عرض مشاركة واحدة
قديم 05-30-2016, 02:52 PM رقم المشاركة : 20
معلومات العضو
عضو

إحصائية العضو





 

الرفاعي غير متواجد حالياً

 


شكراً: 8
تم شكره 9 مرة في 9 مشاركة
كاتب الموضوع : الرفاعي المنتدى : رواق المكتبة
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم
ـــــــــــــــــــــــــ

واختلف العلماء المعتبرون في معرفة الله تعالى على ثلاثة أصناف:

فصنف منهم قالوا ما في الوجود من لم يعرف الله وصرفوا.

وصنف منهم قالوا ما في الوجود من عرف الله تعالى وصرفوا.

وصنف قالوا ما عرف الله إلا الله عز وجل وصرفوا.

فأما من أثبت المعرفة بالله لجميع العالم وصرفهم في ذلك فهي من طريق الأسماء والصفات فان أول الواجبات في معرفة الديانات معرفة المعلوم على ما هو به من صفات ذاته وأفعاله ويستدل على الصانع بصنعته وعلى الفعل بفاعله إذ بضرورة العقل يعلم وجود الفاعل لاستحالة وجود فعل من غير فاعل.

وقد قال الله تعالى: (( أفي الله شك فاطر السماوات والأرض )).

وقال تعالى : (( شهد الله أنه لا اله إلا هو )).

وحديث معاذ بن جبل حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن فقال: [انك تقدم على قوم أهل كتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه عبادة الله فإذا عرفوا الله فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات...الحديث]. فأثبت الله تعالى ورسوله عليه السلام معرفته. ونفى الشك عنهم بوجوده.

قال الله تعالى: (( ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله فأنى يؤفكون )) الآية.

وقال تعالى : (( ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن خلقهن العزيز العليم)) الآية.

وهذه الآيات عموم في سؤال الخلق عن خالقهم. فثبت بطريق العقل والنقل أنه ما في الوجود من ينكر وجود الصانع الفاعل المختار. ولا من يجهل اسمه جل ذكره.

وأما من نفى المعرفة بالله عن جميع العالم وصرفهم في ذلك فهي من طريق عدم الإحاطة بمعرفة حقيقة ذاته وصفاته على ما هو به من كنه ماهيته. إذ بضرورة العقل يعلم عدم إحاطة معرفة المحدث المقيد. بكمال وجود المطلق القديم الأحد. لأنه من إحاطة المفعول بفاعله. وهو محال عقلا.

وقوله تعالى : (( ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء )).

وقوله تعالى : (( ولا يحيطون به علما )).

وقوله تعالى : (( وما قدروا الله حق قدره )). معناه ما عرفوه حق معرفته.

قال صلى الله عليه وسلم: [ لو عرفتم الله حق معرفته لمشيتم على البحار ولزالت بدعائكم الجبال].

وقال عليه السلام: [ لو عرفتم الله حق معرفته لعلمتم العلم الذي ليس بعده جهل وما بلغ ذلك أحد. قالوا ولا أنت يا رسول الله قال ولا أنا قالوا ما كنا نرى الرسل عليهم السلام تقصر عن ذلك].

فهو من طريق تحقيق الإحاطة بعلمه المطلق. فانه خالق الموجودات ومحدث المحدثات ومدبر أمورهم وعالم قدرهم ومقدارهم ومفنيهم وموجدهم ومبديهم ومعيدهم.

قال الله تعالى: (( الله خالق كل شيء وهو على كل شيء وكيل )).

وقال تعالى : (( ذلكم الله ربكم خالق كل شيء لا إله إلا هو فأنى تؤفكون )).

وقال تعالى : (( هل من خالق غير الله )) الآية.

وقال تعالى : (( أحاط بكل شيء علما وأحصى كل شيء عددا )).

وقال تعالى : (( والله على كل شيء قدير )).

وقال تعالى : (( يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون )).

وقال تعالى : (( تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة )).

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [ لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك ].

وقال الله تعالى: (( لو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما أدري ما يفعل بي ولا بكم )) الآية.

وكان عليه السلام أفضل الخلق. وإمام العالم. وقطب الوجود. وروح الموجودات. ولكن أعطى الربوبية حقها. وذلك لكمال معرفته. ونهاية علمه. وشرف قدره. صلى الله عليه وسلم ترضيه وتزيده شرفا وعزا وتخصيصا وقربا. ومقامات دانية تدنيه.

فثبت بطريق العقل والنقل أن ما عرف الله تعالى على الحقيقة أحد من خلقه. ولا عرفه معرفة تجب له سواه جل وعلا.

قال الشاعر:

نطقت بلا نطق هو النطـق انـه = لك النطق لفظا أو يبين على النطق

تراءيت كي تخفى وقد كنت خافيا = وألممت لي برقا فأنطقت بالبـرق

فمن لي بالنطـق الحقيقـي أننـي = فقير من الأشياء بالحـق للحـق

جهلت فلم أعلم أشـرت فلـم أفـد = وصرت له عبدا فمن لي بالعتـق

فنيت به عني وكنـت بـه خفـي = فان شاء أفناني وان شاء لي يبقي

وما أحد يدري سـوى الله نفسـه = وكل له بالجهل ينطـق بالصـدق


واعلم أن الناس في ذكر توحيدهم على ثلاثة أقسام:

عموما لأهل البداية الذكر باللسان نطقا ومقالا وإقرارا بالشهادة وهو الإسلام.

وخصوصا لأهل التوسط الذكر بالقلب تصديقا واعتقادا وصدقا وإخلاصا. وهو الإيمان.

