف لا هم له إلا ربه، وهمه بربه ماحق لكل هم، ورحم الله شيخ الخرقة علم الطريقة سيدي أبا بكر الشبلي فانه كان يقول إذا جن الليل في مناجاته: إلهي همي بك عطل عندي جميع الهموم، ومن غرائب الأسرار أن مجالسة مثل أولئك القوم أعني المهمومين بدنياهم المحضة عن الله ينتج سوء خلق وكثرة طمع وحرص على الدنيا، وينسي الموت ويبرز في النفس علواً عن مخالطة الفقراء الذين أُمرنا بمحبتهم، والتودد إليهم والحنوّ عليهم، أولئك المتقون المنكسرون المتواضعون الذين ببركة دعواهم تعمر الديار، وتندفع المكاره وتحصل المقاصد، وانهم الحزب الإلهي الذين ارتضاهم الله رجالاً لحضرته وأولئك هم المفلحون.

25 ( وبويعت في الحضرة )

على الرأفة والرحمة بكل المسلمين بَرِّهم وفاجرهم احتراماً لرسول الله صلى الله عليه وسلم إذ هو روحي وأرواح الآدميين لجنابه الفداء كما قال فيه الله تعالى وهو أصدق القائلين: ((النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ)) وقال تعالى بشأنه: ((حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)) وهو عليه الصلاة والسلام قال: (لا يكون أحدكم مؤمناً حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) فإظهار الرأفة للبار بتنشيط همته بعمل البِرّ وكثرة حثه عليه وإرشاده لما فيه صالح دينه ودنياه على ما يرضي الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم وإظهار الرأفة للفاجر باستخلاصه من وهدة فجوره إلى أيمن وادي الهداية وقطع قواطعه وإيصاله بالركب أهل التقوى والانتصار له بالله على نفسه، وهذا الشأن مما يسرّ روح النبي صلى الله عليه وسلم.

26 ( وبويعت في الحضرة )

على العفو عمَّن ساءني من أمة محمد صلى الله عليه وسلم وقاية له من صدمة القطيعة، بل وإنقاذاً له من وهدة الخزي بين يدي الله تعالى محبة بالنبي الكريم عليه أفضل صلوات البر الرحيم ولله در إمامنا الأعظم الاقدم الشافعي رضي الله عنه قال:


مـن نـال مـنـي أو عـلـقـت بـذمـتـه = أبـرأتــه لـلــه راجــىٍ مـنــتــهْ

كـيـلا أعـوق مـؤمـنـاً يـوم الـجــزا = ء ولا أسـوء مـحـمــداً فــي أمـتــهْ


وقال سيدنا وإمام كبكبة طريقنا سلطان العارفين بالملك القدير محيي الدين أبو العباس السيد أحمد الرفاعي الكبير رضي الله عنه إني جعلت كل موحد لله تعالى من أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في حلٍّ مني تقرّباً لرسول الله عليه أكمل صلوات الله فإن الأعمال تعرض عليه يُسرُّ بها إذا أرضته وإن العفو عن المسيء من أمته يرضيه، ولا شيء عندي أعز من رضا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا فقه المحبين.

27 ( وبويعت في الحضرة )

على تكذيب أهل الدعاوى الباطلة، حتى لا تكون فتنة في الدين، وكذلك دأب سيد المرسلين وأدب النبي الأمين صلى الله عليه وسلم، وديدن السلف الكامل من الصالحين رضي الله عنهم، والنصوص المؤيدة لهذا لا تعد، وقد علم أهل العلم بالله أن الدعاوى الباطلة شؤم، والإصرار عناداً عليها باب من أبواب الكفر. فعلى العارف المحمدي أن يعمل بقمع أهل الدعاوي وتكذيبهم اتِّباعاً لنبيه صلى الله عليه وسلم، وحفظاً لعقائد الأمة المحمدية وقياماً بتحققهم بسنة نبيهم عليه الصلاة والسلام وعملاً بها فقد قال عليه أفضل الصلواة وأكمل التحيات: (من عمل بسنتي عند فساد أمتي فله أجر مائة شهيد).

28 ( وبويعت في الحضرة )

على معاداة أهل البدعة وإهانتهم اقتباساً من شارقة نور قوله عليه الصلاة والسلام: (من أهان صاحب بدعة آمنه الله يوم الفزع الأكبر).

29 ( وبويعت في الحضرة )

على محبة المساكين، والتودد إليهم، والانخراط بسلكهم تحت طيّ نظم دعاء المصطفى الأعظم صلى الله عليه وسلم بقوله: (اللهم أحيني مسكيناً وأمتني مسكيناً واحشرني في زمرة المساكين).

30 ( وبويعت في الحضرة )

يتبع إن شاء الله تعالى

الرفاعي
01-07-2019, 05:34 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
ــــــــــــــــ

30 ( وبويعت في الحضرة )

على كراهية الدنيا، وحب الموت في الله على مراد الله، رغبة بلقاء الله تعالى، فإن حب الدنيا وكراهية الموت، من أسباب الفشل في الدنيا والخزي في الآخرة. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، قال قائل: ومن قلة نحن يومئذٍ؟ قال: بل أنتم كثيرون ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعنّ الله من قلوب عدوكم المهابة منكم، وليقذفنَّ الله في قلوبكم الوهن، قيل: وما الوهن؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت).

31 ( وبويعت في الحضرة )

على ردّ دعاوي أناس يزعمون العلم بالجفر واستخراج الأحكام منه، فإن ذلك لا أصل له البتة، ومن العجائب أن جماعة لا اعتناء لهم بأمر الدين بل هم من المارقين ويعتقدوم بأهل هذه الفنون، وسبب ذلك أمل مضمر في نفوسهم كتطلب المعالي والمناصب وكثرة الأموال وما أشبه ذلك، يقوم مدعي هذا العلم فيمنيهم ويعدهم؛ وإنه لمن الشيطان ((وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا)) وإن علم الجفر علم صانه الله تعالى بآل النبي الطاهرين، وخص به الأئمة منهم ووراث الأئمة من الأغواث الأنجاب، والأعاظم من الأقطاب. وما هو إلا عبارة عمّا يحدثه الله تعالى في أهل البيت النبوي بعد النبي صلى الله عليه وسلم كخلافة أمير المؤمنين عليّ عليه السلام، وولده الامام الحسن السبط الهمام عليه تحية الملك العلام، وشهادة شبله الامام الحسين المقدام عليه السلام من السلام وأمثال ذلك، مما جرى على ورّاث الامامة المعنوية في البيت النبوي، وما سيجري في عهد الامام المهدي سلام الله عليه ورضوانه، وذلك سر خاص بهم لا يتعلق بغيرهم، وأما ما فيه من الأسرار الجوامع فهي من خصائص الوارث في كل عهد، وهو لا يظهر هذه الأسرار لأحد أصلاً.


من أطلعوه على سر وباح بـه = لا يطلعوه على الأسرار ما عاشا


وكون هذا لعلم خزانة السر الالهي المستودع بالنبي صلى الله عليه وسلم وبآله الكرام أمر متواتر عند أهل الله تعالى. قال ربي ((وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ)) وحكم التنزل بقدر معلوم لأولي الخصوصية، ولا إله إلا الله.

32 ( وبويعت في الحضرة )

على محاضرة القلوب ليفاض إليها بنسبة ما فيها من حكمة. (أنزلوا الناس منازلهم) الحديث.

33 ( وبويعت في الحضرة )

على إقالة عثرات الكرام لما ورد من حديث (واقيلوا الكرام عثراتهم) إلا في حدٍّ من حدود الله.

34 ( وبويعت في الحضرة )

على حب العرب إِعظاماً لقدر النبي صلى الله عليه وسلم لكونه منهم وفي الخبر (أحبوا العرب لثلاث أنا عربي والقرآن عربي ولسان أهل الجنة في الجنة عربي) ولما صح في الأثر (حب العرب إيمان وبغضهم نفاق) وان بغض العرب من أدراج الكفر - والعياذ بالله تعالى - وحبهم والإحسان إليهم من أعظم أسباب السعادة، ومن أقرب الطرق الموصلة إلى الله تعالى .

35 ( وبويعت في الحضرة )

يتبع إن شاء الله تعالى

الرفاعي
01-07-2019, 05:41 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
ــــــــــــــــ

35 ( وبويعت في الحضرة )

على الإنتداب لإجابة داعي الله في كل حال قال الله تعالى: ((يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ)) وان داعي الله المخاطِبْ لكل فرد إنساني إلى يوم الدين هو السرّ الأعظم رسول الرحمن المصطفى الأمين - عليه أفضل صلوات رب العالمين - وإجابة هذا الداعي العظيم إحياء سنته ففي الخبر (من احيى سنتي فكأنما احياني).

36 ( وبويعت في الحضرة )

على التوسل إلى الله تعالى بالانكسار إليه، وهو تعالى أخبر عبده المصطفى هداية لعبيده بقوله: (أنا عند المنكسرة قلوبهم من أجلي).

37 ( وبويعت في الحضرة )

على شكر نعمة الغنى، والخفا بها، وهو أن يملك الرجل قُوتَهُ ولا يحتاج للسؤال وهذا المقصود بقوله صلى الله عليه وسلم (إن الله العبد التقي الغني الخفي).

38 ( وبويعت في الحضرة )

على التباعد عن أناس ابتلوا بالانتقاد والاعتراض على أولياء الله تعالى، وذلك فيما لايقبل التأويل، ومثلهم من ينكر كرامات الأولياء، ويسوق الناس بغوايته لإهانتهم وهضم حقوقهم، وإن مجالسة مثل أولئك الجماعة مقت وردّ بالباب.


يقاس المرء بالمرء = إذا ما هـو ماشـاه
وللشيء على الشيء = مقاييـس وأشبـاه


وقد أمرنا نبينا عليه الصلاة والسلام بمجالسة العلماء، ومخالطة الحكماء، وحثنا الكتاب على مفارقة قرين السوء، والمرء بقرينه يعرف كمينه، والسلام.

39 ( وبويعت في الحضرة )

على حسن الظن بعباد الله المنكسرين له، والمطويين ببراقع الخمول، فقد ورد في الخبر (رُبَّ أشعث أغبر ذي طمرين مدفوع في الأبواب لو أقسم على الله لأبره).

40 (وبويعت في الحضرة)

على إرادة الخير لجميع المخلوقين، فقد جاء (الخلق كلهم عيال وأحب الخلق إلى الله أنفعهم لعياله).

41 ( وبويعت في الحضرة )

على مباعدة الفقير المتكبر لما أقام بطبعه القدر من الصادمة، فقد ورد (أبغض الخلق إلى الله فقير متكبر).

42 ( وبويعت في الحضرة )

على مجانبة البطالين الذين يألفون السؤال من الناس ولا يعملون فيأكلون ففي الأثر (إن الله يكره العبد البطال).

43 ( وبويعت في الحضرة )

يتبع إن شاء الله تعالى

الرفاعي
01-08-2019, 07:26 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
ــــــــــــــــ

43 ( وبويعت في الحضرة )

على مصاحبة أصحاب الأعمال والصنائع الذين يكتسبون بها لعيالهم من طريق حلّ ففي الحديث (إن الله يحب أن يرى عبده تَعِباً في طلب الحلال) وفي بعض الكتب (خير ما أكل ابن آدم طعام من كسب يده).

44 ( وبويعت في الحضرة )

على الرفق بالآدميين وغيرهم من كل نوع. قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله يحب الرفق في الأمر كله).

45 ( وبويعت في الحضرة )

على سوق القلوب إلى الله تعالى قال ربي جلت وعلت قدرته ((وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ)) الآية.

46 ( وبويعت في الحضرة )

على الإنتصار لي إذا بُغيَ عليّ، وقد مدح القرآن العظيم أُناساً بنص ((وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ)).

47 ( وبويعت في الحضرة )

على كثرة قول لا إله إلا الله، فقد جاء في الخبر عن سيد البشر صلى الله عليه وسلم (أفضل ما قلته أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله) وهو نور عوالم الله تعالى، وحبل الاتصال الممدود بين الخالق والمخلوق، وهو حصن الله كما جاء في الحديث القدسي المبارك (لا إله إلا الله حصني فمن قالها دخل حصني ومن دخل حصني أمِنَ من عذابي).

48 ( وبويعت في الحضرة )

على النصيحة لكل مسلم لما ورد (الدين النصيحة الدين النصيحة الدين النصيحة) الحديث.

49 ( وبويعت في الحضرة )

على الاهتمام لمحافظة الفروض والسُّنن، وعلى مخالقة الناس بخلق حسن، وقد ورد (أدِّ فرائض الله تكن مطيعاً) وجاء (خالقوا الناس بخُلُق حسن). وقد مدح الله رسوله الكريم بنص ((وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ)) فتعيَّن من سرّ هذا النص أن أعظم ما طوي في منشور الهيكل الانساني إنما هو حُسُن الخُلق، وإنه لسبب البعثة بشاهد حديث (بعثت لأُتمم مكارم الأخلاق) وأعظم ما تنافس به أهل الهمم في السير إلى المحبوب بقصد الوصول إلى المطلوب، إنما هو حُسُن الخُلُق وقالوا التصوف كله خُلُق، فمن زاد عليك بالخُلُق زاد عليك بالتصوف، وهو حسن ملكة، وسعة صدر، وقبض لسان عن ما يثقل على الطباع، وكف الأذى، وبذل المعروف، وإنه ليمن وبركة، وعكسه شؤم، والعياذ بالله. قال عليه الصلاة والسلام: (حسن الملكة يمن وسوء الملكة شؤم) وفي الخبر (إن أحسن الحسن الخُلُق الحسن) وقال الامام السيد سراج الدين الرفاعي رضي الله عنه:


صاحب شريف الطبع ذا خُلُق حسن = واهجر قبيح الخُلُق مهجور السنـن
واجعل صديقـكَ كيَسـاً ذا بهجـة = وأفهم نظام الخَلْق يخدمك الزمـن


50 ( وبويعت في الحضرة )

يتبع إن شاء الله تعالى

الرفاعي
01-08-2019, 07:33 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
ــــــــــــــــ

50 ( وبويعت في الحضرة )

على مجانبة المُتصوِّفة الذين يقبلون كل ما يقال، ويميلون إلى أقوال أهل الشطح فإن أولئك من أهل القطيعة.

51 ( وبويعت في الحضرة )

على تعظيم أمر الله، والشفقة على خلق الله، والتمسك بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذه بيعة شيخنا وسيدنا السيد أحمد الرفاعي رضي الله عنه وعنا به.

52 ( وبويعت في الحضرة )

على البدلية الكبرى مقاماً في تلك الليلة, وضُرِبَ عليَّ خُصّها، ورُفِعَ لي ولله الحمد عَلَمها، ولبست حُلَّتها، وفهمت كل ما طوي بتلك الخِلعة من أحكام المقام جل ربي ((إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ)).

53 ( وبويعت في الحضرة )

على حلّ سر كل منازلة في كل مقام ومن كل مشهد وفي كل منزلة أفاضية أو إضافية حلاًّ عرفانياً يوافق الحكم وَيُظْهر سرّ الحِكمة، ويدل على لبِّ الحقيقة المعنيَّة، والنمط المقصود بالذات، ولله الحمد في الآخرة والأولى.

54 ( وبويعت في الحضرة )

على الدعاء لسلطان المسلمين بالخير، ارتياحاً لإعلاء شوكة عصابة الإسلام، وقمعاً لأعداء الأُمة، وانبساطاً بقوة الطوائف الإسلامية، فإن السلطان عاصمة الأمة، ومحل جمع كلمتهم، وحارس ثغورهم، والقائم بدفع بدفع كل صائل عنهم، وإن الله الخالق البارىء المصور - سبحانه - إذا أراد خلق مَلِك مسح بيده على جبهته، وفي هذا المسح من سر الممسوسية بيد الله ما فيه لذي الرأي والفكرة السليمة كل الكفاية.

55 ( وبويعت في الحضرة )

على كتم أسرار الحضرة إلا عن أهلها، وقد قال إمامنا الشافعي رضي الله عنه :


ومن منح الجهال عِلماً أضاعه = ومن منع المستوجبين فقد ظلم


56 ( وبويعت في الحضرة )

على الصداقة لأصدقاء والديَّ والتودُّد إِليهم، وحَسُن قول بعض الأكابر (صداقة الآباء قرابة الأبناء) وإن مودة أصدقاء أبوي الرجل من المودة لأبويه وقد ورد (احفظ ودَّ أبيك) وقد تأول بعضهم الحديث بحفظ غيبته بعد موته بالصدقات وأشباهها، والمعنى بهذا صحيح أيضاً، وهو داخل بالمعنى العام الشامل من رعاية وده وحبه وموالاة من والاهم، والتباعد عمن باعدهم إلا إذا والى من لا تصح موالاته شرعاً؛ أو باعد من لا تصح مباعدته شرعاً.

57 ( وبويعت في الحضرة )

يتبع إن شاء الله تعالى

الرفاعي
01-08-2019, 07:41 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
ــــــــــــــــ

57 ( وبويعت في الحضرة )

على مجانبة من لم يعرف قدر المعروف، فإن كفران النعمة كفر، وبهذا ورد خبر (من لم يشكر الناس لم يشكر الله) ومخالطة أهل هذا الوصف مؤثِّرة بالطبع، فإن الطبع ينجذب للطبع، فيسري في طبع المخالط كفر النِّعم، و إهمال المعروف، وهذا من أسوأ القواطع عن الله تعالى، والعياذ بالله. وقد قال أهل الله على رؤوس الأشهاد: من ابتلي بوصف كفران النعمة، وإهمال قدر المعروف كَثُر أو قلَّ، فهو من أهل القطيعة، وقالوا من لم يحفظ للعبد حقه لم يحفظ للمعبود حقه، فإن الترقي إلى مرتبة حفظ حقوق المعبود سُلَّمها حفظ حقوق العبيد، وفي المثل (أشكر لمن أسدى ولو سمسمة) ويقول بعض حكماء الشعراء:


من بات يكفر إحسان الأنام فلا = تبصره إلا ذميم الطور خنَّاسا

إن قلَّ أو كَثُر الاحسان محترم = لم يشكر الله من لم يشكر الناسا


58 ( وبويعت في الحضرة )

على مجانبة المتلصصين عند الأغراض، المجانبين عند عدم الحاجة فإن أولئك لا خير في صحبتهم، والتباعد عنهم إن لم يكن فيه إلا سلامة الخاطر من بغضهم لكفى، وهذا أدب أهل الفقه الإلهي، فإنهم يجتنبون ما يوجب بغض الخلق.

59 ( وبويعت في الحضرة )

على مجالسة من لا غرض له ولا أمل، لاستقرار الخاطر به، ولعدم مصادمة حال سره القلب محجوباً كان أو عارفاً لهمة السرّ ولتسكين ثورة البشرية بمجالسة جنسها مع السلامة من أضرار طبعه أعني الجليس، ولذكر الله أكبر. فالله تعالى جليس الذاكرين. جاء في الحديث القدسي ((أنا جليس من ذكرني)) ودأب أهل التمكن الأنس بالله، فإنهم يقولون: من علامات الإفلاس الاستئناس بالناس؛ وقال قائلهم:


إن بيتاً أنـت ساكنـه = هو لا يحتاج للسـرج

وجهك المأمون حجتنا = يوم تأتي الناس بالحجج

60 ( وبويعت في الحضرة )

على كثرة الاستغفار، فإنه ماحق الأوزار، وموجب بإذن الله لعمران الديار، ولحصول البركات الهامعة من حضرة الإحسان قال الله تعالى: ((فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا)) صدق الله العظيم. آمنا بالله سبحانه، وبما أنزل على نبيه المصطفى المرسل صلى الله عليه وسلم والحمد لله رب العالمين.

61 ( وبويعت في الحضرة )

يتبع إن شاء الله تعالى

الرفاعي
01-08-2019, 08:11 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
ــــــــــــــــ

61 ( وبويعت في الحضرة )

على حث الاخوان على طلب العلم، فإن فقدان العلم الدينيّ من أشراط الساعة جاء في الخبر (إن الله لا يقبض العلم إنتزاعاً ينتزعه من الناس ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يترك عالماً اتخذ الناس رؤساءً جهَّالاً فسئِلوا فافتوا بغير علم فضلوا وأضلوا).

62 ( وبويعت في الحضرة )

على إرشاد الناس على طبقاتهم لوضع الأمور مواضعها، وحفظ الأمانة وتوسيد الأمر إلى أهله عملاً بقول المصطفى صلى الله عليه وسلم فيما ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه بينما النبي صلى الله عليه وسلم يحدِّث جاء اعرابي فقال: متى الساعة قال (فإذا ضُيِّعَت الأمانة فانتظر الساعة. قال: كيف إضاعتها؟ قال: إذا وُسِّدَ الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة) وقد زعم أُناس أن الأمر توسيده إلى غير أهله عبارة عن تقليد المناصب لمن كان من أبناء أكابر الدنيا والأعيان، وهذا سقم نظر إذ ربما كان آباء أولئك القوم ليسوا من أهل الأمر، بل أهل الأمر الذين أُمرنا بتوسيدهم الأمر هُم أهل الدين والعقل والحكمة، فلا يدفعه الدين للعمل بالعقل، ولا يدفعه العقل لمخالفة الحِكمة، ولا تدفعه الحكمة لترك الخوف من الله تعالى، والحديث شامل لا يختص بهذه النَكته فقط، بل يلزم بإيداع كل أمر إلى أهله إذ الجوهري لا يُصلح عمل الحجَّار، والحجَّار لا يُصلح عمل الجوهري وعلى هذا فَقِس.

63 ( وبويعت في الحضرة )

على عدم منازعة الأمر أهله، فإن من شقّ عصا المسلمين بالمنازعات لأولي الأمر كيف احتج محجوج، وكيف اختصم مخصوم، والأمر ملزم بترك المنازعة، وحفظ عصابة المسلمين من الشقاق، ووقاية الأُمة من ظهور التفرقة، وبروز كلمة الخلاف عملاً بقول الله تعالى ((وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ)) وامتثال هذا الأمر سلطان لا يدافع (ويد الله مع الجماعة ومن شذّ شذّ في النار) هذا مضمون كلام سيد الأبرار النبي المختار عليه أفضل صلوات الملك الجبّار.

64 ( وبويعت في الحضرة )

على قص الشارب لا على حلقه، فإن حلقه مكروه، وعلى إعفاء اللحية وهو عدم المبالغة في الجزّ، وقد كان سيد الوجودات عليه أشرف الصلوات والتسليمات يأخذ من لحيته الشريفة من عرضها الشريف وطولها الشريف، إذا زاد ذلك على القبضة يفعل ذلك في الخميس أو الجمعة، ولا يترك ذلك مدة فوق الاسبوع، وما أقبح ما يفعله الأعاجم والفرنج من قص اللحية بل قطعها كلها، وتوفير الشارب. ومِنْ سرّ الوضع الخَلْقيّ أن مصَّاص شعر الشارب لا يكون كامل الآداب رزين الحركة، وطويل اذقن - أعني طويل اللحية - طولاً مفرطاً لا يكون نيِّر العقل، ولا حسن الخُلُق، وقال أهل العلم بحكمة الوضع الخَلْقيّ: كلما طالت اللحية قَصُر العقل، وخير الأمور أوسطها، وأما قص الشارب فهو أمر مأمور به كل مسلم، فقد ورد عن السيد العظيم عليه صلوات الرب العظيم أنه قال: (من لم يأخذ من شاربه فليس منا) وأما ما نقله بعض مَرَقَة المتصوّفة من الأعاجم عن الامام الأعظم أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب كرم الله وجهه وعليه السلام أنه كان لا يقص شاربه فعل ذلك لأنه شرب ماء سرة النبي صلى الله عليه وسلم فهو كذب لا أصل له. بل هو أغير الناس على السنة المحمدية وأعملهم بها وأعلمهم وفيه يقال:


أزكى البرية أتقاهـا وأشرفهـا = وأعلم الناس بالمفروض والسُّنن


65 ( وبويعت في الحضرة )

يتبع إن شاء الله تعالى

الرفاعي
01-08-2019, 08:17 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
ــــــــــــــــ

65 ( وبويعت في الحضرة )

على شرب الماء بركوة طين أو ركوة خشب، وقد ورد في الخبر الصادق. (الله وملائكته يصلون على أهل بيت آنيتهم الخزف) وكان ابن عباس رضي الله عنهما يحب الشرب بقدح الزجاج ليبصر ما يقع فيه من الأذى فيزيله، وبلغنا عن السُريّ أنه قال للجنيد رضي الله عنهما: لا تكن آنية بيتك إلا من جنسك يعني الطين.

66 ( وبويعت في الحضرة )

على عدم دخول بلدة فيها الوباء، وعلى عدم الفرار منه اعتماداً على الله ورضاءً بفعله سبحانه، وأن أتخذ البنفسج أشرب ماءُه وأدَّهن به في أيام الوباء، وأن أشم الورد الأحمر، وأصلي عند شمه على النبي صلى الله عليه وسلم.

67 ( وبويعت في الحضرة )

على عدم أكل البصل والثوم غير مطبوخين، ولا بأس بأكل البصل لمن دخل أرضاً غير أرض بلاده في أسفاره، فإن أكله من بصل الأرض التي يدخلها يُذهب عنه بإذن الله وخامتها، ومضرات هواها، ومياهها المختلفة. والنهي عن أكل البصل والثوم تنزيهاً لا تحريماً. وإن آخر طعام أكله المصطفى فيه بصل مطبوخ ليبيّن للناس أنه ليس بحرام أكله، ولا يجوز لمن أراد الدخول في المسجد أكل الثوم والبصل لكيلا يتأذى منه الناس بل والملائكة فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه الآدميون، وهذا سر قوله عليه الصلاة والسلام: (من أكل ثوماً أو بصلاً فلا يقربن مسجدنا) ومن سر الوضع فيه اعني البصل أنه يلطف الأخلاط الغليظة، ومطبوخه يصلح للسعال وخشونة الصدر، ومن كان ذا حرارة وأراد أكل مطبوخ البصل فليصلحه بالخل.

68 ( وبويعت في الحضرة )

على أكل كل خفيف المادة مستقلاً من الطعام غير مستكثر، وأن لا آكل إلا عن جوع، وأن آكل الرمان، وأقرأ بعد أكله وقبله شيئاً من القرآن، وهذا طريق الامام الرفيع الجناب سيدنا جعفر الصادق رضي الله عنه وعنا به.

69 ( وبويعت في الحضرة )

على القناعة بما يستر العورة من اللباس وأحسنه البياض لأنه كان على الغالب لباس رسول الله صلى الله عليه وسلم.

70 ( وبويعت في الحضرة )


يتبع إن شاء الله تعالى

الرفاعي
01-08-2019, 08:24 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
ــــــــــــــــ

70 ( وبويعت في الحضرة )

على حفظ يوم الجمعة بحفظ آدابه وشروطه واغتنام فضائله لأنه يوم عظيم فضَّل الله تعالى به الاسلام، وخصَّص به المسلمين، وجعله بهجة الأيام. قال الله تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ)) وهذا نهي عن الاشتغال بأمر الدنيا، وقد حرم الله الاشتغال بأمر الدنيا، وقد حرم الله الاشتغال بكل صارف عن السعي إلى الجمعة، وقد جاء في الخبر عن سيد البشر صلى الله عليه وسلم (إن الله تعالى فرض عليكم الجمعة في يومي هذا في مقامي هذا) وجاء عنه عليه الصلاة والسلام (من ترك الجمعة ثلاثاً من غير عذر طبع الله على قلبه) وفي رواية أُخرى (قد نبذ الاسلام وراء ظهره) وقد عظَّم المصطفى صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة أكثر من يوم الأضحى وأكثر من يوم الفطر، وأخبر أنه سيد الأيام وقال (خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة) الحديث. وفي الخبر (إن لله تعالى في كل يوم جمعة ستمائة الف عتيق من النار) وبرواية أنس رضي الله عنه (إذا سلمت الجمعة سلمت الأيام) أي إذا حفظت الجمعة للعبد حفظت له بإذن الله بقية أيامه.

ومن آدابه (أعني يوم الجمعة) الاغتسال فيه وهو الأفضل والتلبس بثياب بيض نقية والتزين بحسن الكسوة ما أمكن، وبالنظافة وهي الاستساكة بالسواك، وحلق الشعر، وتقليم الأظافر، وقص الشارب، والتطيب بأطيب طيب عند الرجل.

ومن آداب يوم الجمعة أن يبكر الرجل إلى الجامع وأن يكون في سعيه خاشعاً لله متواضعاً ناوياً الاعتكاف في المسجد إلى الصلاة قاصداً صحيح المبادرة إلى إجابة نداء الله إياه إلى الجمعة بالمسارعة إلى مغفرة الله ورضوانه، وإن الناس يكونون في قربهم من النظر إلى وجه الله تعالى بقدر بكورهم إلى الجمعة. كذا نص الكُمَّل رضي الله عنهم.

ومن الآداب أن لا يتخطى رقاب الناس، ولا يمرّ بين أيديهم، وله أن يتخطى رقاب قوم جلسوا يوم الجمعة على أبواب الجامع فهم أُناس لا حرمة لهم.

ومن الأدب أن يطلب الصف الأول وهذا يتهيأ بالتبكير. ومن الأدب ترك الكلام بالكلية في غير ذكر أو قراءة قرآن بطريق مخفيّ.

ومن الآداب أن يقرأ بعد فراغه من صلاة الجمعة فاتحة الكتاب سبعاً وسورة الاخلاص والمعوذتين سبعاً سبعاً فإنها حرز من الشيطان.

ومن الآداب المستحبة أن يقول بعد صلاة الجمعة: اللهم ياغني ياحميد، يامبدىء يامعيد، يارحيم ياودود اغنني بحلالك عن حرامك، وبفضلك عمن سواك.

ومنها صلاة ست ركعات. وأن يلازم الرجل المسجد إلى صلاة العصر، وإن أمكنه فإلى صلاة المغرب، وليراقب الرجل الساعة الشريفة التي نص عليها أنها في اليوم المذكور بشاهد ما ورد في الحديث الشريف المشهور (إن في الجمعة ساعة لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله إلا أعطاه).

ومن الأدب التصدق على الفقراء بذلك اليوم، وعدم المسافرة قبل صلاة الجمعة، وتمام كل ذلك دوام الحضور مع الله في ذلك اليوم، فإنه يوم محاضرة مع الحق سبحانه، وهو يوم يتجلى الله فيه بالرحمة على المسلمين، ويعمهم بكرمه والحمد لله رب العالمين.

71 ( وبويعت في الحضرة )

يتبع إن شاء الله تعالى

الرفاعي
01-08-2019, 08:49 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
ــــــــــــــــ

71 ( وبويعت في الحضرة )

على تعظيم شهر رمضان بصدق العزم والعزيمة، وأداء حق الله فيه بحال طاهر وسر حاضر وجمع همة منصرفة عن الأكوان، تخلقاً بخلق رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفرحاً بالله تعالى.

72 ( وبويعت في الحضرة )

على إجلال أرض الحجاز وإعظام أماكنها التي أعظم الله شأنها مثل الكعبة المكرمة والبيت الحرام والحِجْر والحَجَر والمصلى والبئر والميزاب والأركان المباركة وجبل عرفات وغير ذلك، والنظر إلى تلك البوادي المقدسة، والبقاع المطهرة بعين الرحمة، والأدب الكامل عند أداء ما شُرع فيها، وحفظ القلب وربطه التّام، ربطاً يليق لمقام الحضور عند زيارة المصطفى صلى الله عليه وسلم، مع الخشية والخوف بتلك الساحة لأن صاحبها عليه من الله أجل الصلوات وأشرف التسليمات بمسمع وبمرأى وبمحضر وبمنظر ممن دخلها، وله العين السيارة في الملأين، والبصر الطواف في العالَمَين، وكف الطرف عن كل ما يحدث من سكان تلك الديار، من الأهل والجيران، ونظرهم بعين صاحبهم، والرفق فيهم، والتودد إليهم، والإحسان لهم، وتعظيم إختصاص الله لهم، أن جعلهم جيران رسوله صلى الله عليه وسلم، وخدام بيته المحرم، وعدم الغفلة عن هذه الملاحظات إذ التصرف هناك من طريق الإفراغ لا يرجع إلى أحد بل يبقى كما هو تحت نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم فافهم أيها اللبيب وتدبر والله لي ولك والحمد لله رب العالمين.

73 ( وبويعت في الحضرة )

على حماية القلب من الغفلة قياماً بإعظام كل يوم ووقت وعمل وقول أعظمه الشرع الشريف وأمر به انقياداً لأمر الله تعالى واتباعاً لرسوله صلى الله عليه وسلم .

74 ( وبويعت في الحضرة )

على رد كل وقت وعمل وقول رده الشرع الشريف وقطعه اعتصاباً للأمر الإلهي وتعززاً به، وانتصاراً لصولة حكم النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم وإيماناً به ومحبة له.

75 ( وبويعت في الحضرة )

على مودة من حنَّت له روحي حنين ودٍّ لا سبب له، وعلى مجانبة من كرهته روحي كراهة نفرة لا سبب لها.

قالت عائشة الصديقة الطاهرة رضي الله عنها وعن أبيها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (الأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف).

وقد أعظم القوم حكم التعارف الأزلي وقد قال فيه بعضهم:


بيني وبينك في المحبة نسبة = مستورة عن كل هذا العالم

نحن اللذان تعارفت أرواحنا = من قبل خَلق الله طينة آدم


76 ( وبويعت في الحضرة )


يتبع إن شاء الله تعالى

الرفاعي
01-09-2019, 12:49 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
ــــــــــــــــ

76 ( وبويعت في الحضرة )

على رد الحُلُم وعدم إشغال الفكر به قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الرؤيا الصالحة من الله والحُلُم من الشيطان فإذا حلم أحدكم حُلُماً يخافه فليبصق عن يساره وليتعوذ بالله من شرها فإنها لا تضره) يعني الرؤيا السيئة وهي الحُلُم.

77 ( وبويعت في الحضرة )

على إنتظار منَّة إلهية عظيمة يفرغها الله إليَّ بكرمه بعد بلوغ الخمسين سنة من العُمُر انتظاماً بسلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه لما بلغ إحدى وخمسين سنة وتسعة أشهر أسري به فعرج عليه أشرف الصلوات وأتم السلام.

78 ( وبويعت في الحضرة )

على الإيمان بكل حديث يروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يخالف معناه الكتاب والسُنَّة، فإنه عليه الصلاة والسلام مات عن أربعمائة الف حديث وثلاثة عشر ألف حديث غير ما ضيَّعه الصحابة بنسيان وغيره كموت حامل حديث لم يُحفظ عنه ذلك الحديث.

79 ( وبويعت في الحضرة )

على إعظام صفات الله تعالى لأنها بين جلال وجمال، فإن الصفات العدمية تسمى بصفات الجلال، والوجودية بصفات الإكرام.

80 ( وبويعت في الحضرة )

على القول بآدمية الآدميين، والقطع بعدم اتصال أطوارهم بأطوار الربوبية أصلاً ردّاً على أهل الوحدة المطلقة.

