بسم الله الرحمن الرحيم
ـــــــــــــــــــــــــ
القسم الثاني: في معرفة فضله وشرف قدره وشرح معاني أسراره واختصاص فوائده وذكره بحول الله تعالى
قال الله تعالى:
(( يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا وسبحوه بكرة وأصيلا )).
وقال عز وجل : (( الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم )).
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [سبق المفردون قالوا يا رسول وما المفردون قال الذاكرين الله كثيرا والذاكرات].
وقال عليه الصلاة السلام عن الله تعالى: [من شغله ذكري عن مسألتي أعطيه أفضل ما أعطي السائلين].
وقال عليه الصلاة السلام: [أشد الأعمال ثلاثة: إنصاف الرجل من نفسه ومواساة الأخ في المال وذكر الله عز وجل]. وقال عليه الصلاة السلام: [ما عمل آدمي عملا أنجى له من عذاب الله من ذكر الله].
وقال الحسن: قلت أي الأعمال أفضل يا رسول الله؟ قال: [أن تموت ولسانك رطب بذكر الله].
فانظر وفقك الله كيف جعل ذكر هذا الاسم اسم الله أفضل العبادات. لأن الله تعالى جعل لسائر العبادات مقدارا ووقتا وزمانا. ولم يجعل لذكر هذا الاسم مقدارا ولا وقتا ولا زمانا. وحض على الإكثار من ذكره. فقال [اذكروا الله ذكرا كثيرا] وقال [والذاكرين الله كثيرا والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما] وقال تعالى [واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون] وقال تعالى : (( فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا )).
وقال رسول صلى الله عليه وسلم [الذاكرون الله كثيرا والذاكرات هم السابقون والفائزون].
وروى أن في التوراة مكتوبا [استوى الجبار بعزته فوق معاقد العز من عزه فاضطرب الماء لهيبته ونادى الجليل جل جلاله أنا الله لا إله إلا أنا من ذكرني ذكرته ومن سألني أعطيته].
ومنها أيضا [قال يا موسى أنا الله القديم الأزلي خالق مكة مفقر الزناة تارك تاركي الصلاة عراة مغلي الأسعار والأهواء مملوءة ومرخصها والأهواء فارغة ذلكم الله ربكم فاعبدوه].
واعلم أن هذا الاسم قد تقدم الكلام عليه أولا في قسمه بنور ما سمع من علمه. وما فتح الله به من إلهامه وفهمه. وإنما الحكمة في تذكار ذكره. والحث على كثرة الذكر به دون غيره وذلك لمحبة الله له. وتعظيمه عنده. وعلو مقداره. وتخصيص فضله وإظهار شرفه. على سائر أذكاره. ليقع التفكر في معاني أسراره. التي تشرق على القلوب والأبدان شموس أنواره. وترسخ معرفة ذاكره. ويشتد له حبه. وتكمل خصوصيته ويزداد به قربه. فان من علامة محبة المحبوب كثرة ذكره. ومن علامة المزيد كثرة شكره. ومن علامة التوفيق اجتناب نهيه وامتثال أمره. ومن علامة الرضى الاستعمال في الأوقات الفاضلة بصالحات بره. وغلبة خيره على شره. وفي ذلك قال الشاعر:
كرر على الذكـر مـن أسمائـه = واجلوا القلوب بنـوره وسنائـه
ودر الكؤوس على النفوس فإنها = تصبو إلى المشروب من صهبائه
اسم به الكون استفـاد ضيـاءه = في أرضه وفضائـه وسمائـه
حارت عقول القوم عند صفاتـه = نارت قلوب الخلق عند ضيائـه
وإذا تجلـى للقلـوب جـلالـه = شعرت بسـر سنائـه وبهائـه
قـرت قلـوب المتقيـن بقربـه = وعلت علـى عليائـه وعلائـه
عز اسمـه للعارفيـن مكـررا = معروفة المعروف مـن آلائـه
ومن تخصيص هذا الاسم المفرد بالذكر أنه ما من لفظة بالذكر من قل هو الله أحد وفيها تخصيص وإشارة ومعنى وفوائد عجيبة. وأسرار وحكم وعلوم ومعارف جليلة غريبة فهاهنا [قل] إشارة إلى الأمر [هو] إشارة إلى الإثبات لوجوده [الله] إشارة لاسم ذات الألوهية [أحد] إشارة لإفراد الأحدية [الله] إشارة لذكر الاسم المفرد [الصمد] إشارة لتنزيه الذات عن النفس البشرية [لم يلد] إشارة إلى كمال التنزيه عمن سواه [ولم يولد] إشارة إلى إثبات الأزلية والقدم. ونفى السبقية والحدوث والعدم. وهي إشارة إلى عدم الضد. والشبيه. والنظير. والكفو. والند.
