بسم الله الرحمن الرحيم
من مؤلفات سيدي محي الدين بن عربي رضي الله عنه
الحمد لله فاتح الغيوب وشارح الصدور وعاطف الأعجاز بفنون الإعجاز على الصدور وواهب العقول أنواع المعارف عند الورود ومحليه بها عند الصدور مخصص أهل المعروف بخصائص الأسماء وخواص الحروف جاعل الحروف أمة من الأمم مودعها ما تعطيه ذواتها من الحكم عند تركيبها او انفرادها مع الهمم كـ(ق)و(ش)و(ع) فهذه حروف مفردة وهي من جملة حروف ما يفيد الكلم وضعها على ضروب شتى من الوضع بحكم ما تعطيه حقيقة الطبع فلها مراتب في المعارف الروحانية ومراتب في المخارج الظلمانية ومراتب في المدارج الرقمية وذلك بتقدير العزيز العليم ومن اسناها وجودا وأعظمها شهودا الميم والواو والنون المعطوفة أعجازها على صدورها بوسائط حروف العلل المؤيدة بسلطان (((كن))) ليكون ما لا بد أن يكون وهي الألف في قولك واو اللازمة حضرة الجود المنزل بالقدر المعلوم وان كان غير مخزون والوا المضموم ما قبلها في قولك نون وهي دليل العلل الروحانية لقوم ينظرون والياء المكسورة ما قبلها في قولك ميم وهي دليل العلل الجسمانية لقوم يتفكرون وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
اما بعد: فهذا منزل شريف يعطيك من المعارف الإلهية الوجودية ما يناسب في الشاهد الميم والواو والنون الذي آخرها أولها فلا اول ولا آخرفاعلموا وفقكم الله أن الحروف سر من أسرار الله تعالى والعلم بها من اشرف العلوم المخزونة عند الله وهو من العلم المكنون المخصوص به أهل القلوب الطاهرة من الأنبياء والأولياء وهو الذي يقول فيه الحكيم الترمذي علم الأولياء ولنا فيه موضوعات عجيبة منها كتاب في الفتح الفاسي بسيط سميناه(المبادي والغايات فيما تتضمنه حروف المعجم من العجائب والآيات)ومنها كتاب بسيط أيضا تكلمنا فيه عن الحروف المجهولة التي في أوائل سور القرآن وهي بضع وسبعون حرف بالتكرار واربعة عشر حرف بغير تكرار في تسعة وعشرين سورة لما فسرنا القرآن على هذه الطريقة ومنها كتب وجيزة مثل هذا وغيره ولتعلموا ان العلم بالحروف مقدم على العلم بالأسماء تقدم المفرد على المركب فلا يعرف ما ينتجه المركب الا بعد معرفة المفردات التي تركبت عنها ولاصحابنا في هذه المسئلة خلاف في الظاهر وليس بخلاف إلا ان الواحد شاهد مشاهد لم يشهدها الاخر وشاركه في مشاهده فهذا اعم وهذا اخص فلو وقف المخالف القائل بالنفي عندما شاهده ولم يتعد انصف وإنما جعله في ذلك ربط الحضرة الإلهية في الايجاد بعالم التركيب من الحروف وهي كلمة ((كن)) فجاء بالحرفين ولم يأت بحرف واحد وهذا هو والله اعلم الذي أوقعهم في ذلك.
ولتعلموا أن الواحد المفرد له في ذاته خاصية وأن المفردات إذا تركبت أعطى التركيب خاصية لا توجد في كل مفرد بعينه وهي أيضا خاصية المفرد وما شعر بها أصحابنا فإنها خاصية التركيب وهو معنى مفرد
وكذلك جميع النتائج لا تكون إلا عن الفردية ألا ترى المقدمتين عند المنطقي مركبة من ثلاثة بتكرر الواحد في المقدمتين فتظهر أربعة وهي ثلاثة فلو لا هذا الواحد الذي أعطى الفردية في التركيب لهذين الاثنين ما صح نتاج وكذلك الذكر والأنثى لا ينتجان أصلا ما لم تقم بينهما صورة حركة جماع وهي الفردية.