جاء في الحديث الشريف (خلق الله آدم على صورته) أعني على صورة آدم أي الهيئة الأُولى ابتدعه عليها لم ينتقل في النشأة، ولا في الأرحام، أحوالاً ولا أطواراً، ولا يعارضه (خلق آدم على صورة الرحمن) فمعنى ذلك أنه خلق على الصورة التي خلقه الرحمن عليها، ولم يشاكله شيىء من الصور، ولا أعين بتدبير أخر في خلقه، وإنما الصورة التي خُلق عليها مضافة للرحمن لا تضاف لغيره، ولا قدرة لغير الرحمن على ابراز هذه الصورة الآدمية في عالم الخلق.

ويفيد هذا عجز الخلق عن الخالقية، فإن أبا البشر مخلوق، فلا يصح دعوى الخالقية لبشر، وإن زعمها فيعجزه الذباب، وذرّة التراب، وينادى عليه في العوالم باسم الكذاب، وإذا انقطع عن الصفات ونيلها، فبا الأولى انقطاعه عن الذات وقدسها -تعالى الله عما يقول الظالمون علوًّا كبيراًـ وسبحان الله عما يصفون.

81 ( وبويعت في الحضرة )

على لبس القميص فهو أحبّ الثياب إلى النبي صلى الله عليه وسلم، والقميص مخيط له كمان وجيب، وكُم قميص المصطفى عليه صلوات الله وتسليماته إلى الرسغ أي المفصل الذي بين الكف والساعد، وعلى لبس السراويل، وعلى تقصير الثياب إلى أعلى الكعبين، فإن مازاد منه عن الكعبين في النار، وعلى لبس العمامة السوداء، وقد لبس صلى الله عليه وسلم عمامة سوداء وارخى طرفها، وعلى لبس الثوب الخشن، فقد ورد (من رقَّ ثوبه رقَّ دينه) وعلى لبس العباءة وقد ورد (عليكم بلباس الصوف تجدوا حلاوة الايمان) وعلى ترك لباس الشهرتين الفاخرة والمحقرة وقد نهى عليه الصلاة والسلام عن لبس الثياب التي تورث شهرة سواء كانت فاخرة أو حقيرة.

ومنها هذه المصبَّغات التي سماها متصوفة الأعاجم بالخِرَق، وهذه التيجان المطرزة الملونة فإنها داخلة كلها تحت هذا النهي النبوي؛ ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

82 ( وبويعت في الحضرة )

يتبع إن شاء الله تعالى

الرفاعي
01-09-2019, 12:56 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
ــــــــــــــــ

82 ( وبويعت في الحضرة )

على تلاوة بسم الله الرحمن الرحيم في كل وقت وعلى قراءة سورة الاخلاص سيّما إذا دخلت مسكني الذي آوي إليه، وأن لا اسكن بين الكفرة من مشرك وغيره جاء في الخبر (أنا بريء من كل مسلم مقيم بين ظهراني المشركين).

83 ( وبويعت في الحضرة )

أن آمر أولادي في طريقة الله وأحبابي ببناء بيوت للضيافة في دورهم وقد ورد في الحديث (إن لكل شيء زكاة وزكاة الدور بيت الضيافة) وأن يبخروا بيوتهم لأن الملائكة تحبه أعني البخور الطيب.

84 ( وبويعت في الحضرة )

على استكمال الآداب في المشي فإذا خرجت من مسكني أقول: ( بسم الله توكلت على الله ولا حول ولا قوة إلا بالله) (اللهم إني أعوذ بك من الذلة والضلالة والظلم والجهل) وأقرأ آية الكرسي كلما خرجت من سكناي وكلما عدت، واميط الأذى عن طريق المسلمين، وابدأ بالسلام من لقيت، وأرد على من سلَّم عليّ السلام، واكف الأذى عن المسلمين، وأمنع من أراد إيذائهم، ولا أُلقي البزاق بين يديّ ولا عن يميني ولا إلى القبلة، ولا أسير راكباً وخلفي الماشون والراجلون، فإن ذلك من علائم الشهرة ومن التجبر والتكبر؛ والحماية من الله، والفرار إليه (إنا لله وإنا إليه راجعون).

85 ( وبويعت في الحضرة )

على الاصلاح بين الاخوان والتلطف بهم مهما أمكن، ورعاية حق الأخوية الدينية لهم لأن ذلك من شأن النبي صلى الله عليه وسلم ومن أخلاقه، وأخلاق خلفائه الكرام عليه وعليهم السلام.

86 ( وبويعت في الحضرة )

على عدم التشدق في الكلام، والتبجح فيما لا يعني، فإن ذلك مكروه هو وفاعله، وترك مالا يعني بعض حسن الإيمان ففي الخبر (من حُسْنِ اسلام المرء تركه مالا يعنيه) وإن الصديقين أصحاب الخصوصية يقولون: من اشتغل بخويصته فقد أتقن طريق الوصلة وأمن من القطيعة.

87 ( وبويعت في الحضرة )

على أن أُنبِّه من ابتلي من إخواني ومحبيّ بالقرب من الأُمراء والحكام أن يبعد عنهم - مهما أمكنه - أهل البدعة واصحاب التملق المحبين للدنيا عبيد الدرهم والدينار، وهم داعية الخراب للأمراء وللناس أيضاً، وأن يجهد بتقريب أهل الأمانة الصالحين الذين يقولون كلمة الحق ويحبون لله ورسوله صلى الله عليه وسلم، فهما داعية العمران والبركة.

88 ( وبويعت في الحضرة )

على الغيرة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم، ولسيدي أحمد الرفاعي رضي الله عنه، ولطريقه المرْضيّ ولعباد الله الصالحين، ولمروءتي فإن الانحطاط عن مرتبة الغيرة انخلاع عن محاسن البشرية بالكلية، والانحطاط عن المروءة. انفكاك عن مرتبة عظيمة من مراتب الإيمان، ومن لم يكن ذا غيرة ومروءة فهو والجمادات سواء. من مشهد حفظ الدين والوقار، من دون انطلاق مع العصبية، إذ ليس من الشارع الكريم من قاتل على العصبية. والكلمة الجامعة إنما هي كلمة الله، ولا تبديل لكلمات الله.

89 ( وبويعت في الحضرة )

يتبع إن شاء الله تعالى

الرفاعي
01-11-2019, 11:45 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
ــــــــــــــــ

89 ( وبويعت في الحضرة )

على نسج المِزاح اللطيف أحياناً ترويحاً للبشرية، لكن على نسق نبوي هذا مع قلة فيه، فإن المزاح تُسقط المهابة، وتنزع شرف المروءة وربما اوقعت ضغائن في بعض النفوس، والصدّيقون المتخلقون بأخلاق الشارع العظيم صلى الله عليه وسلم إذا مزحوا ما كذبوا ولا اكثروا ولا انقبضوا، والأمر طريقه وسط والسلام.

90 ( وبويعت في الحضرة )

على زيارة المقابر والدعاء لأموات المسلمين، والدعاء عند مقابرهم، فإن الدعاء عند مقابر المسلمين مستجاب لأنها محل الرحمات.

91 ( وبويعت في الحضرة )

على مس اليد على الوجه عند ذكر إسم النبي صلى الله عليه وسلم تعظيماً له واغترافاً من الرحمة التي تنزل على المجلس الذي يذكر فيه اسمه عليه الصلاة والسلام يعرف ذلك المحققون من أهل حظائر القرب، ولا بأس بفعل مثل ذلك عند ذكر الصالحين فإنهم عند ذكرهم تنزل الرحمة ببركة سيدهم صلى الله عليه وسلم والحمد لله رب العالمين.

92 ( وبويعت في الحضرة )

على الرأفة بالمجاذيب الذين جذبهم الله إليه عن أنفسهم، وعلاماتهم الذهول والخمول والإنقطاع إلى الله تعالى، والغيبة عنهم، وعن كل شيء سوى الله هذا مع عدم مخالطتهم لعدم مجانسة أهل الصحو حالاً ومقاماً؛ بأهل المحو. والله وليّ الأمر.

93 ( وبويعت في الحضرة )

على المباعدة عن أصحاب دعوى الولاية والمحو، من الذين تحقق أنهم ليسوا من أهل الإنجذاب والغيبة، فإن أولئك من اللصوص الدجالين، وكأنهم من المقصودين بسر قوله تعالى: ((وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا)).

94 ( وبويعت في الحضرة )

على التباعد كل التباعد عن المتحسنين للناس؛ العمَّالين إذا جلوا، البطالين إذا خلوا، فمصاحبة مثلهم سم قاتل، وربما أثَّرَتْ صحبتهم في النفس فساقتها والعياذ بالله للكسل، وإبطان الإهمال، وإظهار حسن العمل. وقال أهل الله تعالى : من علامات سعادة المريد ثلاثة خصال، الرضا عن الله تعالى، والرضا عن شيخه الدال على الله تعالى، وطرح الإهمال إذا خلا مع الله تعالى. ومن علامات قطيعته - حمانا الله - السخط عن الله تعالى، والسخط عن شيخه، والعمل إذا كان في الملا، والبطالة إذا كان في الخلا اللهم إنا نعوذ بك من القطيعة وأسبابها ونسألك العفو والعافية والمعافاة الدائمة في الدين والدنيا والآخرة.

95 ( وبويعت في الحضرة )

على محبة الأصدقاء الذين يطرحون التكلف، فإن أقبح الخصال التكلف في الصداقة. وقد قيل: عدوّ غير متكلف أخفّ على النفس من صديق متكلف. وقالوا: لا وفاء لمتكلف، ولا صدق لحسود.

96 ( وبويعت في الحضرة )

يتبع إن شاء الله تعالى

الرفاعي
01-11-2019, 11:55 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
ــــــــــــــــ

96 ( وبويعت في الحضرة )

على التلطف كل التلطف بالضعاف المساكين، الذين فعلت بهم ذلّة قلّة النصير فأورثتهم انكساراً وارتباطاً بالله تعالى فربّ آهٍ صَعَد من قلوبهم إلى حضرة الرحمة ففعل مالم يفعله السيف القاطع. اللهم صل على نبي الرحمة، مظهر الرأفة والشفقة (اللهم إِني أسألك فعل الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين، وإذا أردت بعبادك فتنة فاقبضني إليك غير مفتون).

97 ( وبويعت في الحضرة )

على الإنقطاع في العمل عن العمل إلى الله تعالى، انفكاكاً عن رؤية العمل وأين هممنا من العمل الصالح المرفوع إليه سبحانه بيد القبول؟ وما أحسن قول القائل في مناجاته للعليم بحاجاته ومكنوناته!


يامن بك حاجتي وروحي بيديك = أعرضت عن الخلق وأقبلت إليك

مالي عمل صالح أستظهر بـه = سلمت لك الأمر توكلت عليـك


وفي حديث (لن يدخل أحدكم الجنة بعمله) حين قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم جماعة من أصحابه الكرام عليهم الرضوان: ولا أنت يا رسول الله قال لهم: عليه أتم الصلاة وأعم السلام (ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته) وهذا هو القدوة العظمى، والمنَّة الإلهية الكبرى؛ فما بالك بمن همه أكبر منه؟ والأمور بخواتيمها والسلام.

98 ( وبويعت في الحضرة )

على صدق الهجرة في كل عمل يؤول إلى الله تعالى، وإلى خدمة رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم وفي الحديث (فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه) قلت: وهذا الحديث رواه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وعنا به بنص سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امريء ما نوى فمن كانت هجرته) إلى آخر ما ذكرناه فيما مرّ .

99 ( وبويعت في الحضرة )

على طي الإعتقاد الخالص بما أجمع عليه الأشاعرة والماتريدية وعلى حُسْن التوفيق فيما اختلف فيه الطائفتان من المسائل وإنها لجزئية تقبل التوفيق ((وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ)).

100 ( وبويعت في الحضرة )

على تنزيه الله تعالى عن الفوقية والجهة والجسم والمكان ((لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)).

101 ( وبويعت في الحضرة )

على الإيمان بحياة النبي صلى الله عليه وسلم، بل وبحياة جميع النبيين والمرسلين، وأن النبي صلى الله عليه وسلم ذاق الموت بالإنتقال من هذه الدار إلى دار الآخرة، ورد الله عليه روحه فهو في حضرة القرب، عند مليك مقتدر. يفعل بإذن الله في مُلك الله ما يريد، وله التصرف المحض بأمر الله تعالى في مُلك الله وملكوته، وهو سرارة الأزل والأبد، والمعنى المقصود من النوع الآدميّ الانساني، وله الفضل على كل مسلم مؤمن بالله تعالى بعد الله سبحانه، وكل موحد تحت ظل حمايته الظاهرة إن قام وقعد، وهو الشهيد عليه بل وعلى الأُمم، وعليه تعرض الأعمال، وإليه تنتهي الأحوال، وبه تحصل ألآمال، فمن أُلْهِمَ رشده، وآمن بما أقول فقد عرف ما وجب عليه من حق نبيه سيد المرسلين، ومن اندفع عن هذا الاعتقاد فقد انقطع - والعياذ بالله - وإن عوالم الأرواح تأثيراتها في الكون ظاهرة لكل ذي لب نَوَّرَ الله مقلة سره، وها هي تلوح للعارفين أنوارها وتظهر أسرارها، والمبعود في حجاب وإلى الله المآب.

102 ( وبويعت في الحضرة )

يتبع إن شاء الله تعالى

الرفاعي
01-11-2019, 12:13 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
ــــــــــــــــ

102 ( وبويعت في الحضرة )

على إعزاز ما أكرمني الله به، من برهان الولاية المحمدية، والعناية الخاصة النبوية، مع التجرد عن التعزز بها على أحد من المخلوقين، فإن الفعل والقطع والوصل لله تعالى يحكم ما يريد.

103 ( وبويعت في الحضرة )

على مولاة الفقيه الصالح الذي ينشر علمه لوجه الله، وعلى مجانبة الفقيه الذي اتخذ علمه شبكة لصيد الدنيا.

104 ( وبويعت في الحضرة )

على محبة الصوفي التقي، الذي لا يريد فساداً في الأرض ولا علوّاً، المتجرد من رؤية أبيه وجده، وطوره ومقامه، الذي يصير مع الحق أين كان، ولا ينحرف عنه منجذباً باكف أنانيته إلى مصيبة نفسه.

105 ( وبويعت في الحضرة )

على مجانبة المتصوف المتلصص المحجوب بِزِيِّه وأبيه وجده أو شيخه وعمله، فإن ذلك من المتصنمين الذين لا خير فيهم ولا في صحبتهم والعاقبة للمتقين.

106 ( وبويعت في الحضرة )

على إذاعة حكم النعمة الخفية الربانية التي أكرمني الله بها، ومنَّ عليَّ إِحساناً منه وكرماً باقتنائها، وجعلني شيخ بساطها، وصاحب رُواقها، وعارفها ومرشدها، ورَبُّ مأدُبتها وسلطان محفلها قال ربي: ((وأما بنعمة ربك فحدث )).

107 ( وبويعت في الحضرة )

على القطبية العظمى والغوثية الجامعة الكبرى، فحملت رايتها قائماً بحقوق الخدمة، وتحققت بمرتبتي فتفرغت بطرح التصرف والانفراد إلى الله، في مقام العبدية الكاملة، فصح بقائي في طور سيناء القبول.

108 ( فبويعت )

على شأنٍ جامع محمديّ لا علاقة له بالأكوان، وطرت بجناحي العبدية والصدق إلى مقام فوق المقام الأول، وطويت حالي بخرقة خفائي، وَسَيُعْقِبُني هذا الخفاء ظهوراً معنوياً، ويبرز هذا السر المكنون من حضيرة الطيّ إلى جبهة عَلَم النشر، فيطوف القيعان والبلدان وكله كلمة إيمان، وبارقة إحسان يتنبه لها العقول، ويتيقظ لها القلوب، والله يحكم ما يريد.

109 ( وبويعت في الحضرة )

بعد الاستشراق على طوالع هذا المقام المبارك على ما يعود إليه المقام، من طيّ ونشر، وسر وجهر، وطلوع وانطوى، واعوجاج واستوا، ومسامرة ومزاورة، ومغالبة ومظاهرة، ومباعدة ومحاضرة، ومعالنة ومضامرة، في ستة وعشرين ألْف نصٍّ طَوَيْتُ عليها الضلوع، وحفظتها في الذهاب ذخيرة إلى الرجوع، ودُقت نوبة العناية، وضُرب طبل الولاية، ونادى منادي الكرم، ونُشر في المُلك والملكوت العَلَم، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم. والحمد لله رب العالمين.

وهناك:

وانجلا المحضر جزراً بروزياً فمد النور كراراً إلى المدينة لامعه، واستتر عن حضرة ذلك الحضور ببردة القبر الأسعد الأشرف طالعه.


والأرض ترقص والجمال يحفها = ببدائع من حسن ذاك المحضـر

وطوى الجلال من الجمال شهوده = والذات منـه بمسمـع وبمنظـر


وهناك قال لي سيدي ومولاي السيد أحمد الكبير الرفاعي رضي الله عنه : اعتكف هاهنا أسبوعاً، وانظر بعده ما يلقى عليك من أوامر السماء.

فاعتكفت كما أمرني أسبوعاً، ففي ليلة اليوم الثامن رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام راكباً على فرس أبيض، فسلم علي، فرددت عليه السلام، وصليت عليه، وقبلت الأرض بين يديه، فتبسم لي صلى الله عليه وسلم وقال: سر في بلاد الله لتهذب نفسك.

فأصبحت وامتثلت الأمر النبوي، وقمت أكر على ظهري إلى البصرة، وأحوالي تغلبني، وطوارق أسرار السماء تتوارد علي وقد باشرت خدمتي، وتقلدت بالتدلي وحكم التنزل من طريق الغوث وظيفتي فلما دخلت البصرة، قابلني شيخي السيد إبراهيم الرفاعي، فانبسط لي ودعا لي بخير، ومكثت عنده يومين، ثم أمرت بالسير، فسِرتُ في العراق، حتّى خرجت إلى عراق العجم، وانطلقت أخِبُّ القيعان، وأطـوف في البلدان بديـار فارس، حتّى اسـتقصيتُ ( تبـريز ) و( أصـبهان ) و( خراسـان ) و( طهران ). وزرتُ مشاهد الآل الكرام، وأعظمُهم وأشهرهم، بل وسيّدهم وأكبرهم هناك: صاحبُ طوس.

( طوس )


يتبع إن شاء الله تعالى

الرفاعي
01-11-2019, 12:45 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
ــــــــــــــــ

( طوس )

سيّدنا الإمام الهمام، قِبلة أهل الباطن، وليّ الله، العظيم المنزلة والجاه، نائب جدّه رسول الله، السيّد المقدَّم، والبحر المُطَمطَم، عليّ الرضا ابن الإمام موسـى الكاظم، عليهما الرضوان والسلام.

وفي مشهده الكريم وانجلى النِّقاب، وأشرقت القباب، وتصدّر على مِنصّة البُروز من بُطونِ الغِياب سـيّدُنا الإمامُ الحجّةُ المهدي عليه الرضوان والسّـلام، فرجَفَتْ فرائصي لرؤيته، فقال: مرحباً بمنتظِرنا، فقلت طربا ـ وهو يسمع ـ:


قــد أطـلــع الله بـسـمــك الـعــلا = هـلال مـجـدي فـهـو فـوق الـقـمـر

تـرقـبـنـي عـيـن الـعـلا بـالـرضـا = لأنـنـي مـنـتـظــر الـمـنـتـظــر

الـحـمـد لـلــه عـلــى فـضـلــه = قـد حـقـق الـقـصـد وصـح الـخـبـر


فضحك سرورا وقال: اقرأ سورة (( سبح اسم ربك ))، ففيها طمأنينة لروحك، وقوة لحالك، وتثبيت في مقامك. ونفخ في فمي وقال((بسم الله الرحمن الرحيم * الـم * ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين * الذين يؤمنون بالغيب))، ((سلام قولا من رب رحيم))، ((إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون)). صلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه، آمنا بالله، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. ثم قال من لسان الحال: يا مُلَّسْـلَيْن، يا بَلَّمْعَيْن، يا مَنْعَلْهَيْ، يا مانَقُول، يا تَعْلِيمَلْيَا، يا فَوْأَيَس. وأجفر كلمات فهمت منهن كل المقصود، وحمدت الله وشكرته وذكرته وصليت على نبيه المصطفى صلى الله عليه وسلم، وانطوى المظهر النوعي بنسيج الغيبية.

فرجعت من مشهد حضرتي إلي، وخرجت، ففي حال خروجي رأيت في الركن الأيمن الخضر عليه السلام، فأشار إلي، فجئت إليه وفيّ نشطة سرور لا أقدر على الإفصاح بمضمونها، فلما وصلت إلى حضرته، ووقفت تجاهه قال بالفارسية: "اكرد ردانه مي خواهي فرودر قعردرياشو" فعرفت ما أراد، ولاطفته بكلام النسيمي ـ عليه السلام ـ فقلت جواباً عن قعر البحر: "من كنج لا مكانم" فقال:" بسيار خوبست".

ونظرني، فدهشني في تلك النظرة منه حال جليل، فقال لي بالعربية: ما قصدك من قولك: "من كنج لامكانم" ؟ فقلت: قول القائل:


العبد ليس لـه فـي ملـك سيـده = دار، وكيف ورب الدار مملوك؟!


فبش في وجهي وقال: وشاهدك بهذا من الحديث ما هو؟ قلت: "الدنيا دار من لا دار له، ويبنيها من لا عقل له". فقال: هو أنت موفق إن شاء الله! .

وجاء الليل، فنمتُ في زاوية بعيدة عن الحضرة الرضوية، وأنا بين النوم واليقظة، وإذا برجلٍ أسمرَ، حالِكِ اللون، جاء إليّ فهزّني فانتبهت، فقال : يريدونك!. قلت: مَن هم؟ قال: الأحباب.

فقمتُ، حتّى إذا انتهَينا إلى الحضرة، ففُتح الباب، ودخلنا إلى ساحة المشهد، فرأيت جمعيّة عظيمة، وفيها القطب الغوث، وأصحاب الدائرة، وسلطان الحضرة سيّدي وتاج رأسي ومولاي الإمام عليّ الرضا، رضي الله عنه وعليه الســّلام.

فأُحضِرتُ إلى مواجهته، فألبَسَني بيده المباركة خلعة الوَتَديّة من طريق الحال، وقال لي: طُفْ على بركة الله، تحت رايتنا أين ذهبت. وأفاض علَيّ كلّ من رجال الحضرة ممّا أفاض الله عليه.

فابتهجتُ سروراً، وامتلأتُ نوراً، وأردت الانصراف، فأخذني سيدي الإمام الرضا ـ عليه السلام إليه وقال بعد أن نفخ في فمي ـ: ارتبط كل الارتباط بروح ابن أخي السيد أحمد الرفاعي، فهي روح جرت مجراها في حياة قالبها، وهو المسمى في الدواوين: بصاحب الروح الفعالة، والله يهب ما يشاء لمن يشاء.

قلت: أراد بقوله: ابن أخي. أي ابن الإمام السيد إبراهيم المرتضى، أخي الإمام الرضا؛ فإن نسب سيدنا الإمام الرفاعي ينتهي إليه، سلام الله على تلك الأرواح الطيبة أجمعين!.

وانطوى بساط الاجتماع، فأحييت ليلتي بذكر الله تعالى وعبادته.

وفي الصـباح سـرت على البركة مـن الطريق الشرقي من ضواحي (شـادان)، وانتهيت إلى (جوركان)، ومن تلك المفـازات والجـبال لفاً ودوراً إلى (مروروز)، وإلى ( كابل )، و( قندهار)، مثل ما استقصيت (بخارى), و(سمرقند), و(تيموركان)، و(هراة)، واستشملت متطلعاً إلى سواحل بحر (الهند)، وانقلبت إلى (دهلي)، واسـتقبلت مسـتشرفاً أطـوف من واد إلى واد، ما بين (أوجة)، و(حيدرأباد)، و(كلكـتا)، و(بومبـاي)، وانحـدرت منها مرحلة مرحلة، وطـوفة طـوفة إلى ( البحرين )، ومنها إلى ( البصرة )، فقدر الله أن سيدي وشيخي السيد إبراهيم قد توفي، فطفت بمرقده، وانتشقت من عبيق روحه الطاهرة شميم الفتح.

وفي أسفاري التي مرّ ذكرها، ما فارقت شارقة روح السيد أحمد الرفاعي عيني؛ والنبي صلى الله عليه وسلم يأمرني وينهاني، والروح الأحمدية تحل لي مشكلات منازلاتي، ورجال الحضرات تحتفل بي، وعين العناية تنظر إليّ، وكل ولي لله تعالى يواليني، وأنا في مقام صدّيقيّتي أتسلق مراتب المعالي انجماعاً عني، واجتماعاً على الحكم والحكمة ((وكان الله على كل شيء مقتدرا)).

ثم إني من (البصرة) انطلقت الهوينا إلى (سوق الشيوخ)، فواصلت الديار، وكأني لم أكن منها ولا من أهلها! لا أنيس ولا جليس ولا من أعرفه ولا من يعرفني! فسبحان الله العظيم! الأمر كما قيل:


كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا = أنيس ولـم يكـن بمكـة سامـر


وإني طفت في البليدة أسأل أين كانت دار السيد علي بن السيد نور الدين الرفاعي، وهي دار والدي، فما رأيت من يعرف مكانها إلا رجلاً وحداً اسه بندر، جاء إلي فقال: هنا كانت وكان وكان، وذكرني وذكر خالي وأمي وأبي، فبكيت تذكراً للعهد، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا ذكرت مكة أغرورقت مقلتاه الشريفتان الكريمتان بالدموع.


إن في الأوطان معنىً سره = ظاهـر برهانـه للفطـنِ

يأخذ القلب إلى سفح عفـا = ويناجيـه بحـال القَطَـنِ

فمن الذوق التدلي للخفـا = ومن الإيمان حب الوطـن

واندفعت محزوناً إلى ظاهر البليدة، فانجلى لي نور رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ملأ الأكوان، فخشعت إعظاماً لشأنه الشريف عليه الصلاة والسلام، وغبت بمحضره الأنور عني وعن كوني، فخاطبني حبيبي وأنا أسمع وأرى بنص: صل عليَّ صـلاة تجمع مقاصد المصـلين عليَّ من أهل الحضرة فانبسـطت في حضرة شهودي، وقلت بلسان خشوعي منسلخاً عن وجودي:

يتبع إن شاء الله تعالى

الرفاعي
01-11-2019, 12:51 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
ــــــــــــــــ

فانجلى لي نور رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ملأ الأكوان، فخشعت إعظاماً لشأنه الشريف عليه الصلاة والسلام، وغبت بمحضره الأنور عني وعن كوني، فخاطبني حبيبي وأنا أسمع وأرى بنص : صلّ عليَّ صـلاة تجمع مقاصد المصـلين عليَّ من أهل الحضرة فانبسـطت في حضرة شهودي، وقلت بلسان خشوعي منسلخاً عن وجودي :


بسم الله الرحمن الرحيم
ــــــــــــــــ

((إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً)) اللهم إنك سألتنا من أنفسنا ما لا نملكه إلا بك، اللهم فهب لنا منك ما يرضيك عنا. اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته. اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم وترحم على محمد وعلى آل محمد كما ترحمت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم وتحنن على محمد وعلى آل محمد كما تحننت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم وسلم على محمد وعلى آل محمد كما سلمت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.

اللهم صل على محمد النبي وأزواجه أمهات المؤمنين وذريته وأهل بيته كما صليت على إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم صل على لوح رحمانيتك الذي كتبت فيه بقلم رحيميتك ومداد رحموتيتك ((وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ)) اللهم صل على عرش رحمتك الشاملة وبركاتك الكاملة من حيث إحاطة قولك ((وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ)) إنسان عين الكل، في حضرة وحدانيتك، من حيث إحاطة قولك ((يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا * وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا)).

فأنلنا اللهم من بركاته وافتح اللهم أقفال قلوبنا بمفاتيح حبه، وكحل أبصار بصائرنا بأثمد نوره، وطهر أسرار سرائرنا بمشاهدته وقربه، حتى لا نرى في الوجود فاعلاً إلا أنت ومن نوم غفلتنا ننتبه، اللهم صل على كاف كفايتك، وهاء هدايتك، وياء يمنك، وعين عصمتك، وصاد صراطك ((صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ)) اللهم صل على نورك الأسنى المتشفع بالأسماء في حضرة المسمى، فكان معنى مظاهرها الوجودية، من حيث إحاطة علمك وعين أسرارها الوجودية، من حيث إحاطة كرمك ومعنى اختراعاتها الكلية الكونية، من حيث إحاطة إرادتك، ومعنى مقدوراتها الجبروتية، من حيث إحاطة قدرتك وقهرك، ومعنى إنشاآتها الإحسانية، من حيث إحاطة سعة رحمتك، اللهم صل على ميم ملكك، وحاء حكمتك، وميم ملكوتك، ودال ديموميتك، صلاة تستغرق العد، وتحيط بالحد، اللهم صل على الواحد الثاني، المخصوص بالسبع المثاني، السر الساري في منازل الأفق الرحماني، القلم الجاري بمداد المدد الرباني، على طور العقل الإنساني صلاة تتجدد بتجدد رحمتك عليه وانتهاء نورك وسرك إليه، فهو ألِف أحديتك، وحاء وحدانيتك، وميم ملكك، ودال دينك ((أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ)) فقد أخلصت الخالص، القائم بالدين الخالص، وأضفته إليك، فصل يا رب على من قام بما أضفت إليك على التحقيق، فأتم دينك وبلغ رسالتك، وأوضح سبيلك وأدّى أمانتك وأقام البرهان على وحدانيتك، وأثبت في القلوب أحديتك، فهو سرك المصون بهيبتك وجلالك، المتوج بنور أسرارك وجمالك، بل صلّ ربّ عليه على قدر مقامه العظيم لديك، وعلى قدر عزته عليك، اللهم صل على موضع نظرك، ومَظْهر سرك، ومُظهر خزائن كرمك، وعقدة عزك، ومفتاح قدرتك، ومحل رحمتك، ومجد عظمتك، وخلاصتك من كنه كونك، وصفوتك ممن خصصته باصطفائيتك، النبي الأمي، الرسول العربي، الأبطحي القرشى، أحمد الحامدين في سرادقات جلالك، ومحمد المحمودين في بساط جمالك، ألف إبداعك، وباء بداية اختراعك، وواو ودك في إنشاآتك، وألف إبرازك لمخلوقاتك، ولام لطفك في تدبيراتك، وقاف إحاطة قدرتك على خلق أرضك وسماواتك، وسين سرك بين جميع أضداد مبدوعاتك، وميم مملكتك المحاطة بمعلوماتك، سر شهودك، ومظهر جودك، وخزانة موجودك، إمام حضرة جبروتك، المصلي في محراب قاب قوسين أو أدنى، بأحدية جمعه بك في صلواته فجمعته عليك، وخصصته بالنظر إليك، وأخلصته بالسجود بين يديك، وجعلت قرة عينيه في الصلاة الخالصة لديك، فهو المفتض أبكار أسرار مشاهدتك، المقتنص للمعات لمحات نفحات مشاهدتك، كلمتك العليا من حيث الاختراع والابتداع، وعروتك الوثقى من حيث تتابع الاتباع، وحبلك المعتَصَم به عند الضيق والاتساع، وصراطك المستقيم للهداية والإتباع ((مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآَزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً)).

اللهم صل على المتخلق بصفاتك، المستغرق في مشاهدة ذاتك، رسول الحق، المتخلق بالحق، حقيقة مدد الحق ((أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ)) اللهم إنا قد عجزنا من حيث إحاطة عقولنا، وغاية أفهامنا، ومنتهى إرادتنا، وسوابق هممنا، أن نصلى عليه من حيث هو، وكيف نقدر على ذلك وقد جعلت كلامك خُلُقه، وأسماؤك مظهره، ومنشأ كونك منه، وأنت ملجأه وركنه، وملأك الأعلى عصابته ونصرته، فصل اللهم عليه من حيث تعلق قدرتك بمصنوعاتك، وتحقق أسمائك بإرادتك، فانك به ابتدأت المعلومات، وإليه جعلت غايات الغايات، وبه أقمت الحجج على سائر المخلوقات، فهو أمينك خازن علمك، حامل لواء حمدك، معدن سرك، مظهر عزك، نقطة دائرة ملكك، المنفرد بالمشهد الأعلى، والمورد الأحلى، والطور الاجلى، والنور الاسنى، المختص في حضرة الأسمى، بالمقام الأسنى، والنور الأضحى، والسر الأحمى، النشأة الحبيبيَّة، الشجرة العلوية، الثابت أصلها في معادن هيبتك، الناشيء فرعها في سرادقات عظمتك، المزمِّل، المدَّثر، المنذر، المبشر، المكبِّر، المطهر، العطوف، الحليم، المنعوت بمنشور ((لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)). فمشكاة جسمه ومصباح قلبه، وزجاجة عقله، وكوكب سره المتوقد من شجرة النور الممدود من نور ربه، نور على نور، الضمير البارز المستور، في النور الثاني الآخر المضروب به الأمثال في عالم المثال، من نورت يا الله بنوره ملكوت سمواتك وأرضك، مثل نوره كمشكاة فيها مصباح من نوره، المصباح في زجاجة أجساد أنبيائك ورسلك، الزجاجة كأنها كوكب درى سره يوقد من شجرة أصله النور الذي هو من فيض أسمائك، نور على نور، يهدى الله لنوره بنور محمد صلى الله عليه وسلم من يشاء من خلقه ((وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)) الذي بهرت به كليَّة الكونين، وطرزت به الثقلين، وزينت به أركان عرشك وملائكة قدسك، وأدنيته من حضرة جبروتك، وجعلته المتشفع إليك في ملائكتك وأنبيائك ورسلك، فهو باب الرضا، والرسول المرتضى، حقيقة حقك، وصفوتك من خلقك، بنوره حمل عرشك، وبسره رفعت سمواتك، وبسطت أرضك، فهو سماء سمائك، وعناية عيون إحسانك، ومظهر عزك وسلطانك، فأنت العليم به من حيث الحق والحقيقة، فصل رب عليه من حيث حقيقة علمك بذلك، وتحققه لما هنالك، فهو سراج دينك، وكوكب يقينك، وقمر توحيدك، وشمس مشاهدة إحسانك، في إيجاد إنسانك، صل رب عليه صلاة تصعد بك منك إليك، وتعرف في الملأ الأعلى أنها خالصة لديك، صلاة مبلغها العلم المحيط بالكل، تتجدد بكلية ذلك الكل، وسلم اللهم عليه من المقام المختص به تسليما مبلغه ذلك كذلك، والحمد لله على ذلك.

اللهم اجمعنا بك عليك، وارددنا منك إليك، وأرشدنا في حضرة جمع الجمع، حيث لا فرقة ولا منع، إنك أنت المانح الفاتح، تمنح ما شئت من مواهب ربانيتك لمن شئت، ممن خصصته بعنايتك، اللهم إنا نسألك أن تحشرنا في زمرة نبيك، وأن تجعلنا من أهل سنته، ولا تخالف بنا يا مولانا عن ملته، ولا عن طريقته، اللهم كما مننت علينا بالصلاة عليه، فأمنن علينا بفهم الكتاب الذي أنزل إليه لأنه شفاء للمؤمنين، ورحمة للعالمين .

اللهم صل على الشجرة الأصلية النورانية، لامعة القبضة الرحمانية، وأفضل الخليقة الآدمية، أشرف الصورة الجسمانية، معدن الأسرار الربانية، وخزائن العلوم الاصطفائية، صاحب القبضة الأصلية والبهجة السنية، والرتبة العلية.

