الموضوع: بوارق الحقائق
عرض مشاركة واحدة
قديم 03-15-2018, 01:29 PM رقم المشاركة : 45
معلومات العضو
عضو

إحصائية العضو





 

الرفاعي غير متواجد حالياً

 


شكراً: 8
تم شكره 9 مرة في 9 مشاركة
كاتب الموضوع : الرفاعي المنتدى : رواق الطريقة الرفاعية
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم
ــــــــــــــــ


((( كلس )))

بلدة من بلاد الترك، فيها نسمات من نسيم الحضرة، وفيها مراقد أمة من الصالحين، وعلى ظاهرها مرقد الصحابي الجليل سيدنا شرحبيل، فزرته، وانتظمت بسلك اللائذين برحابه والواقفين ببابه. فمن عليَّ بالقبول، وانفتح لي إلى حضرة قبره الأنور سرداب برزخي وسيع، رأيت فيه من غرائب مواهب الله تعالى لصاحب الحضرة العجائب، وبرز بخلعة مقامه بظهوره فيه، فتمثلت بين يديه فقال رضي الله عنه:

جرد قلبك عن قالبك، والتحق بعالم روحك، تلحق بالرفيق الكريم، ورُح إلى الحضـرة بسلوك شيخك السـيد أحمد الرفاع؛ فهو من براهين الله في أولياءه، وسيظهر لطريقه بك وبأتباعك شأن عظيم، فقل: (( الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات )) فقلت. وترجم هناك لسان الأدب من مضمر حال القلب بما يليق للمقام، فبش بوجهي، وألقى عليّ رداء أخضر مسهما بالبياض يلمع بالنور، وقال: هذا رداء السعادة المحمدية التي لا تحول. ثم تبسم وقال: والله إن السيد أحمد الرفاعي من حكماء حضرة القرب! اقرأ أول مجلس له في كتاب (( غنيمة الفريقين ))، جمع السيد هاشم الأحمدي، وتسلك به، تجمع بين إتقان السلوكين: الدنيوي والديني، وبذلك كفاية. وتغير المحضر، فقلت:


يا شرحبيل حضرة الأنس إني = يا شرحبيل عبدك المحتـاج

بك من فيض سيد الخلق بحر = للعطايا هاجت بـه الأمـواج

فاجتذبتنـي بهمـة يتجـلـى = من هداهـا لهمتـي معـراج


وانصرفت أرفل برداء همته قرير العين، أميناً بإذن الله من طارق البين، وصرفت العزم للوقوف على مزايا أول مجلس في كتاب (( غنيمة الفريقين ))، فرأيت فيه بعد ملاحظة حكمة الغاية، وفيها ـ والله ـ لطالب الأمرين الكفاية.

ولحصول بركة السر، وكشف هذا الطي بالنشر، أقول: نقل القطب الثبت الحجة الصفيّ السيد هاشم العبدلي، ويعرف بالأحمدي، في كتابه (( غنيمة الفريقين ))، الذي جمعه من حكم الإمام غوث الثقلين، أبي العلمين رضي الله عنه أول مجلس صدر به الكتاب، فقال ناقلاً عن مفزع الطوائف سيدنا الإمام الرفاعي ما لفظه:

قال رضي الله عنه: وحد الله تجمع خاطرك، وتصلح سرك، وأطع الرسول صلى الله عليه وسلم تحفظ شأنك، وتحكم أمرك، وارفع نفسك عن سفاسف الأمور، وانتخب معاليها، تعز نفسـك وترفع قدرك.

ما صدقك من كذبك فعله، ولا آمنك من خانك أصله. اشتر الرجل الصـعب الأمين، الطلق اللسان، الكريم الأصل، الغزير العلم بكل ما في يدك، ولا تضن عليه.

وبع الرجل الهيّن الخائن المتلصص، الوضيع الأصل، القصير المبلغ بغير ثمن، ولا تُمل قلبك إليه؛ فإن المُشْتَري الأول ربح لا يعقبه خسران، والمُبَاع الثاني غائلة لا تأتي بأمان.

وإذا اتخذت بطانة فقف مع كريمها، وأعرض عن ذميمها، وشـرف صيتك بمصـاحبة من شرف صيته، واحكم أمرك بمن يرجح دينه على دنياه وشد عراك بمن يعرف شأن الدنيا والآخرة ويملك هواه، ولا تأمن الجريء على ربه، المهمل لأحكام دينه، ولو أعجبك لسانه؛ فإن من أهمل أمر دينه تكذيبا لله واستخفافا برسوله، فتكذيبك واستخفافك عنده أهون؛ وإن فعل ذلك عجزا عن القيام بحق ربه ونبيه، فهو عن حقك أعجز.