وخصوص الخصوص لأهل النهاية. الذكر بالعقل عيانا يقينا مشاهدة بضرورة الطبع. وهو الإحسان.

والتفاوت في مراتب معرفة الخلق وتوحيدهم موجود على قدر رتبة الخصوص والعموم في معرفة توحيد الجملة والتفصيل من معرفة الأسماء والصفات خاصة لا معرفة الذات. لأن أصل المعرفة معرفة حق ومعرفة حقيقة. فمعرفة الحقيقة هي معرفة الذات ولا سبيل إليها لامتناع الضدية. فان العجز عن درك الإدراك إدراك. والبحث عن ذات الذات اشتراك. قال تعالى: [ ولا يحيطون به علما ] وقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه: فسبحان من لم يجعل سبيلا إلى معرفته إلا بالعجز عن معرفته.

وأما معرفة حق فهي معرفة الأسماء والصفات وهي مفتوح للخلق بابها وفيها وقع التفاوت بين أهل المعرفة. فمنهم من نظر إلى أفعاله من حيث أنها أفعاله وصنعته وذلك حد معرفة عقله وأدراك عقله لا يتعداه.

ومنهم من نظر إلى قدرة القادر. ولاحظ صفاته. ورأى حكمته. ولم تحجبه الأفعال عن الصفة. وذلك حد معرفته وإدراك عقله لا يتعداه.

ومن من نظر إلى الصانع لا إلى الصنعة. ولم تحجبه الصفات عن عظمة الذات. وذلك غاية الإدراك ونهاية العقول. ولا تتعداه واليه انتهت المعرفة في استدلال العموم بالصنعة على صانعها بداية.

قال تعالى : (( قل انظروا ماذا في السماوات والأرض )) الآية.

وقال تعالى : (( أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت )) الآية.

وقال تعالى : (( إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر )) الآية.

وقال تعالى : (( وفي الأرض آيات للموقنين وفي أنفسكم أفلا تبصرون )) الآية.

واستدلال الخصوص بالصانع على صنعته نهاية.

قال الله تعالى: (( أو لم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد ))الآية.

وقال تعالى : (( وكفى بالله شهيدا )) الآية.

وقال تعالى : (( أفي الله شك فاطر السماوات والأرض )) الآية.

والناس في المشاهدة على ثلاثة أقسام:

بداية للعامة.

ووسط للخاصة.

ونهاية لخاصة الخاصة.

فالعموم شاهدوا جمال حسن صورة حسن المعنى في الجسم الكثيف المركب الأدنى.

والخصوص شاهدوا جمال حسن صورة حسن أس المعنى اللطيف المفيد في هياكل الفنا.

وخصوص الخصوص شاهدوا جمال إجلال حسن الجمال الأسنى المنزه المطلق في الوجود الصادر عن سر الأسماء الحسنى.

مشاهد إنما يشهد بقدر ما رفع له من الحجاب. وأشهده إياه من قسمة كانت له في أم الكتاب. فمن مشاهد يشهد مخلوقا مفيدا خلقا بخلق. ومشاهد يشهد تحقيقا مطلقا حقا بحق. فشتان ما بين ناظر معتبر وناظر.

وفي ذلك قال القائل:

ويبدو بأوصاف الجمال فلا يرى = برؤيته شيئـا قبيحـا ولا ردى

فلما تجلى لي على كـل شاهـد = وأشهدني بالحق في كل مشهـد

تجنبت تقييـد الجمـال ترفعـا = وطالعت أسرار الجمال المبـدد

ففي كل مشهـود لقلبـي شاهـد = وفي كل مسموع له لحن معبـد

وصار سماعي مطلقا منه بـدؤه = وحاشى لمثلى من سمـاع مقيـد

أراها بأوصاف الجمال جميعها = كمحنة مهجور ومحنـة مسنـد


فتنبه رحمك الله لهذه اللطائف الحسنة. والمعارف الفاضل الجليلة البديعة المستحسنة. وتفهم عند تذكرها في معاني أسرارها تر عجبا. وتستفد أدبا. وادع لكاتبها ومؤلفها أن ينفعهما الله بعوارفها ومعارفها. ونسأله أن ينور بصائرنا بنور توحيده ومعرفته. وأن يمد عقولنا بمواد توفيقه وهدايته. وأن يحرس عقائدنا بالتمسك بكتابه وسنته. فانه المرشد للطريق. والهادي إلى طلب التحقيق. والموفق المعين. الساقي بكأس من معين. من عيون المعارف. وأنواع اللطائف. من شاء من العباد. ومن سماه بالمراد. بمنه وفضله وطوله. وهو حسبي ووليي في شرح صدري وتنوير قلبي. والأمر لله. ولا قوة إلا بالله.

كملت رسالة القصد المجرد. في معرفة الاسم المفرد. أعني الله جل ذكره. وعز قدره. بشرح معاني أسراره. واختصاص فوائد أذكاره. وكيفية التعرض لإشراق أنواره. والحمد لله. والشكر له. على جميع نعمه أولا وآخرا. والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله ظاهرا وباطنا. والرضى عن خلفائه وأصحابه وأزواجه وذريته والتابعين وتابع التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين. من جميع أمته. وأهل ملته.

سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ .






رد مع اقتباس
 
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 12 13 14 16 17 18 19 20 21 22 23 24 26 27 28 29 30 31 34 35 36 37 38 39 41 42 43 44 46 53 54 57 58 59 62 63 64 66 67 70 71 72 73 74 75 77 78 79 80 81 82 83 84 85 86 87 88 89 90 91 92 93 94 95 96 97