ولهذا يقول اصحاب العدد أول الأفراد ثلاثة فبالأحدية ظهرت الأشياء لأنها ظهرت عن الله الواحد من جميع الوجوه وعند ظهور الموجد صدر ثلاث اعتبارات وهي أصل النتاجات كلها وهو موجود الذات وكونها قادرة وكونها متوجه فبهذه الثلاثة الوجوه ظهرت الأعيان فتأمل هذه الإشارات تنفعك إن شاء الله ولنرجع إلى ما كنا بسبيله
فنقول للحروف ثلاث مراتب من وجه ما وهي الحروف الفكرية والحروف اللفظية والحروف الرقمية
والحروف الرقمية في الوضع على رتبتين وضع المفرد وهو حروف-أبجد- والوضع المزدوج وهو-أ ب ت ث- والوضع المفرد سقط منه الحرف المركب وهو -لام ألف- فبقي ثمانية وعشرون حرفا على عدد المنازل وعندنا الألف ليست من الحروف وعند جابر بن حيان ان الألف نصف حرف والهمزة النصف الآخر فالألف والهمزة حرف واحد وقد بينا هذا كثيرا في غير هذا الموضع وهذه الحروف لها وجوه كثيرة تكاد لا تحصى ولكل وجه خصوص أمر لا يكون إلا له لما هو ذلك الوجه.
ثم إن الحروف وإن كانت مفردة في الخط بالاصطلاح العربي وما وقفنا عليه من الأقلام فهي مركبة بعضها من بعض كالياء في بعض صفاتها مركبة من ذالين معجمتين فلهذا من هذا الوضع زائد على خاصيتها من كونها ياء خاصية الذال المعجمة ولذلك كانت بنقطتين لكل ذال نقطة وكذلك اللام مركبة من الف ونون والنون مركبة من زاي وراء ففي اللام قوة الألف والنون زيادة على خاصيته وفي النون قوة الزاي والراء كذلك وهكذا أيضا في المخارج فان الهواء انبعاثه من القلب إلى خارج الفم فيتقطع في المخارج فتبدو الحروف متميزة الذوات في حاسة السمع فالأول حرف الصدر والآخر حرف الشفة فحرف الصدر لا يعطي الا خاصية ذاته وهو الأصل وما عداه الى حروف الشفة التي آخرها في مقابلته ففي الواو خواص الحروف اللفظية كلها وقواها إذا كان العمل بالنطق لا بالرقم لأنه لا يظهر عينه عند انقطاع الهواء في مخرجه حتى يمشي ذلك الهواء على جميع المخارج كلها فحصل فيه قوة كل حرف ثم تأخذ ما سكتنا عنه من الحروف على هذا النحو وكل حرف من الحروف الرقمية يصح أن يكون أولا وآخرا ووسطا وتتنوع خواصه بتنوع هذه المراتب وهذه طريقة الإمام جعفر بن محمد الصادق رضي الله عنه وغيره كان يقول بصور الحيوانات والأشكال كالبعلبكي ويضع الحروف عليها.
ثم نقول أيضا إن للحروف خواص فبعضها أكبر خاصية من بعض فلسيت تشبه الحروف الرقمية العربية التي لها الاتصال البعدي من دون القبلي مثل الدال والذال والراء والزاي والواو والألف وغيرها ممن لها الاتصالات ولا يشبه الحرف المشابه للفلك كرأس الميم والواو وشبهه والحرف المشبه لما ظهر من الفلك كالنون في الخاصية فلكل صنف من الحروف مرتبة وفضائل وأمور تختص بها
والحرف يشبه الحرف من وجوه كثيرة فتارة يشبهه من جهة الصورة كالبا والتا والثا إذا عروا عن دلائلهم وهو النقط وتارة يشبهه من أعداد بسائطه كالعين والغين والسين والشين وكالألف والزاي واللام وكالنون والصاد والضاد وما بقي من حروف يشبه بعضها بعضا في هذه الحقيقة مثل هؤلاء فإذا أخذوا من هذا الوجه ينوب كل واحد عن صاحبه في العمل وإنما بهنا عليه لأنه قد يكون الحرف يعطي في العمل معنا وتفسيرا فتنظر إلى ما يشبهه في عدد بسائطه ممن يعطي ضده فتجعله بدله فينجح العمل كالهاء مثلا والواو فإن بسائطها واحدة بالعدد وأفلاكها كذلك فيكون في الشكل حرف الواو وهو بارد والبرد يعطي البطء في الأشياء وأنت تحب السرعة فيها فتأخذ الهاء بدله الذي هو حرف حار
ومن مراتب أسرار الحروف أيضا أن يكون آخر الحرف كأوله في بعض الألسنة كالميم والواو والنون في اللسان العربي وهو من مراتب التلفظ باسماء الحروف لا من مراتب الرقوم فكلامنا على أسراره كطريقة ابن مسرة الجبلي وغيره لا على خواصه فإن الكلام على كلام خواص الأشياء يؤدي الى تهمة صاحبه وإلى تكذيبه في أكثر الأوقات.