اللهم فصل وسلم عليه وعلى آله وصحبه بقدر عظمة ذاتك في كل وقت وحين، صلاةً كاملةً، وسلاماً تاماً تنحل بهما العقد، وتنفرج بهما الكرب، وتقضى بهما الحوائج، وتنال بها الرغائب، وحسن الخواتيم، فهو خاتم الأنبياء، ومعدن الأسرار، ومنبع الأنوار، وجمال الكونين، وشرف الدارين، وسيد الثقلين، المخصوص بقاب قوسين، الذي أشرقت بنوره الظلم، المبعوث رحمة لكل الأمم، المختار للسيادة والرسالة قبل خلق اللوح والقلم، الموصوف بأفضل الأخلاق والشيم، المخصوص بجوامع الكلم، وخصائص الحِكَم، الذي كان لا تنتهك في مجالسه الحُرَم، ولا يغضي عمن ظلم، الذي كان إذا مشى تظلله الغمامة حيث ما يمم، الذي انشق له القمر، وكلمه الحجر وأقر برسالته وصمم، الذي أثنى عليه رب العزة نصّاً في سالف القدم، الذي صلى عليه ربنا في محكم كتابه وأمر أن يُصَلَّى عليه ويسلم .

اللهم صل عليه وعلى آله وأصحابه وأزواجه وذريته وأهل بيته ما انهلت الديم، وما جرت على المذنبين أذيال الكرم وسلم .

اللهم صل على أشرف موجود، وأفضل مولود، وأكرم مخصوص ومحمود، سيد سادات برياتك، ومن له التفضيل على جملة مخلوقاتك، صلاة تناسب مقامه العالي ومقداره، وتعم أهله وأزواجه وأوليائه وأنصاره.

اللهم صل عليه وعلى جملة رسلك وأنبيائك، وزمرة ملائكتك، وأصفيائك، صلاة تعم بركتها المطيعين من أهل أرضك وسمائك.

اللهم أنى أعوذ بعلمك من جهلي، وبغناك من فقرى، وبعزك من ذلي، وبحولك وقوتك من عجزي وضعفي، وأعوذ بك أن أُرد إلى أرذل العمر.

اللهم إني أعوذ بمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ برضاك من سخطك ، وأعوذ بك منك، لا أحصى ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك.

اللهم أنى أعوذ بك من منكرات الأخلاق والأعمال والأهواء والأدواء.

اللهم يا من بيده خزائن السموات والأرض عافنا من محن الزمان وعوارض الفتن، فإنا ضعفاء عن حملها، وإن كنا أهلاً لها فعافيتك أوسع لنا يا واسع يا عليم.

اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها، وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة.

اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري، وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي، وأصلح لي آخرتي التي إليها معادي، وأجعل الحياة زيادة لي في كل خير، وأجعل الموت راحة لي من كل شر.

اللهم اجعل خير عمري آخره، وخير عملي خواتمه، وخير أيامي يوم ألقاك فيه.

اللهم لا تجعل عيشي كداً، ولا تجعل دعائي رداً، ولا تجعلني لغيرك عبداً، ولا تجعل في قلبي لسواك وداً، إني لا أقول لك ضداً ولا شريكاً، ولا نداً.

اللهم ارزقني نفسا قانعة بعطائك، موقنة بلقائك، شاكرة لنعمائك، محبة لأوليائك، باغضة لأعدائك.

اللهم وسع عليَّ رزقي في دنياي، ولا تحجبني بها عن أُخراي، واجعل مقامي عندك دائماً بين يديك، وناظراً بك إليك، وأرني وجهك الكريم، ووارني عن الرؤية، وعن كل شيء دونك، وارفع البين بيني وبينك، يا من هو الأول والأخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم.

اللهم صل على محمد كما أمرتنا أن نصلي عليه، اللهم صل على محمد كما هو أهله، اللهم صل على محمد كما تحب وترضى له، اللهم صل على روح محمد في الأرواح، اللهم صل على جسد محمد في الأجساد، اللهم صل على قبر محمد في القبور، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد صلاة تكون لك رضاء، وله جزاء، ولحقه أداء، وأعطه الوسيلة والفضيلة والمقام المحمود الذي وعدته، وأجزه عنا ما هو أهله، وأجزه عنا أفضل ما جازيت نبيا عن قومه ورسولا عن أمته، وصل على جميع إخوانه من النبيين والمرسلين يا أرحم الراحمين.

اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله، وأصحابه وأزواجه وذريته وأهل بيته عدد ما في علمك صلاة دائمة بدوام ملكك.

اللهم صل على سيدنا محمد السابق للخلق نوره، والرحمة للعالمين ظهوره، عدد من مضى من خلقك ومن بقى، ومن سعد منهم ومن شقي، صلاة تستغرق العد، وتحيط بالحد، صلاة لا غاية لها، ولا منتهى ولا انقضاء، وتنيلنا بها منك رضاء، صلاة دائمة بدوامك، باقية ببقائك، إلى يوم الدين، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً مثل ذلك.

اللهم صل على سيدنا محمد الذي ملأت قلبه من جلالك، وعينه من جمالك، فأصبح فرحا مسرورا مؤيدا منصورا، وعلى آله وصحبه وسلم تسليما والحمد لله على ذلك.

اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله صلاة تزن الأرضين والسموات على ما في علمك عدد جواهر أفراد كرة العالم ، وأضعاف ذلك انك حميد مجيد.

اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد النبي الأميّ الكامل، وعلى آله صلاة لا نهاية لها كما لا نهاية لكمالك.

اللهم صل على سيدنا ونبينا ومولانا محمد سيد الأولين والآخرين، قائد الغر المحجلين، السيد الكامل، الفاتح الخاتم، الحبيب الشفيع، الرؤف الرحيم، الصادق الأمين، السابق للخلق نوره، والرحمة للعالمين ظهوره، عدد من مضى من خلقك ومن بقى، ومن سعد منهم ومن شقى، صلاة تستغرق العد، وتحيط بالحد، صلاة لا غاية لها ولا انتهاء ولا انقضاء، صلاة دائمة بدوامك، باقية ببقائك، وعلى آله وصحبه وأزواجه وذرياته وأصهاره وأنصاره وسلم تسليما كثيرا مثل ذلك.

اللهم صل على سيدنا محمد الفاتح لما أُغلق، والخاتم لما سبق، وناصر الحق بالحق، والهادي إلى الصراط المستقيم، وعلى آله حق قدره ومقداره العظيم.

اللهم صل على سيدنا محمد وآله، صلاة أهل السموات والأرضين عليه، وأجر يا مولانا لطفك الخفي في أمري، وأرني سر جميل صنعك فيم أؤمله منك يا رب العالمين.

اللهم صل على سيدنا محمد بحر أنوارك، ومعدن أسرارك، ولسان حجتك، وإمام حضرتك، وعروس مملكتك، وطراز ملكك، وخزائن رحمتك، وطريق شريعتك، المتلذذ بمشاهدتك، إنسان عين الوجود، والسبب في كل موجود، عين أعيان خلقك، المتقدم من نور ضيائك، صلاة تدوم بدوامك، وتبقى ببقائك، لا منتهى لها دون علمك، صلاة تحل بها عقدتي، وتفرج بها كربتي، صلاة ترضيك وترضيه وترضى بها عنا يا رب العالمين عدد ما أحاط به علمك وأحصاه كتابك، وجرى به قلمك.

اللهم صل على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم .

اللهم صل وسلم على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد ما اتصلت العيون بالنظر، وابتهجت الأرضون بالمطر، وحج حاج وأعتمر، ولبى وحلق ونحر، وطاف بالبيت العتيق وقبل الحجر.

اللهم صل على سيدنا ومولانا محمد وعلى آل سيدنا ومولانا محمد ميم المجد، وحاء الرحمة، وميم الملك، ودال الدوام، السيد الكامل الفاضل، الفاتح الخاتم، وعلى آله وأصحابه وأزواجه وذريته وسلم، عدد ما هو في علمك كائن أو قد كان، كلما ذكرك وذكره الذاكرون وغفل عن ذكرك وذكره الغافلون، صلاة دائمة بدوام ملكك، باقية ببقائك، لا منتهى لها دون علمك انك على كل شيء قدير.

اللهم اجعل أفضل صلواتك أبداً، وأنمى بركاتك سرمداً، وأزكى تحياتك فضلا وعدداً، وأسنى سلامك أبداً مجدَّداً، على أشرف الخلائق الإنسانية والجانية، وشمس الشريعة النبوية، وطراز الحلة العرفانية، وناصر الملة الإسلامية، نبي الرحمة الذاتية، وعين العناية الربانية، وعروس الحضرة القدسية، وإمام الرسل والملائكة، وإمام المملكة البشرية، الخليل الأعظم، والحبيب الأكرم، والنبي المكرم، وأفضل من توضأ وتيمم، وصلَّى وسلَّم، وبالعقيق تختم، إمام مكة وطيبة والحرم، نبيك العظيم، ورسولك الكريم، المنادى إلى الصراط المستقيم سيدنا وحبيبنا وطبيبنا ومولانا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم، النبي الامى وعلى آله وأصحابه وأزواجه وذرياته وعلى سائر الأنبياء والمرسلين وعلى آلهم وصحبهم أجمعين.

اللهم فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم أنى أعهد إليك في هذه الحياة الدنيا أنك أنت الله لا إِله إِلا أَنت وحدك لا شريك لك، وأن محمد عبدك ورسولك، فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين إنك أن تكلني إلى نفسي تقربني من الشر، وتبعدني من الخير، فاني لا أثق إلا برحمتك، فاجعلها لي عندك عهدا توفينيه يوم القيامة إِنك لا تخلف الميعاد.

اللهم يارب محمد وآل محمد صل على محمد وآل محمد وأجز محمداً صلى الله عليه وسلم ما هو أهله.

اللهم إِنى أسألك بحبك له الذي أثبته، وبقسمك بعمره الذي شرفته وفضلته، وبمكانه منك الذي به خصصته واصطفيته، أن تجازيه عنا أفضل ما جازيت به نبيا عن أمته، وتؤتيه من الوسلية والفضيلة والدرجة الرفيعة فوق أمنيته، وتعظم عن يمين العرش نوره بما نوَّرت به من قلوب عبيدك، وأن تضاعف في حضرة القدس حبوره بما قاسى من الشدائد في الدعاء إلى توحيدك وأن تجدد عليه من شرائف صلواتك ولطائف بركاتك وعوارف تسليمك، وكرامتك ما تزيده به في عرصات القيامة إكراماً، وتعليه به في عليين مستقراً ومقاما، اللهم وأطلق لساني بأبلغ الصلاة عليه والتسليم، وأملا جناني من حبه وتوفية حقه العظيم، وأستعمل أركاني بأوامره ونواهيه في النهار الواضح والليل البهيم، وارزقني من ذلك ما يبوؤنى جنات النعيم ويستغرقني برحمتك وفضلك العميم، ويقربني إليك زلفى في ظل عرشك الكريم ويحلني دار المقامة من فضلك ويزحزحني عن نار الجحيم، ويعطيني شفاعته يوم العرض ويوردني مع زمرته على الحوض، ويؤمنني يوم الفزع الأكبر يوم تبدل الأرض غير الأرض، وأرفعنى معه في الرفيق الأعلى واجمعنى معه في الفردوس وجنة المأوى، وأقسم لي أوفر حظ من كأسه الأوفى وعيشه الأصفى، وأجعلنى ممن شفى غليله بزيارة قبره وتشفى، وأناخ ركابه بعرصات حرمك وحرمه قبل أن يتوفى، والسلام الأكمل مردداً زائداً على القطر كثرة وعدداً عليك منى يا نبي الهدى، المنقذ من الردى، ينتاب ضريحك المقدس سرمداً، ويصعد إلى عليين مع روحك الطاهرة ما تطارد الجديدان وتطاول المدا، ورحمة الله وبركاته أبداً، تحية أدخرها عندك عهداً وموعداً، وأعدها إن شاء الله بعقبات الصراط معتمداً، وفى غرفات الفردوس معهداً، وأخص بأثرها الجليسين ضجيعيك في تربك، وأخص الناس فى محياك ومماتك بقربك، وكافة المهاجرين والأنصار، وعامة أصحابك الذين عزروك وأيدوك ونصروك، وكان بعضهم لبعض ظهيرا، والطيبين من ذريتك، والطاهرات أمهات المؤمنين أزواجك، أهل بيتك الذين أذهب الله عنهم الرجز وطهرهم تطهيراً.

اللهم صل وسلم على سيد السادات ومراد الإرادات، محمد حبيبك المكرم بالكرامات، المؤيد بالنصر والسعادات، السر الظاهر، والنور الباهر، الجامع لجميع الحضرات، صاحب لواء الحمد الذي هو مفتاح أقفال الأغطية الإلهيات، الأول في الإيجاد والوجود، ومن به ختم أمر النبوة والرسالة واستودع نور عين العنايات، سيد أهل الأرض والسموات، الفاتح لكل شاهد حضرة المشاهد، الذي أُسرى بجسمه الشريف الحاوي لجميع الكمالات، وروحه المقدسة العالية إلى أعلى المقامات، وخاطبته يا رب وأكرمته بأعظم التحيات، النور الأبهر، والسراج المنير الأزهر، القائم بكمال العبودية وبأتم العبادات صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه صلاة وسلاما لا يبلغ حصر عددهما أهل الارضين والسموات.

اللهم صل على سيدنا محمد صلاة لاحقة بنوره، مقرونة بذكره ومذكوره، جامعة بين فرحه وسروره، شارحة لمنقوله في مسطوره.

اللهم صل على سرك الجامع الدال عليك محمد المصطفى كما هو لائق بك منك إليه، وسلم عليه، وأجعل لنا من صلواته صلة تعم بها شهودنا، وتحقق بها مشهودنا، ومن سلامه سلامة لكل ما ظهر منا وما بطن، من شوائب الإرادات والاختيارات والتدبيرات والاضطرارات، لنأتيك بالقوالب المسلمة، والقلوب السليمة، حسبما هو لديك من الكمال الأقدس والجمال الأنفس.

اللهم صل على ملائكتك المقربين، وعلى أنبيائك المطهرين، وعلى أعيان عبيدك المرسلين، وعلى حملة عرشك، وعلى جبرائيل وميكائيل واسرافيل وملك الموت ورضوان خازن جنتك ومالك ورومان ومنكر ونكير وصل على الكرام الكاتبين، وصل على أهل طاعتك أجمعين من أهل السموات والأرضيين.

اللهم صل على فاتح خزانة الذروة الكلية الربانية الإلهية القدسية، بالخاتمية العنبرية الندية المسكية الخاصة العامة المحمدية الكاملة المكملة الأحمدية.

اللهم فصل على هذه الحضرة النبوية الهادية المهدية الوسيلة بجميع صلواتك التامات، صلاة تستغرق جميع العلوم بالمعلومات، لا نهاية لها في آمادها، ولا انقطاع لإمدادها، وسلم كذلك على هذا النبي المبارك.

يا سيدنا يا رسول الله أنت المقصود من الوجود، وأنت سيد كل والد ومولود، وأنت الجوهرة اليتيمة التي دارت عليها أصداف المكونات، وأنت النور الذي ملأ إشراقك الأرضين والسماوات، وبركاتك لا تحصى ومعجزاتك لا يحدها العد فتستقصى، الأحجار والأشجار سلمت عليك، والحيوانات الصامتة نطقت بين يديك، والماء تفجر وجرى من بين إصبعيك، والجذع عند فراقك حن إليك، والبئر المالحة حلت بتفلة من بين شفتيك، ببعثتك المباركة أمنا المسخ والخسف والعذاب، برحمتك الشاملة شملتنا الألطاف فرفع الحجاب، شريعتك مقدسة طاهرة، ومعجزاتك باهرة ظاهرة، أنت الأول في النظام، والآخر في الختام، والباطن بالأسرار، الظاهر بالأنوار، وأنت جامع الفضل، وخطيب الوصل، وإمام أهل الكمال، وصاحب الجمال والجلال، والمخصوص بالشفاعة العظمى، والمقام المحمود العليّ الأسمى، وبلواء الحمد المعقود، والكرم والفتوة والجود . عُبَيْدٌ من مواليك يتوسل بك في غفران السيئات، وستر العورات وقضاء الحاجات، في الدنيا وعند انقضاء الأجل وبعد الممات، ياربنا بجاهه عندك تقبل منا الدعوات، وارفع لنا الدرجات، وأقض عنا التبعات، وأسكنا أعلى الجنان، وأبح لنا النظر إلى وجهك الكريم في حضرات المشاهدات، واجعلنا معه مع الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين أهل المعجزات، وأرباب الكرامات، وهب لنا العفو والعافية مع اللطف في القضاء أمين يارب العالمين.

اللهم بك توسلت، ومنك سألت، وفيك لا في سواك رغبت، لا أسأل منك سواك، ولا اطلب منك إلا إياك أتوسل إليك بالوسيلة العظمى، والفضيلة الكبرى محمد المصطفى، والرسول المرتضى، والنبي المجتبى أن تصلي عليه صلاة أبدية ديمومية قيومية إلهية ربانية تصفينا بها من شوائب الطبيعة الآدمية بالسحق والمحق وتطمس بها آثار وجودنا الغيرية عنا في غيب غيب الهوية، فيبقى الكل للحق في الحق بالحق، وترقينا بها في معاريج شهود وجود ((سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ)) وأسألك أن تصلي عليه صلاة تليق بمقدس كماله الأقدس، وتصلح لكبير مقامه الأنفس، وتحف قائلها بشهود جماله الأونس، بمعانٍ تفوق أنس ظباء الحي في المكنس، صلاة تنيلنا بها حقيقة الاستقامة في حظائر قدسك، ومقاصير أنسك على أرائك مشاهدتك، وتجليات منازلتك، والهين بسطعات سبحات أنوار ذاتك، معطرين بأخلاق حقائق دقائق صفاتك، في مقعد حبيبك وخليلك وصفيك الجمال الزاهر، والجلال القاهر، والكمال الفاخر، واسطة عقد النبوة، ولجة زخار الكرم والفتوة سيدنا ومولانا وحبيبنا وطبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم وأن تصلي عليه وعلى آله صلاة تفرّج بها عنا هموم حوادث الإختيار، وتمحو بها ذنوب وجودنا بماء سحب القربة حيث لا بين ولا أين، ولا جهة ولا قرار، وتغيبنا بها في غياهب عيون أنوار أحديتك، فلا نشعر بتعاقب الليل والنهار، وتُحقِّق لنا بها سماح رباح شروح فتوح حقائق بدائع جمال نبيك المختار، وتُلحقنا بها بأسرار أنوار ربوبيتك في مشكاة الزجاجة المحمدية، فتضاعف أنوارنا بلا أمد ولا حدّ ولا إحصار، وتحسّن بها أخلاقنا، وتوسّع بها أرزاقنا، وتزكي بها أعمالنا، وتغفر بها ذنوبنا، وتشرح بها صدورنا، وتطهر بها قلوبنا، وتروح بها أرواحنا، وتقدِّس بها أسرارنا، وتنزّه بها أفكارنا، وتصفي بها أكدارنا، وتنور بها بصائرنا بنور الفتح المبين، يا أكرم الأكرمين، يا أرحم الراحمين، وتنجينا بها من هول يوم القيامة ونصبه، وزلازله وتعبه، ياجواد ياكريم، وتهدينا بها الصراط المستقيم، وتجيرنا بها من عذاب الجحيم، وتنعمنا بها في النعيم المقيم، وتطفىء بها عنا وهيج حر القطيعة ببرد يقين وصالك، وتلبسنا بها أنوار غرر تبلج رونق مجد كمالك، في الحضرات العندية، والمشاهد القدسية، منخلعين عن ذوات البشرية بلطائف العلوم اللدنية، وسرائر الأسرار الربانية، وجواهر الحكم الفردانية، وحقايق الصفات الإلهية، وشرايع مكارم الأخلاق المحمدية. يا الله يا الله يا الله. نسألك بدقائق معاني علوم القرآن العظيم، المتلاطمة أمواجها في بحر باطن خزائن علمك المخزون، وبآياتك البينات الزاهرات الباهرات على مظهر لسان عين سرك المصون أن تذهب عنا ظلام وطيس الفقد بنور أنس الوجد، وأن تكسونا حلل صفات كمال سيدنا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم نور الجلالة، وأن تسقينا من كوثر معرفته رحيق تسنيم شراب الرسالة، وأن تلحقنا بالسابقين في حلبة التوفيق الفائزين بالأكملية في كل خُلُق أنيق في الرفيق الأعلى مع الذين أنعمت عليهم بمواهب أنوار بهائك الأجلى على بساط صدق المحبة مع الأحبة محمد صلى الله عليه وسلم وحزبه.

ياذا الفضل العظيم، والعطاء الجسيم، والكرم العميم. بحرمة هذا النبي الكريم، وأسألك أن تصلي وتسلم عليه صلاتك وسلامك في طي علمك الأزلي، وسابق حكمك الأبدي، صلاة لا يضبطها العدّ، ولا يحصرها الحدّ، ولا تكفيها العبارة، ولا تحويها الإشارة، سطع فجرها بحظه الأنفس على أفراد الفحول فأبهت وأبهر، ولمع نورها بفيضه الأقدس على ذوي العقول فأدهش وحيرَّ، صلاةً وسلاماً ينزلان من أفق كنه باطن الذات إلى فلك سماء مظهر الأسماء والصفات، ويرتقيان من سدر منتهى العارفين إلى مركز جلال النور المبين مولانا محمد عبدك ورسولك عِلْمِ يقين العلماء الربانيين، وعين يقين الخلفاء الصديقين، وحق يقين الأنبياء المكرمين، الذي تاهت في أنوار جلاله أولوا العزم من المرسلين، وتحيَّرت في درك حقائقه عظماء الملائكة المهيمين، المنزل عليه بلسان عربي مبين ((لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ)) صلاةً وسلاماً يجلاّن عن الحصر والعدّ، وينزهان عن الدَّرك والحدّ، صلاة وسلاماً يبلِّغان قائلهما أعلا درجات خلاصة أهل الله المقربين، وينيلانه زلفى مراتب أولياء الله المخلصين بمواهب ((وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ)) في المكانة العليا، والغاية القصوى، فوق عرش الاستوا بتراكم تمكين ((إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ)) يا رب يا الله يا باسط يا فتاح يا حليم يا ودود نسألك عواطف الكرم، وفواتح الجود، أقل عثراتنا من كثائف وجودنا المظلمة بالبعد منك، واغفر لنا بنور قربك، ونعِّمنا بصفاء ودِّك، وطهرنا من حدث الجهل بالعلم الإلهي، واتحفنا بالحب الربانيّ، والوصل المعنوي كمن اصطفيته حتى أحببته، واعطنا مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر مما أعددت لعبادك الصالحين، والأئمة المرضيين، أولي الاستقامة واليقين. يا بر يا لطيف. يا كافي يا حفيظ. يا مغيث يا واسع العطايا وياسابغ النعم. نسألك بنور وجهك الكريم العظيم المبرَّة الجامعة من نور كمال سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، مصطفى عنايتك، وأن تتحد ذاتنا بذاته المقدسة بجلالك، وتتحقق صفاتنا بصفاته المشرَّفة بمحبتك، وتبدل أخلاقنا بأخلاقه المعظمة بكرامتك، فيكون عوضاً لنا عنا، فنحيى كحياته الطيبة النقية، ونموت كموتته السوية الرضية، واجعل محبته في القبور لنا سراجاً منيراً وبهجة، وعند اللقاء عُدّة وبرهاناً وحجة، أشهد أن لا إله إلا الله توحيداً ذاتياً صمدانياً مهيمناً على البواطن والظواهر، أزليّاً أبديّاً مستولياً على الأوائل والأواخر، وصفيّاً سارياً كشفيّاً بمشارق الكمال الباهر، غيبيّاً عينيّاً جارياً بمنافذ النور السافر، إسمياً مالئاً أدوار الآثار والمآثر، جالياً طوالع الأسرار في الدوائر، ذاتيّاً ينزل بالأوتار في الأشفاع، وينتقل في أفراد الأعداد بالفرقان والاجتماع، فيه سلطان لاهوتية، قهار لناموس الناسوتية يسلب العقول والأبصار تنطوي تحت برازخ أحديته أسرار التفصيل والإجمال وتنزوي في ظل واحديته أدوار الإنفصال والإتصال، استوت به عروش الصفات على قوائم الأسماء، وأحيط فروش القوابل بسور الظهور الأحمى، واستدار على حقائق الملكوت، واستنار ببواهر أضواء الجبروت لنقطة كل عالم، ومن طلعته ازهرت كواكب آدم، أمدّ بلطائف الجمعيات طوائف الأكوان، واستضاء في أصداف الأوصاف بلوامع الرحمن . رجعت إليه أوامر الرغبوت غيباّ وظهوراً، وهمعت منه مواطر الرحموت مطوياً ومنشوراً.

اللهم فبحق السورة المتلوَّة بلسان البيان عن حضرة القدم، وستره المجلوَّة فيه عرائس الحقائق والحِكَم، أنزل صلاة وِصْلَتك السبوحية من عرش إسمك الأعظم على واحد عوالم تجلياتك القدسية الأكرم، نوراني المشارق والمغارب، صمداني الوجهة بك إليك في المآرب والمطالب، لوح نقوش سرك المحيط الجامع، روح هياكل أمرك اللدني الواسع، لسان الأزل المفيض بكل ما شئت، خزانة رتبة الأبد المعدَّة لكل ما أردت، الأول القابل لأنواع تعيناتك العلية على اختلاف شؤونها، الآخر الخاتم على كنوز امدادتك الزكية في ظهورها وبطونها، العبد القائم بسر الغيب والإحاطة بغايات الوصل، الناظر بعين الذات فلا كيف ولا مثل، فاتحة كتب الهيئات والصفات، والآيات البينات، سر الباقيات الصالحات الدائمات، الحبيب المحبوب الذي عنده المطلوب، وسلم باسمك السلام الممد القيومي عليه منك معك دائماً ما دام كل ما كان وكل ما يكون، وبقي تعيين أحديتك في الظهور والبطون، وأشرف جمال شهودك على عوالم أمرك في الحركة والسكون، وانفقت من خزائن مواهبك ما شئت من سرك المصون، وبطن عن إدراك كل أحد من خلقك ما كتمت من أمرك المكنون. آمين. سبع مرات ((دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)).

اللهم ياعليّ ياعظيم ياحليم ياكريم ياغفور يارحيم إنا نتوسل إليك بجاه هذا السيد الكامل، الذي من جميع خلقك اخترته واصطفيته، وبجميع المكارم خصَّصته واحببته، أن تُميتنا على الإيمان والاسلام، وأن تسعدنا به وبلقائك يارحيم يارحمن ياسلام، واجعل اللهم ما مننت به علينا في جميع هذه المواهب التي وهبتها لنا بلجاً في قلوبنا، ومحواً لذنوبنا، ونوراً في يقيننا، وقوة في إيماننا، وتزكية لأعمالنا، وذخراً لآخرتنا، وارحم بها والدينا واخواننا وأشياخنا وكل من انتمى إلينا ولا تؤاخذنا بذنوبنا وسوء أفعالنا، وعاملنا بما أنت أهله من الجود والكرم يا أرحم الراحمين .

اللهم إنا نتوسل إليك بك، ونسألك ولا نسأل غيرك بحقك وحق نبيك، أن تُميتنا على ملته وأن تحشرنا في زمرته وتحت لوائه وعنايته، وأن تغفر ذنوبنا وأن تستر بمنك عيوبنا، وأن تطهِّر من صدأ الغفلة قلوبنا وأن تتجاوز عنا وعن سيئاتنا وأن تهون علينا سكرات الموت وما بعده من فتنة القبر والحشر، والأهوال العظيمة التي لا يسعها حملنا ولا ضعفنا إلا ما كان من عفوك وجودك ورحمتك، فأنت الجواد الكريم الغفور الرحيم والصلاة والسلام التامان الأكملان على سيدنا ومولانا محمد الذي انعقدت له العزة في الأزل، وانسحب فضلها إلى ما لم يزل وعلى آله وأصحابه وأزواجه وذريّاته وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين .

( ثم اني بعد هذه الصلواة الشريفة ختمت حضرتها بالفاتحة )

بين يدي حبيبي صلى الله عليه وسلم فنظر إليَّ ضاحكاً والبشرى تلوح في وجهه الشريف عليه أكمل الصلاة وأتم السلام. وقال لي: هي مقبولة بك، ومن يداوم عليها مقبول بقبولك.

فحمدت الله تعالى وصليت على النبي صلى الله عليه وسلم، فالتفت إليّ رجل بجانبه الكريم

يتبع إن شاء الله تعالى

الرفاعي
01-11-2019, 01:04 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
ــــــــــــــــ

فحمدت الله تعالى وصليت على النبي صلى الله عليه وسلم، فالتفت إليّ رجل بجانبه الكريم أظنه عليّ بن أبي طالب عليه الرضوان والسلام فقال له أنا أُحب حزب الوسيلة للسيد أحمد الرفاعي، ثم نظر إلي فقال أسمعه إياه، فجثوت على الركب واغمضت عينيّ وباشرت قراءة حزب الوسيلة على القاعدة التي قرَّرها صاحب الحزب رضي الله عنه.

وذلك أن يبتدأ ويختتم بفاتحة مخصوصة للنبي صلى الله عليه وسلم ولإخوانه النبيين والمرسلين وآل كل وصحب كل أجمعين.

وبفاتحة لروح سيدنا السيد أحمد الرفاعي رضي الله تعالى عنه ولذريته وعشيرته وإخوانه أولياء الله أجمعين، ولكل المسلمين.

ـــــــــــــــــــــ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (1)

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5) اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6)

صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7). آمين.

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ

وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ.

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4). عدد ثلاث مرات

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1) مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ (2) وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ (3) وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ (4) وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ (5). عدد ثلاث مرات

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1) مَلِكِ النَّاسِ (2) إِلَهِ النَّاسِ (3) مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ (4) الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (5) مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ (6). عدد ثلاث مرات

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (1)

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5) اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6)

صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7). آمين.

اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. عدد ثلاث مرات

اللهم فارج الهم كاشف الغم مجيب دعوة المضطرين رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما أنت ترحمنا فأرحمنا رحمة تغنينا بها عن رحمة من سواك .

سبحانك لا إله إلا أنت يا وارث كل شيء يا حي يا قيوم. يا ذا الجلال والإكرام. يا أرحم الراحمين. يا أرحم الراحمين. يا أرحم الراحمين. يا الله. يا علي. يا عظيم. يا صمد. يا فرد.

يا واحد. يا أحد. يا من بيده الخير وهو على كل شيء قدير. نسالك قلباً خاشعاً، ولساناً ذاكراً، وجسماً عابداً، وعقلاً متفكراً، وعلماً مؤيداً، ونسألك شكراً صحيحاً، وسراً مليحاً، ونيةً طاهرةً، وسريرةً صابرةً، وتوكلاً خالصاً عليك، ورجوعاً في كل الأحوال إليك، واعتماداً على فضلك، واستناداً لبابك، يا عالم السر والنجوى، يا كاشف الضر والبلوى، يامن تفزع إليه قلوب المضطرين، وتعول عليه همم المحتاجين،

اللهم إن الخطايا سودت قلوبنا، وفضيحة الغفلة أظهرت عيوبنا، ومصيبة الإصرار أثقلت كروبنا وكلما أرادت عزائمنا نشاطاً طمها الكسل، فأقعدها على الأعقاب، وكلما انتهزت هممنا فرصة الإنابة، صدها الحظ فأغلق دونها الأبواب، خابت الآمال إلا منك، وساءت الأعمال إلا بك، وقبحت العزائم إلا إليك، وشين التوكل إلا عليك، يا أمان الخائفين، يا غياث المستغيثين، يا مجيب دعاء المضطرين، يا كاشف كربة المكروبين،

نسألك اللهم فك أقفال قيودنا، وكشف حجب وجودنا، وإماطة ظلمة الغفلة عن قلوبنا، وإسبال ذيل الستر بيد الكرم على عيوبنا،

نسألك اللهم بمعاقد العز من عرشك، وبمنتهى الرحمة من كتابك، وباسمك العلي الأعلى، وبكلماتك التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر، وبإشراق وجهك أن تصلي على سيدنا محمد وآله وصحبه وذريته، وأن تحفنا بألطافك الخفية، حتى نرفل بحلل الأمان من طوارق الحدثان، وعلائق الأكوان، وأشراك الحرمان، وغوائل الخذلان، ودسائس الشيطان، وسوء النية، وظلمة الخطية، والملابسات الكونية، والمعارضات النفسانية، يامن ترفع إليه أكف الداعين، وتخشع لعظمة سلطانه قلوب اللاجين، يامن نفذت سهام قدرته في ذرات الموجودات، وذلت لجبروت دولته أصناف الحادثات، وقامت حجة لاهوته على كل ناسوت، وتفردت كلمة فعله في الملك والملكوت، يامن جاءتك قوافل القلوب على مطايا الهمم وقرعت أبواب إحسانك أكف الحاجات في خلوات الإنكسار بحنادس الظلم، هذه رواحل هممنا قد أبطل سيرها صادم الهم ولا صارف له سواك، وهذه أكف حوائجنا تدق أبواب كرمك فارغة من أهبة الأدب، ولا يملئ جيب فقرها غير نداك لا حجة للعبد على سيده فالرحمة الرحمة للمعترفين بانقطاع الحجج والمثقلين بسوء البضاعة، الغوث الغوث للمنكسرين الذين طمتهم الخجالة، ولا تقوى تقربهم منك ولا طاعة، يا حيلة من لا حيلة له، يا وسيلة من لا وسيلة له، كل الحيل إذا لم تعضدها إرادتك فهي فاسدة، وكل الوسائل إذا لم يسعفها إحسانك فهي كاسدة، يا أمل كل آمل، ويا منتهى كل واسل، العناية العناية يا من فرج كرب يعقوب، الإغاثة الإغاثة يا من كشف ضر أيوب، الإعانة الإعانة يامن أعان بالفرج لهفة الخليل، الغارة الغارة يامن أراش بالرحمة جناح جبريل، لك أفزع وبك عني أدفع وأمنع وباذيال أستار رحموتك أتعلق وبفضاء أعتاب كرمك ورأفتك أتذلل، وأتملق، فأنقذني بيد إسعافك، من وهدة الذل والقطيعة، وانشلني بجاذبة حنانك ورحمتك من جب الهفوة والوقيعة، وامنحني قلباً لا ينصرف في آماله إلا إليك، ولباً لا يعول في أحواله إلا عليك، وثبتني على بساط المعرفة بقوة التوحيد واليقين، وأيدني بك لك بما أيدت به عبادك الصالحين.

اللهم سلكني طريق نبيك المصطفى سيد المقربين الأحباب، وأوزعني أن أشكر نعمتك بإتباعه عليه الصلاة والسلام بطريقه الحق والصواب .

اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع، وعمل لا يرفع، وقلب لا يخشع، ودعاء لا يسمع.