وسمى هذا الاسم بالاسم المفرد لتكرار ذكره وإفراده بين الاسم الآخر واسم الصمد. فاختص الحق سبحانه هذا الاسم الثاني وأفرده. وكرر ذكره ليذكر. كما خص الاسم باسم ذات الألوهية بمعناها ظهر. وذكر في الوجود واشتهر. فقال تعالى (( قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون )) وقال تعالى (( وهو الله في السماوات وفي الأرض )) أي معبود. ومذكور. ومحمود ومشكور. وجميع الخلق تحت أمره ونهيه مقهور. يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور. ولا يخفي عليه شيء فيها من جميع الأمور. وكذا الله أكبر. فيه خمسة أوجه. أحدها أن ذكر الله تعالى لنفسه. وتوحيده وتعظيمه وتمجيده. أكبر وأعظم من ذكر خلقه الضعفاء الفقراء وتوحيدهم له. لأنه هو الغني الحميد. الثاني أن ذكر هذا الاسم أعظم من ذكر غيره من أسمائه. الثالث أن ذكر الله تعالى لعبده في الأزل قبل كونه أعظم وأكبر إذا ذكره العبد في الحال. وأسبق وأقدم وأتم وأسنى وأرفع وأشرف وأكرم. قال الله تعالى (( ولذكر الله أكبر )) الرابع إذا ذكر الله تعالى في الصلاة أفضل وأكبر من ذكره في غير الصلاة ومشاهدة المذكور في الصلاة أعظم وأكمل وأكبر من الصلاة. الخامس أن ذكر الله لكم بهذه النعم العظيمة. والمنن الجسيمة. وندبه إليكم بدعوته إياكم لطاعته أكبر من ذكركم له بالذكر عليها إذ لا تطيقون شكر نعمته. ولهذا قال نبينا صلى الله عليه وسلم [لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك] معناه لا أطيق وكان أعلمهم وأشرفهم وأرفعهم قدرا وأفضلهم. فأظهر عجزه مع كمال علمه ومعرفته صلى الله عليه وسلم.
ثم إن ما بعد توحيده شيء أعظم من الصلاة, ولهذا كانت ثاني قاعدة من قواعد الإسلام بقوله عليه السلام [بني الإسلام على خمس أن يوحد الله وإقام الصلاة] الحديث. وجعلت تكبيرة افتتاحها الله أكبر. ولم تجعل لغيره من الأسماء كلها. ولا يجوز غير ذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم [تحريمها التكبير] وكذلك ذكر هذا الاسم في الأذان. وفي كل تكبيرة للصلاة. فذكر هذا الاسم أفضل من جميع العبادات. وأقرب للمناجاة لا للصلاة ولا غيرها من أنواع الطاعات. وقد ورد في الحديث عن الله عز وجل أنه قال [أنا جليس من ذكرني] وقال [أنا عند ظن عبدي إذا ذكرني فان ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي وان ذكرني وحده ذكرته وحدي وان ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه] قال تعالى [فاذكروني أذكركم] ودليل تفضيله على الصلاة من نفس الآية قوله تعالى [إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر] وإنها كذلك وهي معظم الذكر ولكن ذكر الله أكبر منها ومن كل عبادة. لقوله تعالى [ولذكر الله أكبر] ولما روى أبو الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال [ألا أخبركم بخير أعمالكم وأرفعها في درجاتكم وأزكاها عند مليككم وخير لكم من إعطاء الذهب والورق وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم قالوا بلى قال ذكر الله] ولقوله عليه السلام في حديث معاذ بن جبل [ما عمل ابن آدم من عمل أنجى له من عذاب الله من ذكر الله] ومعنى ذكر الله سبحانه لعبده أن من ذكره بالتوحيد. ذكره بالجنة والمزيد. قال الله تعالى [فأثابهم الله بما قالوا جنات تجري من تحتها الأنهار] ومن ذكره باسمه المفرد أعني [الله] ودعاه بإخلاص أجابه. قال الله تعالى [وإذا سألك عبادي عني فإني قريب] الآية. ومن ذكره بالشكر ذكره بالمزيد. قال الله تعالى [ولئن شكرتم لأزيدنكم] وما من عبد ذكره بذكر إلا ذكره بما يقابله عوضا له. فان ذكره العارف بمعرفته. ذكره بكشف الحجاب لمشاهدته. وان ذكره المؤمن بإيمانه وذكره برحمته ورضوانه. وان ذكره التائب بتوبته ذكره بقبولها ومغرفته. وان ذكره العاصي باعتراف زلته. ذكره بستره وأناته. وان ذكره الفاجر بفجوره وغفلته. ذكره بعذابه ولعنته. وان ذكره الكافر بكفره وجرأته. ذكره بعذابه وعقوبته ولعنته. ومن هلله أجله ومن سبحه أصلحه. ومن حمده أيده. ومن استغفره غفر له. ومن رجع إليه أقبل عليه فان أحوال العبد كلها أربعة أحوال. منها أن يكون في طاعة فيذكره برؤية المنة في توفيقه لها. ومنها إن يكون في معصية فيذكره بالستر والتوبة. ومنها أن يكون في نعمة فيذكره بالشكر. ومنها أن يكون في شدة فيذكره بالصبر. وفي ذكر الله تعالى خمس خصال. رضي الله تعالى. ورقة القلب. وزيادة الخير. وحرز من الشيطان. ومنع من ركوب المعاصي. فما ذكره الذاكرون إلا بذكره لهم. وما عرفه العارفون إلا بتعريفه إياهم وما وحده الموحدون إلا بعلمه لهم. وما أطاعه المطيعون إلا بتوفيقه لهم وما أحبه المحبون إلا بتخصيص محبته لهم. وما خالفه المخالفون إلا بخذلانه لهم. فكل نعمة منه عطاء. وكل محنة منه قضاء. وما أخفته السابقة أظهرته اللاحقة.
وفي ذلك قال الشاعر:
يا فاضلا لم يزل ماذا أقـول بـه = وفضل ذكرك بالأعـلام أذكـار
بذكرك العبد خذ لي واهدني رشدي = فهديكم بطريـق الرشـد أنـوار
وأهد لي عملا ترضاه يـا أملـي = وأطلق لساني بذكر الحق إجهـار
واعلم أن كلمة التوحيد شيء بين النفي والإثبات، أولها لا إله، وذلك نفي وتبرئة وجحد وكفر وإنكار.. وآخرها إلا الله، وذلك هو إن شاء واثبات وإيمان وتوحيد ومعرفة وإسلام وشهادة وأنوار. فلا تنفي الألوهية عما لا يستحقها ولا يجب له. وإلا الله إثبات الألوهية لمن يستحقها ويجب له حقيقة. وقد جمع معنى ذلك في قوله تعالى : (( فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى )) ولا اله إلا الله هو للعامة طهارة لإفهامهم. من شبه خبالات أوهامهم. إثبات الوحدانية. ونفي الاثنينية. وهي للخاصة قوة في أديانهم. وزيادة في نور آمالهم بإثبات الذات والصفات. وتنزيهها عن تغير صفات الأحداث وطرو الآفات. وهو لخاصة الخاصة تنزيها عن ذكره ورؤية المنة والفضل بالشكر على شكرهم.
والناس في التوحيد وذكره ثلاثة أصناف.................
يتبع إن شاء الله تعالى