أما تهمته في دينه أن يكون من أهل الكشف والوجود فيلحق بأهل السحر والزندقة وربما كُفّر وهو يتكلم على الأسرار التي أودعها الحق في موجوداته وجعلنا أمناء عليها والناس ينسبونه إلى أن يقول بنسبة الأفعال إليها فيكفرونه بذلك فيأثمون عند الله حيث لم يوفوا من النظر في حقنا ما يجب عليهم ولا فحصوا عن فهذا وجهه تكفيرهم.
وأما وجه تكذيبهم فإن المجربين لهذه الأشياء ينبغي أن يكونوا عارفين بصور التركيب وأوقاته وأقلامه وغير ذلك فمتى نقصهم من ذلك دقيقة بطل عملهم العمل المقصود للعامل فلا يقول انه أخطأ في التركيب أو لم يحسن وإنما يزكي نفسه إن فلانا كذب فاني جربت ما قال وما وجدت له اثرا فالسكوت عن العلوم العملية الروحانية بأهل طريقنا أولى من كل وجه بل هو حرام عليهم بسطها بحيث يدركها الخاص والعام فيستعين بها المفسد على فساده وغايته أن وضعنا نحن منها في كتبنا ِإيماء لأصحابنا حيث وثقنا انه لا يعرف ما أشرنا اليه في ذلك سواهم فلا يصل إليها من ليس منهم فلا أبالي من تكذيبه إياي إذا سلم لي ديني.
واما الواو فهو حرف شريف له وجوه كثيرة ومآخذ عزيزة وهو أول عدد تام فإن له من العدد الستة فأجزاؤه مثله وهي النصف وهو ثلاثة والثلث وهو اثنان والسدس وهو واحد فإذا جمعت السدس الى الثلث الى النصف كان مثل الكل فيعطي واو عند أصحاب الحروف ما تعطيه الستة من العدد عند العددين كالفيثاغوريين ومن جرى على مذهبهم وهو مولد يعني حرف الواو عن حرفين شريفين وهو الباء والجيم والباء لها رتبة العقل الأول لانه الموجود الثاني أي في الرتبة الثانية من الوجود وكذلك الباء في وجود الحروف الرقمية والمفردة
والجيم أول المقامات الفردانية فإذا ضربت (ب)في(ج) كان الخارج(و) فلها أيضا من قوة أبويها مزاجها بذلك القدر فكما يفعل الواو بالستة كذلك لها قوة الاثنين والثلاثة ولها حفظ نفسها خاصة ولذلك وجد في الهوية والهوية حفظ الغيب فلا يظهر أبدا فهو اقوى من هذا الوجه من جميع الحروف إلا الهاء فإن الهاء تحفظ نفسها وغيرها والواو يحفظ نفسه خاصة والهاء والواو عين الهو التي تقال لها الهوية والغير الذي تحفظه هذه الهاء هو كاف والكاف هو ظل (كن) لأن (كن) ذات ظلها الكون لأن نور الذات الالهية لما ضربت في ذات (كن) امتد له ظل وهو عين الكون فبين الكون والحق تعالى حجاب (كن) وارتبطت الكاف بالنون لأن النون لها الخمسون التي عشرها الهاء كالخمس الصلوات الحافظة درجات الخمسين صلاة كما جاء في الصحيح (خمس وهي خمسون لا يبدل القول لدي) فالخمسة عين الخمسين من هذا الوجه.
والكاف إنما تحفظه الهاء وقد زالت عنه في ((كن)) فاعتمد على النون حيث كانت الهاء فانحفظ وجوده بها وعن هذه المحافظة في ((كن)) انحفظ الكون من العدم فإن ((كن)) لا تخرج الأمر من الوجود إلى العدم فإنه حرف وجودي نقيض ذاته يوجد ولا يعدم أصلا لذاته وإنما الأشياء إذا انعدمت فبوجوه غير هذه نعرفها وقد ذكرناها في أماكنها.