اللهم إني أشكوا إليك ضعف قوتي، وقلة حيلتي وهواني على الناس يا أرحم الراحمين إلى من تكلني إلى عدو يتجهمني أم إلى صديق ملكته أمري إن لم يكن بك سخط علي فلا أبالي، غير أن عافيتك أوسع إلي. أعوذ بنور وجهك الكريم الذي أضاءت له السموات، وأشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والأخرة أن تحل علي غضبك، أو تنزل علي سخطك. لك العتبى حتى ترضى ولا حول ولا قوة إلا بك، ولا فرار من لاحق قدرتك إلا إليك فأدركني برحمتك التي ترفع حجب المقت والصد عن الخائفين مما كسبت أيديهم، وأغثني بعنايتك التي تلحق بطرف العين أطراف العبيد بأشراف مواليهم وانظرني بعين منتك التي تسرع بالعرجاء فتجعلها للسليمة محسودة، وعاملني بعوارف الطافك التي تبرز الذرة المطموسة الخاملة فتصيرها للأعلام مقصودة الوحا الوحا، العجل العجل، غوثاه غوثاه. يامن ينقذ الصارخ من غلبة امواج البحر المسجور حين لا منقذ تتشوفه همته. يا من يفرج كربة الصريع بين يدي الأسد المفترس في البر الأقفر حين لا مفرج تحن إليه سريرته. أي موجد المعدومات وهو لا يتغير في كل حال. أي معدم الموجودات وهو منزه عن الحركة والإنتقال. أي خالق الأسباب وهو القائم بها بالعلم والتقدير. أي مبرز عجائب الخوارق عند اليأس الأدهم وهو على كل شيء قدير. أي من يقطع حبل المتوسد عرش الأمن منه الغافل عنه نتيجة بلا مقدمة. أي من يصل زمام المنقطع إليه المستمسك به من طور مقدمته المنصرمة. الرحمة الرحمة. فإني لما أنزلت إِلَيَّ من خير فقير. الفرج الفرج، فإن تيسير العسير عليك يسير. اللهم آمن روعتي، واستر عورتي، واحفظ أمانتي واقض ديني.

اللهم اغفر لي ذنبي ووسع لي في داري وبارك لي في رزقي.

اللهم اجعل لي لساناً ذاكراً وقلبا شاكراً، اللهم إغفر لي وارحمني والحقني بالرفيق الأعلى. العياذ العياذ. يامن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف الضر. الملاذ الملاذ. يامن يرحم القطيع، ويجبر الكسير، ويسير خلقه في البر والبحر، يا من يُرْهب ولا يُرى وآياته مشهودة، يا من يُتْحف ولا يُرى وموائد مدده ممدودة، يا من هو بكل شيء محيط، وهو على كل شيء قدير . يا نعم المولى ويانعم النصير. انصرني بعز نصرك الذي نصرت به موسى، وأعذت به عيسى، وشملت به يوسف، وأغثت به يونس، وأيدت به عبدك ورسولك محمداً صلى الله عليه وعليهم أجمعين وسلم .

سبحانك! كم مرة سّورت علي جبال الأكدار، وحلقّتها عليّ سوائق الأقدار، وانتحى عني الخليل وقلاني الجار، وتلكأت عند خطابي ألْسُن الخلان، وكثر الشامتون وعز الأعوان، وانقطعت الحيلة، وبطلت الوسيلة، فتوجهت إليك توجه الغريق للعاصم، وقلت يا (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) فأخذتني إلى فضاء الفرج بعز لطفك أسرع من رمشة العين، وأقعدتني في مهد الحنان على سرير الإمتنان بعد أن كنت ضجيع الحين. (لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ).

صل اللهم على حبيبك ونبيك ورسولك وعبدك وصفيك وخليلك سيدنا محمد الذي جعلته كعبة الوسيلة، وكنز الفضيلة، وباب الحاجات، وسلم الرقايات، وحجتك على الخلق، وباب قربك الذي لا يغلق، ووسيلة الكل إليك، ودليل الكل عليك، آية الكرم التي محت الشكوك وجعلت غوغاء الغواية مندفعة، وغياهب ظلمة الضلال ممزقة، وجبال حنادس الشقاء متصدعة، بحر الفضل المتلاطم الأمواج، وحصن العون الشامخ الأركان الإلهي الأبراج، طه العطاء، يس الهدى . الرحمة العظمى، المنة الكبرى، سلطان دولة (دَنَـا فَتَدَلَّى) قائد زمزمة عرمرم (مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى) قاموس التبيان المنظم على تركيب رموز الألواح السماوية، ناموس الفرقان المحكم بكل حادثة عالمية . نسألك اللهم به وبإخوانه السادة المحبوبين النبيين والمرسلين، وبآله خاصتك من ذراري أنبيائك المعظمين، وبإصحابه خيرتك من أصحاب عبيدك المرسلين المكرمين، وبتابعيهم ومحبيهم وبأوليائك الصالحين، وعبادك المؤمنين من لدن نبيك وصفيك آدم عليه السلام إلى يوم الدين .

ونسألك بكلماتك التامات ما علمنا منها وما لم نعلم، وبأسمائك العظيمة كلها ما علمنا منها وما لم نعلم .(رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا). واجعل لنا منك بعظمة سلطانك فتحاً ومدداً، وأترع حياض قلوبنا بماء الإيمان الكامل، وأوصلنا بك حتى نسلم من دنس الجهل، ودعوى الفعل والقطع والوصل، ونرجع إليك ونلتفت إيمانا بك عن كل نبيل وخامل، واحفظنا من بين أيدينا ومن خلفنا بحفظك الذي لاخوف بعده، واجعلنا من المطمئنين بالتوكل عليك، العارفين بغامض شأن ( أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ) بلى كفاه وحده وأعز جنده.

اللهم حققنا بحقيقة الصديقية، وارزقنا حلاوة اليقين بصدق النية، وخالص الطوية، ولا تكلنا لأنفسنا ولا لأحد من خلقك طرفة عين، وأقم على سرائرنا رقيب التوحيد حتى لا ندخل أحداً في البين.

اللهم بك كل شيء ومنك كل شيء، وأنت القادر على كل شيء، لا بعدك شيء ولا قبلك شيء، يامن ليس كمثله شيء، دارك ذلنا بعزك، وفقرنا بغناك، وعجزنا بقدرتك، وضعفنا بقوتك، وذنوبنا بمغفرتك،

ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

فلما أتممته كما ذكر، صليت على النبي صلاة جامعة، فيها إشارة للجمع الأتم في المحضر الأكمل، وسكت.

فقيل لي إذ ذاك: نعم الوسيلة حزب الوسيلة من داوم عليه يكون في حصن حصين من حصون الله، لا يساء، ولا يمسه السوء بإذن الله تعالى، لا في حياته، ولا في مماته، ويكون مرعي الجناب بعين عناية الله ورسوله الكريم صلى الله عليه وسلم.

( فائدة )

يتبع إن شاء الله تعالى

الرفاعي
01-14-2019, 02:21 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
ــــــــــــــــ

( فائدة )

الدعاء من سهام الغيب، يطنب وتر قوس القلب به، مشدود العزم، شديد العزيمة، خالص الهمة، فيرمى به من فضاء الغيب إلى فضاء الغيب، فتأخذه يد الإجابة وتضرب به هدفه، ولا بد أن يصيب، ولكن سرعة تأثيره بنسبة صدق العزيمة، وصحة القصد، والتحقق بذلة العبدية، في محاضرة التوجه إلى السيد العليم، الذي يفعل ما يريد وهو على كل شيء قدير، ولا يتم إلا بالاعتماد الخالص على الله تعالى، اعتماداً يجزم بحصول الإجابة ضميره، ويكشف ظلمة الشبهة والتردد نوره، مع الانسلاخ من الذنوب بالتوبة والرجوع إلى الله تعالى، وإن ثمرة الدعاء إظهار الفاقة بين يدي الله تعالى، وإلا فهو يفعل ما يريد، هكذا نص شيخ الطوائف، إمام الرجال، مولانا السيد أحمد الكبير الرفاعي رضي الله عنه وقال منبهاً على الإقلاع عند الدعاء عن الذنوب بالتوبة:


كيف نرجو استجابة لدعاء = قد سددنا طريقه بالذنوب؟!


وقال على طريق دعاء مثله الخالصين المجردين من الأغيار، عليهم سلام الملك الجبار:


قلوب زوت كل الوجودات وانطوت = على صدق قصد بالدعاء لمولاهـا

فرد عليهـا لهفـة السـر بالرجـا = وأكرمهـا فيمـا أرادت وأعطاهـا

ولمـا إليـه بالدعـاء توجـهـت = أماط حجاب البعد عنهـا وحيَّاهـا

وقربهـا حتـى أقامـت ببـابـه = بأمن وباللطف السمـاوي أحياهـا

وأتحفها إسعاف مـن قـد أحبهـا = ومـزق مـن رام العلـو فعاداهـا


وقد جرب أهل القلوب، طائفة طائفة، وطبقة طبقة، أن من انكسرت إلى الله به قلوب أرباب القلوب لا يفلح أبداً، وذلك لصدق عزائمهم، وصحة حالهم مع الله تعالى، وفي إشارة معنى التخلي لاستقطاف ثمرات التجلي بمحاضرات السر غبت فقلت:


طرق السر مـن البرهـان مـا = قام في السـر وأبـدى الحِكَمـا

وروى عن منبع الفائـض مـن = موج بحر الإنجـلا مـا التطمـا

مـدّ فـي زاويـة القلـب وفـي = كلهـا مـن غيـر نـدٍّ حكـمـا

ورمـى نبـل شـؤون فعـلـت = فتـعـالـى الله! اللهُ رمـــى

لمعـت نـار الحمـى واشغفـي = للحمى! مذ لمعت نـار الحمـى

قسمـاً باللمعـة الأولـى التـي = هي مرمـاي وعـزت قسمـا!

أنـا مسلـوب بمجلـى حُسنهـا = حيـن حلـت بالبـروز العَلَمـا

كلمـا شـارف مجلاهـا الخفـا = هيـجّ القلـب المعنّـى كلـمـا

رفرف الطـور بشرقـي اللـوى = شاقنـي والكـون منـي انعدمـا

ومناجاتـي بمـوسـى نشـأتـي = مذ تلاشت أوضحت لي الرقمـا

خر موسى العزم منـي صعقـا = ووجـودي ذاب والدمـع هـمـا

وتداعيـت كأنـي لــم أكــن = لا, ولا الهيكـل منـي انتظـمـا

يـا لتنسيـق فـنـاء عمـنـي = فكأنـي فـي نِساقـات العمـا!

فطويت النـوع عـن باصرتـي = وزويت الأرض عنـي والسمـا

أي معنى في شهـودي لاح لـي = هدرت في أرضه الكبرى الدِّمـا!

وإشـارات بسيـنـاء الـهـدى = كشفـت بالنـور عنّـا الظُّلـمـا

وضميـر طفـح النـور بــه = مُذ رأى برق الشهود اضطرمـا

عارض العـارض دمـع هامـع = فانطوى حيـن الحبيـب ابتسمـا

وسـمـاء لألأ الـبـدر بـهـا = نحوها العزم مـن السـرّ سمـا

فكما طالـت لهـا العـزم علـى = نوعهـا طـال ارتقـاء وكـمـا

ومذ الديبـاج مـن روض الرُّبـا = بسـطـت أطـرافـه واتسـمـا

وأطاريـز الزهـور انتسـجـت = وبهـا الطيـر انبساطـاً رنَّمـا

والسجاجيـد لديـوان الحـمـى = فُرشت والحـزب سـراً نمنمـا

وسرى الحادي بعيس القـوم مـا = أثقلـت بالخـطـو إلا دمـدمـا

فهنـاك انظـر ترانـي سابـقـاً = لحبيـبـي أستطـيـر القَـدَمـا

موجـد الأشيـاء بـاق دائـمـاً = وخيـال كـل مـا قـد زُعمـا

طَـرَقَ القـوم لعمـري طُرقـاً = وتبـوأت الطـريـق الأقـومـا

وحَّد اللهَ الرسول المصطفى (ص) = وانتظمـنـا بـهـداه مثـلـمـا

هـو أسـرار الهـدى علّمـنـا = فاعتقدنـا كلمـا قــد علَّـمـا

فبـه طرنـا ليـافـوخ الـعـلا = وبمـا علّـم صـرنـا العُلـمـا

وهدمنـا بِيَـعَ الغـيـر ولــم = نتّخذ فـي الدِّيـن يومـاً صنمـا

كـل مــا أبــرزه الله لـنـا = لـم نصيـرّ شـأنـه مكتتـمـا

والـذي حكمـاً طـوى مظهـره = لـم نجـده قــط إلا مبهـمـا

وإذا قلـنـا بتعظـيـم امــرِئٍ = فهـو تعظيـم لمـا قـد تعظمـا

وحـدود الشـرع فينـا أمرهـا = حاكـم يعلمـه مــن علـمـا

صاح خذ من شريعة الهادي الهد = ى واتخذهـا للمعـالـي سلـمـا

ودع الأكـوان لا تعـبـأ بـهـا = واعبـد الله ودع مــن ظلـمـا

وخـذ القـرآن نــورا بيـنـا = وظلوم حـاد عنـه فـي عمـا

واتصـل بالله مــن فرقـانـه = فالـذي فارقـه قــد فصـمـا

واجعل السُنَّـة حصنـا عاصمـا = عز نهج المصطفـى معتصمـا!

فعلـيـه الله فــي أكـوانــه = كلمـا صلـى بـشـأن سلـمـا


وفي ذلك المقام، رأت باصرتي بنظرها الكرار انفكاك أولي النفوس المغمورين بالهوى عني، وانكبابهم على أهل الشـفوف المصبَّغة والثياب النقية الفاخرة، من أصحاب الحظوظ النفسانية، والدعاوي الكاذبة العريضة، ونوديت: أفصح الحكم، وأوضح سـر المشهد بما يُفتح عليك به. فقلت بما فتح به، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.


تركونـا أي قـوم تركـوا؟ = وبركبان النفـوس انسلكـوا

ورأوا خرقتـنـا بـالـيـة = وعلى أهل الشفوف انحبكـوا

سلكوا وهما علـى آرائهـم = ليتهم إذ سلكوا ما سلكـوا!

مازجتهم أنفس من نوعهـم = صحح النوع لهـا المشتبـك

جهلونـا لاختـلاف بَّـيـن = ورأوا منهاجنـا فانوركـوا

نحن آيات مضامين الهـدى = وعلينا في البرايـا الـدرك

نحن سر الله في هذا الـورى = ولنا في كـل سـر شَـرَكُ

من يد التوفيق مسـت قلبـه = فهو مشغـول بنـا منهمـك

والذي حارَبَنَـا حَـارَ بِنـا = مثلما قال البصيـر المـدرك

وحد الأقـوام قـولا ربهـم = ورأوا غيراً فجهلاً أشركـوا

من يرى الأغيار في أفعالهم = هو لا شك البعيـد المشـرك

نحن آمنَّـا بمـن صَّورنـا = فليدر كيـف أديـر الفلـك

شيخنا الغوث الرفاعي الـذي = نَهْجُهُ لُبُّ الهـدى والنسـك

نـاب طـه فأتانـا مرشـداً = لطريق ضـاء فيـه الحلـك

فتبعناه علـى الأثـر وقـد = حُط عن خمص هُدانا الحبك

وعلى هـام العـلا ديواننـا = بسلاطيـن الحمـى محتبـك

نعبـد الله ولا نعبـد مــن = يهلكنهم دهرهـم أو هلكـوا

زخرف القول كوى أبصارهم = فعموا وافتتنوا بـل هتكـوا

زعم التصريف رغماً للقضا = أعين فيها العمـى مشتبـك

عجزهم لولا القضا في نعلهم = ظاهر إن قُدَّ منهـا الشـرك

مُلْكُ ربي هـو فيـه مالـك = رغم من قد مُلِكوا أو مَلَكُـوا

قِدَمُ الله عـلا عـن حَـدَثٍ = جلَّ بارينـا القديـمُ الْمَلِـكُ


سبحان الله! يا أمة العمى والوهم، تتبعون الأوهام، وتفارقون الأحكام، وتظنون أن أعمالكم من الإلهام، وأن مشايخ أوهامكم من أُولي الأفهام، يدَّعون القطع والوصل رغما للقدر، ويظهرون العقد والحل بما ليس من طرق البشر، والموت ملاقيهم، وقد رآه قدمائهم، وشرب كأسه كبراؤهم، فما أغنى عنهم تبجحهم ولا شطحهم من الله شيئا.

العبدية عجز دون القدرة، والوليّ رهين القدر، يفعل بالقدر، يصـول بالقدر، يقول بالقدر، لا ينطق حتى يُنطَّق، يرجو رحمة ربه في كل حال ومآل له ولمن أحب، ولا يملك من الله شيئاً، ولا يملك لنفسه ضراً ولا نفعاً ذكر الترمذي في (سننه) عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما أنه قال: لما ثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم هبطت وهبط الناس المدينة، فدخلت على رسول الله وقد أصمت فلم يتكلم، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يضع يديه عليّ ويرفعهما، فأعرف أنه يدعو لي، وهذا من الأحاديث الحسان.

فهذا السر الأعظم، علة آدم، والسبب الكليّ في نشأة العالَم، وهذا حبه وابن حبه، وقد حاضره في حضرة الجمع الأكمل، الذي بها يليق له عليه الصلاة والسلام أن يقول ويصول ويفعل، وقد أُصمت، فسبحان من أصمته عن الأكوان لينطقه به!.

وهناك فما أشار إلى نفسه الطاهرة المقدسة، ولا ضمن فوق القدر، ولا زاده جمعه إلا كمالاً، فرفع يديه بالدعاء، وتوجه إلى الله بشأن حبه وابن حبه، وهو هو محمد الوجودات، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.

فأين أنتم أيُّها المتشيخة؟ وأين مشايخكم؟ كلما أنتم فيه وهم دهم الفهم، وظلمة أوهمت الفهم، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

فلما أتممت الكلام وسكت، برق من جانب الوادي الأيمن المقدس بارق الانكشاف الملكوتي، فرأيت صفوفاً من عباد الله المخلصين المصـطفين، الذين ورثهم الله هدي الأنبياء والمرسلين والصحابة والتابعين، وهم من كل فج يثجون، ومن كل حدب ينسلون، وإليَّ يهرعون، وعليَّ في طريقة الله يعولون، وبي يتعلقون، وعن غيري لله بالله ينفكون، فقلت: آمنت بالله!:


قوم نراهـم وصلـوا = لنـا وفينـا اتصلـوا

وعن سوانا أعرضوا = كمـا علينـا أقبلـوا

وفي طريق المصطفى = على هدانـا عوَّلـوا

وسرَّهـم وجهرهـم = بنا لعمـري شَغَلُـوا

فعلِـمُـوا وعمِـلُـوا = وأقبـلـوا وقُبـلُـوا

وعظَّمـوا فَعُظِّمـوا = وبجَّـلـوا فبُجِّـلـوا

وأدركتهـم نفـحـة = تمحـق فيهـا العلـل

فأدركـوا بسـرّهـا = العليـا وتـمَّ الأمـلُ

فيـا أمِيـنَ أمـرِنـا = متى إليـك هرولـوا

فَصَفِّهـم وصُفَّـهُـمْ = بالصف أين رحلـوا

وقل لهم سيروا على = هذا الهدى واشتغلـوا

وطيّبوا الأرض بنشر = مـا طويـهُ الرجـلُ

فنهجـه كـان عليـه = المصطفى والرسـل

وعلمه مـن عِلْمِهـم = وحـالـه والعـمـل

ونوبـة الختـم لـه = وهو الأميـن البطـلُ


وظهر لي من كرم الله تعالى في حضرة ذلك الإنكشاف ما قرَّت به عيني، وامتلأ به من الفرح قلبي، وطاب به - ولله الح وظهر لي من كرم الله تعالى في حضرة ذلك الإنكشاف ما قرَّت به عيني، وامتلأ به من الفرح قلبي، وطاب به -ولله الحمد والشكر- سري وقفلت من هناك أكرّ إلى:

((( بغداد )))

يتبع إن شاء الله تعالى

الرفاعي
01-14-2019, 03:12 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
ــــــــــــــــ


((( بغداد )))

دار السلام فدخلتها صباح يوم خميس. وانتهيت إلى الجانب الغربي منها، فنمت في دار مسجد هناك فرأيت السيد الكبير مولاي أبا العلمين رضي الله عنه فقال: لي الآن يجيئك إلى هنا رجل لله فيه عناية هو من ذريتي خذ منه إجازة الطريق ليكمل التسلسل فهو واحد من الأبدال مقاماً اسمه (عبد الله) واسم أبيه (أحمد) وهو يفاجئك بالخطاب، فقمت مذعوراً من منامي، وإذا أنا برجل ربعة من القوم، حسن المنظر، لطيف الذات، شديد التواضع أقبل إليّ فسلم وجلس، فقال: السؤال ما هو عيب أنا إسمي عبد الله وأبي إسمه أحمد، ونحن من أهل (راوة) من السادة الرفاعية، فمن أنت؟ وما اسمك؟ وما اسم أبيك؟ ومن أي بلد؟ ومن أي أعمام؟ فعرفته وقلت له: أنا عبد من عبيد الله مسكين إسمي محمد مهدي واسم أبي علي وأصلنا من ( سوق الشيوخ ) من بني عمك السادة الرفاعية، فأخرج من جيبه ورقة الإجازة مكتوبة كلها غير محل الاسم، فقال اكتب اسمك بيدك فإن هذه للإمتثال، وإلا فأنت شيخ الزمان، فاستغفرت ربي وحمدته وشكرته، وكتبت إسمي وأخذت منه الإجازة باصولها المعروفة عند القوم، واشتغلت على يديه بالذكر لتحصل لي بركة السلوك، واعتكفت في الجامع، وهو يعاودني أياماً فأراد بعدها الرجوع إلى (راوة) فودعته وانصرف راشداً مهدياً، وبقيت بعده أياماً ثم أني أمرت بالخروج إلى:

((( سُرَّ مَنْ رَأَى )))


فوصلتها، وزرت الأئمة الأعلام بها، وانتشقت من ثرى أعتابهم مسك القبول، وفي حضرتهم المباركة رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم فقال لي: مرحباً بك يا (أبا المكارم) جدد، جدد، جدد. فقلت: عليك أشرف صلوات الله وأتم تسليماته يا رسول الله تأمرني بالتجديد وأمرك المطاع. أتأمرني أن أظهر؟ فقال لي: عليه الصلاة والسلام لا بل قف في تجديدك مع الخفا. التجديد هو: ان تُفرغ هذه الحِكَم المحمدية المفاضة إليك في قلب من يُفْرغها في قالب الزمان، فيهدي الله بنوره من يشاء، ثم أدناني منه عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام وأمرني بفتح فمي ففتحته ونفخ في فمي وقال حالة النفخ: بسم الله الرحمن الرحيم. فنفخنا فيه من روحنا. بسم الله الرحمن الرحيم. فنفخت فيه من روحي. بسم الله الرحمن الرحيم يا عوالم الله سينشر هذا الطيّ تدبري يا قلوب أهل القبول معاني هذا النشر، وقابليه يا وجوه أهل الوجاهة بالبِشْر. صلى عليك الطيبون، وأحبك المحبوبون، واتبعك الراشدون المهديون. اللهم صل على محمد وآل محمد، فصعدت روحي إلى كل ملأ في عوالم العلا تكنفه حضرة من الحضرات المحمدية، ودليلي نور حبيبي رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تبدل المشهد فرجعت إليَّ وانقلبت إلى أهلي في عاصمة وجودي مسروراً، وانحدرت إلى (تكريت) ومنها قمت على قدم الغيبوبة عن الكل إلى:

((( راوة )))

فاستقبلني شيخي السيد عبد الله بن السيد أحمد الراوي الرفاعي عطر الله مرقديهما، وصبَّ سجال عفوه ورحمته عليهما، فحنا عليّ حنو الوالد، بل أزيد وبسط لي بساط الانبساط، وفعل كل ما يفعله المحب الخالص لمحبوبه من البر والشفقة، وبعد أسبوع رأيت هناك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي: عليه الصلاة والسلام المدينة اشتاقت إليك، فاستيقظت وقد طار قلبي إلى الأرجاء المدنية والأنحاء اليثربية، وقلت:


خذونـي إلـى أرض المدينـة اننـي = جعلـت إليهـا غدوتـي ورواحــي

وإن قلتمـوا وفَّـى الركـاب فإنـنـي = أطيـر علـى وجهـي بغيـر جنـاحِ

غبوقي إذا الحادي حدى العيس بإسم من = بيثـرب أنـي والصَّبـوح نـواحـي

وروحي رواحـي للضواحـي بطيبـة = أُردد فيـهـا بكـرتـي وصبـاحـي

وتذكار تلك الأرض رحـي وراحتـي = وبغيـة قلبـي وانـبـلاج نجـاحـي

وقـرة عينـي وابتهاجـي وشجوتـي = وتجويـد فرقانـي ونـور صلاحـي

أهيم بسكـري صاحيـاً عنـد ذكرهـم = فلسـت بسكـرانٍ ولسـت بصاحـي


وودعت شيخي ( السيد عبد الله ) فبكى بكاءً كثيراً، وقال قدس الله سرّه ونوَّرَ قبره:


ودَّعت من أهوى وعز الملتقى = يا عجباً من بعدها متى اللقا؟

فأخذ قلبي مني، وغَيَّبَني عني، وكدت أذوب كمداً، وحزناً لما شارفني من حال قلبه طيب الله مرقده وأنار سموات القرب عند فرقده آمين.

وخرجت من راوة، حتى إذا بعدت عنها أكثر من ساعة هب نسيم مستشرق يستشمل فتذكرت قول شيخ مشايخنا ( الإمام سراج الدين الرفاعي ) ثم المخزومي رضي الله عنه يوم ودَّع شيخه القطب السيد جمال الدين السليمي الرفاعي رضي الله عنه، فخاطبت به النسيم ممتثلاً أقول:


يا نهلة الراح بل يا نسمـة الريـح = روحاً فروحي إلى من عندهم روحي

وان تريحي على أعتابهـم سحـراً = فروحيهـا بريـح مـن تباريحـي


وبكيت بكاءً زائداً، ووجدت وجداً عظيماً وطرقني حزن غيَّبَني ثم حضرت فقلت:


أشـكــو إلــى الله تـبـاريــح الـهــوى = ومـا طـواه الـقـلــب مــن آهِ الـنــوى

أُحَـمِّــل الـريــح سـلامــاً طـيِّــبــاً = لـجـيـرة الــوادي بـشـرقــي الـلــوى

هـب الـنـسـيــم فـطــوى بـنـشــره = تـذكـارهـم فـيـا بـروحـي مــا طــوى

الـحـب مـحـمـول عـلـى الـقـصـد بـه = وإنـمــا لـلـمــرء حـقّــاً مــا نــوى

يــا قــوم لـلــه طـويـنــا حـبـكــم = عـلـى قـلـوب طـبـعـهـا تـرك الـسـوى

فـعـامـلــوهــا كــرمــاً بــرأفــة = تـصـونـهـا مـن أجِّ نـيــران الـجــوى

بـالانـكـســار قَـرَعَــتْ أبـوابــكــم = والانـكـســارُ دأب أصـحــاب الـهــوى


وجلست مستقبلاً (راوة) اشم نسيم الأحباب، وإذا بالخضر عليه السلام فقمت لقدومه، فبدأ بالسلام فرددت عليه السلام وقبلت كُمَّ ثوبه، فقال سلام الله عليه، بارك الله بك عملت بحال الصديقين وأديت العهد حقه، لا يفلح مريد لا تكون له مع شيخه هكذا رابطة، وأنا (الحمد لله) شيخي محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتقدمت إليه وقلت: أي سيدي هو صلى الله عليه وسلم شيخ كل مسلم، فقال صدقت، ولكن تلك الطريقة العامة، والتي أنا أشرت إليها الخاصة وغاب عني فقمتُ أسوقُ مطيةَ العزمِ بعصا العزيمة أترقى وأتسافل، وأتسافل وأترقّى، ومعي إلى المدينة زفرات أشواق برّحَت بي وكذلك إلى أن أتيتُ إلى الديار الخابورية ودخلت:


((( الدير )))


يتبع إن شاء الله تعالى

الرفاعي
01-15-2019, 07:13 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
ــــــــــــــــ

((( الدير )))

(أي مدينة دير الزور) رافضاً ما سوى الإسلام، مشغوفَ القلب بمحبة الحبيب الأعظم عليه الصلاة والسلام، وفي الدير زرتُ مرقدَ الإمام السيد محمد ويُعرف بأبي عابد العبادي الحسيني سلام الله عليه؛ وقد كنت زرتُه قبلها فحنّتِ الأرواح بعد المشارفةِ لتذَكُرِ عهود المعارفة:


معاهدُ أرضٍ طيّبَ اللهُ نشرَها = تقابلها أبصارُنـا بالتشـارفِ

فتبصرُ نوراً من وجوهٍ شريفةٍ = تحنُ لها الأرواحُ حنّ التعارفِ


ونمتُ بحضرته المباركة، فرأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم جالساً على سرير من فضة وتحت نظره الكريم حلقةُ ذكرٍ. شيخُ الحلقةِ فيها السيد أحمد الرفاعي رضي الله عنه، فأشار إليَّ بأصبعه الشريفة عليه من الله أفضل الصلاة وأتم السلام، فتقدمتُ إليه صلوات الله عليه فقال لي: صِرْ حاديَ القوم وامدح جدك السيد أحمد بحدْوِكَ لنسمع فتوسطتُ الحلقة وقلتُ منشداً: (يا رسول الله المدد):


بنورك يا خيرَ النبيين نهتـدي = ونختمُ فيك الواردات ونبتـدي

بوجهك نستسقي الغمامَ ونجتلي = مطالعَ نورِ الحقِ في كل مشهدِ

بساطُك مبسوطٌ لكـلِ مؤيَـدٍ = وذيلُكَ منشورٌ على كلِ سيِّـدِ


ثم استفضتُ وقلتُ ممتثلاً للأمر على طرز عادة الأحمدية بالذكر :


مصباحُ الجمال = عنوانُ الجلالِ

الغوث الرفاعي = سلطان الرجالِ

تاج الأولياء = عِزُ الضعفاءِ

غوث الفقراءِ = ينبوع الكمالِ

مقتدى الأئمة = شيخ كل الأمة

كَشَّاف المهمة = حلال العقال

السيف المهند = والسهم المجرد

سيف العرجا أحمد = محمود الخصال

سيد الأقطاب = موئل الأجباب

ملجأ الطلاب = ممدوح الفعال

أمه البتول = جده الرسول

سيفه مسلول = يوم ضيق الحال

فردُ أهل الله = رُكن أهل الجاه

ذو القلب الآواهِ = والمقام العالِ

كاشف التقييد = عن حما التوحيد

كافل المريد = حامِلُ الأثقال

فاتح الأبواب = ناصر الكتاب

حُجةُ الأنجاب = ملجأ الأبــدال

مَرجِع الأفراد = مَقصِد الأوتاد

سيد الزهاد = قائد الأبطال

نال السر المخفي = يوم لَثْمِ الكف

وعلا بالوصف = كل غوثٍ عال

ذكـرُهُ كالـحِـرزِ = أو كتِبْـرِ الكـنـزِ

وهو شمـسُ العـزِ = في سمـا الإقبـالِ

بالنفـسِ الرفيـعـةْ = أحسـنَ الذريـعـة

جــدّدَ الشريـعـة = بالعـزمِ الفـعّـالِ

هدّ ركـنَ الشطـحِ = بصحيـحِ الفـتـحِ

وأتــى بالمـنْـحِ = لـذوي الأحــوالِ

مجـدُهُ إذ يُحسَـبْ = للرسـولِ يُنـسَـبْ

وهو السيفُ الأشطبْ = للـعـدوِ الـقــالِ

مُلحِـقُ الممـلـوكِ = بـعـزِ المـلـوكِ

وهو فـي السلـوكِ = كعـبـة الآمــالِ

أوحـدُ الأخـيـارِ = وارث المـخـتـارِ

نائب الكرار = في كلِ الخِلال

ترجمان الخلق = عن رسول الحق

شمس قُطْر الشرق = كوكب المعالي

فالرضا يغشاه = من ندى مولاه

ما سَمت علياه = قبةَ الهلال


فكان النبي صلى الله عليه وسلم يتمايل طرباً، وأسمعه يقول لرجلٍ أمامه: أنا أمرتُه بمدح السيد أحمد الرفاعي، فقال الرجل: مدْحُ الولدِ مدحُ الوالدِ يا رسول الله. فضحك عليه الصلاة والسلام، وكان سيدي السيد أحمد مطرقاً بتلك الحضرة الرفيعة متوجهاً إلى الجناب النبوي لا يلتفت يميناً ولا يساراً. فلما أخذ القومُ حصتَهم من الحال، أشار إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتقدمتُ إليه فقال: مباركٌ أنتَ ومن مدحتَ، إني أحبكما وأحب من يحبكما. فخدمتـُه بالصلاة والسلام عليه، فألبسني ـ عليه من ربه أفضلُ الصلوات وأشرف التسليمات ـ طاقيةً بيضاءَ، وقال: تحت هذه الغوثيةُ والقطبية. وتبسم فبرق لي منه نور استوعب كلي، ونظر إلي نظر رأفة ورحمة، فطاب قلبي وداخلَ سري من الحال النوراني والأمر الرباني ما لا أقدر على أداء تعبيره، واستيقظت مبتهجاً بإحسان المصطفى عليه الصلاة والسلام.

وظُهْرَ ذلك اليوم...................


يتبع إن شاء الله تعالى

الرفاعي
01-15-2019, 07:39 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
ــــــــــــــــ

وظُهْر ذلك اليوم قمت على البركة أسير من طريق الصحراء من قبيلة إلى قبيلة، حتـى انحـدرت من طريق (تدمر) إلى (القطيفة)، ومنها إلى (دوما)، تم إلى (دمشق)، وأقمت بصالحيتها أياماً وأنا أطوف على مراقد الأنبياء والأولياء والزهاد والعباد، عليهم جميعاً السلام والرضوان.

وبعد أيام يسيرة انحدرت إلى (دمشق)، وكان يوم انحداري إليها يوم جمعة، فصليت الجمعة بجامع بني أمية، وبعد الصلاة قمت اذكر الله إلى العصر، ثم بعد صلاة العصر ذكرت الله إلى المغرب، ثم بعد المغرب ذكرت الله إلى العشاء، تم بعد العشاء انصرفت اذكر الله أريد المبيت، فرآني عبد حبشـي من الصالحين، فأخذني معه إلى مكان له بخان هناك، فبت معه تلك الليلة، ففي النوم، رأيت القطب الغوث صاحب الزمان محتفلا بجنازة شـيخي السـيد عبد الله الراوي قدس الله سره، ومعه جماعة من أهل الديوان.

