بسم الله الرحمن الرحيم
ـــــــــــــــــــــــــ
وذُكِرَ أن أهل المعرفة في هذا الاسم على أربعة أصناف أيضاً :
فعارف قال الله .
وعارف قال هو .
وعارف قال أنت .
وعارف بهت .
صَحَّ الْوُجُودُ لَهُ شَرْعاً وَمَعْرِفـةً = إنَّ التَّحَيُّرَ فِـي دَعْـوَى تَطَلُّبِـهِ
فَاللهُ مُوجِدُنـا مَوْجُودُنَـا أَبَـداً = وَالْعَبْدُ مُفْتَقِرٌ فِي حَـقِّ مَطْلَبـهِ
فَاذْكُرْ سِوَاهُ بِهِ تَذْكُـرْهُ مَعْرِفَـةً = فَاللهُ أَجْلَى وُجُوداً والْوُجُـودُ بِـهِ
والْعَبْدُ لَيْسَ لَهُ مِنْ نفسِـهِ أبَـداً = إلاَّ انْصِـرامٌ وَتَشْبِيـهٌ لِمُشْتَبِـهِ
كَيْفَ السَّبِيلُ إِلَى الْمَذْكُورِ تَذْكُرُهُ = أهْلُ المَذاهِبِ كُلٌّ عِنْـدَ مَذْهّبِـهِ
فَالصَّمْتُ ذِكْرٌ لَهُ فَاذْكُرْ كَذَاكَ وَذَا = ذِكْرٌ لَدَيْهِ فـإنَّ الذِّكْـرَ بِالشَّبَـهِ
وروى أبو عيسى الترمذي بسنده إلى أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه . قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( سَيِّدَةُ آىِ الْقُرْآنِ أيةُ الْكُرْسِيّ ) وذلك أن الحكمة في أنها سيدة أي القرآن وهي جزء منه وآية واحدة من آياته لأربعة أشياء :
أحدها : لأجل ما انفردت به من اختصاصها بذكر ذات الله العظيمة . وما حوته الصفات . واشتملت عليه من جميع ( الهاءات ) المضمرات العائدات على الذات خاصة . وما تضمنته من تحقيق التوحيد . ( والهاءات ) المشيرات إلى تخصيص الذات دون غيرها من الآيات . المذكور فيها القصص والأمثال والاستخبار والخبر والوعد والوعيد والنعت والترغيب والنهي والأمر . فكانت كل آية في القرآن تابعة لها . لأن كل ما سوى الذات تابع لها . وما تفرق من ذكر جميع الصفات الذاتية . جمعته في آيتها الواحدة . في أحد عشر ( هاء ) مضمرات . دون الأسماء الخمسة المظهرات . ولا شيء أعظم من ذكر الذات . لأنها جامعة للصفات . فهو أعظم مذكور ومذخور . وأشرف معروف ومنظور .
الثانية : أنها اختصت بستر اسم الذات فيها . وفي مضمرات ( هاءاتها ) . وهو جامع لأصول أسماء الذات . وكمال الصفات . وفي الهاء نكتة عجيبة . وأسرار غريبة . وقد روي أنه من داوم على ذكر (( هو )) غشيته أنواره . وظهرت له أسراره .
الثالثة : أنها سميت بأية الكرسي وعرفت به . والكرسي وسع السموات والأرض وفضل عليها . وإن كان الكل خلقه جلّ وعلا . وفي ذلك من تفاوت في الخلقة . وإظهار القدرة . ولكن يختص بفضله ورحمته من يشاء من خلقه . وكذلك فضل آية الكرسي على جميع آي القرآن . وخصصها بإسم ذاته . وإن كان القرآن كله كلامه وصفة من صفاته . وفيه أسماؤه كلها . فيختص بنفسه ما يشاء من كلامه ومن أسمائه .
الرابعة : أن النبي صلى الله عليه وسلم سماها بإسم السيادة وأطلق بذلك الإسم عليها . وخصصها به دون غيرها من الآيات . ولفظ السيادة أبلغ في أسماء المدح . وأتم في إكمال التخصيص . وانه في غاية زيادة الفضل . ألا ترى قوله صلى الله عليه وسلم : ( أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ ) ثم أظهر فضل تواضعه . وكمال سيادته وشرفه . باظهار منة الله تعالى شكراً فقال ( وَلاَ فَخْرَ ) فوجب له الزيادة المطلقة . والفضل التام . بذلك الاعتبار . لأن شرف الذكر بشرف المذكور . وشرف العلم بشرف المعلوم . وفي ذلك قال الشاعر :
اللهُ أَكْبَـرُ لاَ مِثْـلٌ وَلاَ شَبَـهٌ = هُوَ الْكَبِيرُ وَهذَا الْوَصْفُ حَقَّ لَهُ
وَزَادَ إِسْمٌ قَد اسْتَظْهَرْتَ مَظْهَرُهُ = فَانْظُرْ إِلَى الْخَلْقِ ثُمَّ انْظُرْ تَذَلُّلَهُ
واعلم أن (( هو )) لفظة ذكر لجميع الحيوان العاقل وغير العاقل . والناطق وغير الناطق . وذكر لجميع الجمادات . من الحجر والشجر والنبات والهواء . وسائر الموجودات . كبيان من نطق باللسان . وتحريك الجوارح من الانسان . وكالذكر الدائم للقلب . الذي لا يكل بضرباته وخفقانه . ولا يفتر عنه وكذلك النائم بتردد أنفاسه في حالة نومه وكذلك المريض حين يئن بكربه وألمه . والأسد في زئيره . والفرس في صهيله . والحمار في نهيقه . والريح بهبوبه . والطير بلغته . والنبات باضطرابه وحركته . والجماد بسكونه . والماء برعده وزجرته . كل يسبح خالقه . ويشير لموجده ( بالهاء ) المضمرة بضرورة حاله . وبإشارة مقاله (( هو هو )) قال الله تعالى : (( تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا )) والتسبيح هو التنزيه . وهو الذكر المضمر الذي لا يفقه منه إلا الإشارة بإثبات وجود الواجد للموجودات الواحد القادر المنزه عن صفات المحدثات . سبحانه وتعالى . قال الشاعر :
جَلَّ الْعَظِيمُ وَمَا فِي الْكَونِ مِنْ أَثَرٍ = إلاَّ لَهُ ذَاكِرٌ مِـنْ كَثْـرَةِ الْعِبَـرِ
وَكُلُّ شَيْءٍ لَهُ ذِكْـرٌ يَحِـقُّ لَـهُ = أَعْنِي الْجَمَادَ مَعَ الْحَيْوَانِ وَالشَّجَرِ
كُـلٌّ لَـهُ لُغَـةٌ كُـلٌّ يُسَبِّـحُـهُ = كُلٌّ يُنَزِّهُهُ عَـنْ عَالَـمِ الْغِيَـرِ
هُوَ الْمُحِيطُ الَّذِى عِلْمًا أَحَاطَ بِهِمْ = وَلاَ يُحيطُ بِهِ شَيْءٌ مِـنَ الْفِكَـرِ
وروي أن أبا بكر الشبلي رحمه الله تعالى قال :.............
يتبع إن شاء الله تعالى