من أصر على ترك الفرائض من الإسلام جحداً أو عناداً، فهو أضر على الأمة من الكفار، وأسرق لهمم الجاهلين من أولئك الطغام الأشرار، ومن عبد الدرهم ما عبد الله، ومن طمحت همته لجمع المال من حرام وحلال، فهو أسـير الزيادة، لا يقف إلا معها؛ ومن كان كذلك فلا نخوة له ولا وفاء له؛ بينة المدعي الأعمال، ودفتر حال الحكام العمال، وخلوة العبد بربه عند جمع قلبه، تظهر له إذا اعتبر نقصانه وكماله، وتبرز لعيانه إذا تفكر عمله وحاله (( فاعتبروا يا أولي الأبصار )) من أطـاف إنصافه على طرق أعماله، أمن من عواقب فعاله، ومن لم يحاسب نفسه على كل نفس لم يكتب عندنا في ديوان الرجال. ما كل عالِمٍ إذا قلت: إعمل بما عَلِمت. أجابك فعله، ولا كل منطيق إذا قلت له: صرّف أقوالك. وافقه عقله، والجامع بين هذه المزايا، هو الرجل تعقد عليه الخناصر، وتبتهج به المحاضر. وترجمة الحياة صيت، إما حسن، وإما مذموم، وعلمك إن لم يكن دالاًّ لك على نجاح في دينك وطمأنينة في قلبك، فهو جهل؛ وقدرتك إذا أنتجها محض الغلبة ولم يوطدها لك انقياد خالص تقول به القلوب فهي ضعف.

وكل عمل لك لم تجعل فيه الحكمة المحمديـة أصلا فهو فاسـد، والكافر مسـتدرج، والمؤمن بعد أن فطر على الإسلام لا يفلح إذا كفر أو استخف؛ والزمان إناء الأفكار , تتلون بلونه، والناس بقادتها، والعبيد بسادتها، والسائس يعرف إتقانه بخيل اصطبله، سمنت أو هزلت؛ والخِلّ يعطيك الصفاء، ويأخذ منك الوفاء، فإن وافيته صافاك، واللئيم غدار، والكذاب بعيد عن الأمانة.

ومن انقطع إليك فاحمل عِبْأه وثقله، فإن لم تفعل أمرته بالاتصـال بغيرك، والأمير بالأعوان الصالحين لسياسة الدنيا والدين، والعاقل يحمل غصة الكريم الحاذق سنين لينتفع بفضله يوما؛ والحازم يسكت أعواما لحكمة، وينطق ساعة فيحيي أمة.

ومن وقف مع الأخسـاء انفصل عنه الأجلاء، ومن أعظم الجهلاء، سـقط من أعين العلماء، ومن ذمه العاقل العالِم، فقد ذمة كل العَالَم، والأحمق من أراد كتم عيب أظهرته الأيام.

وأحسن المزايا وعد يشده وفاء، وخبر يصحبه صدق , وعزم تعضده عزيمة، وقوة تلازمها رأفة، وعلم ينيره عقل، ولسان يشرفه قلب، وهمة يصوغها ترفع، وطبع يمازجه، أدب وحسب يعظمه كرم، وعقيدة يطهرها إيمان، وخاطر يوطده اتكال على الله تعالى.

والناس للناس من حيث التعاضد محتاجون، ولكل بارزة من الحوادث بعين الحاجة متشوفون، وإذا عرف العاقل ـ عظم أو حقر ـ كل احتياجه لكل شيء، عرف بذوقه شدة احتياجه لموجد الأشياء؛ فعامله بقدر احتياجه إليه.

أيها الغبيّ! تنام محتاجاً للحادثات التي ستنعدم، وتستيقظ محتاجاً لها، وترى أنك بعد ذلك فوق الأشياء. الفوقية تقوم بالاستغناء الحق عن الشيء، باحتياج الشيء للمتفوق؛ وذلك الوصف مفقود في كل موجود.

احتجت لحائك الثوب، ولغازل القطن، ولحلاجه، وجامعه، وزارعه، فما بالك بموجده؟! احتجت للفران في خبزك، وللطحان، ولحاصد القمح، ودارسـه، ومصلحه، فما بالك بمنشئه!.

ثوبك سترك، وفيه رأيت حاجتك، ولقمتك قوامك، وفيها رأيت حـاجتك. قس عليها باقي حاجاتك للأشياء، وترفع بقياسك تجد احتياجك للموجد فوق احتياجك للموجودات؛ فافزع إليه وتكفى وصمة الاحتياج. يرزقك من حيث لا تحتسب، يسخر لك الأشياء بمحض القدرة.

أيها اللبيب، لا تدفع عقلك لمضايق المطالع...........

يتبع إن شاء الله تعالى






رد مع اقتباس
 
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 12 13 14 16 17 18 19 20 21 22 23 24 26 27 28 29 30 31 34 35 36 37 38 39 41 42 43 44 46 53 54 57 58 59 62 63 64 66 67 70 71 72 73 74 75 77 78 79 80 81 82 83 84 85 86 87 88 89 90 91 92 93 94 95 96 97