وقد أضيفت خدمة شيخي من طريق المقام إلي بإذن من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعرفت حينئذ ما شارف روح شيخي طيب الله روحه يوم الوداع، وقد أقامني الحزن وأقعدني، وقلت به وإياه أعني:


كانـوا ربيعـا للقلـو = ب وجنـةً للأعـيـن

ووسيلة لأولي الطـري = ق إلى المقام الأحسـن

وقضوا كراماً طيبـيـ = ـن وعيشهم عيش هني

فازوا بقـرب مليكهـم = وركائبهـم لـم تنثـن

طبعوا على الذكر القلو = ب وناطقـات الألسـن

وسروا لحضرة أنسهم = وتوسطوا الرحب السني

وأنـا أقـول وركبهـم = يسري بهـم: ياليتنـي


وقمت في الصباح مذهول القلب والخاطر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وقد تواردت علي واردات الأنس من قبل روح النبي صلى الله عليه وسلم جبراً لخاطري، ورحمة بي، ورأفة بانكساري، وشملتني العناية المحمدية بأنواع آيات الكرم، وخطفني ذلك المشهود إلى حظيرة ذلك الشهود، فقلت لنفسي حين وارد أنسي:


خذ شهوداً من شهـود الكائنـات = وأمط عنـك صنـوف الحجـب

والتفـت للبارقـات البـارزات = من خيـام الغيـب ذات الطنـب

وهـذه الآيـات آيـات الجمـال = أبرزت سلطـان عنـوان بديـع

وجلـت فينـا أفانيـن الجـلال = فطوت في وسط الصيف الربيـع

ومحت بالـذات ألـواح المثـال = لبصيـر ذي اعتبـار وسمـيـع

تلـك آيـات الشهـود البينـات = محكمات ضمـن خيـر الكتـب

اقـرأ اللـوح البيانـي الأتــم = وافهم المنشور في طي الصحاف

وعن العـرب تخلـى والعجـم = وأجد في كعبة الحسن المطـاف

وإذا قمـت علـى بـاب الكـرم = فامتثل وامحق صدودات الخلاف

وعلى طور المعانـي الـواردات = قـم لأربـاب النهـى بالعجـب

هـذه أنـوار محبـوبـي روت = خبر الذات على مجلـى العيـان

وتجلـت مـذ تـدلـت وزوت = عن أولي الألباب اوهام الكيـان

نشرت كـل المعانـي وطـوت = مع سر النشـر علـم الـدوران

وبقـرآن المثانـي المحكـمـات = مزجت شرق الهـدى بالمغـرب

خل عنك الكون ياهـذا اللبيـب = وتبتـل شاخصـاً نحـو القمـر

وافهم المضمون بالرمز العجيب = وانتفع من نظم مـا زاغ البصـر

فإذا أتحفت من وجـه الحبيـب = بعيان الحسن في عيـن النظـر

فابتهـج بالباقيـات الصالحـات = واكـرع الفتـح جزافـا وطـب

أنـا والحمـد لوهـاب الجميـل = قـد أقـر الله عينـي بالشهـود

وانجلى لي مظهر الأنس الجليـل = فزوى عني علاقـات الوجـود

وبدى المدلول في عيـن الدليـل = وسرت أنـوار أقمـار السعـود

وبأفـق الباديـات الخافـيـات = شمس عـزي أبـدا لـم تغـب

دق طبل السعد لي في الحضرتين = ثانـي اثنيـن التدلـي ثالـثـي

وعلى العهـد أمَـامَ الأحمديـن = ثابـت مـا خلتنـي بالنـاكـث

وبمجلـى طـور رب العَلَمَيـن = قمت للهـادي بثـوب الـوارث

فتدلـى فـيّ آثـار الصـفـات = من طريق الذات يـوم الموكـب

يا مريدي سر على هـذا القـدم = فـهـو والله أمـيـن العاقـبـة

ودع الأعلاق واهجر مـن ظلـم = والتمس نـور النجـوم الثاقبـة

وخـذ المعنـى الجلـيّ المكتتـم = في بطون الغيب واحفظ صاحبه

فهو مضمار الشؤون القائمـات = عن أبي الزهراء فخـر العـرب

رَبِّ أنعـم بصـلاة لـم تـزل = تكـشـف الـبـردة للمـتـبـع

وسـلام طـار مـن بَـرِّ الأزل = وافــد بـالـروح للمستـمـع

وتحـيـات وبـرهـان أجــل = وعنايـات وفـضـل أوســع

لإمام الرسـل رب المعجـزات = واضح الفضل على كـل نبـي


وقام سائق القدر يسوقني إلى المسير، فقمت ممتثلاً للحكم، أصعد وأنزل إلى:

((( غزة هاشم )))

يتبع إن شاء الله تعالى

الرفاعي
01-15-2019, 08:38 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
ــــــــــــــــ

((( غزة هاشم )))

فزرت جَدّ النبي صلى الله عليه وسلم، وطارقني حال نوعي هزَّ قلبي هزة أصلية فعلت بسري، حتى إذا تداركني الكرم فثبت قلبي، ونمت تلك الليلة فاجتمع الأربعون رجال الحضرة، وأنا إذ ذاك واحد منهم، وقمنا بأسرار معاني سورة المرسلات في الأكوان موافقة للأمر، وحصل الحاصل، وانتظم عقد الشمل، فأكرمني حبيبي عليه الصـلاة والسلام بالرياسة على الجماعة من طريق المقام، فحاذيت وقمت من (غزة) بالبركة غائباً عن كوني، ونور النبي صلى الله عليه وسلم نصب عيني، حتى إذا انتهيت إلى:

((( مصر )))

والحمد لله، فدخلت الجامع الأزهر، احتراماً للعلم الشريف الذي منَّ الله عليّ به فيه، وصليت تحيه المسجد، ودرت في الجامع قليلاً، ثم ذهبت مسرعاً إلى زيارة الإمام الحسـين سلام الله ورضوانه عليه، فتمليت بالزيارة وهناك وانفتح سرداب مثال لاح لي فيه شؤون تحدث في (مصر) من عجائب الأمور، فصرفتها عنى، ثم انفتح سرداب آخر مثالي تعينت فيه أشكال أسرار أبرزها القدر في عالم الأمر: ((ألا إلى الله تصير الأمور))، ((فلا يظهر على غيبه أحداً إلا من ارتضى من رسول)) والرسول المطَّلع باطلاعه سبحانه! يفيض على من يريد الله إعلامه وإخباره، فيخبر بإخبار الرسول، أو أن يكون محدثا أو ملهماً؛ والإلهام للأولياء أمر محقَّق لا يجهله إلا من سفه نفسه، أو كان من العلم بالأحكام محروما، ((من يهد الله فهو المهتدي)) والمحدّثون: أولئك المحدّثون عن الله، يفيض من طريق قلب نبيه المصطفى صلى الله عليه وسـلم على قلوبهم، ويحدثهم سـره الإلهي بأسـرار الأكوان، فتفتح لهم خزائن الإشارات: ((أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون)) ولولا لجام الحكم وحائل الأدب، لذكرت من مشهد هذين السردابين العجب.

وفي تلك الليلة السعيدة، رأيت المصطفى عليه الصلاة والسلام فألبسني بيده المباركة خلعة قطبية المحبوبية من طريق المقام، وطافت بي أرواح أهل الحضرات، الأحياء والأموات.

وكان القطب الإمام المحبوب الغوث الموله السيد أحمد البدوي رضي الله عنه كثير الحنو والعطف علي في الحضرة، وبعده القطب السيد إبراهيم الدسوقي رضي الله عنه.

ولم يبق في مصر عبد محبب وولي مقرب من ساكنيها ومدفونيها إلا وبارك لي، ودعا لي، وتقرب إلي، وحنا علي، وبقيت أميس تيهاً وطربا بمن ألبسني الخلعة، لا بها، وأشكر الله عليها.

وفي الصباح زرت القطب الجليل السيد علي الرفاعي ابن الإمام السيد أحمد الصـياد رضي الله عنهما، فاشتبك الغصن بالورق، وحصلت نفحة أنس، وانبلجت أنوار حضرة قدس، والخضر عليه السلام مر علي مرور البرق الخاطف هناك، فقال: سر باقياً بالله تعالى فحمدت الله ـ جل جلاله ـ على ذلك، وقمت أدور في البلدة، ولي بها إخوان وأحباب وجماعة مائدة:


عروف بسري سرها وبغربتي = تغربها والشكل بالشكل عارف


فتوجهوا إلي، وأقبلوا بكلهم علي، ودلني رجل منهم اسمه (شهاب) على عبد من رجال الهيبة اسمه (إبراهيم)، رأيته وقد غلبه سلطان الهيبة، حتى صار مادة هيبة، فأردت الكلام معه في مقامه، فرأيته يرتعد لطوارق الهيبة فتركته، ورأيت رجلا من طوائف الملامتية اسمه (عبد الرحمن)، أخذه ذوقه عنه، ولم يكد يرى ذاته، سبحان من أودع في كل قلب ما أشغله!. ورأيت رجلاً عسكريا من الجند اسمه (موسى)، فيه من قوة الحال الصادق، ما لو ألقي على جبل لماد، ورأيت رجلاً مدرساً في الجامع الأزهر اسـمه (أحمد)، فيه من نور الصدق والذل والانكسار، ما لو تخلق به تحققاً الشقي سـاعة لصار بإذن الله سعيداً، ورأيت رجلاً تاجراً اسمه (عبد السلام)، فيه من بركة الإخلاص، ما لو حمله المحجوب يوما لزيل حجابه بقدرة الله، ورأيت رجلاً جوهرياً اسمه (محمد)، فيه من الحب للنبي صلى الله عليه وسلم، ما لو تمكن من قلب المقطوع لوصل، ((ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء * والله ذو الفضل العظيم)).

http://soufies.net/attachment.php?attachmentid=28&stc=1&d=1547796524

(( إنا لله وإنا إليه راجعون ))، ورأيت بمصر من انطوى فيه حكم ما أقول من أصحاب الحل والعقد بأمر الدنيا:


سرارة روح رد وارد طورهـا = فأوردها من قصدها ما أرادت

تميل إلى ما لا سبيـل لنشـره = على طيها قبضاً بحكـم الإرادة

فما ضرها لو وافقت خط خطها = ولكن بحكم الحظ سهم الإفـادة


ومنها: إذا أحب الله تعالى عبداً جعله قيم مسجد، وإذا أبغض عبداً جعله قيم حمام.

ولا أقول أن سوى مصر من الأقطار لم يكن فيه من أهل هذا المعنى المطوي، لا بل حكم التجلي والنظم الأصلي آخذ، مأخذه في كل قطر:((لله الأمر من قبل ومن بعد)).

حكمة عجيبة : ....................

يتبع إن شاء الله تعالى

الرفاعي
01-18-2019, 07:46 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
ــــــــــــــــ

حكمة عجيبة :

كان معي في طريق (خراسان) فقير صوفي من رجال التجريد عامر بالله، اسمه (عبد المهيمن)، فكان لا يتكلم إلا قليلاً، وإذا تكلم تأوه، فقال: ( الله ومحمد ). كأنه يجمع حكم الشهادتين، ففي أثناء الطريق، أصابه مرض فمات، فدفناه، وحزنت لأجله حزناً عظيماً.

ففي تلك الليلة رأيته في المنام، فقلت له: بشرني يا أخي، بالله عليك كيف فعل بك؟ فقال: جاءني الملكان فقالا: من ربك؟ ومن نبيك؟ قلت على عادتي: الله ومحمد. فذهبا راضيين، وها أنا في حضرة أنس مع الله، والحمد لله رب العالمين. قلت:


الحظ أيَّده مـن حكـم عادتـه = بمحضر فيه قد يخشى الصناديد

إنَّ المواهب للمحظوظ واصلـة = وإن أرادت تقاصيها المواعيـد


ورأيت بمصر رجلاً مستغرقاً اسمه (صالح)، هبت عليه نسمة الجلال، فأخذته، فهو في قبضتها إلى يوم القيامة، ورأيت رجلاً اسمه (إبراهيم)، طاب قلبه بالذكر، فأورثه زهداً وقناعة بالله وحتى صار مع صحوه كأنه من أهل المحو.

ورأيت رجلا اسمه السيد (أحمد)، فيه من شارقة الذل حالة أخذته عنه، فهو خاشع بطي حاله لا يلتفت إلى حال من الأحوال الغيرية، ونعم الحال!.

ورأيت أناساً غلبهم وهم آبائهم ودورهم وقصورهم، انفكوا عن الخدمة وعلو الهمة، واشتغلوا بالأوهام، فهم في عمى الوهم لا يبصرون، وبتيار بحر الدعاوي يسبحون، وكأنهم بمجرد الأبوة وحكم البنوة واصلون، عارفون، عالمون، عاملون! فلمثل أولئك لا يلتفت العاقل.

نعم يلزم على المحجوب الذي لا يعرف بعلم القلب أحكام المنازلات: أن يحترمهم ولا يهضم مقاديرهم، حرمة لسلفهم الصالح، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

ورأيت أناساً من العلماء إخواننا، وخصص منهم الأزهرية، منهم من تحقق بظاهر السنة، فطاب حاله، ولكن أورثه ذلك الحال غروراً، فاستصغر غيره، فهذا لا فائدة فيه.

ومنهم من أورثه حاله انكساراً وذلة واستصغاراً لنفسه واستعظاماً لغيره، فهذا من الذين اختارهم الله للحال الصالح، وجعلهم من الموفقين، فإذا وقع أحدهم على العارف، يرتفع في الحال إلى منابر القبول بإذن الله تعالى.

ومنهم من أنهمك بتعلُّم الأحكام التعبيدية والتعامليَّة وقعد بكسله عن العمل فهذا لص الدنيا يروم بشقشقة اللسان صيدها، ولو كان من أهل العقل السليم لانكب على العمل بعد العلم، وكل كلمة ساعده العلم على فهمهما أحكم نورها بالعمل الصالح وصار رجل الدنيا ورجل الآخرة، وهناك يكون هو الرجل الكامل، لما ورد في الخبر (ليس الرجل رجل الدنيا أو رجل الآخرة بل الرجل رجلهما) والقصد من كونه يجمع بين الرجالتين هو أن يكون عالماً بالحكمين , وفي كل ذلك لا تستفزه الدنيا، لأنه رجل الآخرة ولا يطمسه جلال أمر الآخرة عن العلم بأحكام الدنيا مع طرحها كشأن عمر الفاروق الإمام الجليل رضي الله عنه وعمه بتحياته وإكرامه آمين فإنه كان سائساً في أمر الدنيا فوق كل سائس مع الزهد بها فوق كل زاهد بعده إلى يوم القيامة، هذا مع العلم بأمر الآخرة والتحقق بفهم أسرار العلم الإلهي حتى أنه سمع القارئ في صلاته يقرأ (يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ) الآية فمرض شهراً، فانظر أيها اللبيب القوم أهل الحضرة الجامعة واعمل بعملهم وخذ من علمهم.

قال شيخنا إمام طوائف أهل الحضرات، شيخ الدوائر الغوث الأكبر السيد أحمد الرفاعي رضي الله عنه وعنا به ونفعنا بعلومه:

يتبع إن شاء الله تعالى

الرفاعي
01-18-2019, 07:59 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
ــــــــــــــــ

قال شيخنا إمام طوائف أهل الحضرات، شيخ الدوائر الغوث الأكبر السيد أحمد الرفاعي رضي الله عنه وعنا به ونفعنا بعلومه:


أشرف ما تنعطف إليه الهمم، قرب القلب من الله تعالى، وذلك دوام الذكر، وهو المعبَّر عنه بالحضور، وهذا سُلَّم الولاية، والولاية أجلّ المعاريج، وأعظم المقامات بعد النبوة، إذ لا سبيل للأولياء والصديقين على مراتب الأنبياء والمرسلين؛ لأنها لا تحصل بالعمل قطعاً؛ ومنزلة الولاية منزلة الوهب، وتحصل بالعمل، قال الله تعالى: ((والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا)). والنبي الأعظم صلى الله عليه وسلم قال: (من عمل بما يعلم، ورثه الله علم ما لم يعلم) ولا يصل العبد إلى مقام الولاية الكاملة إلا إذا كمل عقله، وعلت همته، وصح صدقه، وتم اتِّباعه في الأقوال والأفعال للنبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن مرتبة الولاية ينوب صاحبها عن النبي صلى الله عليه وسلم في الأمة، ولا يعد الرجل عند أهل الكمال كاملا إلا إذا بلغ عقله الإحاطة بجميع شُبَه الزنادقة والملحدين مع فهم سوابحها، وغاية خبطها، وتمكن إيمانه من إهمالها ومحوها، وقَدَرَ على دفعها بسلطان الحجة الشرعية، وبرهان الحكمة المحمدية.

ولا يكمل حتى يبلغ عمله الإحاطة بشؤونات اللصوص، والسكارى، والظلمة، وقطاع الطرق، وأهل الغدر و والخدعة، والدهاء والحيلة، ومصادر همتهم ومنتهاها في مفازات أطوارهم مع كل شكل ونوع، مع التيقظ والمحاسبة للنفس مع كل نفس، فلا يندلس فيها وصف من تلك الأوصاف الذميمة، وتكون له القدرة على تطهير تلك النفوس الأمارة المشوبة بهاتيك المصائب القاطعة، لينوب عن نبيه في مقام الإرشاد المحض؛ فإنه (صلى الله عليه وسلم) ما ترك خصلة ذميمة إلا وحذَّر الأُمة منها، ولا ترك خصلة كريمة إلا وأمر الأمة باقتنائها.

ولا يكمل الرجل حتى يبلغ عقله الإحاطة بحكم المعايب كلها، لينبه عنها، وبالمحاسن كلها ليقرب منها بالحكمة السليمة، والموعظة الحسنة، عملاً بقول الله تعالى لسيد خلقه عليه صلاة الله وسلامه: ((أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة)).

ولا يكمل عقله حتى يبلغ الإحاطة بمذاهب أهل الدنيا دهاقنتهم، وحكامهم، وتجارهم، والطبقة السفلى منهم، مع الزهد فيهم وفى دنياهم، فلو صارت له الدنيا بيضة وجعلت ملكاً له ثم سقطت منه فانكسرت وذهبت وكأنها لم تكن، لا يعبأ بها ولا يجزع لها استغناء بالله وإيماناً به، ويكون له الباع الرحب بالتخلص من ربقة الدنيا وأهلها، والحكمة الخالصة بتقريب المبعودين، ورد الشاردين، وإيقاظ الغافلين.

ولا يكمل حتى يبلغ عقله الإحاطة بالعوارض التي ترد على الناس على اختلاف طبقاتهم، فيكون بما يحدثه الغنى من الطغيان والتعزز أدرى من أغنى الناس، وبما يحدثه الفقر من الذلة والمسكنة أدرى من أفقر الناس، وبما يحدثه المرض من ضيق الصدر وطالعة العجز أدرى من أكثر الناس مرضاً، وبما تحدثه العافية من العجب ودعوى القدرة أدرى من أزيد الناس عافية، وبكل عارض ونتيجته أدرى من خاصة أهله، هذا مع التجرد من عوارض الأكوان والأزمان لله تعالى على الطريقة المحمدية الشرعية، فلا ينقض للشرع عهداً، ولا يتجاوز له حداً , وتكون له الهمة الصالحة، واللسان المؤيد، فيجمع صنوف هذه الطبقات المذكورة على طريق الله، ويدل الجميع بحكمته على الله.

ولا يكمل حتى يبلغ عقله الإحاطة بمقادير الأشياء جزئيها وكليها، من طريق الإجمال، فيعرف قدر الشيء عند راغبيه وطالبيه، كمعرفته بقدره عند الراغبين عنه والزاهدين به، لينظم حكمة الإرشاد بالموافقة مع حكمة الأمزجة، وعليه في كل ذلك أن لا ينحرف عن منهاج الشرع ذرة، لا في أقواله ولا أفعاله.

فإذا استجمع الرجل هذه الأوصاف صار معدودا عندنا من أهل الكمال، وإلا فهو ناقص، وله من مائدة الولاية بقدر إحاطة عقله وبلوغ همته وتمكن قدمه من هذه الخصال المحمدية الشريفة.

وهذه الخصال جمع شتاتها سيد المخلوقين أرواحنا لجنابه العظيم الفداء بقوله: (بعثت بالمداراة) وأمرنا بمثلها فقال صلى الله عليه وسلم: (كلموا الناس على قدر عقولهم) وهذه الحكمة التي وعد الله عباده معها الخير فقال تعالت قدرته: (( يؤتي الحكمة من يشاء * ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً)) وصاحب هذه المرتبة الرفيعة كالغيث أين وقع نفع، وتفاوت مراتب الواصلين والعارفين يدرك بهذا الميزان، وفي كل الأمور الأمر لله، ولا حول ولا قوة إلا بالله انتهى ما أورده في هذا المقام سيدنا وإمامنا الرفاعي، عليه رضوان الله تعالى وتحياته.

وبعد أخذ حصة الحكم وسهم القسمة، حفَّني النور المحمدي، فخرجت من ( مصر)، وكان بين الوقت ووقت أداء فريضة الحج ستة أشهر، فوجهت وجهي لله تعالى، وسرت على البركة بين لجة ومفازة، حتى تشرفت بـ:

((( مدينة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم )))

يتبع إن شاء الله تعالى

الرفاعي
01-18-2019, 08:11 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
ــــــــــــــــ

((( مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم )))

وتنورت بالنظر إلى ذلك المشهد المقدس والحضرة المعظمة، وأقر الله عيني بالمثول في أعتاب الرسول، وخلعت الأكوان ألف مرة، وطرت عني كارّاً إليه صلوات الله وسلامه عليه ألف كرَّة، وأسعدني الله بشم تلك الأعتاب، وأيدني بفرش حر وجهي على عتبة ذلك الباب، ووقفت موقف المستجير اللائذ، والدخيل العائذ، وأنشد سري:


في حالة البعد روحي كنت أرسلها = تقبل الأرض عني فهـي نائبتـي

وما أنا كمن يقول جازماً بالقبول، موعوداً بحصول المأمول:


وهذه نوبة الأشباح قد حضـرت = فامدد يمينك كي تحظى بها شفتي

نعم أقول:


وهذه دولة الأشباح قد حضرت = فانظر إلي بعين الفضل يا ثقتي


وقد لاحت لي ـ والحمد لله ـ أنوار القبول، ولمعت لي شموس العناية من ذلك الرحب الجليل الذي تململ على فسيح عتباته صناديد الفحول:

طراز سر له في سَمْكِ قبته = من الشؤون شموس ما لها حجبُ

فيه النبيون ترجو فيض صاحبه = والبحر منسجر والموج مضطربُ

طاف الملائك في أعتابه زمرا = والعارفون رجال الله والقطبُ

تبارك الله نور لا انحجاب له = محجب عن عيون السوء محتجب

رقائق الغيب مضروب سرادقها = لديه حيث ثرى طاحت به الشهب

وحضرة كتب الباري القديم على = سجلها كل ما جاءت به الكتب

تدور في ملوان الكون صائلة = خيوله ويرى من دورها العجب

تطوف دائرة الدنيا معسكرة = وفي السماوات منها عسكر لجب

أقامه الله في عين البرية من = لألأة الوجه نورا حقه يجب

له مظاهر آثار مطلسمة = تروح في العالم الأعلى وتنقلب

طافت بكعبته الألباب فانبهرت = بمظهر هو في كون الورى السبب

دع عنك جلجلة الآثار ملتفتا = عنها إليه وهذا القصد والطلب

وقل أغثني رسول الله مرحمة = بنظرة دونها الأعراض والنشب

تر الغياث من الأفق السني على = ناديك يندي بسح دونه السحب

كم أوصلتني يد من طول همته = لقعس بيض معالي قبلها الأرب

وكان فكري لايدري تخيلها = ولا الى برها بالوهم يقترب

ولي به أمل لازال متصلا = كما اتصلت به والموصل النسب

تعم اعتابه الفيحاء راحلة = من همتي ما بها وهن ولا تعب

ذات الجناحين صاري مذ إليه سعت = نعم الجناحان هذا الدين والحسب

وتوقر الرحل برهانا ومعرفة = ودولة دون أدنى تربها الذهب

عليه أزكى الصلاة المستمرة ما = دامت مفاخره تملى وتكتتب

والآل والصحب ما راحت مغردة = شوقها الى إلفها تبكي وتنتحب


فانجلى لي نور سيد الوجود، وبرز سلطان جماله الأشرف على منصة الشهود، ونظرني نظر الرأفة والرفق والحنان، وأكرمني روحي وأرواح العوالم فداء جنابه العظيم بمطالعة صحف العيان، فقرأت: ((طه * ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى * إلا تذكرة لمن يخشى * تنزيلا ممن خلق الأرض والسماوات العلى * الرحمن على العرش استوى * له ما في السماوات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى)) وتدبرت حالة التلاوة أحكام التشريف الخاص الذي امتن الله به على عبده وحبيبه المصطفى صلى الله عليه وسلم، وفهمت في محاضرتي من حكم منازلة سري في تلك الحضرة:

أنَّ من داوم على قراءة هذه السورة الشريفة أعني ـ سورة طه ـ مبسملاً مبتدئاً من قوله تعالى: ((طه)) إلى قوله: ((لنريك من آيتنا الكبرى)) لا يخذل، ولا يغلبه عدو، ولا يكشف له ستر، ويدوم عزيز الجناب بإذن الله تعالى.

وهناك وصدر الأمر المطاع المفترض الامتثال والاتباع..............


يتبع إن شاء الله تعالى

الرفاعي
01-18-2019, 03:24 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
ــــــــــــــــ

وهناك وصدر الأمر المطاع المفترض الامتثال والاتِّباع، بملازمة الأعتاب المحمدية النورانية إلى أيام الحج، فأقمت في (المدينة المنورة) منعكفاً على ذلك الباب الأكبر، فارشاً حر وجهي على بساط ترابه الأنور، وكل آن ووقت بل وفي كل نَفَسٍ ومع كل طرفة تتواصل إلي الواردات المحمدية بالإحسان العميم والفضل العظيم، وتأمرني الروح الشريفة المقدسة المصطفوية وتنهاني، ويقول قائل الأمر بلسان الرفق والرحمة والتربية والإرشاد: إفعل كذا، وقل كذا، واذكر بكذا، وصحح نيتك فيما هو كذا، وغض طرفك عما هو كذا:


حـال وعـلـم وتوفـيـق وواردة = من القبول وحبـل مـا لـه فصـم

أقامه شاهـد الحكـم المحقـق فـي = بحبوحة الفتح فيها الجـود والكـرم

فالشمس تلمع في معـراج طالعهـا = والليل يجلى بهـا والشمـل ينتظـم

ودولة الله يطـوي الكـون باهرهـا = والأمـر ينشـره والجنـد تزدحـم

والأرض ترجف والأمواج تجمد وال = ألباب تذهـل والنيـران تضطـرم

وطائرات قلوب القـوم تهبـط فـي = طور الإفاضات حيث البحر يلتطـم

فالذوق والشوق والأشجان والوله الـ = ـملح والجِـد رأس المـال والهمـم


وحصل المقصود، وانتظم عقد الأمل، ومُدت مائدة المدد، وظهر السر الخفي، ولمع النور الجلي، وقال قائل الغيب: هذا أوان ظهور هذه المطلسمات، وتعيين الأشكال الغامضة بالظلمات، وجاء إبان نشر الطي، وزمان إحياء الحي.


الخيل ضمن صحاري الغيب ملجمة = لها بطي زوايـا الغيـب فرسـان

ستركب الآن والأكـوان تبصرهـا = بعد التخافـي وللمكتـوب عنـوان

كان انطماس جلته الشمس حين بدت = وكـل شـيء لـه وقـت وإبـان


سبحان الله! لعوالم البواطن مواكب كعوالم الظواهر، ولها جنود وقواد وأمراء وحكام وملوك، كما لعوالم الظواهر جنود وقواد وأمراء وحكام وملوك، فربما اشتبه تعبير الطائفة المباركة على من ليس منهم، فظن أنهم يظهرون بظهور أبناء الدنيا، يحكمون ويترأسون، وللمال يجمعون، ويقومون ويقعدون، لا بل مقاصدهم منحصرة في عالمهم، واصطلاحاتهم عائدة لتحقيق ما يؤول إليهم، وإلى مشاربهم ومذاهبهم وحالهم مع الله ومقامهم، ولا يشيرون إلى هذه الدنيا الفانية بإشارة، فقل للمشتبه طمح أملك إلى غير ما قصده القوم، فثارت همتك إلى محل أملك، وقصد القوم بأقوالهم وإشاراتهم وتعبيراتهم ورموزاتهم وكناياتهم واستعاراتهم وتصريحاتهم كلها، خفيها وجليها، كليها وجزئيها، غير ما زعمت، بل هي حاكية عن عوالمهم وطرقهم ومذاهبهم السعيدة التي هي عبارة عن الدلالة على الله، والسوق إلى الله، والحث على طاعته، ومحق الوجود لأجله، والانقطاع عن غيره، والفناء به، والبقاء به، فدولهم المشار إليها دول إرشاد، وتجديد لأمر دين الأمة وإصلاح عقائدهم، وكشف حجب العين عن قلوبهم، وأخذهم بعسكر الحكمة والهمة إلى طريق الهدى، وإبعادهم عن الطرق القبيحة الدافعة إلى الردى، وأمراء حضراتهم وملوك دول إرشادهم إنما هم أئمة هذا الشأن، أقطابه ، أنجابه، أفراده، أوتاده، أبداله، أطرازه، عليهم سلام الله ورضوانه وتحياته، فاعمل أيها اللبيب على أن تلحق بركبهم وتعد من حزبهم: ((أولئك حزب الله * ألا إن حزب الله هم المفلحون)).


للقوم في حضرة التصريف ديوان = بـه ملـوك وقـوَّاد وفـرسـان

تبدو الخفايا على مضمون حكمتهم = فهم لباطن حكم الغيـب برهـان

نظامهم في طوايا شأن سيرتهـم = وكشفهـا سنـة تـروى وقـرآن


وفي وقت من أوقات الكرم، سنحت سانحة غيب في محاضرة رقيقة من محاضرات التدلي المنفجر من صخرة الله المقدسة، التي تعرج إليها قلوب الأبرار، وانفتح سرداب العناية، وانكشف الغطاء عن الشوارق المثالية، فقيل: قل. فقلت:


قد قام ينفخ داعي الصور في الصور = فيا قلوبـاً أميتـت بالهـوى ثـوري

جلجال روح التدلـي رن فانبسطـي = يا روح عبد ببـاب الحـق مذكـور

قد آن كشف الغطاء البحت عن طرف = من سر حكم بطيّ الغيـب مضمـور

قمنـا لـه بقلـوب لا انفكـاك لهـا = عن الجناب محت وهـم التصاويـر

فانزل بنا يـا مريـد الحـق إن لنـا = حمىً أقـام رحابـاً غيـر مهجـور

يدير أفلاك أسـرار الغيـوب علـى = برج بهامـه طـور الفتـح معمـور

فلا تبارح إذا ما كنـت عبـد هـدىً = خيامنا واَلْوِ رأسـاً جانـب الطـور

وسر إلى الحق من أبواب حضرتنـا = فإنهـا حضـرة وضاحـة الـنـور

وقـف لديهـا بِبَـرٍّ لا حـدود لـه = وخض ببحر من العرفـان مسجـور

شدنا لها قلـلاً مـن حكمـة وتقـى = لا مثل من شيـدوا الجـدران للـدور

وقد طوينا بها سـر الطريـق وقـد = زينَـتْ بطـيّ بملـك الله منـشـور

يا حضرة حفَّهـا الهـادي بنظرتـه = فأصبحت خير محفـوف ومنظـور

قامت بها دولته العليا وعـن شـرف = أعتابهـا رصَّعتهـا أعيـن الحـور

رقت معاني المثانـي فـي جوانبهـا = بـرقِّ ذوق مـن الأفهـام مسطـور

محمـد علـم الأكــوان أفرغـهـا = لنا، فيا حسن فضل منـه مشكـور

هو النبي الـذي أحيـا القلـوب بـه = مولاه فضـلاً بديـن غيـر منكـور

يجلو ظـلام شـؤون حَـارَ ناقدهـا = أجرت على أهلهـا سيَّـال ديجـور

يفيض حكمـة حـق حكمهـا مـدد = قضى بجيش عظيم الجاش منصـور

حمى طريـق الهـدى دهـراً بنائبـه = شيخ العواجز، مأوى كـل مذعـور

أقامـه عنـه شبـلاً وارثـاً فأتـى = بسيف شرع حديد النصـل مشهـور

وجـدد السنـة السمحـاء منتهضـاً = بعزم صدق جليـل السعـي مبـرور

عليه أزكى الرضا ينهـل مـا تليـت = بناطقـات التجلـي سـورة الطـور


سبحان الله! يقول الأحمق الذي ضاع رشده، وغلبه حسده، حين يرى الولي يسبح في بحر المواهب: متى صار هذا؟ وكيف يصير وأنا أعرفه كان وكان؟ فقل له: يا جويهل! هل يمكنك لو عقلت إذا ولد مولود لواحد أن تقول: متى ولد هذا؟ وكيف ولد؟ ففي البداهة لا جواب لك إلا أن تقول: هذا لا يقال! لأن ذلك خلق الله تعالى.

قلنا لك: وكذلك ولاية الله الموهوبة لعبده الولي خلقه سبحانه وموهبته وإحسانه عز شأنه، وما أنت بالمستشار على إيداع الأسرار، وإبرازها في العبيد والأحرار!.

كل شأنٍ كونيّ، فيه شأنٍ رباني، يقول تعززاً بالأمر وتفرداً بالخلق: ((لمن الملك اليوم * لله الواحد القهار)) وبقيتُ والحكم لله والحكمة منه في (المدينة المنورة) على ساكنها أفضل الصلاة وأتم السلام أطوف بقلبي في المحضر الروحي النبوي، وبجسمي بالباب الأسعد المصطفوي ليلاً ونهاراً، وفي كل وقت لا أخلو من مدد محمدي تطوف به روحي في الحضرة السعيدة من طريق الفتح، أقوم به في ديوان السـعادة الأبدية وأقعد، ما شاء الله كان:


نور أفيـض ودولـة = سحَّاحـة أنـواؤهـا

وحقيقة مـلأ الوجـو = د جمالها وضياؤهـا

فالأرض معنى أرضها = وكذا السماء سماؤهـا


وفي يوم خميس بُعيد الفجر، لمع لباصـرتي نور الجـمال المحمدي، من مشـهد الإفاضة الخاصة، وشملني المدد النبوي بالإسعاف والإسعاد، وأُلقيت علي خلعة المحبوبية من طريق المقام، وأفيضت لي آيات الإلهام من العلا بواسطة روح سر الوجود، عليه من الله أفضل الصلاة وأكمل السلام، فانجمعت معي عني، ورجعت إلى الله تعالى، فعلمني ربي علوماً لم تكن تخطر لي ببال من أسرار كلام الله سبحانه، وفقهني الله في الدين، وأفيض لي من موجة بحر المدد المحمدي معاني كلام النبي صلى الله عليه وسلم، ولم تمض آونة إلا ويجدد لي العهد من قبل حبيبي بتجديد العزم لإعلاء طريقة سيدي ومولاي السيد أحمد الرفاعي رضي الله عنه.

إشارة لطيفة:...........


يتبع إن شاء الله تعالى

الرفاعي
01-19-2019, 08:17 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
ــــــــــــــــ

إشارة لطيفة:

وعجبت في (المدينة المنورة) لرجلين الأول اسمه أحمد، هو من بني الرفاعي، وفيه شمة من شمات الفتح، وحال عجيب من حال الحب، وداعية إلى الله تعالى؛ فإنه مع اشـتغاله بطريقة آبائه الأعلام تشـذّل أعني انتسب للطريقة الشاذلية، ولم يعلم أنها فرع من فروع طريقة جده، والإناء واحد، والمائدة واحدة، وآخر إسمه أسعد، من بني رفاعة و من ذرية السيد عبد الله المدني الرفاعي، فيه صدق وهزة سـخاء، وصفاء سريرة، فهر أيضا انتسب لجماعة المرغنية القادرية، وكأنه حال دونه حائل عن طريق أهله، واتفق لي معهما على الإفراد مذاكرات، فالسيد أحمد بالحرم النبوي ذاكرته مراراً، وقد انطبع علي وأحبني وألفني، وكان يدعو لي ويقول: ذكرتنا بأهلنا وجدنا ومجدنا.

