واعلم أن الملأ الأعلى مسخرون في نفع شجرة الكون، مستعملون لمصالحها، قائمون بحقوقها، لما فيها من خاصية هذا الغصن المحمدي والنور الأحمدي، فأول ما انسلخ نهار الوجود، من ظلمة ليل العدم، شعشعت أنوار الشموس المحمدية، في أفق جبين آدم عليه السلام، فخرت الملائكة سجدا، وقالوا: مليك العرش أبدا، فلما أمروا بالسجود فسجدوا، وخصوا بالشهود فشهدوا، وقيل لهم: شكران هذه المشاهدة، أن تقوموا على قدم المجاهدة، في خدمة شجرة هو أصلها، ودولة هو عقدها وحلها، فليكن منكم السفرة، يسعون بالصحف المطهرة، وليكن منكم البررة، يطوفون حول حمى هذه الشجرة، وليكن منكم الحملة، يحملون لكل عامل عمله، وليكن منكم الكتاب، يقومون على أعتاب من قد تاب، وليكن منكم من يغسل وجوههم من غبار الأوزار، بماء الاستغفار، ويستغفرون لمن في الأرض، وليكن منكم الحفظة، يحفظون عليهم أعمالهم، ويحصون ما عليهم وما لهم، وليكن منكم من يسعى في أرزاقهم، ليتفرغوا لطاعة رازقهم.
فقوم يرسلون الرياح، وقوم يسيرون السحاب، وقوم يسجرون البحار، وقوم ينزلون ماء الأمطار، وقوم يحفظون الأقطار، وقوم يغشون الليل، وقوم يسبحون النهار، وقوم معقبات، يحفظون الجوارح من الموبقات، وقوم يرفعون الآفات، وقوم يزخرفون الجنان، وقوم يسعرون النيران.