بسم الله الرحمن الرحيم
ــــــــــــــــ
فوصلت إلى بيت الله الحرام، وتمليت بالمشهد الإبراهيمي على صاحبه وولده أفضل الصلاة والسلام، وكشف الله لي أغطية الأكوان، علويها وسفليها، فطافت همتي في زواياها، وكشفت حجب خباياها، ورجعت عن كلها إلى الله تعالى، متحققة بالطمأنينة المعنية بسر قول الله تعالى: ((يا أيتها النفس المطمئنة * ارجعي إلى ربك راضية مرضية)).
وقد تدلت هناك إلى قلبي قصص السموات منحدرة من ساحل بحر قلب النبي صلى الله عليه وسلم، وقد شخصت إلي الأبدال والأنجاب ورجال الدوائر وأهل الحضرات وأرباب المكاشفات والمقربون من عوالم الإنس والجن، وفقهت نطق الجمادات الضمني، ولغات الطيور، ومعاني هفيف الأشجار والنباتات، ورقائق صرير الأقلام؛ وجمعت شتات الرموز، فكنت أحضر وأغيب معي وعني في اليوم والليلة ثمانين ألف مرة.
وانفسح سمعي فوعت أذني أصوات الناطقين والمتكلمين على طبقاتهم، واختلاف لغاتهم من مشارق الأرض ومغاربها، ومزقت بردة الحجاب المنسدل على بصري، فرأيت فسيح الأرض ومن عليها ذرة ذرة، وتسلطت همتي فانجدلت في الكل، تمريناً لحكم التصرف لمنزلة الغوثية الكبرى، والقطبية العظمى، وحملتني أكف عناية سادات النبيين والمرسلين، وأغاثتني في كل حركة وسكنة إعانة روح سيد المخلوقين، وأتممت مناسكي، وأنا هناك شيخ الدوائر، وسلطان المظاهر، وأمين خزائن البواطن والظواهر، وشحنة الجمع، وعالم الفرق.
وقيل لي: سر على بركات الله بقدمك وقالبك إلى الروم.
فانحدرت بعد أداء ما وجب إلى (مصر)، ومنها إلى (الشام)، ومنها إلى مرقد الإمام الصياد، وجددت العهد الذي مضى، والوقت الذي انقضى، وقمت من حضرته أرفل بحلل الرضا حتى وصلت إلى (جسر الشغور)، ومنها إلى قرية هناك بظاهر البلدة، اسمها ( كفر دُبّين ) , وأنا في حال جمع محمدي واقف على ظهر جامع خرب طويت أخباره، وانطمست بالتراب أثاره؛ فنوديت بالغوثية الكبرى من مقام التصرف، وأبصرت العلم المنتشر بالبشرى، وقد رفعه عبد السلام، أمين حراس الحضرة النبوية، من أولياء الجن.
فانعطفت إلي أنظار الصديقين، وتعلقت بي قلوب الواصلين، فسجدت لله شكرا، وحمدته ـ سبحانه ـ على نعمه وعظيم كرمه.
وسرت ولمحل النداء معنىً في القلب سيظهر إن شاء الله، وتعمر البقعة، وتقام في الجامع الجمعة، كذا وعدني ربى بالإلهام الحق، وهو لا يخلف الميعاد.
وانتهيت في سـيري من طريـق (كـلس) إلى (عينتـاب) و(مرعش)، ثم إلى (آلبستان)، ومنها مرحلة مرحلة إلى بلدة (صامسون) , ودخلت اللجَّة أثُجُّها ثجَّة ثجَّة، حتى انتهى السير المائي إلى (القسطنطينية).
فحفلت بشهودي في أحكام ما طواه الله في البلدة المذكورة من رموزات المعاني الجوالة في محاضر الظواهر الكونية، فقابلني صاحبها وأصحاب نوبتها، وبقيت فيها ثمانية جمع، واجتمعت بها على الخضر عليه السلام ست مرات، ويا لله من حِكَمٍ سماوية تنزل من لَفَّاف دور القدر، يمضيها الحكم الإلهي في تلك البلدة إمضاءً وإنفاذاً، ولربي الفعل المطلق: ((له الحكم وإليه ترجعون)).
وصاحب حكم الظاهر سلطانها الذي جمع الله عليه أمرها، وسلَّمه زمام التصرف بها، وتجلى عليه بمسحة جبروتية فأقامه بمظهر القطع والوصل فيها.
هو عبد أخذ قلبه طـارق خالص من طوارق الإيمان، أبرز فيه إعظاما صادقاً للنبي صلى الله عليه وسلم وآله وأصحابه وصالحي أمته؛ فهو مع هناته الناتجة من خميرة شـهواته، منظور بنظر الرفق والحنان والعناية والإحسـان من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ملتفت إليه لطارقة انكساره إلى الله وأدبه مع رسوله عليه الصلاة والسلام.
وقد أمرني حبيبي أعزه الله بصلواته وتسليماته أربع مرات أن آخذ بيده. وإن طريقنا الذي تحققنا به سلوكاً واصلاً إلينا من شيخ الأولياء وسلطانهم ومؤيد برهانهم، مولانا السـيد أحمد الرفاعي رضي الله عنه أن نسعف ولاة الأمور بقلوبنا، وأن ندعو لهم بجمع الشأن وصلاح الحال بألستنا وأن لا ننازع الناس أمرهم، وأن نحكم محبتهم في قلوب المسلمين ما استطعنا لجمع الكلمة، ودفع شق العصا عملاً بسنة النبي صلى الله عليه وسلم وتحققاً فيما أمر واتّباعاً له واعتقاداً بكلامه الذي من عمل به نجا وأمِن؛ ومع ذلك فإن سرَّ المحبة لله ورسوله يُصلح شأن العبد؛ المنوه بذكره الذي أبرزه الله حاكماً آمراً ناهياً حارساً لبيت الله ولحرم رسول الله خادماً لهما ألا وهو ملك المسلمين (عبد المجيد بن محمود) - أتحفهما الله بإيمان لا سلب بعده، وبنظر خاص لا يقضي بعد القرب بردّه وإيانا والمسلمين، فإنه يحب الله ورسوله، ومحبة الله ورسوله هي العصمة النافعة، والبركة الجامعة، وقد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى رجلاً سب رجل سَكِر وعلَّل النهي عن سبه بكونه يحب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وفي آخر الزمان وتناهي الأوان يتحتم ويفرض على كل مسلم كف الطرف عن معائب الأمراء التي لا يطلع المرء عليها بعينه من المعائب التي تقوم بخزي المسلمين وقطع حبال قوتهم وقصد اضرارهم علماً بكل ذلك العلم اليقين الذي لا يقوم معه تأويل حسن، وإلا فإذا صحب أغلاطهم نية صالحة أنتج لهم القدر منها غير ما أضمروه فهم عند المنصف غير ملومين.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إعملوا فكل ميسر لما خلق له).
على المرء أن يسعى لجمع شتاته = وليس عليه أن يوافقـه الدهـر
وحيث أنَّ آخر الزمان شبت فيه نار الفتن وكثرت فيه الغوائل.........
يتبع إن شاء الله تعالى