والسيد أسعد رأيته في مقام السيد عبد الله الأنور أبي النبي (صلى الله عليه وسلم)، وذاكرته مراراً، وتلطفت له بالعبارة، حتى أخذته إلى أهله، لكن طوى الله الأمر لينشره في بيته لسر سينجلي بعد حين.

وقد رأيت في منازلاتي الغيبية حالة ظهور النور الأحمدي الرفاعي فيهم، هجوم كلاب الحسد عليهم، فهزني الحال الإلهي من طريق الفتح بمدد خاصٍّ أحمدي، وإذن جليل محمديّ، فطويت فيّ كل بني الرفاعي وقلت:


نحن شموس الحضرة المشعشعة = عـيـونـهـا الـمـبـصـرة الـمـطـلـعـهْ

نحـن السيـوف البارقـات لـم تـزل = بـنـا حـبـال مـــن بـغــى منقـطـعـهْ

أســـرارنــــا طـــائــــرة لــربـــنـــا = خــاشــعــة لأمــــــره مـسـتـمـعــهْ

دروع غـيـرنــا حــديـــد وتـــــرى = أجـسـامــنــا بـــذكـــره مـــدرعـــه

بطـيـئـة قـلـوبـنـا إلــــى الــســوى = لـكـن إلـــى الله تـعـالـى مـسـرعـه

مــــنَّ الـكـريــم فــأعـــز شـأنــنــا = بـنـفـحـة ذات شــــؤون مـشـبـعـه

مــظــاهـــر أيَّـــدهــــا مــفـــاخـــر = بـبـيـتــنــا كــثــيـــرة مـجـتـمــعــه

من هاشم إلى الرسول المصطفى = ربّ دوائــــر الــهــدى المـتـسـعـه

سر نكات الطمس في بحر العمـا = مـوجــتــه الـهـائـجــة الـمـنـدلـعـه

ســيـــد ســـــادات صـــدورالأنـــبــيـ = ــاء وكــــرام الأمــــم المـتـبـعـه

ومنـه للطهـر علـيٍّ وإلــى الـسـ = ـبـطـيـن والـزهــراء نـعــم الأربـعــه

ولـلأئـمــة الــهــداة مــــن بــنـــي = حيـدرة أولـي النصـوص المقنعـه

ومـنـهـم إلـــى الـرفـاعـي الــــذي = عـلــى رجـــال الله ربـــي رفــعــه

ســيــدهــم فــتــاهــم وشـيـخــهــم = وصــاحــب الـطـريـقـة الـمـتَّـبـعـه

لـنــا تــدلــت وانـجـلــت بـرحـبـنـا = فـــراح للـحـشـر بـخـيــر ودعــــه

السـر فــي المصـنـوع أمــر قـائـم = بصنعـه جـل الــذي قــد صنـعـه!

نـحـن عـبـارات الأسالـيـب الـتــي = في صحف الغيب الخفـي مُوْدَعَـه

نحـن البـدور فـي سـمـوات الـعـلى = بكـل طمـس مـن هـدانـا شعشـعـه

فــقــل لـنـابــح عـلـيـنـا حــســـداً: = فـلـيـأت إن شـــاء بـنـابــح مــعــه

أيــدنــا الـجــبــار رغـــــم أنــفـــه = فليرتقـب مـن الغـيـوب مصـرعـه

عــــدا عــلـــى مـبــرزنــا لـغــيِّــه = وجهـل الوضـع الـذي قـد وضـعـه

وإنـــنــــا بالله عــــــــز شــــأنــــه = رماحـنـا عـلـى الـعـدى مـشـرعـه

تـسـنـمـت هــــام الــعــلا هـمـتـنــا = لـم تنـفـع الحـاسـد فيـنـا الفعفـعـه

فـنـحــن لـلـديــن والـدنـيــا مــعـــاً = ولصنوف الخلق محـض المنفعـه

أســـرارنـــا تـحـمـلـهــا قـلـوبــنــا = بهـا الكنـوز لـيـس فــي المرقـعـه

ونحن فـي الأرض وسائـط السمـا = لمـن يريـد الأمـن يــوم المفـزعـه

كـم فــرق الحـاسـد وهـمـاً أمـرنـا = والله إرغـامــاً لــــه قــــد جـمـعــه

علـى طـوى الغيـوب مــن ألبابـنـا = صقـور عـزم قـد كشفـن المقنـعـه

وَدُرر الإتــحــاف لــــو عـرفـتـهــا = أذيــالــنـــا بــفــذِّهـــا مــرصــعـــه

والـقـوم كـالأيــام يـــا صويـحـبـي = ونـحــن بيـنـهـم كـيــوم الـجـمـعـه

الــحــمـــد لله عـــلــــى نـعــمــتــه = مـــن حـمــد الله تـعـالــى سـمـعــه

جملة:

أما السيد أحمد، فيؤول إلى القطب السيد منصور أبي الصفا الرفاعي رضي الله عنه، وأما السيد اسعد، فيؤول إلى القطب السيد هاشم الأحمدي العبدلي رضي الله عنه، ويجمعهم الإمام السيد حازم علي أبو الفوارس الرفاعي الحسـيني الإشبيلي رضي الله عنه، وقولنا: الرفاعي. بكسـر الراء وفتح الفاء وبعد الألف عين مهملة، هذه النسـبة إلى الجد الأعلى رفاعة الحسن المكي الحسيني، نزيل بادية إشبيلية بالمغرب، وهو الجد السادس لسيدنا ومولانا السيد أحمد الكبير الرفاعي رضي الله عنه فإنه أعني شيخنا ومفزعنا السيد أحمد ابن السيد السلطان أبي الحسن علي دفين بغداد، ابن السيد يحي نقيب البصرة المهاجر من المغرب، ابن السيد ثابت، بن السيد الحازم علي أبي الفوارس الإشبيلي الذي تقدم ذكره، ابن السيد أحمد، ابن السيد رفاعة الحسن المكي الذي تنتهي نسبة بني رفاعة آل الحسين السبط عليه السلام إليه، والسيد رفاعة بن السيد المهدى، بن السيد محمد أبي القاسم، بن السيد الحسن، بن السيد الحسين عبد الرحمن الرضي المحدث، ابن السـيد أحمد الأكبر، بن السيد موسى الثاني، بن صاحب اليمين السيد الكبير الأمير إبراهيم المرتضى المجاب، ابن السيد الإمام موسى الكاظم، بن الإمام جعفر الصادق، بن الإمام محمد الباقر، بن الإمام زين العابدين علي، بن الإمام الحسين الشهيد، بن الإمام علي أمير المؤمنين المرتضى الكرار، من زوجه الطهر النقية سيدة النساء فاطمة الزهراء، عليها وعليهم السلام والرضوان، بنت شمس الشهود، وسيد سادات الوجود، محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه الطاهرين أجمعين.

وأتبرك متشرفاً بما من الله علي به من شـرف الاتصال بسيد المخلوقين، علم النبيين، عليه وعليهم أفضل صلوات رب العالمين.

فأقول: أنا العبد الضعيف محمد مهدي ابن علي، بن نور الدين، بن أحمد، بن محمد، بن بدر الدين، بن علي ويعرف بالرُّديني، ابن محمود الصوفي، بن محمد برهان، بن حسن الغواص، بن الحاج محمد شاه، بن محمد خزام الموصلي، بن نور الدين، بن عبد الواحد، بن محمود الأسمر، بن حسين العراقي، بن إبراهيم العربي، بن محمود، بن عبد الرحمن شمس الدين، بن عبد الله القاسم نجم الدين المبارك، بن محمد خزام السليم، بن عبد الكريم، بن صالح عبد الرزاق، ابن شمس الدين محمد، بن صدر الدين علي، بن عز الدين أحمد الصياد، بن ممهد الدولة عبد الرحيم، بن سيف الدين عثمان، بن حسن، بن عسلة، بن الحازم علي أبي الفوارس الحسيني الإشـبيلي، شيخ العصابة الجامع لأنساب بني رفاعة، سكان الحجاز والشام والعراق، وقد تقدم ذكر نسبه إلى الجد الأعظم صلى الله عليه وسلم، والحمد لله رب العالمين.

ومن منائح الله :..............

يتبع إن شاء الله تعالى

الرفاعي
01-19-2019, 08:30 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
ــــــــــــــــ

ومن منائح الله: أني رأيت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقال: اقرأ كل يوم صباحاً ومساءً ثلاث مرات:

بسم الله الرحمن الرحيم

يا رب، يا لطيف، يا عظيم، يا غياث المستغيثين، يا أرحم الراحمين، تداركني بلطفك ورحمتك؛ فإني ضعيف وأنت القوي، وإني ذليل وأنت المعز، وإني فقير وأنت المغني، وإني مغلوب وأنت النصير، وإني مكروب، وأنت على كل شيء قدير، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.

وقد رأيت للمداومة على هذا الدعاء الجليل من آثار الألطاف الإلهية والعنايات الربانية ما لا أقدر على شرحه، لما فيه من قرب نَفَس رسول الله، صلى الله عليه وسلم.


قال العارف بالله الشيخ زين الدين الخوافي الأحمدي في رسالة (الوصايا القدسية): الشيطان يجيء على صورة الصالحين كثيراً، ولا يقدر على التمثل بصورة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال عليه السلام: (من رآني في المنام فقد رآني، فإن الشيطان لا يتمثل بي) تم قال الخوافي: ولا بصورة الشيخ إذا كان الشيخ تابعاً للنبي صلى الله عليه وسلم، مأذوناً بالإرشاد عن شيخه المأذون هكذا إلى الحضرة النبوية.

قلت: وهذا نظر حسن، طالع من سر قوله تعالى: ((إن عبادي ليس لك عليهم سلطان)) وقد رأى القوم أن تقارب زمن القيامة يحقق المرائي في المنام، فتظهر بعينها للعيان على الغالب، وذلك لأن الله يريد بحكمته أن يظهر عند تقارب الزمن أسرار كونه لعبيده المؤمنين قال عليه الصلاة والسلام: (إذا تقارب الزمان لم تكد رؤيا المؤمن تكذب).

ومن هذا الشارق النوراني رأيت في المحضر النبوي شيخ المهاجرة والأنصار، سيدنا الإمام أبا بكر الصديق رضي الله عنه فقال لي: علم إخوانك ومحبيك دعاء الخاشعين. قلت: وما هو؟ قال: هو أن تقول:

بسم الله الرحمن الرحيم

إلهي كلما أذنبت ذنباً دعتني سابقة عنايتك إلى التوبة، وكلما تبت جذبتني أزمة قدرتك إلى المعصية، فلا التوبة تدوم لي، ولا المعصية تنصرف عني، وما أدري ما أفعل؟ وبماذا يختم لي؟ غير أن سابقة الحسنى منك أوجبت لي حسن الظن بك، وأنت عند حسن ظن عبدك بك، وقد علمت أنك تغفر الذنب، فهب لي توبة منك، وبك باقية، حتى لا أعود في معاصيك، واصرف أزمة الشـهوات عني، وامح زينتها من قلبي بزينة الإيمان، وقني من الظلم والبغي والعدوان، برحمتك يا أرحم الراحمين، يا رب العالمين.

فداومت عليه وأمرت به أحبابي، فرأينا جميعاً بركته، ولله فيما ورد على ألسـن مقربيه وأهل حضرته أسرار جليلة يعرفها الموفقون.

(وفي الحضرة)

رأيت الفاروق الأعظم سيدنا عمر رضي الله عنه قال: ومني خذ وقل:

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهم صل على سيدنا محمد مادامت الصلوات، وبارك على سيدنا محمد مادامت البركات، وارحم سيدنا محمداً مادامت الرحمات، اللهم صل على سيدنا محمد في السادات، وصل على نوره في الأنوار، وصل على روحه في الأرواح، وصل على جسده في الأجساد، وصل على قبره في القبور، وصل عليه وعلى جميع الأنبياء والمرسلين، وارحمنا بهم يا أرحم الراحمين.

فداومت على قراءة هذه الصيغة، فشاهدت لها من قوة فتق الحجب العجائب.

ورأيت في المحضر الأسـعد سـيدنا ذا النورين عثمان الشهيد رضي الله عنه فقال: قل:

بسم الله الرحمن الرحيم

لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الجليل الجبار.

لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الواحد القهار.

لا إله إلا الله وحده لا شـريك له، المطلع السـتار.

لا إله إلا الله وحده لا شريك له، خالق الليل والنهار.

لا إله إلا الله وحده لا شريك له، سيدنا محمد عبده ورسوله النبي المختار.

لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إله واحد، ونحن له مخلصون إنا لله وإنا إليه راجعون.

اللهم صل على أشرف الوسائل وأقربها بعد كتابك منك عبدك المصطفى محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

وقد أكثرت من قراءة هذه المناجاة الشريفة، ورأيت لها من شرف الحال ما ينهض بالقلب إلى الله تعالى.

وما أشرف قوله: صل على أشـرف الوسـائل وأقربها بعد كتابك! فإن المصطفى وسيلة الوسائل، وقد أمرنا بابتغاء الوسيلة.

قال قوم: هي لا إله إلا الله. وقيل: بل هي اتباع النبي صلى الله عليه وسلم. وقيل: يتوسل بالأعمال. ودليلهم أصحاب الغار، فقد دعى كل واحد منهم وتوسل بأفضل عمله، فاستجاب الله لهم وفرج عنهم، وقيل: هي الصالحون من أمة محمد صلى الله عليه وسلم. واستدلوا بتوسل عمر رضي الله عنه بالعباس رضي الله عنه إذ استسقى به، والخبر صحيح، وقال آخرون: يتوسل بدعاء المرء لأخيه في ظهر الغيب، وقيل: بل مطلقاً.

وكان الإمام مالك لا يرى التوسل بمخلوق أصلاً إلا برسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يرى النفع بزيارة قبر غير قبره عليه الصلاة والسلام.

وهذا من غلبة التحقق بمحبته صلى الله عليه وسلم، وإلا فالتوسل بالأنبياء والأولياء والصالحين، لا لكونهم طوالاً أو قصاراً، بيضاً أو سمراً، عرباً أو عجماً. لا، بل لكونهم أحباب الله ومعادن أسراره ومحبوبيه، فالتوسل بهم إنما هو التوسل بصفات محبة الله لهم، وعلى هذا فمشاهدهم وغيبتهم وقربهم وبعدهم على حد سواء، والتوسل بكل صالح من المؤمنين بناء على هذه القاعدة المرضية صحيح.

وهذا من آداب شيخنا وإمامنا السيد أحمد الرفاعي رضي الله عنه .

وقد رأيت في بعض منازلاتي.............

يتبع إن شاء الله تعالى

الرفاعي
01-19-2019, 06:28 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
ــــــــــــــــ

وقد رأيت في بعض منازلاتي عجزاً عن القيام بعبء ما برز لي من وراء خدر الغيب، فقام مني حال وقال لي: ثبت قلبك. وقد أزعجني خوف القطيعة، وثقل علي همي، فتوسلت بصادرة روحي بالنبي الأعظم صلى الله عليه وسلم، فقواني الله على أمري، وشرح لي صدري، وبلغني مقصدي، وقد كنت خاطبت حالي يوم برز لي وقال: ثَبِّتْ قلبك بهذه الأبيات:


بحقك ماذا يصنـع القلـب حيلـة = ولازال في جمـر الغضـا يتقلـبُ

وأنـى لـه مـن قـوة يستعدهـا = وصبر وبرق الصبر في الوهم خلبُ

عسى الله من إحسانه يبعث الرضا = ويصرف هَمّاً منه في القلب موكبُ

فـإن بلطـف الله ينقلـب القضـا = رضاء ويجلى كل ما بات يُرْهَـبُ

وإن الرسـول الهاشمـي وسيـلـة = إلى الله فيه الخيـر يدنـو ويقـرب


ولا يصد عن التوسل بكلمات الله وأسمائه وأنبيائه وأوليائه إلا من أراد الله صده، وحقق عنه بعده.

واني رأيت في محفل الشهود الحفل المبارك الإمام الكرار، ابن عم المختار، عليّ المرتضى، كرم الله وجهه وعليه السلام، فقال: ومني خذ وقل:

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهم صل على محمد وآله. أودعت نفسي وأهلي وجميع ما أعطاني ربي، وجميع من تحويه شفقة قلبي في دار مشيدة ذات أركان شديدة؛ محمد رسول الله سقفها،ووزيره عليّ المرتضى بابها، وبنته فاطمة الزهراء، والحسن والحسين والأئمة من أبنائهم الطاهرين حيطانها وملائكة الله حراسها. ((والله من ورائهم محيط بل هو قرآن مجيد في لوح محفوظ)) حسبنا الله عدة. في كل نازلة وشدة حسبنا الله وحده. ((أليس الله بكافٍ عبده)). ((فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم)) ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

وقد جَرَّبْتُ المداومة على هذا الحزب المبارك فرأيتها من أوثق عُرى الإعتصام بالله تعالى، وبخاصة عباده المصطفى، وأهل بيته عليه وعليهم الصلاة والسلام، وقد تقدم القلب إلى حال من أحوال السماء فطاف بالحضرة وآب إليها من طريق قلب النبي صلى الله عليه وسلم حتى انتهى (والحمد لله) إلى مراتب الصديقين بنص البشارة الصادرة من سيد المرسلين، وقد أيد الله القلب بباصرة شهودية، طبعت فيه ألواح الأسرار لَوْحاً لَوْحاً، وسارت به نهضة رسولية في مفازات الطمس والبروز، والغيب والحضور، وتحققت في كل حضرة, بسرِّها وطيِّها ونشرها، ورأيت بعد ذلك حبيبي صلى الله عليه وسلم فقال: الآن كمل استعدادك للتحقق في مقامات الولاية كلها.

فحمدت الله واشتغلت بتلاوة كتاب الله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ثم تدرَّجَتْ روحي فتحلت بحلية كل ولي لله تعالى له خلعة نبوية، وتحققت في حلية سيد القوم شيخ الطوائف السيد أحمد الرفاعي رضي الله عنه، وسقاني ساقي الحضرة بكأس انكساره خمرة القبول، فطرت بجناح همته إلى باب الرسول.

والعناية المحمدية حفت بي من كل جهة، وفي كل ليلة إذا نمت قبل أن استيقظ أحس ببرودة الكف الطاهر النبوي على وجهي؛ فأستيقظ بلامس رأفته وعنايته عليه الصلاة والسلام.

وكان في (المدينة المنورة) رجل يعرف: بابن بالي. فيه ميل للتصوف وأهله، ذو شكيمة وعلو ، وكان يتقرب إليّ، ويتودد لي، ويرغِّبني بطريقة الطائفة المباركة الشاذلية» فقلت له يوماً:

ما دواء القلب عندكم؟ فقال: خلاء البطن، وقيام الليل. فقلت: أحسن منه تحقق القلب بالذكر الخالص، بشاهد قوله تعالى: ((ألا بذكر الله تطمئن القلوب)). وهذه الطمأنينة تدفع لمة الشيطان من القلب، فقد ورد: (إن في قلب ابن آدم لمتين، لمة من الشيطان، ولمة من الملك) ولتحكم الذكر في القلب أسباب، منها: قراءة القرآن بالتدبر، والمحافظة على السنة، ومجالسة الصالحين.

فسكت ووقع في نفسه مني شيء، وبقي بعد ذلك أياما يعرض عني إذا رآني ويدبر، فتواشكنا في طريق يوماً فأدبر عني، فوكزته وقلت له: قال صاحب هذا المقام الأسعد عليه أفضل الصلاة والسلام: (إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث، ولا تجسسوا، ولا تنافسوا، ولا تحاسدوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانا، ولا يخطب الرجل على خطبة أخيه حتى ينكح أو يترك). هذا ما جاء عن معلم الخير، عليه الصلاة والسلام، فما هذا الإعراض منك؟.

فقال: لأمرين ، لعدم قبولك نصحي، ولردِّك عليّ قولي.

فقلت: أما نصحك، فإني مختار بقبوله وعدم قبوله.

وأما رد قولك، فإنما هو ببيان مأخذ لي، لا رداً عليك؛ فإن مأخذك أن دواء القلب خلاء البطن، وقيام الليل، ومأخذي الذي ذكـرته لك. فاحكم على نفسك واغلبها وسـلم للمسـلمين في مآخذهم التي يقبلها الشرع ولا يردها عليهم، فتبسم وانصرف.

فرأيت بعد انصرافه الخضر عليه السلام.

فقال: طب نفساً، والذي صورك، لأنت إمام طائفة الحق، وسيد العارفين اليوم، والسيف الفصال الفارق بين الحق والباطل.

فحمدت الله وشكرته، وصليت على النبي صلى الله عليه وسلم، وألهمت في مطارحات روحانيات ومعارضات كونيات، وقلت من طارقة أحكامها على ميزان نكاتها، بلسان الإلهام، من ذي الجلال والإكرام، أخاطب نفس من انحطت همة نظره عن الاستدلالات بالإبرازات الربانيات:


زعمـت نفسـك أنـي جـاهـل = وحريـص مـال قلبـاً للعـرض

أو كأقوام غـروراً جهلـوا الـسـ = ـر حتى جعلـوا النفـس عـرض

أو كمن طـاش لشـأن عـارض = ورمى الصدق وأغـواه الغـرض

أو كمن عقـد حبـل القـوم بـالـ = ـقوم حتـى قـام جافـا وقـرض

أو كمـن سـر لـه رق الخـفـا = فلوهـم مـزَّق الختـم وفــض

أو كمـن قـام بعـزم مـن يــد = فبسكـر النفـس عـالاهـا ورض

أو كمـن عاهـد مـولاه عـلـى = حالـة النـفس وخلـى ونـقـض

أو كمن شُدَّت لـه حـزم الرضـا = فرآهـا حزمـه حتـى انبـهـض

أو كمـن مـدت لـه مـائـدة الـ = ـغيب من كـف وبالغـي رفـض

أو كمـن مَـسَّ علـى جبهـتـه = عـارف ردَّ لكفـيـه وعــض

أو كمن نـوديَ: أقبـل وانظـرن = نورنا. أغمـض عينيـه وغـض

أو كمن قيـل لـه: اقعـد معنـا = نحن في الأمن. وعن عجب نهض

أو كمـن شمَّـر للسـنَّـة عــن = ساعـد الجِـدِّ وخلـى المفتـرض

أو كمن صيح لـه: قـف بالهنـا = فعصى الآمر واختـار المضـض

أو كمـن حُـطَّ علـى مـئـزره = جوهـر ألقـاه عـنـه ونـفض

أو كمن مَـدَّ إلـى الأخـرى يـداً = وبـه مـن ألـم الدنيـا مـرض

أو كمـن بالبسـط جـروه لـهـم = فمـن البسـط تعالـى وانقبـض

قسمـاً بالغـر مـن أهـل العبـا = وبـمـن وُدَّهُــم الله فــرض

أنـا مـن قـوم بمولاهـم علـو = وافق الحاسـد أو فيهـا اعتـرض

ومـن الراضيـن عـن خالقهـم = إن أحب الجـار يومـاً أو بغـض

ومـن القـوم الذيـن انتـهـزوا = فرصة الإخلاص في ترك الغرض

ومـن الحـزب الذيـن اشتغلـوا = بحبيب مـا لهـم عنـه عـوض

تركـوا الأغيـار عـن خاطرهـم = ترك ذي عزم على المطلوب حض


وفي الصباح جاءني (ابن بالي) الذي مرّ ذكره خاشعاً، وجثى أمامي متواضعاً، وقال: أي سيدي، لا تؤاخذني، رأيت الليلة جماعة فيهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقد رفع يده وأشار إليك، وقال: هذا الشريف شيخ العارفين بالله اليوم. ففهمت (ولله الحمد) فقه كلام الإمام الفاروق رضي الله عنه.

وطلب مني (ابن بالي) تلقين الذكر، فلقنته على سبيل التبرك، وطلبت منه الدعاء.

وبعد ذهابه جاءني صاحبنا السيد أسعد الأحمدي العنصر الذي تمرغن وسبق ذكره فقال: هذه أول ليلة من رمضان، فاجعل عشاءك عندنا .

فقبلت وذهبنا، وكان في بيته امرأة عليلة، فطلب مني أن أقرأ لها ما تيسـر على ماء بنية الشفاء، ففعلت، وأنا في تلك المحاضرة فانجلى لي طالع شأن في ذلك البيت، فغبت عني وحضرت، فقلت:


يا نسمـة الحضـور إذ تعللـي = هاتي برفَّـاف شميـم الصنـدلِ

وأخبرينا عـن شـؤون أحمـد = أبي العريجـا السيـد المسلسـلِ

قد قال إضمـاراً لمـن بشـره = بـأن سـر بيـتـه سينجـلـي

وقـال سـر أنـت لا تعرفـه = يجلو نهـاراً بعـد ليـل ألْيـل

يبرز من سمـك العمـا هلالـه = من بعد طمس لذرى البرج الجلي

يقـوم فـي منبرهـا خطيـبـه = بعـد قعـود صادحـاً كالبلبـل

بعَلَـم يُنـشـر بـعـد طـيـه = رغمـا لكـل جاحـد مُــؤَوّل

نيطـة سـر سابـق وصولـة = تمـد بالبـاع الكريـم الأطـول

يـا عجبـاً لأحمـدي حـائـد = ممرغن وهو الصميـم العبدلـي

يا نفحـة البشـرى ألا فَقَرّبـي = نشر نصوص أحمـد وعجلـي

وأوضحي رقراق مرط الانطوى = بأصغر أو أكبـر أو مـن يلـي

وحققي الرمـز الـذي رصعـه = بقولـه وأطـرفـي وسلسـلـي

ليعـرف الأقـوام أن جـدّهـم = مُقدَّم المجـد علـى كـل ولـي

ولتـري الأنـوار بعـد طيهـا = تبرق في وجه السِّماك الأعـزلِ


فما فهم صاحب المنزل الذي عنيته من همهمتي شيئا، وله أخ دون العشرين كان معه في حفلتنا، ويا سبحان الله! إنهم لأهل بيت يحبون خدمة الضيف بطبع أحمدي أرق من الطيف، وقد قبض أخوه الصغير يدي حين أردت الخروج من بيتهم بلهفة إخلاص وطلب مني الدعاء، فلما استحضرت أمر الدعاء له، رأيته بكشفي نائماً، واليد الأحمدية ترفع به إلى أرائك المعالي وهو لا يشعر، فوكزته بعد التبحبح بظهوره فاستيقظ من سِنَتِه ورجع إلى سُنَّته، وإني لأرجو فيه بروز شأن طرازي من سابقة المدد يكون هو المقصود، والمعني بالإشارات المنطوية في البشارات التي دلت على نشر العلم الأحمدي في بيتهم، ولو بعد حين.

وقد قامت همتي على ساق عزمي ببث أسـرار الله تعالى المضمرة ............


يتبع إن شاء الله تعالى

الرفاعي
01-19-2019, 07:15 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
ــــــــــــــــ

وقد قامت همتي على ساق عزمي ببث أسـرار الله تعالى المضمرة بإمامنا السـيد أحمد الرفاعي عليه رضوان الله وتحياته، وبنشـر ما طوي في بنيه وعشـيرته وذوي عمه وعصابته، وبما زجل مرموزاً بحكمه من أسرار طريقته، ومن أحكام طويته وسريرته، ليحيي الله به بذلك الديار، وينور الأقطار.

وما تصديت وتصدرت لإعلاء وإعلان شيء من كل ذلك إلا بإذن خاص من رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤول إلى الله، ويدل على الله، لا علاقة لذلك بجيف الحطام الدنيوية، بل هو سحاح مدد من أنواء الغيوب، يفتح الله به أقفال القلوب، في أزمنة غلبت بها الأوهام العقول، والتفتت الأفكار إلى المشـهودات الصناعية، فقصرت أيادي القلوب عن فقه حكم النقول، ولهذا وجب على كل عارف محقق أن يخدم شريعة المصطفى عليه صلوات الله بما علَّمه الله، وقد علَّمني الله ـوالحمد للهـ عِلْمَ هذه الطريقة الأحمدية، التي هي أقوم طرق السادة الصوفية، وكلفني حبيبي ببث أحكامها ونشر أعلامها، انتظاماً بسلك الصديقين من أئمة آله المرضيين.

ومن المعلوم أن أشرف أنواع المخلوقين، النوع الإنساني، وأشرف النوع الإنساني، خواص النوع، ساداتنا الأنبياء والرسل العظام، عليهم الصلاة والسلام، وأكملهم دعوة، وأجمعهم شريعة، وأتمهم نظاماً، وأكثرهم للخلق نفعاً، وأوضحهم حجة، وأبهجهم مناراً ومحجة: سيدنا محمد الحبيب العظيم، الذي قال في حقه تعالى مخاطباً له: ((وإنك لعلى خلق عظيم)).

كيف لا وقد أتى بالدلالة السمحاء، والشريعة البيضاء، ونور بالعدل والحكمة والإنصاف وجه الآفاق، وقال: (بعثت لأتمم مكارم الأخلاق).

وقد جمعت شريعته الطاهرة كل حكمة بديعة، وموعظة منيعة، وأسست أركان العدالة، وأوقفت كل أحد عند حده لا محالة؛ فجمع الله له القلوب، وقاد له الطباع؛ فاطمأنت لشريعته العادلة نفوس بني آدم، وعلا شاع برهان حكمة رسالته في العالم، ولم يمتنع عن الإقرار برفعة قدرها وصحة أمرها، إلا الحاسد الممقوت الممكور، والمكابر المحقور.


قد تنكر العين ضوء الشمس من رمد = وينكر الفم طعم المـاء مـن سقـم


ومع كل ذلك فإن الأعداء من أصحاب الأفكار المنصفة، يذعن حزبهم سراً وجهراً للانقياد الخالص لشريعته الأحمدية وطريقته المحمدية:


أعداؤه شهدت بعالي فضلـه = والفضل ما شهدت به الأعداء


ومما يدل كل عاقل على أنَّ شريعته أعلى الشرائع النبويات مناراً، وأثبتها مداراً، جَمْعها لنفع الدين والدنيا، وأحكام أوامرها المطاعة بما يتعلق بكل حِكْمة نافعة في أمري المعاش والمعاد؛ وإنَّ باقي شرائع ساداتنا النبيين والمرسلين مقتصرة أحكامها على الأمور التعبدية، ومعاملة الخالق لا غير.

ولذلك ترى أنَّ الأمم السائرة ينتحلون لهم قوانين عمومية؛ ليصلحوا بها معاملة الخلق.

ولا بدع فإنها لا تخلو من أمور مغايرة للحكمة؛ لأنها من موضوعات المخلوقين، وقد يُرى أنَّ قانون قوم يطابق نفع جماعة منهم، ويخالف منافع آخرين؛ إلا أنَّ الشريعة المحمدية لكونها جاءت من الله بأمر الله على لسان حبيبه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ترى أن كل حكم من أحكامها الكلية والجزئية إذا أبصرته بعين التدقيق منصفاً، تجده محض نفع لا يثقل على طبع، ولا يضيق له وسع، ويؤيد ذلك قوله تعالى: ((لا يكلف الله نفس إلا وسعها)).

وقد استجمع نظامها الشريف الحكم الملائم لقوى النوع الإنسـاني في العبادات والمعاملات والعقائد.

ألا ترى أن أول أركان الإسلام التوحيد، والإقرار برسالة النبي العظيم، عليه أفضل التحية والتسليم، ثم إقام الصلاة، ثم إيتاء الزكاة، ثم صوم رمضان، ثم حج البيت من استطاع إليه سبيلا؛ ولم يجعل الجهاد ركنا سادساً ـ حال كونه من أعظم المفروضات الدينية لحكمة عجيبة، يسلم لها بعد إيضاحها عقل كل عاقل.

وهو أن التوحيد لَمَّا كان من الحقائق الثابتة بالبداهة، المؤيدة الحجة بالبراهين القاطعة العقلية والنقلية لقبول الطبع والعقل، صرف وجهة الاطمئنان إليه.

ويدل على ذلك تناهي الطبائع المصنوعة إلى شكل يفتقر إلى صانع يوطد برهانه، ويقيم على هيئته الطبيعية أركانه، وبعد هذه الحجة الواضحة، فإنه تعالى وتقدس:


في كل شيء له آية = تدل على أنه واحد


ومن المروءة أن يشكر الرجل المنعم والمحسن على نعمته وإحساناته، قلَّت أو كثرت، حتى إن خادم الرجل إذا سـقاه الماء؛ يجد بحكم الطبع السـليم أن يبش بوجهه مقابلة لصنيعه، وعلى هذا إذا صرف الشكر لكل ما يرد إليه من أنواع النعم والمعونات الواصلة إليه بحكم الضرورة البشرية كل على حدة، كالماء والطعام، كل نوع منه على حدة، والملبوس , كل لون ونوع منه على حدة، والمقيل وأسبابه، والنسيم وفروعاته، والنهار وبهجته، والليل وسكونته، وغير ذلك، يتشتت أمره، ولا يقدر على صرف وجهة الشكر لهذه الطبائع المتعددة، كل واحدة منها على حدتها، وإذا لم يفعل ذلك ويؤدي واجب شكر ما يرد إليه، فعلى قاعدة الآداب المعروفة يكون كفر نعمة، بل ويجد نفسه مُفرِّطاً ولا ريب.

فإذاً وجب عليه عقلاً ومروءةً وديناً أن يصرف وجهة الشكر القلبي لخالق النعم، وموجد الأمم، وأن يوحده وينزهه عن الأغيار: ((ألا له الخلق والأمر)).

ومن هذا يجب عليه ذكر من دله على سر هذا التوحيد، ليعرف منزلته، ويتبع أثره وطريقته، إقراراً برسالته، وتشرفاً بمتابعته عليه أجل الصلوات والتسليمات، فيقول بعد قوله: (اشهد أن لا إله إلا الله): (وأشهد أن محمداً رسول الله) ومتى تنور قلبه بالإذعان الخالص المحض، والاعتقاد السليم بمعرفة مكانة نبيه عليه السلام، ألزم نفسه العمل بعمله، فصلى، وزكى، وصام، وحج.

على أنَّ في الصلاة بتكررها في اليوم والليلة خمس مرات ملاحظة الوقوف بين يدي الله، ومن الملاحظة المذكورة يتنبه العبد، فلا يعصي الله، ولا يخالف أمره، ومن ذلك تحصل له نتيجة الأدب مع الله، وسلامة النية لخلق الله، فلا يعدو على أحد، ولا يؤذي أحداً، لا بمال، ولا بعرض، ولا بنفس، وقوفاً عند حدود الله، وعملاً بقوله تعالى: ((إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر)).

وذا لم يتنبه من الوقوف بين يدي الله في صلاته، ويتذكر الوقوف بين يديه في حشره ويخشى سؤاله، فليس بمصلّ.