وهي الدليل أيضا لنا على وجود الصورة فينا من قوله صلى الله عليه وسلم (ان الله خلق آدم على صورته) وبينهما حجاب الأحدية الذي هو الألف فظهر عين الكون على صورة المكون وحال بينهما حجاب العزة الاحمى والاحدية العظمى فتميزت الذوات فإذا نظرت الكون من حيث الصورة قلت عدما فإن الصورة هي الهو واذا نظرته من حيث ذاته قلت وجودا ولا تعرف ذلك ما لم تعرف الفاصل بين الواوين وهو الألف فيعرفك أن هذا ليس هذا.
وصورة نطق الواو هكذا ـ واوـ فالواو الاولى واو الهوية والهاء مدرجة فيها اندراج الخمسة في الستة فأغنت عنها والواو الاخرى واو الكون فظهرت الواو في الكون والمكون ان شئت واو الهوية ثم هي الواسطة التي بين الهوية والكون وهي غابت من أجل الأمر فإنها لو ظهرت عند الأمر لما ظهر الكون إذ لا طاقة له على مشاهدة الهو وكانت تزول حقيقة الهو فإن الهو يناقض الشهادة فهو الغيب المطلق.
ولما كانت هذه الواو لا تقبل الحركات أبدا ما دامت حرف علة لم تزل ساكنة وسكنت النون بحكم صيغة الأمر فغابت الواو لاجتماع الساكنين إذ لا يصح اجتماعهما وبقيت غيبا لأجل ظهور النون في مقام السكون ولا واسطة بينهما تغيب النون عنها فغابت.
والميم في المكون زائدة ليست اصلية والعارض لا ثبات له وغيب الواو من ((كن))عارض من اجل السكون فإذا زال السكون بالكثرة رجعت الواو فقال ((كونوا)) فظهرت الصورة واحدة في الثلاثة بزوال العارض فكان عين المكون عين ((كن)) عين الكون((كوّن كوُن كَوْن)) أو مكون إن شئت والميم زائدة كما كانت في المكون فتحقق هذه الاشارة إلى دقائق المعرفة بالله تعالى من حيث الأسرار الالهية المدلول عليها بكل وجه فانظر ما اعجب هذا السريان ولها وجوه جمّة من هذا الباب.
واما النون فإن الواو الذي له حجاب بينهما اعني فانه ما ظهر منه في الرقم سوى نصف الدئرة مثل ما ظهر في الفلك ومثل ما ظهر في النشأة فإن نشأة العالم كروي نصف الكرة منه حس ونصفها غيب وكذلك الفلك نصف الكرة منه ظاهر أبدا ونصفه غائب أبدا عن الحس وغلبنا ما عدم إدراكه لكونه في الأرض والأرض هي الحجاب عليه فلم ندركه وكذلك لبثنا في عالم الطبع وظلمته حجبنا عن إدراك عالم الأرواح الذي هو النصف الآخر من كرة النشأة فلا تشاهد إلا آثاره.
فالنون الظاهرة في ((كن)) عنها ظهرت المحسوسات والنصف الآخر المغيب المقدر عليه هكذا ((هنا يعني النون المقلوبة في الرسم)) عنه ظهرت الروحانيات فالواحد الجسماني ظهر عن الفهوانية والروحاني ظهر عن معنى الفهوانية والواو روحانية الذات فتأخذ المواهب من النصف العلوي وتلقيه الى النصف الثاني الجسماني ولروحانيتها اتصلت بالنون الروحانية دون الجسمانية فأخذها منها اتصال وتعشق والقاؤها على النون الجسمانية القاء تبليغ ولهذا هي قليلة اللبث عندها وصورة الإتصال هكذا ( نون ) وهذا هو المقام الجبرائيلي وتعطي المواهب مجملة من غير تفصيل فيفصلها الواو وهو قلم عالم التسطير عند الالقاء وهذه النون الأخرى له كاللوح فالامور مفصلة عندها بالقوة من حيث العلم ومن حيث ما هي نون فهي لمن شاهدها صورة إجمال لا يعرف الناظر فيها ما وراءها وما تحمله حتى ينبعث الترجمان الذي هو اللسان وهو قلم من الأقلام فيسطر في لوح سمع المخاطب ما أجمله نونه فيعرف السامع بعض ما عنده وهو قدر ما سطر فإن ارتقوا إلى القاء الهمم فالهمم هناك تكون الأقلام والواوات الروحانية فتلقي الاسماع من حيث وجه الروحانية منها فتعقل التفصيل في المجمل ولا واسطة ظاهرة قال الله تعالى(نزل به الروح الأمين على قلبك)) ولها الخمسون من حيث ما هي محسوسة والخمسون من حيث ما هي معقولة والواو لها الستة من حيث ثم جهات وهي ذات النون الجسمية ذات المقدار والشكل والنون مائة لمائة اسم الهي لمائة درجة جنانية ان كان سعيدا لمائة حجاب الهي لمائة درك ناري عقابي ان كان شقيا ويكفي هذا القدر في النون فان البسط فيها يؤدي إلى ابراز ما لا يسعني ابرازه فإن النون سر عظيم هو باب الجود والرحمة.