وأما الزكاة، فإنها مشتملة على حِكَمٍ عظيمة، منها الحث على جمع المال الحلال، وفيه توسيع أمر التجارة والصناعة والعمران، ومعونة الفقراء من إخوانه المسلمين الموحدين وغير ذلك.

وإلا إذا اجتمع المال من حرام وغدر وخيانة، فزكاته ليست بزكاة , وفي هذا يكفي للمتدبر.

والصوم مشتمل على حِكَم، منها أن الغني يجوع، فيذكر الله، ويرجع إليه، ويتذكر الفقراء، فيعينهم ويحسن إليهم ويتودد لهم، والفقير ترقى همته فيرى أعمال الأغنياء من الخيرات، فيسعى في طلب المعيشة وإصلاح شأنه.

ومنها أن الإفطار لابد أن يكون على المال الحلال؛ فإذن يمتنع المكلف بالصوم عن إضرار الناس أموالهم البتة.

ومنها أن النظر إلى أعراض الناس، والإفساد بينهم، ومغيبتهم، والسعي بالرجل واليد لأذية فرد من أفراد الخلق، من مفسدات رابطة الصوم، فإذن ينقطع الصائم عن كل فعل ممنوع عنه شرعا، وإلا فلا يعد صائماً.

والحج فيه حِكَمٌ كثيرة، منها السعي لازدياد المال الحلال بالكسب الطيب، حتى يتمكن من الزاد والراحلة، وفيها بركة السياحة التي توقف الرجل على خبايا الزمان، وأسرار البلدان، وتصلح طبعه؛ فإن من لم يسافر ويختلط بالناس، ويرى البلاد السائرة، محجوب عن الوصول إلى حقائق ما وضع في الزمان على الغالب، وقد تزكو أخلاق السياح، وتنقلب من الكبر إلى التواضع، ومن الوحشة إلى المؤانسة، ومن الغلظة إلى الرقة، ومن الجهل إلى العلم، ولو بأمزجة الناس وكيفية مسالكهم في أوطانهم.

وان كان السياح من أهل الفضل والعلم والكمال، فلا بد أن يزداد فضلاً وعلماً وسعة اطلاع.

ومن الحِكَمِ المطوية في الحج، تذكر الحشر والنشر في الجبل، ووقوف الرجل على أحوال إخوانه المسلمين، والإحاطة بأخبارهم من سائر أقطار الدنيا، خفيها وجليها، وغير ذلك.

وكل ما ذكرناه من الأركان الدينية مؤيد بعضه لحكمة بعض؛ آمر بوقاية حقوق النوع الإنساني وتمهيد أركان حضرة الإطلاق الشرعية لكل فرد من أفراد المخلوقين، والحكم الكافل لدوام هذه الأركان الشريفة الجهاد، ولذلك لم يُعَدّ ركناً سادساً، لكونه كافلاً لحفظ الأركان، ولا يستعمل إلا بشروطه الصحيحة المرعية شرعاً.

منها أن الهيئة الإسلامية إذا رأت فرقة أو حزباً أو فرداً من الناس قام لهدم هذه الأركان، وتصدى لإعادة بغي الجاهلية وإقامة شعائر الظلم والعدوان، وتخريب منار الحرية الإسلامية التي أمن بها كل فرد على نفسه وماله ودينه وعرضه؛ يُنصح إلى أن يفىء إلى أمر الله، فإن فاء إلى أمر الله وتاب وآب واندرج ضمن هذه الهيئة المباركة قولاً أو ديناً، أقرُّوه دار الأمان، وقالوا له: لك ما لنا، وعليك ما علينا، وان لم يفعل قاتلوه، لا على عصبية، ولا على غرض، إنما لتمهيد أركان الأمن العام، ووقاية نظام العدالة الإلهية التي وهبها الله تعالى بأمر رسوله العظيم لكل من المخلوقين، ((والحمد لله رب العالمين )).

وكل هذا لُباب ما قرره شيخنا سيد الصديقين، الإمام الرفاعي رضي الله عنه. وقد ذكر من مناهج السلوك إلى الله وسائل في الطريق أربعة فيها الحصول على خير الأمر الديني وجمع الحال مع الله تعالى .

فالوسيلة الأولى:........

يتبع إن شاء الله تعالى

الرفاعي
01-21-2019, 10:53 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
ــــــــــــــــ

فالوسيلة الأولى: صحة الاعتقاد، ولنذكر ذلك بالاختصار على الوجه الكافي؛ وهو أن يعتقد المرء أنَّ اللهَ واحدٌ لا شريك لهُ، فردٌ لا مثل لهُ، صمدٌ لا ضد لهُ، متفردٌ لا ند له، وأنَّهُ قديمٌ لا أول لهُ، أزليٌّ لا بداية لهُ، مستمرٌ الوجود لا آخر له، أبديٌّ لا نهاية له، قيومٌ لا انقطاع له، دائمٌ لا انصرام له، وهو الأول والآخر، والظاهر والباطن، لا يماثل موجوداً، ولا يماثله موجود، ((ليس كمثله شيء)) ولا هو مثل شيء، لا يحده المقدار، ولا تحويه الأقطار، ولا تحيط به الجهات، ولا تكتنفه السموات.

العرش وحملته محمولون بلطف قدرته، ومقهورون في قبضته، بائن بصفاته عن خلقه، ليس في ذاته سواه، ولا في سواه ذاته، مقدس عن التغير والانتقال، منزه عن الغيبة والزوال، حيٌّ، قادرٌ، جبارٌ , قاهرٌ، لا يعتريه قصور ولا عجز، و ((لا تأخذه سنة ولا نوم))، ولا يعارضه فناء ولا موت، ذو الملك والملكوت، والعزة والجبروت، وله السـلطان والقهر، والخلق والأمر، عالم بجميع المعلومات، مريد للكائنات، مدبر للحادثات، وهو المبديء المعيد، الفعال لما يريد، لا راد لحكمه، ولا معقب لقضائه، ولا مهرب لعبد عن معصيته إلا بتوفيقه ورحمته، ولا قوة له على طاعته إلا بمحبته وإرادته.

سميعٌ بصيرٌ، لا يعزب عن سمعه مسموع وإن خفي؛ ولا يغيب عن رؤيته مرئي وإن دقَّ.

متكلم، آمر، نـاهٍ ، واعد، متوعد بكلام أزلي قديم، قائم بذاته، لا يشـبه كلام الخلق، ليس بصوت يحدث من انسلال هواء واصطكاك أجرام، ولا بحرف يتقطع بأطباق شفة أو تحريك لسان؛ وأن القرآن والتوراة والإنجيل والزبور كتبه المنزلة على رسله، وأن القرآن مقروء بالألسنة، مكتوب في المصاحف، محفوظ في القلوب، قديم، قائم بذاته، لا يقبل الانفصال والفراق بالانتقال إلى القلوب والأوراق.

وأن موسى ـ عليه السلام ـ سمع كلام الله بغير صوت ولا حرف، كما يرى الأبرار ذات الله من غير جوهر ولا عرض.

وإذا كانت له هذه الصفات، كان ـ جل علاه ـ حيّاً، عالماً، قادراً، مريداً، سميعاً، بصـيراً، متكلماً بالحياة، والعلم، والقـدرة، والإرادة، والـسـمع، والبصر، والكلام لا بمجرد الذات.

ويجب أيضاً على المرء أن يعتقد أن الله حكيمٌ في أفعاله، عادلٌ في أقضيته، يثيب عباده على الطاعات بحكم الكرم والوعد، لا بحكم الاستحقاق واللزوم، إذ لا يجب عليه فعل، ولا يتصور منه ظلم، ولا يجب لأحد عليه حق.

بعث الرسل وأظهر صدقهم بالمعجزات الظاهرة، فبلغوا أمره ونهيه ووعده ووعيده، وأوجب على الخلق تصديقهم فيما جاؤوا به، وبعث النبي الأمي القرشي محمداً صلى الله عليه وسلم برسالته إلى كافة العرب والعجم والجن والإنس، فنسخ بشرعه الشرائع إلا ما قرره، وفضله على سائر الأنبياء، وجعله ســيد البشر، ومنع كمال الإيمان بشهادة التوحيد وهي قول: لا إله إلا الله. ما لم تقترن بها شهادة الرسول، وهي قول: محمد رسول الله. وألزم الخلق بتصديقه في جميع ما أخبر عنه، من أمر الدنيا والآخرة.

ويجب على المرء أن يؤمن بما أخبر عنه الرسول صلى الله عليه وسلم بعد الموت، وذلك سؤال منكر ونكير، وأن القبر والميزان، والصراط، والحساب، والقضاء العدل في أمر الخلق بعد حسابهم، وتفاوت الخلق في الحساب إلى مُناقَش فيه ومُسامَح، ومن يدخل الجنة بغير حساب.

وأن يؤمن بالحوض المورود، حوض سيد الوجود صلى الله عليه وسلم، يشـرب منه المؤمنون قبل دخول الجنة وبعد جواز الصراط؛ من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبداً.

وأن يؤمن بإخراج الموحدين من النار بعد الانتقام، حتى لا يبقى في جهنم موحد بفضل الله تعالى.

ويؤمن بشفاعة الأنبياء، ثم العلماء، ثم الشهداء، ثم سائر المؤمنين، كل على حسب جاهه ومنزلته؛ ومن بقي من المؤمنين ولم يكن له شفيع أُخرج بفضل الله، ولا يخلد في النار من كان في قلبه مثقال ذرة من الإيمان.

وأن يعتقد فضل الصحابة الكرام رضي الله عنهم وترتيبهم، وأن يحسن الظن بهم جميعا، ويثني عليهم كما أثنى الله ورسوله عليهم.

والوسيلة الثانية:.............

يتبع إن شاء الله تعالى

الرفاعي
01-21-2019, 11:06 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
ــــــــــــــــ

والوسيلة الثانية: العمل بأوامر الله، والكف عن نواهيه، امتثالاً لقوله تعالى: ((وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا)).

وإن ذلك لهو الوقوف عند حدود الله، والخوف من الله، وذلك رأس الحكمة؛ وقد بين ذلك سيد العالم وأفضل بني آدم صلى الله عليه وسلم بقوله: (رأس الحكمة مخافة الله).

وإن بالعمل انفجار ينابيع العناية، والتكلم بلسان الحقيقة، والوصول إلى العلم اللدني المتدلي من حظيرة الوهب إلى حيطة القلب بلا مُعَلِّم.

وقد قيل: إن الشريعة العلم، والطريقة العمل، والحقيقة العلم الوارد من لدن الوهاب بلا معلم؛ ولذلك أشار أشرف المخلوقين ـ عليه صلوات الملك المعين بقوله: (من عمل بما يعلم، ورثه الله علم ما لم يعلم).

قلت: وإن الشرط الأعظم في العمل، الإخلاص وحسن النية؛ وذلك التجرد في العمل من طلب غير الله، وتطهير ساحة القلب من سوى الله، وصرف وجهة القلب بالكلية إلى الله، وقد أكد لزوم ذلك قول مولى الخافقين، جد الحسنين الأحسنين صلى الله عليه وسلم: (إن الله لا ينظر إلى صوركم، ولا إلى أموالكم وأحسابكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم) وقال عليه الصلاة والسلام: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرء ما نوى). فإذا صحت النية كمل الإخلاص، وإذا كمل الإخلاص نجح العمل، وإذا نجح العمل حصل الأمل.

والوسـيلة الثالثة: كثرة الاشتغال بذكر الله عز وجل؛ لان ذكر الله جلاء للقلب، ونور للسر، وهيبة للوجه، ودولة للقالب، وهو الحبل الموصل لله، والطريق الدال على الله، والسر المأخوذ عن الله، والأمر النازل من الله، والروح الطيبة السارية بطمأنينتها في قلوب الذاكرين، والبشرى القديمة الثابتة في ألواح أسرار المحبين، قال الله تعالى: ((فاذكروني أذكركم))، وقال سبحانه: ((ألا بذكر الله تطمئن القلوب))، وفى الحديث القدسي: (ما ذكرني عبدي في ملأ، إلا ذكرته في ملأ خير منه).

وقد أرشد الله نبيه عليه الصلاة والسـلام إلى الذكر وترك الأغيار بقوله ـ جل جلاله ـ: ((قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون))، وقد أمرنا النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم بالذكر، وبين لنا أن مجلس الذكر روضه من رياض الجنة، وقال عليه الصلاة والسلام: (إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا، قيل: يا رسول الله، وما رياض الجنة؟ قال: حلق الذكر).

واتفق القوم رضي الله عنهم على أن الذكر سلسلة تربط القلب بحبل الرب، وتفتح باب الفتاح، وتوصل إلى حضرة الأرباح، وتقطع دابر الظالمين، وتنصر ذل المظلومين، وترفع المقدار، وتدفع الأقدار الواردة بالأكدار.

ولا ريب أن من كان لله، كان الله له، وقد حثنا آمراً لنا بارئنا الرحيم الرحمن ـ تقدست أسماؤه ـ على كثرة الذكر بقوله تعالى: ((يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا))، وفي ذلك دليل على حصول كل خير، ودفع كل شر ببركة الذكر.

وقد ورد على لسان أهل الحقيقة أن الطير وغيره من دواب البحر والبر لا يقتل بسهم الصياد إلا إذا غفل عن ذكر الله، وغير خاف أن كثرة ذكر الله تكون من محبة الله، ومن أحب الله، أحبه الله، ومن أحبه الله، صار في أمان الله، مع الذين ((لا خوف عليهم ولا هم يحزنون)).

والوسيلة الرابعة: كثرة الصلاة على النبي الأعظم، والرسول المكرم صلى الله عليه وسلم؛ لأنه عليه الصلاة والسلام باب الله، ووسيلة الخلق إلى الله، ودليل الكل على الله، والشفيع بين يدي الله، وأعظم قريب إلى الله، ومقرب من الله.

وقد نبه القرآن العظيم وحث على الصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وسلم بقول الله سبحانه: ((إن الله وملائكته يصلون على النبي * يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسـلموا تسـليماً))، وقد جرب القـوم أهل الكمال رضي الله عنهم الصـلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، فرأوها سُلَّماً لوصلة الله، وسلامة في طريق الله وطريقا موصلاً إلى دار السلام، وباباً يُدخل إلى باب الله بسلام.

وقد أحكم طريق الوصلة من باب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم أمة من الموحدين المؤمنين بالله، وخلاصة ما هم عليه هم وأعيان الأمة وأقطابها وأنجابها والصدر الأعظم من صالحي سلفها: أن الوصلة إلى الله تعالى لا تصح إلا بواسطة النبي صلى الله عليه وسلم، والطريق إليه كثرة الصلاة والسلام عليه.

وهو حقيقة الحقائق وطريقة الطرائق، والسر الإلهي الذي أيد الله به أهل الحضرات السائرين إليه سبحانه وتعالى.

وما أعظم ما شاهدته من كرمه صلى الله عليه وسلم اَلْهَامي عليّ، وإحسانه العظيم المتواصل إليّ؛ فإن رمضان المبارك الذي صمته في أعتابه، وتنورت به متحققاً في خدمة بابه؛ صار سلوكي الأتم، وطريق وصلتي الأقوم؛ وقد رفعني بيد عنايته في كل يوم أربعين درجة من درجات الحقيقة، وفي كل ليلة مثلها.

وفي ليلة العيد خلع علي عليه من ربه أفضل الصلاة والسلام خلعة الغوثية من طريق المحاذاة الشاملة، لا من طريق التصرف في المقام.

وقد تم لي التمكن في هذه المنزلة بعنايته الكاملة، ورأفته الشاملة، حتى جاء إبان الحج فاستأذنته صلى الله عليه وسلم، فأذن لي، ومن علي بمقام العيانية، فما غاب شاهد نوره المصطفوي عن عيني طرفة عين.

ولما زمت الهمة، واندلع شارق فجر العزيمة، وسبح سيال المحضر من فياض نور الحضرة، قمت على قدم الإخلاص أخب القيعان متجرداً إلى الله، قاصداً بيت الله، مهاجراً عني إلى حمى الله.

فوصلت إلى بيت الله الحرام..................

يتبع إن شاء الله تعالى

الرفاعي
01-21-2019, 11:55 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
ــــــــــــــــ

فوصلت إلى بيت الله الحرام، وتمليت بالمشهد الإبراهيمي على صاحبه وولده أفضل الصلاة والسلام، وكشف الله لي أغطية الأكوان، علويها وسفليها، فطافت همتي في زواياها، وكشفت حجب خباياها، ورجعت عن كلها إلى الله تعالى، متحققة بالطمأنينة المعنية بسر قول الله تعالى: ((يا أيتها النفس المطمئنة * ارجعي إلى ربك راضية مرضية)).

وقد تدلت هناك إلى قلبي قصص السموات منحدرة من ساحل بحر قلب النبي صلى الله عليه وسلم، وقد شخصت إلي الأبدال والأنجاب ورجال الدوائر وأهل الحضرات وأرباب المكاشفات والمقربون من عوالم الإنس والجن، وفقهت نطق الجمادات الضمني، ولغات الطيور، ومعاني هفيف الأشجار والنباتات، ورقائق صرير الأقلام؛ وجمعت شتات الرموز، فكنت أحضر وأغيب معي وعني في اليوم والليلة ثمانين ألف مرة.

وانفسح سمعي فوعت أذني أصوات الناطقين والمتكلمين على طبقاتهم، واختلاف لغاتهم من مشارق الأرض ومغاربها، ومزقت بردة الحجاب المنسدل على بصري، فرأيت فسيح الأرض ومن عليها ذرة ذرة، وتسلطت همتي فانجدلت في الكل، تمريناً لحكم التصرف لمنزلة الغوثية الكبرى، والقطبية العظمى، وحملتني أكف عناية سادات النبيين والمرسلين، وأغاثتني في كل حركة وسكنة إعانة روح سيد المخلوقين، وأتممت مناسكي، وأنا هناك شيخ الدوائر، وسلطان المظاهر، وأمين خزائن البواطن والظواهر، وشحنة الجمع، وعالم الفرق.

وقيل لي: سر على بركات الله بقدمك وقالبك إلى الروم.


فانحدرت بعد أداء ما وجب إلى (مصر)، ومنها إلى (الشام)، ومنها إلى مرقد الإمام الصياد، وجددت العهد الذي مضى، والوقت الذي انقضى، وقمت من حضرته أرفل بحلل الرضا حتى وصلت إلى (جسر الشغور)، ومنها إلى قرية هناك بظاهر البلدة، اسمها ( كفر دُبّين ) , وأنا في حال جمع محمدي واقف على ظهر جامع خرب طويت أخباره، وانطمست بالتراب أثاره؛ فنوديت بالغوثية الكبرى من مقام التصرف، وأبصرت العلم المنتشر بالبشرى، وقد رفعه عبد السلام، أمين حراس الحضرة النبوية، من أولياء الجن.

فانعطفت إلي أنظار الصديقين، وتعلقت بي قلوب الواصلين، فسجدت لله شكرا، وحمدته ـ سبحانه ـ على نعمه وعظيم كرمه.

وسرت ولمحل النداء معنىً في القلب سيظهر إن شاء الله، وتعمر البقعة، وتقام في الجامع الجمعة، كذا وعدني ربى بالإلهام الحق، وهو لا يخلف الميعاد.

وانتهيت في سـيري من طريـق (كـلس) إلى (عينتـاب) و(مرعش)، ثم إلى (آلبستان)، ومنها مرحلة مرحلة إلى بلدة (صامسون) , ودخلت اللجَّة أثُجُّها ثجَّة ثجَّة، حتى انتهى السير المائي إلى (القسطنطينية).

فحفلت بشهودي في أحكام ما طواه الله في البلدة المذكورة من رموزات المعاني الجوالة في محاضر الظواهر الكونية، فقابلني صاحبها وأصحاب نوبتها، وبقيت فيها ثمانية جمع، واجتمعت بها على الخضر عليه السلام ست مرات، ويا لله من حِكَمٍ سماوية تنزل من لَفَّاف دور القدر، يمضيها الحكم الإلهي في تلك البلدة إمضاءً وإنفاذاً، ولربي الفعل المطلق: ((له الحكم وإليه ترجعون)).

وصاحب حكم الظاهر سلطانها الذي جمع الله عليه أمرها، وسلَّمه زمام التصرف بها، وتجلى عليه بمسحة جبروتية فأقامه بمظهر القطع والوصل فيها.

هو عبد أخذ قلبه طـارق خالص من طوارق الإيمان، أبرز فيه إعظاما صادقاً للنبي صلى الله عليه وسلم وآله وأصحابه وصالحي أمته؛ فهو مع هناته الناتجة من خميرة شـهواته، منظور بنظر الرفق والحنان والعناية والإحسـان من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ملتفت إليه لطارقة انكساره إلى الله وأدبه مع رسوله عليه الصلاة والسلام.


وقد أمرني حبيبي أعزه الله بصلواته وتسليماته أربع مرات أن آخذ بيده. وإن طريقنا الذي تحققنا به سلوكاً واصلاً إلينا من شيخ الأولياء وسلطانهم ومؤيد برهانهم، مولانا السـيد أحمد الرفاعي رضي الله عنه أن نسعف ولاة الأمور بقلوبنا، وأن ندعو لهم بجمع الشأن وصلاح الحال بألستنا وأن لا ننازع الناس أمرهم، وأن نحكم محبتهم في قلوب المسلمين ما استطعنا لجمع الكلمة، ودفع شق العصا عملاً بسنة النبي صلى الله عليه وسلم وتحققاً فيما أمر واتّباعاً له واعتقاداً بكلامه الذي من عمل به نجا وأمِن؛ ومع ذلك فإن سرَّ المحبة لله ورسوله يُصلح شأن العبد؛ المنوه بذكره الذي أبرزه الله حاكماً آمراً ناهياً حارساً لبيت الله ولحرم رسول الله خادماً لهما ألا وهو ملك المسلمين (عبد المجيد بن محمود) - أتحفهما الله بإيمان لا سلب بعده، وبنظر خاص لا يقضي بعد القرب بردّه وإيانا والمسلمين، فإنه يحب الله ورسوله، ومحبة الله ورسوله هي العصمة النافعة، والبركة الجامعة، وقد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى رجلاً سب رجل سَكِر وعلَّل النهي عن سبه بكونه يحب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وفي آخر الزمان وتناهي الأوان يتحتم ويفرض على كل مسلم كف الطرف عن معائب الأمراء التي لا يطلع المرء عليها بعينه من المعائب التي تقوم بخزي المسلمين وقطع حبال قوتهم وقصد اضرارهم علماً بكل ذلك العلم اليقين الذي لا يقوم معه تأويل حسن، وإلا فإذا صحب أغلاطهم نية صالحة أنتج لهم القدر منها غير ما أضمروه فهم عند المنصف غير ملومين.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إعملوا فكل ميسر لما خلق له).


على المرء أن يسعى لجمع شتاته = وليس عليه أن يوافقـه الدهـر


وحيث أنَّ آخر الزمان شبت فيه نار الفتن وكثرت فيه الغوائل.........

يتبع إن شاء الله تعالى

الرفاعي
01-21-2019, 12:16 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
ــــــــــــــــ

وحيث أنَّ آخر الزمان شبت فيه نار الفتن وكثرت فيه الغوائل، وعظمت فيه شنشنة الكفار وكثرة أموالهم وخيلهم ورجالهم، وانتشرت صناعاتهم، وهال خطرهم، فلهذا تحتم على الأمة إقالة عثرات الإمام وعماله، والانطباق معهم باجتماع الكلمة، واتحـاد القلوب على تأمين أحوال الأمة من أعدائها، ولزم الاشـتغال بصـالح الإمام وعماله عوض الاعتراض والانتقاد عليهم.

هذا وإن كان لهم ما ينتقد عليه من الأعمال؛ فإن المرء إذا كان له أخ في الله، أو جار انحرف عن طريق الصواب، وانصرف إلى لذاته وسـبيل شهواته، فهل من الحكمة أن يفاجأه بالمسـبة ويطارقة بالغيبة ويوغر عليه الصدور، أم الحكمة أن يسـتر عيبه ويتلطف بنصيحته ويبذل الجهد لإصلاحه.

بل الحكمة الشق الثاني، قال الله تعالى: ((أُدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسـنة))، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً).

ومن مطارق الأنظار السابحة في حضرة الفتح الإلهي، ما برز لي بشأن هذا الملك وبيته؛ فإن أسرار الغيب لا يطلع عليها أحد إلا من ارتضاه الله لذلك، فأطلعه على ما هنالك.

وقد تعين لي في صحيفة شهودي بعد طي منشور مظهر هذا الرجل البارز، بروز أخ له سيبرز ثم يطوى بعد برهة بصدمة من صدمات الأقدار، تطهره من غبار نفسه، فيموت طيبا مرضياً؛ فإن الله يصلح الخاتمة بأي سبب شاء.

ثم يليه ولد الحاضر، ويا عجبا رأيت في صحيفته خطاً أسوداً برز من قلبه، فخبط عقله وأمضاه، كأن لم يلج سم الخياط الأمر والنهي، لما فيه من وقيعة في طبعه، صادة له عن السبيل الأمين، والحكم لله رب العالمين.

ثم يليه ولد الحاضر الثاني، وفي أيامه أيامنا، حيث تنشـر أعلامنا، وإنه لفي طارفة النظرة المحمدية نسيج حال أبيه، وله عين ترعاه من قبل صاحب دائرة البرهان الفياض، قطب الوجودات، سيدنا الإمام الرفاعي رضوان الله عليه وسلامه، ولكن لا يشعر بها، وكذلك اللطف الخفي يلحظ العبد من حيث لا يشعر.

وقد تتغلغل العوارض، وتتعارض الغوائل في زمنه، ويكثر عليه التهويل؛ وقد كلفني الله تعالى من طريق الهمة رعاية شأنه، والاهتمام بوقاية أمره، وصيانة مقامه، وقد أشرت بل وصرحت بذلك في رائيتي الكبرى، التي سميتها: "أساليب البيان, لأسرار آخر الزمان" ومنها قلت:


سيأتـي أبـو السبعيـن والأربـع = يسلمه الرحمن مـن كـل ذي شـر

بأيامـه أيامـنـا حـيـث انـنـا = رضينا به في مجلس الغار بالفجـر

أمين وإن عاداه كـل مـن اعتـدى = على طوري الأمرين بالسر والجهر

سيحمل من برهان مكنـون سرنـا = نظاماً بـه الآيـات طيبـة النثـر

ولابد من بعـد الوهانـة أن يـرى = قوياً على طور الغضنفر في العصر

وصاحبنـا يدنـو إليـه ويرتقـي = بسلك كبار العصر في ظاهر الأمر

رقائـق أحكـام جـلا الله سرهـا = تعالى له التصريف في النهي والأمر


وبهذه القصيدة السعيدة من الإعلام بمنزلة هذا المولى الثاني من أولاد أبيه الثالث بعده، في جانحة النظر الخاص المحمدي والعطف الأخص الأحمدي، ما يفهمه أهل الخصوصية من المحققين.

وبالجملة، فبيتهم معمور، وفيهم من أسلافهم قدم صالح، وإذا ترقرقت الآثار، ودارت الأدوار، وطرقت الطوارق، وكثرت المزالق، فلله فيهم مدد وعين عناية تصونهم حرمة لمن شـرفهم الله بخدمة أعتابه النبوية، عليه أفضل الصلاة والسلام والتحية.

وقد أهَّلَ الله أهْل هذا البيت لهذه الخدمة السعيدة، وها هي أسماؤهم تذكر على المنبر المصطفوي، بمحضر من الجناب النبوي، ونعمت العناية! والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

وقد تعرضت لذكر هذا البيت، لما كُلِّفت به من النظر إلى الرجل الحاضر منهم، والذي سيأتي ثانياً من أولاده فيهم ولما سيبديه الله من شؤونات كرمه بشأن بيتنا العامر، وطريقنا الطاهر، بتلك الأيام المعنية، بهذه الإشارات المطوية، وإلا فما نحن بصدد أهل الملك والحكومات الظاهرة، وأين نحن منهم؟! نحن انقطعنا إلى الله، وهجرنا الأكوان في الله، وقاطعنا الحادثات لأجل الله، وخرجنا عن وهم الحول والقوة إلى تدبير الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

ورب قائل يقول، وحاسد يصول، فقل له: سينشر هذا السر بعد أن نطوى في القبور، ويعقب ذلك الخفاء الظهور، و ((إلى الله تصير الأمور)).

وفي ( القسطنطينية ) تشرفت بزيارة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم...........

يتبع إن شاء الله تعالى

الرفاعي
01-21-2019, 12:49 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
ــــــــــــــــ

وفي ( القسطنطينية ) تشرفت بزيارة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم سيدنا الإمام الجليل خالد أبي أيوب بن زيد الأنصاري، عليه رضوان الباري، فشارفني بذاته، وعمني بهباته، وأكرمني بود أخلصه لي الرحم المتصل به، والموصول الحبل بي، من طرق في نسب سيدي الجد الأكبر، والكبريت الأحمر، مولى الدوائر أبي العلمين رضي الله عنه.

وعجيب وأنا أدور في الجامع الأنصاري، شمَّيت رائحة أحمدية شرحت صدري، فتتبعت أثرها، حتى انتهيت إلى رجل بهيج المنظر، وسيم الشكل والهيئة، عربي، فحدَّق بي واشتغل عن نفسه، ثم هرع إلي، فقبض على يدي، وما قدرت على الانفلات منه حتى صافحني، فقلت: من أيّ البلاد أنت؟ فقال: من (حماة). فقلت: ما اسمك؟ قال: عمر. قلت: وما اسـم أبيك؟ قال: محمد. قلت: ومن أي بيت؟ قال: من بيت الحريري. قلت: من أي الحريرية؟ قال: من الرفاعية. فاسـتجمعت شـأنه، فرأيت فيه حالاً خالصاً، وطوراً صادقاً، وشـأناً تاماً من محبة النبي صلى الله عليه وسلم، وله برهان قلبي من منـازلات الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم؛ فإنه كثير الصلاة عليه، فدعوت له، وأسعفته بحاله، وأودعت فيه نمطة سر ستظهر في بيته إن شاء الله تعالى.

وبعد ما تمت خدمتي، وكملت حضرتي، خرجت من ( القسطنطينية )، فطفت غربي بلاد الروم وشماليها، عواصمها وقراها وطرقت منها (فارس)، وجُلْت في (الهند)، وأخذت إلى (نجد)، واستقبلت (الجزائر) والسـواحل الشرقية منتهياً إلى (اليمن)، تم توسطت (بلاد الحبشة)، ورحت ألُفّ الطريق كاراً إلى (مصر)، ثم إلى (الإسكندرية)، وفيها رأيت السيد عمر بن الحريري الحموي، الذي سبق ذكره، وكنت يوم سألته بالقسطنطينية عن اسم أبيه في رفة جلال غلبته دهشتها، حتى ظن أنني الخضر عليه السلام، فطارفته بطارفة جمال هناك، فانبسط إلي وانطبع في، فقلت: عرفت صاحبك في (القسطنطينية) بجامع الإمام أبي أيوب رضي الله عنه فقال: نعم.

فقلت: ما اسم أبيك؟ فقال: حسن. فقلت: وأبوه؟ فقال: محمد. فقلت: حينئذ يوم سميت أباك هناك محمداً، جئت بما عليه العرب فإن أحدهم ينتسب إلى جده؟ فقال لا والله بل دهشني حالك، وظننت أنك الخضر.

فقلت: صل على نبيك، رأيت رجلاً من آل عمك بني رفاعة يجتمع على الخضر عليه السلام، فبكى وجداً وطلب مني الدعاء، فدعوت له وطويت في بيته حال من إسمي سينشره تعالى بعد حين، ((والحمد لله رب العالمين)). وتركه وانصرفت.

وكريت في السير إلى الشام، ومنها إلى (أم عبيدة) أطوي القيعان، وأفرى الشقق، وأمزق ديباجات البلدان، حتى انتهيت إليها سلام الله على ساكنيها صبح خميس، والربيع يهف، والأزهار تشف، وسندس حدائق ذاك البر يرف، ولؤلؤ ندى الندى يطف، والغيم يستشتي برشاش أشبه الماء بدمع محب اجتمع على حبيب، أو مريض أنس إلى طبيب، فمثلت هناك بعتبة فرد الرجال، سلطان أهل المقام والحال، فانشق رداء الشراع الأحمدي، وانبلج من طي السـجف الطرازي ضمن طوايا المحضرين نور أبي العلمين، فسلم عليّ، وردني إليّ، فحضرت بعد غيبة، وفرقت بعد جمع، وأمرني هناك بالاعتكاف إلى الجمعة القابلة، فظننت المدة تسعة أيام، فأخذت بعزم العزيمة على هذا المنوال، وقبل انبلاج فجر الجمعة من اليوم الثاني:

(دعيت في الحضرة، وفرشت سجاجيد الدولة النبوية)

وهناك وتصدر على البساط حبيبي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد توفي قبل ساعتين القطب الغوث صاحب الوقت في بادية (يفرس) من اليمن، وفُوِّضت إليَّ مرتبته من قِبَل النبي صلى الله عليه وسلم تحكماً وتصرفاً، فخفقت عليّ من المرتبتين أثواب الرايتين؛ بمشهد الإمام أبي العلمين؛ وبويعت على ثمانين ألف نص، رصعتها في صدري مجلساً مجلساً، وأخذت أقوم بها على نكتة نوع ومحضر حال يوقر تفصيله بعيراً.

لو رأيت ثم رأيت نعيماً وملكاً كبيراً ومحضراً منيراً وسراً نورانياً وشأناً نبوياً! الله ما أعلى مرتبة الغوثية! وأعلى منها الاشتغال بالله عنها! وإني لأرجو منها مظهراً إلى الله تعالى.

وانظر ما قاله بشأن الغوثية والغوث، سيد أغواث الأمة بعد الأئمة، مولانا السـيد الكبير أحمد الرفاعي رضي الله عنه، فقد نقل عنه صاحب "غنيمة الفريقين" أنه قال:

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهم صل على سيدنا وسيد ملوك الحضرات، محمد وآله وأصحابه الطاهرين.

أما بعد: فالغوثية علم يعني به القطب الفرد، سيد الأبدال في زمانه، الذي قدَّمه الله باستعداده وسعة علمه ونور قلبه وكثرة عرفانه وعقله عليهم، جاء في الخبر، عن النبي الأطهر صلى الله عليه وسلم: (إن لله عز وجل في الخلق ثلاثمائة، قلوبهم على قلب آدم؛ ولله في الخلق أربعون، قلوبهم على قلب إبراهيم؛ ولله في الخلق سبعة، قلوبهم على قلب موسى، وله في الخلق خمسة، قلوبهم على قلب جبرائيل؛ ولله في الخلق ثلاثة، قلوبهم على قلب ميكائيل؛ ولله في الخلق واحد قلبه على قلب إسرافيل؛ فإذا مات الواحد، أبدل الله مكانه من الثلاثة، وإذا مات من الثلاثة، أبدل الله مكانه من الخمسة، وإذا مات من الخمسة، أبدل الله مكانه من السبعة، وإذا مات من السبعة، أبدل الله مكانه من الأربعين، وإذا مات من الأربعين، أبدل الله مكانه من الثلاثمائة، وإذا مات من الثلاثمائة، أبدل الله مكانه من العامة، فبهم يحي ويميت، ويمطر وينبت، ويدفع البلاء.

وهنا لم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن أحداً منهم على قلبه الشريف المبارك، إذ لم يخلق الله تعالى في عالمي الخلق والأمر أعز وأشرف وأكرم وألطف من قلبه صلى الله عليه وسلم.

فقلوب جميع الأنبياء والملائكة والأولياء، بالإضافة إلى قلبه الأنور الأطهر كإضافة سائر الكواكب إلى إضاءة الشمس.

ولما كانت الطائفة المنوه بذكرها كريمة على الله، بها يحي ويميت، ويمطر وينبت، ويدفع البلاء، وأعلاهم منزلة ومقاماً الواحد المختار للمقام التنزلي في المظهر الإنساني على القلب الإسرافيلي، جعل الله به قوام الدنيا وأهلها و وقيل له لذلك: (الغوث)، ورد في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: (ثلاث من كن فيه فهو من الأبدال، الذين بهم قوام الدنيا وأهلها: الرضاء بالقضاء، والصبر عن محارم الله، والغضب في ذات الله).

ويا عجباً لك أيها المحجوب بنفسك، المنقطع عن القافلة الواصلة، تقول: كيف يمكن لرجل من بني آدم الغوثية، وهي مقام التصرف والنهي والأمر في الذرات؟ وأنت ترى أن الشمس سرت أشعتها ـ وهي في مستقرها ـ إلى الحادثات، وعمت جميع البارزات، وقامت بإغاثة النباتات والمرئيات، وامتدت سجف أذيال نفعها على الكليات في الأرض والجزئيات، ولها في العالم السماوي محضر لا يستغنى عنه ولا بد منه، وأنت تقول بذلك، وتعلم أن الذي وهبها هذه القدرة وأمدها بهذه القوة، إنما هو الله الذي لا إله إلا هو الخالق الباريء المصور العزيز الجبار، وإنها لكوكب؛ الآدمي عند الله أكرم منها وأفضل وأعز، وله سبحانه التصرف المطلق والقدرة الشاملة، وأنه لقادر على استيداع ما قام بذلك الكوكب في حجر أسود ملقى في فلاة.

وإذا كان كذلك، والأمر ـ والله ـ كذلك، فالقطب الغوث هو المستودع للأسرار الإلهية في الكبكبة الآدمية، يغيث بإذن الله حاضراً كان أو غائباً، حياً كان أو ميتاً، نعم يكون ذلك بإغاثة الله، بمعونة الله، بإحسان الله، بحول الله، بقوة الله، لا حول ولا قوة إلا بالله.

أتزعم أيها المردود إن عقدة الوصلة بين الخالق والخلق مفلوتة، أم دولة إمداده المتدلية إلى خلَّص عباده على حياة دون موت موقوتة، حجَّرت على كريم، وقيَّدت إطلاق عظيم، يدعو الولي فيجيب الله بمحض الكرم وسابقة الوهب من دعاه، ولا إله إلا الله.

كيف ينكر العاقل خواص الأزمنة والأمكنة والأشخاص، وها هي آثارها بارزة العيان، جليَّة لأولي الإذعان، جعل ربك زمن الشتاء ماطراً، وزمن الصيف قاشعاً، وجعل مكان الكعبة قبلة، ومكان العُزَّى مهجوراً، وجعل اليد الأعظم المصطفى نبياً رسولاً محبوباً مكرماً معظماً؛ وجعل أبا جهل ملعوناً مطروداً مهاناً مبغوضاً، وجعل ماء فم الصدفة دراً، وماء فم الحية سماً، وجعل جوهر الذهب عزيزاً، وجوهر التراب مهملاً، وأقام في مادة التراب نفعاً، وفي مادة النار إتلافاً، وفي روح الماء حياة، وفي غلبته المضمرة فيه إماتة، وصب في الهواء نشأة سيارة، وفي غلبة الريح عذاباً، وفي رقيقه رحمة.

ومن هذه الأسرار قسم للغوث في كل زمان هذه الخصوصيات، وأعطاه هذه المزيات، وأكرمه وأيده وأقامه نائباً عن نبيه الكريم، سيدنا وسيد سادات الوجود محمد صلى الله عليه وسلم، فلا يثقلن عليك ـ أيها المتعالي بطورك، المحجوب بغرورك ـ أن تنقاد إليه، فقد قادك الله لتعظيم حجر وأمرك بتقبيله واستلامه، وسبقك لذلك روح هذه الوجودات، سـيد السادات محمد صلى الله عليه وسلم، انقياداً لأمر الله تعالى، وعملاً به، وتحققاً بالخضوع تحت مجاري الأحكام الربانية، وتسليماً لله تعالى وتقدس بكل ما شاء، ((ألا له الخلق والأمر)).

وإني ـ ولله الحمد ـ صوإني ـ ولله الحمد ـ صاحب هذه المرتبة، ووارث نوبة هذه النيابة المحمدية، وكل من تصدر في هذا المقام، فهو نائب عن النبي عليه الصلاة والسلام.

ولهذا المقام مراتب لا تحد، يترقى بها المؤيدون إلى غاية الغايات، ولا يكون ذلك لامرأة قط، ولا لمن لم ينسلخ من كلياته وجزئياته.

وهذه الإشارات التي تخفق، والحجب التي تفتق وترتق، قمت بها في منزلة حمل أعبائها أجوب برها وبحرها، فلا يصعب عليك أيها المستبعد لذلك حسداً أو جهلاً؛ فإن صاحب هذه المرتبة أعجز منك، لولا أن قواه الله تعالى، أبعد منك لولا أن أدناه، أفقر منك لولا أن أغناه، أجهل منك لولا أن علمه.

هذا مقام الحل والعقد في القرب والبعد، منزلة الصديقين المتمكنين، يقوم فيها بعضهم من طريق الخلعة، وبعضهم من طريق المرتبة، وبعضهم من طريق الإضافة، وبعضهم وهم المحمديون الجامعون يجمعون بين هذه وهذه وهذه، ما شاء الله كان.

ختمت بـي هذه الولاية الجامعة المحمدية، كما ختمت بجدي رسـول الله محمد المصـطفى صلى الله عليه وسلم النبوة، فعوِّل علي ـ أي أُخيّ ـ في طريقك إلى ربك، بسيرك إلى حضرة قرب نبيك، وانتشق رائحة مسك الرسول الإلهي الذي علمك الكتاب والحكمة وزكاك بإذن الله تعالى بملازمة مجلسي، بسلوك طريقي؛ فإني تحققت بما جاء به تخلقاً وتمكناً، وعليَّ نظره، وفيَّ سرّه، وأنا محل دولة مدده اليوم، وكل وليٍّ محمديٍّ إذا مات يؤخذ سيف ولايته ويعلَّق في بابي إلى ما شاء الله.

أنا شيخ من لا شيخ له، أنا شيخ كل موحد، ولي على كل مسلم بيعة عامة من طريق التجديد، في حضرة السعادة الأبدية، بيَ الله يعطي ويمنع، ويصل ويقطع، ويفرق ويجمع، ويعز ويذل، ويفعل لي فوق ما أريد بلا قصد ولا اختيار.

أضمر الله فيَّ سراً إلهياً من كرمه، أُفرغ إلي من قلب نبيه المصطفى صلى الله عليه وسلم، أُحي وأُميت به بإذن الله تعالى.

يا أهل البوادي والحواضر، يا رجال الدوائر، يا معاشر أكابر الحظائر والأصاغر، كلكم يعلم أن الله ـ تعالت قدرته ـ أقامني اليوم على منبر النيابة عن رسوله الأعظم عليه الصلاة والسلام، ورزقني في منزلتي التحكم المحض، وأفرغ علي من لدنه نعمة سابغة، ووعدني بمحض الفضل تسلسل بركة هذه النوبة في أهل بيتي وخلفائي ومحبي إلى يوم القيامة، لا تنقطع هذه البركة بإذن الله: ((قل كل من عند الله))، ((حسبنا الله ونعم الوكيل)).

قد يُسأل عن حديثه المتحدث: ((وأما بنعمة ربك فحدث)) أنا مظهر البرهان المحمدي في دائرة السلطنة المصطفوية تحت ثوب العَلَم الرسولي المنشور إلى يوم الدين. فخذ أي طالب الفيض الرباني، أي مغترف موجة الفضل النبوي، واروِ لأهل الحضرات أسرار عروس الحضرة الصمدانية، فإني ولله المنة ترجمان حكمة ذلك الجناب، مفسر آيات ذلك الكتاب، وإذا أردت الإنسلاك بركبان الحبيب السائرين إليه. فاصفع نخوة نفسك بنعلك، وتجرد عن واهمة كونك وأهلك، وصغيرك وكبيرك، وقليلك وكثيرك، وإذا قمعت ثائرة النفس فنور القلب بعدها بخالص الذكر، واجعل لك حضرة خاصة خفية عن الناس مع ربك لا يطلع عليها أحد غيره. إذ من ليس له سر فهو مُصرّ، وإذا كنت في حلقة الذكر مع إخوانك وذوي شأنك فاشتغل عن الكُل بذكرك، واشتغل عن ذكرك بمذكورك، ولا تنظر إلى إعوجاج رفيقك واستوائه وموافقته لك في اللفظ والحركة ومخالفته فإنما هذا النظام جعل لأهل البداية ليتخلصوا من شتات الهمة حالة الذكر لضعفهم وقلة قوة قلوبهم، والأقوياء يجب عليهم موافقة الضعفاء في مثل هذه الحضرات ألا ترى أن الصلاة المفروضة شرع فيها القيام والقعود والركوع والسجود بالموافقة لاستكمال أمر الحضور الأجمع، والسنة النبوية لم يشترط بها هذا لأنها من معاملة النبي الخاصة مع ربه سبحانه وليتمرن المؤمنون على المعاملة المصطفوية مع الله تعالى فيصح تمكينهم وحضورهم حالة الموافقة والمخالفة إذ المتمكنون عليهم الرحمة والرضوان يسمعون من صرير الباب، ويفهمون من نغطة الطير حكم الخطاب لا ترتاض قلوبهم بموافقته، ولا تتشتت من داهمة مخالفة، ولا تحن لمجرد النغمة الرقيقة، والأنَّة الرشيقة، قصدهم المعاني المطوية في كل تلك المحاضرات، طيّاً ونشراً، طمساً وبروزاً، غيباً وحضوراً، ما بكوا لحاجة في النفس ترجع إلى النفس، ولا تواجدوا لشبَّة في الخاطر أهاجها حدوُ الحادي المجرد، ولا أرقصهم صوت عود، ولا رِقَّة منشود، هممهم طائرة بكليتها إلى الله في جلجلة أسراره ترن قلوبهم، وإليه تهرع جنائب عزائمهم هو الحبيب وهم المحبون ((لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ)) اللهم ألحقنا بأهل السلامة، وأعذنا من الخزي والرد في الدنيا ويوم القيامة، واكتبنا في عبادك الصديقين الذين لا خوف ولا هم يحزنون والحمد لله رب العالمين. انتهى كلامه الشريف المبارك وبه الكفاية عليه سلام الله وتحياته وبركاته ورضوانه.

( وفي ليلة اتحافي )

يتبع إن شاء الله تعالى

الرفاعي
01-21-2019, 01:18 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
ــــــــــــــــ

( وفي ليلة اتحافي )

بمرتبة الغوثية الجامعة، والقطبية الشاملة، خاطبني في الحضرة حبيبي صلى الله عليه وسلم بنص:

( ياغريب الغرباء )

وفيه إشارة نبوية لما أسعدني الله به من النظر الخاص المحمدي وشهادة صادقة يأني ولله الحمد ببركة إسعاف توجهات سيد الوجود صلى الله عليه وسلم (غريب في غرباء القوم أهل الحضرة) والغريب فيهم هم المتمحض بالدين فإن الدين غريب وقد بدأ غريباً وسيعود كما بدأ؛ وهذه النشأة النورانية الطالعة من فلك عناية المصطفى صلى الله عليه وسلم بهذا الخطاب تأييد محض خصني به عليه من الله أتم الصلاة والسلام والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

ولا زالت تحفني العناية في مرتبة التصرف فتزيدني تمكيناً وترقياًّ في مرتبتي فصففت الصفوف في ديوان الله، واحكمت المراتب، ونظمت المواكب، واستكملت حكم التصريف بكل ما سنح به القدر، وساعدت به المشيئة، وتعلقت به الإرادة، وأُفيض إليَّ بالواسطة الكريمة المحمدية شأناً شأناً، وطوراً طوراً، وحالاً حالاً، ومقاماً مقاماً، فانعطفت إليَّ الأنظار النبوية، وتوجهت إليَّ عوارف الإمدادت الربانية، فصعدت في مرتبتي بلا نزول، وتألقت في مطلع شمس مرتبتي بلا أفول، وأنقضت ستة أشهر لي فارتفعت همتي اشتغالاً بربي، وانمحاقاً عن صفاتي بصفاته، وانطماساً عن كونيتي بمراقبته، وانعداماً عن وجودي بسلطانه، فخلعت ثوب التصرف ونزعت بردة الاشتغال به فراراً إلى الله تعالى، فصادف ذلك قبولاً حسناً فأفرغت عني بإلْباسٍ مني إلى الصاحب الأول السعيد الشريف الكامل الأحمدي المشرب والخرقة أبي الكمال عبد الله صابر الدار، وخلعت في مرتبة المحاذاة بخلعة الغوثية أربعة في العصر، وقمت أجوب الأقطار والأمصار منطوياً عن كليَّاتي وجزئياتي في علم الله أسْبَح ببحر كرمه سبحانه وتعالى متقلباً بأنواع النعم على بساط مائدة النبي صلى الله عليه وسلم وقد رُسم لي ولله الحمد في الحضرة النورانية مرسوم دولة الفقر من طريق الإرشاد المحض، وكُتب لي منشور المدد، وسيعقب هذا الخفاء ظهور، وهذا الطمس بروز، وتضج نوبة ارشادي؛ عباد الله إلى الله بحال رسول الله صلى الله عليه وسلم على طريقة ولده ومحبوبه وليّ الله الأعظم السيد أحمد الكبير الرفاعي رضي الله عنه.

وهنا سأقص ما يتلى على سامعة الأكوان من حكم المرسوم الإلهي، والمنشور النبوي، لينشط إلى الله قلب كل سالك إليه سبحانه عزف عن هذه الدنيا الدنية، وطارت همته إلى بارىء البرية.

بُشِّرت في حضيرة القرب في محضر من رسول الرب وصفوف سادات الحضرات مصفوفة، وصناديد المحفل على تلك الحفلة النورانية عاكفة، بأن الله وله الفضل والحمد والشكر سيجمع بي شتات السالكين ويصل بي المنقطعين، ويُنشر عَلَم إرشادي بمشارق الأرض ومغاربها، ويسري سر الله الذي طواه فيَّ، ومهَّده بإسمي في ملك الله بين المسلمين من العرب والعجم، وتطير خرقتي وكلمة الإرشاد المأخوذة عني إلى أقصى البلاد الشاسعة ويظهر لي رجال يأخذون بكلمتي ويدينون الله بعقيدتي، ويتقربون إلى رسول الله المصطفى صلى الله عليه وسلم بطريقتي، ويُرفع لي لواء في المغرب يراه أهل المشرق، ولواء في المشرق يراه أهل المغرب. وتعكف على إسمي في المغرب قلوب أمة من بني الحسين السبط العظيم الإمام بن الإمام، الكريم بن الكريم، وتشتغل بمحبتي لوجه الله قلوب خُلَّص من علماء المغرب الصالحين، ويتبعهم أُمم من العامة الموافقين، وكذلك يلمع شعاع شمس معرفتي في أقصى المشرق وتجتمع عليه مستضيئة بنوره أُمم من عرب المشرق وعجمه، وتنبجس من ماء أسراري مع الله جداول هداية من الأقطار المصرية واليمانية وفي البقاع المطهرة الحجازية، وتكثر موائد هذا المدد المهدوي وتعظم حفلها وتمد جفانها في جزيرة العرب يقوم بها رجال كالأقمار يؤيد الله بهم سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، ويسري السر المعنيّ إلى الروم ويجوب بلاد الأكراد ويطوف في أصناف أجناس العالم من المسلمين فتضيء به أفئدة، وتنطق به ألْسِنة، وتخزى به حُساد، وتنصر به أحباب، ومنبعه نائبنا الذي نُوِّه بذكره، وأُضمر بسره، وصرح بأمره، فإنه سينشر في بدايته نشر عبيرنا، ويُلفت الأنظار إلى نور ضميرنا، فيعرف الأمر بديار الشام وحلب وبغداد والبصرة والموصل ثم في القسطنطينة ثم وثم إلى ما شاء الله، يرفع ذلك النور الأحمدي إلى الواحد والإثنين ويرتقي سيار العزم بالعزيمة وحكم الوراثة من عالم الغيب إلى عالم الشهادة ويفتح الباب وينطق لسان الكرم، وتسطر السطور، ويظهر المنظوم والمنثور، وتختلف الأساليب، وتجري الأنابيب، وتنشر الأعلام، وتختبط الأوهام، وتبدأ المشابهة المحمدية بمحض الوضع الإلهي، فأول ما يبرز له ويبارزه بالحسد والعداوة فرقة جهل غير مرضية من حسَّاده في البليدة التي نشأ فيها، وتمد هناك من أطراف تلك القرية وهاتيك النواحي إليه أعناق الحاسدين وتلتصق به قلوب المقبولين، ثم يُقضى له منها بالهجرة لتعظم الرفعة، وتعلو الرتبة، ويكمل العز والسعادة، ويشتهر الحسب والسيادة، وفي كل طارقة يقال له من حضيرة الكرم - إنك بأعيننا - فلا تك في ضيق مما يمكرون - وتقيمه ناهضات المدد فيقف على منبر صاعداً بلا هبوط عزيزاً بلا ذل مؤيداً بلا ردّ محمياً بلا خزي معلَّماً بلا تعب محترماً بلا نصب لا تنفك ترعاه عين رسول الله صلى الله عليه وسلم بنظر القاية والحراسة والبركة والأمن والأمان، وشريف المكانة والمكان، وعلو القدر والشأن، ظاهراً على من عاداه، ناصراً لمن والاه، محفوفاً بألطاف الله، محبباً لأحباب الله، قائماً بنصرة السنة وهدم البدعة في زمن صعب على النفوس فيه القيام بأمر الحق، لكثرة المخلطين والمدلسين.

وسيؤيده الله بطبع كريم، وعزم متين، وقلب واثق، ولسان صادق، بالبيان ناطق، وسيقيم له ويقعد، ويذل الله له ويعز، ويقطع لأجله ويصل، وستعمر به الزوايا، وتبرز بهمته من أسرار هذا الطريق الأحمدي الخبايا.

وقد آل الله على كرمه أن يقطع عنه من خبثت طويته، وساءت سريرته، وأن يلحق به من طهرت نيته، وطـابت سـريرته، عرف ذلك أو لم يعرف، بسـب أو بغير سبب.

وسيحيي الله بإرشاده قلوباً عفت، ويصل به حبالاً انقطعت، يقوم مظهراً من مظاهر الحق، جباراً لقلوب الناس، قهاراً لبعضها، طيب الوداد، حلو المعاشرة، صعباً، هيناً، سليم القلب، يطهر الله به عقائد كثير من الأمة، يلتحق به أناس من المرضيين، وأمة من المقبولين، وما أكثر بشأنه من يعتقد، ((سنة الله في اللذين خلوا من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا)).

نعم وإنه لحكاك للقلوب، ذو قهارية على النفوس، يبرز بقالب الظهور في جميع الأمور، هذا يقول فيه: شرق. وهذا يقول: غرب. وهذا يقول: أعوج. وهذا يقول: استقام:


قد أكثر الناس أغلاط الظنون بنا = وفرَّق الناس فينا قولهـم فِرقـا

فكاذب قد رمى بالظن غيركـم = وصادق ليس يدري أنه صدقـا


تتدرج به معالي ظهوره حتى يتصل بإمام المسلمين، سلطان الموحدين، فيقربه منه، فتجأر عليه النباحة من موعوعة الحاسدين، لتبعده عنه، فيفعلون ولا يفعلون، ويتكلمون ولا يتمكنون، لأمر أثبتته العدالة الإلهية، وأحكمته الحكمة الربانية.

وذلك أن من حكم طريقنا الذي سلكنا الله منهاجه، وألزمنا معراجه، جمع الكلمة على ولي الأمر، وصدع من يريد شق العصى له، والاهتمام بحماية شأنه وعزة أمره، وصيانته من المغتالين الغاشين في الدين والنفس، والتعصب عليهم لله تعالى، والحب الخالص في الله لملك الإسلام الذي مسح الجبار بيده على جبهته.

ولم يكن في طريقنا من شبق ولا عبق يؤول إلى أمر دنيوي، كحكم وعدل، وظلم وأمر ونهي، ووهب وسلب، بل نحن، مأمورون أن لا ننازع الأمر أهله، وأن نكل أمرهم إلى الله، وأن نقوم بهمة الباطن بأثقالهم لوجه الله، اعتناء بشأن أمة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

هذا وإن الله سيلبس صاحبي ونائبي طيلسان المجد المطرز بطراز السعد، ويعطيه قوة بشأنه تمكنه من إعلاء كلمة الحق، وإعزاز شريعة النبي الكريم، عليه أكرم الصلاة والتسليم، وسيلحق به اثني عشر نقيباً من المختارين في الحضرة، ستة من أهل الظهور، وستة من أهل الخفاء، وسيتبعهم أربعين من أهل الإرشاد، وأولي العلوم والاستعداد، وسيقرع الغائش، ويغرس الشجرة في النيل بعد الغابش، وستثمر تلك الواحدة إن لقحها الحظ بالعشرة، وتكثر هذه البركة المحمدية المنتشرة، لكنه يثقل الحمل على نائبنا بهذه الخدمة المهمة، لمخامرة فسـاد في أكثر الأخلاق من الأمة، حتى ترى أن طعامه يؤكل ويكفر، ونيله يؤخذ ولا يذكر، وعرفه يتواصل ولا يشكر.

وتنبحه كلاب الحاسدين، وتغاظ منه نفوس الجاحدين، وتمتلئ حقداً عليه قلوب المبعودين، تحت مطارق أوهام لا حقيقة لها، وعوائق حسد نشأ من مقت لا أصل لها، وسيوطد الله ريض قلبه بغربته بحال روحاني، وسر رباني، ونهضة من نهضات الرسول، ونظرة من نظرات جدته الطهر البتول، لجبر كسرٍ في قلبه حدث من غربة اعترته، في زمانه، في إخوان دينه، في جنسه، في أهل بلاده، في إخوان حرفته، في عشيرته، في فصيلته، في بيته، في كل حركة من حركاته، وسكنة من سكناته، مع وحدة له في كثرة، وجمعة له في وحدة، وغنى له في فقر، وعوالم له بانفراد إلى الله تعالى.

وكل من لحقته كلمة مبايعته في طريقة الله لا حجاب له عن الله، ولا عن رسوله، إلا بخروجه من الإخلاص لله في محبته.

وقد تجلى لدينا المجالي، وترقص طرباً بظهور نور إرشادنا على يده الأيام والليالي، ويجتمع عليه الأبرار، ويجئ لزيارته الأخيار، ويحيى به الزوار، وتعمر به الديار.

ويا لله العجب! من مكيّ يتسلل، وعراقي يتصلل، وقروي يتضحضح، وشامي يتبجح، وبدوي يتأفف، ورومي يتصلف، وسالك بعد اكتسائه بالخرقة ينقطع، وبوهدة الخزي ينصرع، ونسب من الماء يغاش بدم الشيطان، ورفيق بيت طعامه الزور والبهتان؛ وذا، وذا، والآخر، وذاك، والرجل الذي هناك، وصاحب الشبكة والشراك، والمدنس المجنس، "والليل إذا عسعس", والجماعة على الأحدوثات، والمتطلعة للفانيات، والمترقبة للهنى والهنات، والذاكرة للدرهم والدينار، والزائرة للحطام والاختبار، والمهينة تارة، المعظمة أخرى، والسـابحة إلى الانتقاد مع النكس، والاعتقاد مع البشرى، والحائرة ماذا تفعل، والناقشة حسب ما تتفعل، والمنقطعة وأعظم حبال الله الأرضية بيدها، والنائمة ليلة على غرضها، وليلة على عهدها، والمتنضنضة على طريقها بشق زيقها، والنامطة بحالها على مجالها، إن دعيت إلينا أجابت نفسها، وخدمت حدسها، وجانست حلسها؛ وكتاب الله الحجة علينا وعليهم، ورسول الله القائم بالدعوة الواجبة الإجابة إلينا وإليهم.

وسيعمر مرقدي، ويبرز في ذلك السعود فرقدي، وأنا الخاتم الصديق المقرب المؤيد الملحوظ المحفوظ، الدرة المصانة في خزانة الغيب، المحميّ بإذن الله من صادعة الشك وطارقة الريب، وأنا شيخ الزمان، ومرشد الأوان، وصاحب العصر، وموجة بحر المدد الفائضة من قلب سيد البشر صلى الله عليه وسلم، وهذا حبل نوبتي قائم بإحياء سنته وطريقته، فهلموا يا عوالم الله إلى باب الله، الصحيح الطريق إلى الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

فائدة :........

يتبع إن شاء الله تعالى

الرفاعي
01-21-2019, 01:37 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
ــــــــــــــــ

فائده :

هي الخاتمة المباركة لبوارق حقائقنا، التي برزت من سماء قلبنا، بعناية الله ومدد رسوله، عليه أكمل صلوات الله:

حبب إلي أن أذكر سندي في الخرقة وعلوم الشريعة؛ فإن بعض المغلوبين لنفوسهم يتقيدون عن ذكر أسانيدهم، كأنهم يترفعون عن وسائطهم، وإن الوسائط إن لم يكن لها إلا صحة الارتباط بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم لكفى، والأمر يعود إلى توفيق الله.

فإني رأيت أناساً حرَّف لهم مشايخهم الحكماء العلماء بعض عبارات أجروها عليهم قبل برهة، طووا في التحريف المعاني التي أجروها لهم في الأول برشاقة عبارة، فانقطعوا لها، كما انقطع بعض الذين في قلوبهم مرض بما شابه ذلك عن حضرة الرحمة العظمى صلى الله عليه وسلم.

ورأيت آخرين طوى عنهم وسائطهم أسرار الحكم ملزمة بالطي، فلما نشروها ردهم ـ والعياذ بالله ـ نشرها؛ وآخرين يريدون أن تبقى طوايا أسرار الله دائرة حين بروزها في محو نشرها على هواهم؛ وكل ذلك من نزغ الشيطان، ومن طوارق أسباب القطيعة.

والمؤيدون بالتوفيق، جعلوا أنفسهم بيوت الأسرار الرحمانية، فان طويت فيهم أظلموا بطيها، حالة كونهم منورين بها، انقيادا لحكمها، وإن برزت فيهم أضاؤا بها، حالة كونهم محلها.

ومن علامة التأييد في هذه المحجة البيضاء، عدم الاكتراث بالمنتقدين، واللائمين، والحاسدين، والجاحدين، تحققا باتباع النبي صلى الله عليه وسلم، وانتصاراً بالله وبأوليائه، ((وكفى بالله وليا)).

( وإني أخذت الإجازة )

بتفسير كلام الله تعالى، وبقراءة علم الحديث المروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والفقه الشرعي، عن عدة مشايخ، منهم: الشيخ عبد المنعم البغدادي، والشيخ أحمد الأزهري، والسـيد إبراهيم الرفاعي البصري والسيد عبد الله الراوي، إلا في التصوف؛ فإني أخذت الإجازة من الشـيخ العارف بالله السيد إبراهيم الرفاعي البصري، مفتي البصرة ونقيبها.

فمشايخي الأربعة الأول، أسانيدهم في الفقه والتفسير أفردتها في رسالة مخصوصة، وفي الحديث فكلهم يتصلون بالحافظ شمس الدين محمد البابلي، وهو عن الشمس محمد بن الشهاب أحمد الرملي، عن شيخ الإسلام زكريا الأنصاري الأحمدي، عن الحافظ الشهاب أحمد بن حجر، عن إبراهيم بن أحمد التنوخي، عن أبي العباس أحمد بن أبي طالب الحجار، عن برهان الدين حسين بن المبارك، عن أبي الوقت عبد الأول بن عيسى بن شعيب، عن أبي الحسن عبد الرحمن بن محمد الداوودي، عن أبي محمد عبد الله السرخسي، عن أبي عبد الله محمد بن يوسف الفربري، عن المحدث الحجة أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، رحمه الله، ورضي عنه، بسنده إلى أصدق القائلين بعد رب العالمين صلى الله عليه وسلم.

وفي بقية كتب الحديث والعلوم السائرة، فقد أفردت أسانيدي بلاحقة مخصوصة، وتبركت بذكر مشايخي فيها.

وأما في علم التصوف فقد تلقى شيخي السيد إبراهيم الرفاعي البصري الإجازة عن شـيخه السيد أحمد، عن أبي البركات عبد الله البصري العباسي، عن السـيد نور الدين حبيب الله الحديثي الرفاعي، عن سيدنا السيد حسين برهان الدين آل خزام الرفاعي نقيب البصرة، عن أخيه النقيب السيد نور الدين، عن ابن عمه الشهاب الثاقب حزام الدين بن خزام الرفاعي البصري، عن ابن عمه السيد شعبان نقيب البصرة، عن عمه السيد تاج الدين النقيب، عن ابن عمه شيخ مشايخ الإسلام القطب الغوث السيد سراج الدين الرفاعي ثم المخزومي، دفين صدرية بغداد، عن شيخه السيد جمال الدين السليمي الرفاعي، عن السيد قطب الدين الرفاعي، عن الشيخ عمر الصغير الفاروثي، عن أبيه ولي الله عز الدين أحمد الفاروثي، عن أبي الفضل محيي الدين إبراهيم المصطفوي الفاروثي، عن الإمام شرف الدين أبي طالب بن عبد السميع العباسي الهاشمي، الذي تلقى (البرهان المؤيد)، كتاب سيدنا السيد أحمد الكبير الرفاعي ـ رضي الله عنه ـ من مجالس وعظ الإمام الرفاعي، مجلساً مجلساً، ودوَّنه، وله به التلقي عن صاحبه رضي الله عنه.

ولنا من هذا الطريق الإجازة بقراءة (البرهان المؤيد)، ومن طريق آخر من شيخي السيد إبراهيم، إلى السيد قطب الدين الرفاعي، وهو عن الشمس محمد الصيادي، وهو عن شيخ الإسلام الصدر علي الصيادي، وهو عن القطب الغوث أبيه السيد عز الدين أحمد الصياد بن الرفاعي، سبط الحضرة الرفاعية، عن مدوِّن (البرهان)، عن صاحبه رضي الله عنه .

ولنا من هذا الطريق عن السـيد الصياد ـ عطر الله مرقده ـ إجازة بقراءة كتاب (المعارف المحمدية في الوظائف الأحمدية) له، وبقراءة كتاب (الحِكَم) للحضرة الرفاعية، وبقراءة (المجالس المباركة الأحمدية)، بل وبقراءة جميع كتب الصوفية المرضية، لدى علماء الشريعة المحمدية.

وأما سندي في الخرقة الشريفة الرفاعية، فهو عن شيخين:

الأول: السيل إبراهيم الرفاعي البصري، وقد سبق ذكره، وله سند آخر في مسلسلاتي المفصلة مذكور.

والثاني: الولي العارف بالله السيد عبد الله الراوي، وهو عن أبيه السيد أحمد الراوي، عن السيد نور الدين حبيب الله الحديثي، عن القطب السيد حسين برهان الدين آل خزام الصيادي الرفاعي، عن أخيه السيد نور الدين، عن أبيه السيد عبد العلام، عن عمه السيد سراج الدين الصغير، عن جده السيد محمود، عن أبيه السيد محمد برهان، عن أبيه السيد حسن الغواص، عن أبيه السيد الحاج محمد شاه، عن أبيه السيد محمد خزام الموصلي، عن عمه السيد ملك المندلاوي، عن أبيه السيد محمود الأسمر، عن أبيه السيد حسين العراقي، عن ابن عمه السيد تاج الدين، عن ابن عمه السيد عبد الرحمن شمس الدين، عن جده السـيد خزام السليم، عن أبيه الشمس (السيد) عبد الكريم، عن أبيه السيد صالح عبد الرزاق، عن أبيه السيد شمس الدين محمد، عن أبيه السيد صدر الدين علي، عن أبيه الغوث السيد أحمد الصياد، عن أخيه السيد عبد المحسن أبي الحسن، عن جده سلطان الأولياء، الإمام السيد أحمد الرفاعي الحسيني، رضي الله عنه وعنهم.

عن الشيخ علي الواسطي، عن أبي الفضل بن كامخ، عن غلام بن تركان، عن أبي علي الروزباري، عن علي العجمي، عن أبي بكر الشبلي، عن إمام الطوائف الجنيد البغدادي، عن السري السقطي، عن معروف الكرخي، عن داود الطائي، عن حبيب العجمي، عن إمام الجماعة الحسن البصري، عن مرجع الكل، باب مدينة العلوم، سيدنا علي بن أبي طالب، رضي الله عنه وعنهم أجمعين.

ولسيدنا الإمام الرفاعي سند الفطام، وهو عن خاله سلطان العارفين في زمانه، سيدنا الإمام منصور الرباني البطائحي، عن خاله أبي المنصور الطيب، عن ابن عمه أبي سعيد النجاري، عن أبي علي الترمذي، عن أبي القاسم السندوسي، عن القاضي محمد رويم، عن الإمام الجنيد، عن السري، عن الكرخي، عن الإمام علي الرضا، عن أبيه الإمام موسى الكاظم، عن أبيه الصادق، عن أبيه الباقر، عن أبيه السجاد، عن أبيه السبط الحسين الشهيد، عن أبيه أسد الله علي أمير المؤمنين، سلام الله عليه وعليهم أجمعين.

ولسيدنا السيد أحمد سند بخرقتهم الخاصة، لبسها من ابن عمه السيد عثمان، والسيد عثمان لبس منه خرقة التصوف، ولكن انتهت خرقة بيتهم إلى السيد عثمان إذ ذاك، فلبسها منه، والسيد عثمان لبسها من والد الإمام الرفاعي السيد السلطان علي، وهو من ابن عمه السيد حسن، وهو من ابن عمه السيد يحيى النقيب، وهو من أبيه السيد ثابت، وهو من أبيه السيد علي الحازم، وهو من أبيه السـيد علي، وهو من أبيه السيد حسن رفاعة المكي، وهو من أبيه السيد أبي القاسم محمد، وهو من أبيه السيد الحسن، وهو من أبيه السيد الحسين، وهو من أبيه السيد أحمد، وهو من أبيه السيد إبراهيم المرتضى، وهو من أبيه الإمام موسى الكاظم، وقد تقدم ذكر سنده في الخرقة إلى علي أمير المؤمنين، عليه وعليهما السلام.

وهو لبسها من ابن عمه سيد المرسلين، حبيب رب العالمين صلى الله عليه وسلم، وهو صلى عليه مولاه قال: (أدبني ربي فأحسن تأديبي).

صلى الله عليه وعلى آله الهداة المرضيين، وأصحابه أئمة الدين ووراثهم وتابعيهم أجمعين، والسلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، ((والحمد لله رب العالمين)).

ــــــــــــــــ
ـــــــــــــ
ـــــــــ
ـــــ
ــ


تم نقل كتاب بوارق الحقائق بحمد الله وعونه آمين