وأما الميم فهو لآدم ومحمد عليهما الصلاة والسلام والياء بينهما سبب الوصلة لهما فإنه حرف علة فعمل محمد عليه الصلاة والسلام في آدم بالياء عملا روحانيا من هذا العمل كانت روحانيته وروحانية كل مدبر في الكون من النفس الكلية إلى آخر موجود وهو الروح الإنساني قال صلى الله عليه وسلم(كنت نبيا وآدم بين الماء والطين) وعمل آدم في محمد عليهما السلام بواسطة الياء عملا جسمانيا من هذا العمل كانت جسمانية كل إنسان في العالم وجسمانية سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فآدم ابو محمد وأبونا وأبو عيسى في الجسمية ومحمد ابو آدم وأبونا وجد عيسى في الروحانية.
وعيسى عليه الصلاة والسلام ابن لروح القدس من مقام الجسدية وعالم التمثيل وروح القدس ابن لمحمد عليه الصلاة والسلام من حيث هو روح فهو جد لعيسى على هذا النظام العجيب وان كان توجهه على جسدية عيسى لما استوى في الرحم الأقدس مثل استواء كل نطفة فأعطاه بذلك التوجه الروحانية فهو أبوه مثلنا.
ولما كان الالتحام عن الصورة القدسية بالمحل الأشرف لهذا سميناه جدا حتى ننبه على نشأته الجسدية انه لم يكن لآدم من جميع الجهات مثلنا وأن لآدم من حيث مريم فيها حظ وللروحانية من حيث جسديتها المتمثلة فيها حظ ولما كان مشتركا وكانت الروحانية غالبة عليه كان يحيي الموتى ويبرئ الاكمه لأن العنصر الروحاني كان اكثر من الجسماني وكان معصوما بالطبع لا يحتاج الى دافع من خارج كما احتاج له غيره.
ثم دل الموجود في الميم في ((بسم الله الرحمن الرحيم))على ما ذكرناه فإن ميم ((بسم)) لآدم لأنه صاحب الأسماء فبهذا المد الموجود فيه كان استمداد عالم الأجسام ((خلقكم من نفس واحدة)) فإن حواء خلقت من آدم.
وميم الرحيم لمحمد عليه الصلاة والسلام لأنه صاحب الرحمة(بالمؤمنين رؤوف رحيم)) رحمة الإيمان ((وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين)) رحمة الإيجاد فبهذا المد الموجود فيه كان استمداد عالم الأرواح فظهر مقامه في عالم الأجسام آخرا ومقام آدم أولا فقيل ((بسم الله الرحمن الرحيم)) فهو الآخر بالجسمـ(انـ)ـية الأول بالروحانية وآدم الأول بالجسمانية الآخر بالروحانية فأول من تشقق الأرض عن محمد عليه الصلاة والسلام فتبدو روحانيته من أرض جسمه فيخلع عليه ويقرب.
ولهذا الميم أسرار من حيث المقام كثيرة تركناها مثل النون وهذه الياء متصلة بالميمين لانها علة سفلية ((إنما انا بشر مثلكم)) فاتصل الأمر بيننا وبينه من هذا الوجه فلهذا اتصلت الياء بالميمين بخلاف الروح ولهذا قال تعالى ((بعث في الأميين رسول منهم))((لقد جاءكم رسول من أنفسكم))((النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم)) وهذا كله يعطي الاتصال فلهذا اتصلت الياء هكذا(ميم) واتصلت الواو بالنون الأول دون الثانية هكذا (نون) ولم يتصل الألف بالواوين لما ذكرناه هكذا(واو) فتحقق هذه الحكمة وانتهى الغرض ولكل مقصوده.
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد النور الذاتي والسر الساري في سائر الأسماء والصفات وعلى آله وصحبه وسلم